مراجعة كتاب بلال بن رباح .. للأستاذ عبد السلام سر الختم عثمان
بلال بن رباح مؤذن الإسلام الأول: قراءة جديدة في سيرة الصحابي الجليل تأليف الدكتور عادل عبد العزيز محمد حامد والذي صدر حديثا من القاهرة
اسم الكتاب: بلال بن رباح مؤذن الإسلام الأول: قراءة جديدة في سيرة الصحابي الجليل
نوع الكتاب: سيرة الصحابي الجليل بلال بن رباح
للكاتب : الدكتورعادل عبد العزيز محمد حامد
عدد الصفحات: 44 صفحة
سنة النشر: 2022 - القاهرة
يتناول الكتاب سيرة سيدنا بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بمقدمة للشيخ محمد إسماعيل المرشد الديني لجامعة شفيلد البريطانية ثم مقدمة للبحث بقلم المؤلف أجاد فيه ثم أورد الكاتب نماذج من كتابات بعض المؤلفين مثل عباس محمود العقاد وغيرهم لسيرة سيدنا بلال مما أضاف للسيرة إضاءات مهمة لموضوع الكتاب. أورد الكاتب أيضا أصل سيدنا بلال وأنه سوداني الأصل شرفه الله سبحانه وتعالى بأن يكون مؤذنا للرسول صلى الله عليه وسلم ثم عرج لبيان فضل سيدنا بلال وفضله ثم أورد المؤلف سيرة سيدنا بلال بعد وفاة الني محمد صلى الله عليه وسلم و رؤية بلال المنامية للرسول صلى الله عليه وسلم وأخيرا آذان بلال في بيت المقدس وتأثر سيدنا عمر والصحابة وبكاؤهم لسماع صوته وهو ينادي الله أكبر ..الله أكبر وعرف المؤلف بنفسه كخاتمة للكتاب.
إن سيرة سيدنا بلال بقدر ما كانت نموذجا لعبقرية الاسلام في إخراج الناس من ظلمات الكفر والجهل والظلم والخمول الفكري والبدني إلى آفاق الإسلام والإيمان والعلم والعدالة وتفجير الطاقات. أو كما قال ربعي بن عامر لر وستم الفارسي " قد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة." كانت إلهاما للبشرية م بعده مسلمين وغير مسلمين. والكاتب قد نجح في إبراز خصائص سيدنا بلال من خلال تصوير رائع لمشاهد حياة سيدنا بلال قبل وبعد الاسلام تكاد تجد فيها حرارة الصيف اللاهب ومنظر الحجارة الصماء في بطحاء مكة حين كان يعذب. قال ابن كثير: "كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك (يوافق قريش على الكفر) وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى أنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم وهو يقول: أَحَدٌ، أَحَد، ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها رضي الله عنه وأرضاه". كما أنك واجد فيها نداوة صوته وهو يرفع الآذان وكأنك تشاهد فيلما توثيقيا وهذا من براعة المؤلف في هذا المضمار.
رغم أن الكاتب قد وضع سيرة سيدنا بلال في إطار جديد نسبيا إلا أنه، في نظري، أغفل أمرين من الأهمية بمكان: أولهما مكانة الآذان في الإسلام وثانيهما مدى إرتباط سيرة سيدنا بلال بواقعنا الذي نعيش فيه واستلهام العبر . ولعل ذلك يعود لصغر حجم الكتاب.
قيمة الآذان في الإسلام:
جاء في كتاب فتح الباري أن لأذان ليس مجرد وسيلة لإبلاغ الناس بوقت الصلاة؛وإنما يشتمل على معان متعددة، قال ابن حجر رحمه الله: قال القرطبي وغيره: الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثنى بالتوحيـد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهـة الرسول، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيداً. ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة، وإظهـار شعائر الإسلام.
إن الأذان يعد تلخيصاً لدعوة الإسلام، فهو متضمن للشهادتين ، والإسلام كله قائم على أساسين عظيمين: أن يعبد الله وحده، وتلك شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن يعبد بما جاء به رسوله وتلك شهادة أن محمداً رسول الله.
وكما أن في الأذان : أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله، ففيه: حي على الصلاة ، والصلاة من أولها إلى آخرها تصديق عملي بالشهادتين، ففيها يقول المسلم في الفاتحة { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } حي على الفلاح وتلك شهادة (أن لا إله إلا الله) وفيها يقول: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } وتلك شهادة "أن محمداً رسول الله".
"فالهداية هي البيان والدلالة ثم التوفيق والإلهام وهو بعد البيان والدلالة ولا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسل فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق…"
أهمية سيرة سيدنا بلال لعصرنا الحاضر
روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا، ـ يعني بلالاً ـ). قال الهروي: "(أبو بكر سيدنا) أي خيرنا وأفضلنا، (وأعتق) أي: أبو بكر (سيدنا): يريد عمر بقوله سيدنا الثاني (بلالا)، وإنما قاله تواضعاً، فإن عمر أفضل منه إجماعا". لقد كان المتلفظ بالشهادتين في عصر النبوة يعرف أنه يجتاز عالماً بأكمله ويدخل إلى عالم جـديد يجتاز عالم الجاهلية بمبادئه وأخلاقه وعاداته ويعبر إلى الإسلام. إن العربي إبان البعثة كان يفهم مدلولات لغـتـه ولذلك تحضرت في ذهنه كل المعاني التي يستعمل لها لفظ الإلهية بل وما تقتضيه من عمل عندما يقال له:قل: لا إله إلا الله. أردت بهذا أن أشير إلي انتقال يلال رضي الله عنه من العبودية إلى رحابة الإسلام والحرية. لقد أعدت الأيام بلال رضي الله عنه في عهد الجاهلية لحياة أقل ما يقال عنها أنها حياة دونية يحدها اللون والعرق. و بمجرد أن أصبح مسلما صارليس ققط فردا حرا من أفراد المجتمع المسلم الجديد ولكنه صار سيدا كما قال سيدنا عمر عن سيدنا بلال كما صاربعض من كانوا عبيدا يقودون الجيوش التي تضم كبار الصحابة وأشراف قريش الذين كانو بالأمس أسيادا عليهم ومثال ذلك إمارة أسامة بن زيد للجيش الذي جهز لقتال الروم (وأسامة بن زيد، ابن مولى النبي زيد بن حارثة ومن السابقين للإسلام، وشارك بمشاهد الجهاد، وأردفه النبي خلفه على راحلته في فتح مكة، ولاه النبي قيادة الجيش وهو لا يزال دون العشرين من عمره، وقال إنه وأبيه من خيار الصحابة موصيا عليهما قبل رحيله، وقاد العديد من السرايا الكبرى) وكان في تلك السرية وقت تجهيزها كبار المهاجرين الأولين والأنصار، ومنهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وقيل أن عدد الصحابة المشاركين كان 700 فتكلم الناس في إمرة أسامة: وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين! فلما سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب وخرج إلى الناس وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، أيها الناس: فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في إمارتي أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله! و«أيم الله إن كان للإمارة لخليقًا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإنَّ هذا (أي أسامة) لمن أحَبِّ الناسِ إليَّ بعدَه. كما حدث التزاوج بين من كانوا قيل الاسلام عبيدا وبين من كانوا أحرار وأسيادا كما آخى النبي عليه الصلاة والسلام بين المسلمين الأحرار وبين من كانوا بالأمس عبيدا وانتهت بذلك لوثة العنصرية وأصبح المجتمع المسلم يضم أبو بكر الهربي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي ولا تفاضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وعلموا أن الناس كلهم لآدم وآدم من تراب. حدث هذا على الرغم من أن المجتمع المسلم ما زال يتلمس خطاه وسط زحام الجاهلية يومئذ.
ثم ما لبث إلآ قليلا حتى أطلت العنصرية برأسها من خلال أنظمة الحكم فظهر بنو أمية ومن ثم بني العباس واصبحت العنصرية جزءا من مجتمعاتنا الإسلامية إلى يوم الناس هذا لأن معني الدين الرفيعة قد انزوت مساحتها في نفوس المسلمين.
وفي عالم اليوم مازالت العنصرية تسود ظاهرة ومستترة حتى بلغ الأمرأن كان بعض علماء القرن التاسع عشر ، مثل لويس أغاسيز من جامعة هارفارد ، من مؤيدي "تعدد الأجناس" ، الذي افترض أن الأجناس البشرية كانت من الأنواع المتميزة. كانت هذه النظرية مدعومة بأساليب علمية زائفة مثل قياس الجمجمة ، وهي قياس جماجم الإنسان ، والتي من المفترض أنها أثبتت أن الأشخاص البيض متفوقون بيولوجيًا على السود. تم استخدام البيانات الصحية الإحصائية المبكرة كسلاح ضد الانسان الأسود في أواخر القرن التاسع عشر ، حيث تم استخدامها للادعاء بأنهم معرضون للإصابة بالمرض ومقدر لهم الانقراض.
إن كثيرا من قوانين وداستير أغلب الدول إن لم تكن جميعها تناهض العنصرية إضافة إلى أن تكرر الجمعية العامة للأمم المتحدة التأكيد على أن جميع البشر يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق ولديهم القدرة على المساهمة بشكل بناء في تنمية مجتمعاتهم ورفاهها. كما شددت الجمعية العامة في أحدث قراراتها على أن أي عقيدة للتفوق العنصري هي عقيدة خاطئة علميًا ، ومدانة أخلاقياً ، وظالمة وخطيرة اجتماعياً ، ويجب رفضها ، إلى جانب النظريات التي تحاول تحديد وجود أعراق بشرية منفصلة. وظلت الأمم المتحدة معنية بهذه القضية منذ تأسيسها ، وحظر التمييز العنصري مكرس في جميع الصكوك الدولية الأساسية لحقوق الإنسان. وهو يفرض التزامات على الدول ويكلفها بالقضاء على التمييز في المجالين العام والخاص. كما يتطلب مبدأ المساواة من الدول اتخاذ تدابير خاصة للقضاء على الظروف التي تسبب التمييز العنصري أو تساعد على إدامته.
فهل يستلهم مسلمو اليوم سيرة بلال في إحياء الفهم الصحيح والسليم لدينهم ليس في مجال مناهضة العنصرية فحسب بل في عمارة الأرض كلها كما أمرهم ربهم سبحانه وتعالى.
الكتاب يستحق القراءة والتأمل فكاتبه ذو قلم سيال وفكر ناقد فله الشكر على هذا المجهود.
Sent from Yahoo Mail on Android
skyseven51@yahoo.com
//////////////////////////
اسم الكتاب: بلال بن رباح مؤذن الإسلام الأول: قراءة جديدة في سيرة الصحابي الجليل
نوع الكتاب: سيرة الصحابي الجليل بلال بن رباح
للكاتب : الدكتورعادل عبد العزيز محمد حامد
عدد الصفحات: 44 صفحة
سنة النشر: 2022 - القاهرة
يتناول الكتاب سيرة سيدنا بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بمقدمة للشيخ محمد إسماعيل المرشد الديني لجامعة شفيلد البريطانية ثم مقدمة للبحث بقلم المؤلف أجاد فيه ثم أورد الكاتب نماذج من كتابات بعض المؤلفين مثل عباس محمود العقاد وغيرهم لسيرة سيدنا بلال مما أضاف للسيرة إضاءات مهمة لموضوع الكتاب. أورد الكاتب أيضا أصل سيدنا بلال وأنه سوداني الأصل شرفه الله سبحانه وتعالى بأن يكون مؤذنا للرسول صلى الله عليه وسلم ثم عرج لبيان فضل سيدنا بلال وفضله ثم أورد المؤلف سيرة سيدنا بلال بعد وفاة الني محمد صلى الله عليه وسلم و رؤية بلال المنامية للرسول صلى الله عليه وسلم وأخيرا آذان بلال في بيت المقدس وتأثر سيدنا عمر والصحابة وبكاؤهم لسماع صوته وهو ينادي الله أكبر ..الله أكبر وعرف المؤلف بنفسه كخاتمة للكتاب.
إن سيرة سيدنا بلال بقدر ما كانت نموذجا لعبقرية الاسلام في إخراج الناس من ظلمات الكفر والجهل والظلم والخمول الفكري والبدني إلى آفاق الإسلام والإيمان والعلم والعدالة وتفجير الطاقات. أو كما قال ربعي بن عامر لر وستم الفارسي " قد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة." كانت إلهاما للبشرية م بعده مسلمين وغير مسلمين. والكاتب قد نجح في إبراز خصائص سيدنا بلال من خلال تصوير رائع لمشاهد حياة سيدنا بلال قبل وبعد الاسلام تكاد تجد فيها حرارة الصيف اللاهب ومنظر الحجارة الصماء في بطحاء مكة حين كان يعذب. قال ابن كثير: "كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك (يوافق قريش على الكفر) وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى أنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم وهو يقول: أَحَدٌ، أَحَد، ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها رضي الله عنه وأرضاه". كما أنك واجد فيها نداوة صوته وهو يرفع الآذان وكأنك تشاهد فيلما توثيقيا وهذا من براعة المؤلف في هذا المضمار.
رغم أن الكاتب قد وضع سيرة سيدنا بلال في إطار جديد نسبيا إلا أنه، في نظري، أغفل أمرين من الأهمية بمكان: أولهما مكانة الآذان في الإسلام وثانيهما مدى إرتباط سيرة سيدنا بلال بواقعنا الذي نعيش فيه واستلهام العبر . ولعل ذلك يعود لصغر حجم الكتاب.
قيمة الآذان في الإسلام:
جاء في كتاب فتح الباري أن لأذان ليس مجرد وسيلة لإبلاغ الناس بوقت الصلاة؛وإنما يشتمل على معان متعددة، قال ابن حجر رحمه الله: قال القرطبي وغيره: الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثنى بالتوحيـد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهـة الرسول، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيداً. ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة، وإظهـار شعائر الإسلام.
إن الأذان يعد تلخيصاً لدعوة الإسلام، فهو متضمن للشهادتين ، والإسلام كله قائم على أساسين عظيمين: أن يعبد الله وحده، وتلك شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن يعبد بما جاء به رسوله وتلك شهادة أن محمداً رسول الله.
وكما أن في الأذان : أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله، ففيه: حي على الصلاة ، والصلاة من أولها إلى آخرها تصديق عملي بالشهادتين، ففيها يقول المسلم في الفاتحة { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } حي على الفلاح وتلك شهادة (أن لا إله إلا الله) وفيها يقول: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } وتلك شهادة "أن محمداً رسول الله".
"فالهداية هي البيان والدلالة ثم التوفيق والإلهام وهو بعد البيان والدلالة ولا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسل فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق…"
أهمية سيرة سيدنا بلال لعصرنا الحاضر
روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا، ـ يعني بلالاً ـ). قال الهروي: "(أبو بكر سيدنا) أي خيرنا وأفضلنا، (وأعتق) أي: أبو بكر (سيدنا): يريد عمر بقوله سيدنا الثاني (بلالا)، وإنما قاله تواضعاً، فإن عمر أفضل منه إجماعا". لقد كان المتلفظ بالشهادتين في عصر النبوة يعرف أنه يجتاز عالماً بأكمله ويدخل إلى عالم جـديد يجتاز عالم الجاهلية بمبادئه وأخلاقه وعاداته ويعبر إلى الإسلام. إن العربي إبان البعثة كان يفهم مدلولات لغـتـه ولذلك تحضرت في ذهنه كل المعاني التي يستعمل لها لفظ الإلهية بل وما تقتضيه من عمل عندما يقال له:قل: لا إله إلا الله. أردت بهذا أن أشير إلي انتقال يلال رضي الله عنه من العبودية إلى رحابة الإسلام والحرية. لقد أعدت الأيام بلال رضي الله عنه في عهد الجاهلية لحياة أقل ما يقال عنها أنها حياة دونية يحدها اللون والعرق. و بمجرد أن أصبح مسلما صارليس ققط فردا حرا من أفراد المجتمع المسلم الجديد ولكنه صار سيدا كما قال سيدنا عمر عن سيدنا بلال كما صاربعض من كانوا عبيدا يقودون الجيوش التي تضم كبار الصحابة وأشراف قريش الذين كانو بالأمس أسيادا عليهم ومثال ذلك إمارة أسامة بن زيد للجيش الذي جهز لقتال الروم (وأسامة بن زيد، ابن مولى النبي زيد بن حارثة ومن السابقين للإسلام، وشارك بمشاهد الجهاد، وأردفه النبي خلفه على راحلته في فتح مكة، ولاه النبي قيادة الجيش وهو لا يزال دون العشرين من عمره، وقال إنه وأبيه من خيار الصحابة موصيا عليهما قبل رحيله، وقاد العديد من السرايا الكبرى) وكان في تلك السرية وقت تجهيزها كبار المهاجرين الأولين والأنصار، ومنهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وقيل أن عدد الصحابة المشاركين كان 700 فتكلم الناس في إمرة أسامة: وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين! فلما سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب وخرج إلى الناس وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، أيها الناس: فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في إمارتي أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله! و«أيم الله إن كان للإمارة لخليقًا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإنَّ هذا (أي أسامة) لمن أحَبِّ الناسِ إليَّ بعدَه. كما حدث التزاوج بين من كانوا قيل الاسلام عبيدا وبين من كانوا أحرار وأسيادا كما آخى النبي عليه الصلاة والسلام بين المسلمين الأحرار وبين من كانوا بالأمس عبيدا وانتهت بذلك لوثة العنصرية وأصبح المجتمع المسلم يضم أبو بكر الهربي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي ولا تفاضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وعلموا أن الناس كلهم لآدم وآدم من تراب. حدث هذا على الرغم من أن المجتمع المسلم ما زال يتلمس خطاه وسط زحام الجاهلية يومئذ.
ثم ما لبث إلآ قليلا حتى أطلت العنصرية برأسها من خلال أنظمة الحكم فظهر بنو أمية ومن ثم بني العباس واصبحت العنصرية جزءا من مجتمعاتنا الإسلامية إلى يوم الناس هذا لأن معني الدين الرفيعة قد انزوت مساحتها في نفوس المسلمين.
وفي عالم اليوم مازالت العنصرية تسود ظاهرة ومستترة حتى بلغ الأمرأن كان بعض علماء القرن التاسع عشر ، مثل لويس أغاسيز من جامعة هارفارد ، من مؤيدي "تعدد الأجناس" ، الذي افترض أن الأجناس البشرية كانت من الأنواع المتميزة. كانت هذه النظرية مدعومة بأساليب علمية زائفة مثل قياس الجمجمة ، وهي قياس جماجم الإنسان ، والتي من المفترض أنها أثبتت أن الأشخاص البيض متفوقون بيولوجيًا على السود. تم استخدام البيانات الصحية الإحصائية المبكرة كسلاح ضد الانسان الأسود في أواخر القرن التاسع عشر ، حيث تم استخدامها للادعاء بأنهم معرضون للإصابة بالمرض ومقدر لهم الانقراض.
إن كثيرا من قوانين وداستير أغلب الدول إن لم تكن جميعها تناهض العنصرية إضافة إلى أن تكرر الجمعية العامة للأمم المتحدة التأكيد على أن جميع البشر يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق ولديهم القدرة على المساهمة بشكل بناء في تنمية مجتمعاتهم ورفاهها. كما شددت الجمعية العامة في أحدث قراراتها على أن أي عقيدة للتفوق العنصري هي عقيدة خاطئة علميًا ، ومدانة أخلاقياً ، وظالمة وخطيرة اجتماعياً ، ويجب رفضها ، إلى جانب النظريات التي تحاول تحديد وجود أعراق بشرية منفصلة. وظلت الأمم المتحدة معنية بهذه القضية منذ تأسيسها ، وحظر التمييز العنصري مكرس في جميع الصكوك الدولية الأساسية لحقوق الإنسان. وهو يفرض التزامات على الدول ويكلفها بالقضاء على التمييز في المجالين العام والخاص. كما يتطلب مبدأ المساواة من الدول اتخاذ تدابير خاصة للقضاء على الظروف التي تسبب التمييز العنصري أو تساعد على إدامته.
فهل يستلهم مسلمو اليوم سيرة بلال في إحياء الفهم الصحيح والسليم لدينهم ليس في مجال مناهضة العنصرية فحسب بل في عمارة الأرض كلها كما أمرهم ربهم سبحانه وتعالى.
الكتاب يستحق القراءة والتأمل فكاتبه ذو قلم سيال وفكر ناقد فله الشكر على هذا المجهود.
Sent from Yahoo Mail on Android
skyseven51@yahoo.com
//////////////////////////