مسيرة بابكر بدري الطويلة مع السلطة .. ترجمة وعرض: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 

 

مسيرة بابكر بدري الطويلة مع السلطة
Babiker’s Bedri’s Long March with Authority
Eve M. Troutt Powell ايفا م. تي. باول
ترجمة وعرض: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذه ترجمة وعرض لبعض ما جاء في الفصل الثاني من كتاب بروفيسورة ايفا م. تي. بأول المعنون "Tell This in My Memories" والذي يعرض بالتحليل لبعض قصص الاسترقاق في مصر والسودان والإمبراطورية العثمانية. صدر الكتاب بالولايات المتحدة عن دار نشر جامعة ستانفورد في عام 2012م.
تخرجت المؤلفة في جامعة هارفارد (حيث حصلت منها على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه)، وتعمل الآن أستاذة للتاريخ الثقافي للشرق الأوسط الحديث، وتاريخ الرق في دول حوض وادي النيل والامبراطورية العثمانية في جامعة بنسلفانيا بفيلادلفيا.
***** ***** *****
تعرضت المؤلفة في مقدمة كتابها إلى ما ستفصله في فصول مؤلفها، وكتبت في أحد فقرات مقدمتها ما نصه: " سأقوم في الفصل الثاني بتحليل قصة بابكر بدري، والذي عمل في شبابه محاربا في جيش المهدية، ثم صار تاجرا في مناطق مختلفة بالسودان، وغدا أخيرا معلما مشهورا، حيث أسس أول مدرسة لتعليم البنات في شمال السودان. وعرف بابكر بدري أيضا بأنه كان مالكا للرقيق لسنوات طويلة. وتصف لنا مذكرات الرجل ذكريات حية لجانب آخر من تاريخ الرق بالسودان. وتوضح لنا تلك المذكرات كم كان أمر الرق بالبلاد عويصا ومثيرا للخلاف، خاصة بعد أن توغل البريطانيون في إدارة السودان وحكموه بصورة شبه منفردة بعد عام 1925م (أي بعد إخراج القوات المصرية من السودان. المترجم). وكان على رجل وطني مالك للرقيق كبابكر بدري أن يواجه ازدراء البريطانيين لقيادته (حتى من قبل المسئولين الذين كانوا يحبونه) بسبب هيكلية / تركيبة عائلته household structure of his
بدأت الكاتبة الفصل الثاني من كتابها بمقتطف من رواية الطيب صالح (موسم الهجرة إلى الشمال) جاء فيه: "مسح جدي بطرف ثوبه الدمع الذي سال على وجهه من شدة الضحك، وبعدما أمهلوني ريثما أستقر في مجلسي معهم، قال جدي: "والله حكايتك حكاية يا ود الريس". وكان هذا إيذان لود الريس ليستمر في القصة التي قطعها دخولي عليهم. "وبعد يا حاج أحمد ما أركبت البنت أمامي على الحمار وهي تفلفص وتتلوى، وبالقوة جردتها من جميع ثيابها حتى أصبحت عارية كما ولدتها أمها، كانت فرخة عديلة من جواري بحري بلغت توها- النهد يا حاج أحمد كأنه طبنجة، والكفل إذا طوقته بذراعيك لا تصل حده. وكانت مدهنة ومدلكة جلدها يلمع في ضوء القمر وعطرها يدوخ العقل".
____ ____ ___
كان بابكر بدري شابا صغيرا في عهد الكاتب والسياسي المصري علي باشا مبارك (1824 – 1893م، والذي أشتهر باهتماماته العديدة بكثير من جوانب العمران والنهضة في مصر)، حين اندلعت ثورة عرابي، واحتل البريطانيون مصر (1882م). وفي ذات السنوات بدأ في شمال السودان تمرد / ثورة ضخمة عرفت بـ "المهدية" الهمت أنصارها بدعوتها لتجديد / إحياء الدين وبالثورة على الحكم المصري. ودخل بابكر بدري للحياة العامة من باب الانخراط في جيش المهدي لعدة سنوات. ومثله مثل علي مبارك، خط بابكر بدري تاريخ حياته على الورق في مذكرات أبان فيها الطبوغرافية الثقافية للسودان في نهايات القرن التاسع عشر بصورة حية وصريحة وقوية التأثير، تشابه كثيرا خيال علي مبارك العظيم.
والاختلافات بين الرجلين متعددة ودراماتيكية. ولكن يجد المرء في قصتيهما أمور متشابهة. فكليهما أتى من أسرة متدينة، ودرسا في صغرهما في "الكتاب". وكان بابكر بدري شديد الإخلاص في عمله، وتعلم أن يحترم ويتبنى (فيما بعد) التعليم المدني / العلماني بحسبانه خطوة لا غنى عنها لتطور السودان. وغدا ذلك هو ديدنه ورسالته الأعظم في الحياة. وكان الرجلان يخاطبان في مذكراتهما القراء، ويطلبان حكمهم وتعاطفهم. وكانا يؤملان في إيضاح الكيفية التي بلغا بها مرحلة النضج الروحي. وغمر الرجلان مذكراتهما بشعور دافق بالصلة والتواصل مع مجتمعيهما: علي مبارك في مصر، وبابكر بدري في السودان المستقل حديثا.
وشملت عناصر التشابه بين الرجلين ما فرض عليهما من التعامل مع مختلف أنواع الحكومات والسلطات والنظم العقائدية (Belief systems)، ووقوف السلطات البريطانية في كثير من الأحيان في طريقهما لتحقيق طماحهما المهني. كان بابكر بدري قد آمن بالمهدية وأنخرط في العمل جنديا في جيشها. وعقب انتصار البريطانيين في 1898م كان عليه أن يكافح ضد القوانين البريطانية التي تحد من فرص عثوره على عمل مدني. فطرق ميدان التجارة أولا، ثم تحول عنه إلى مجال التعليم. وكذلك جاهد علي مبارك ضد التهديد الذي كان يمثله الوجود البريطاني لسلطة الخديوي توفيق. وصارع بابكر بدري البريطانيين حول التراث الفكري للمهدية، وحول علمنة (secularization) نظام التعليم في السودان.
وتأثر علي مبارك بمسترق سابق، أما حياة بابكر بدري فقد تشكلت بتعاطفه المتزايد مع مجتمع النساء السودانيات، وبكثير من المسترقات في حياته. فقد عاش الرجل في مجتمع يعج بالرقيق في كل مناحي الحياة. ولم يجلب له هذا أي نوع من العار في حياته، أو فيما خلفه من تراث. فبابكر بدري محترم في السودان باعتباره رائدا في مجال التعليم، ولا غرو، فهو من أول من أنشأ مدرسة ثم كلية للبنات (اسماها الأحفاد).
وتعرض مذكراته – بصورة غير مسبوقة - للحياة الثقافية والاجتماعية في السودان عبر ثلاثة عهود سياسية هي المهدية، وهزيمة المهدية بعد 18 سنة، وتأسيس الحكم الثنائي (البريطاني – المصري) عندما سيطر البريطانيون على مقاليد الحكم بالسودان.
لقد كتب الكثيرون عن الأهمية السياسية والاجتماعية لمذكرات بابكر بدري المعنونة "تاريخ حياتي". غير أن قلة من هؤلاء هي من تناولت تجاربه العديدة مع الرق والرقيق التي أوردها في كتاب مذكراته. وكان تناوله لذلك الجانب تناول عليم ببواطن الأمور(insider)، يتحدث مع من هو مثله في العلم ببواطن الأمور، الذين سيفهمون علاقاته وتاريخه. لقد كتب الرجل مذكراته باللغة العربية وفي ذهنه القراء العرب. ولهؤلاء القراء لم يكن بحاجة لتقديم أي اعتذار عن وجود رقيق أو في امتلاكهم. فالرقيق كانوا حضورا في كل مرحلة من حياته. لذا أدخلهم في رواية قصة حياته بدقة وتفصيل شديدين وهو يسرد تجارب حياته. وفي هذا الفصل نحاول عرض الكيفية التي عرض بها الرقيق في حياته، وعن سبب تلك الكيفية.
الرواية الأساسية The Master Narrative
بدأ بابكر بدري في كتابة مذكراته باللغة العربية في عام 1944م، وأكملها في عام 1953م، أي قبل شهور قليلة من وفاته، وكان حينها في الرابعة والتسعين من العمر. وكانت اعماله الرائدة في مجال التعليم قد جعلت منه شخصية محترمة في مجتمعه. وكما ذكرنا فقد التحق بابكر بدري وهو في أواخر سنوات المراهقة بجيش المهدي، وشارك في حصار الخرطوم في عامي 1884 – 1885م. وعمل في مجال التجارة في السنوات بين سقوط عاصمة الإدارة التركية – المصرية للسودان وبين استعادة الجيش البريطاني لحكم البلاد. وفي غضون سنوات ذلك الحكم اقتحم ميدان التعليم، وقام بأدوار شجاعة ومبدعة في التعليم بأم درمان، خاصة في مجال تعليم بنات السودان الشمالي المسلم.
ووصف بابكر بدري في الجزء الأول من مذكراته أيام شبابه وصباه، ومشاركته في جيش المهدية، ورسم صورا تنبض بالحياة له ولأصوات ووجوه شخصيات تلك الفترة. ويبدو ذلك جليا حتى في الترجمة الإنجليزية للمذكرات، إلا أن لغة المذكرات العربية تتميز باحتشادها بإيقاعات وعامية أواخر القرن التاسع عشر، وثقافتها في شمال السودان. وفي ذلك كتب ولده ذاكرا أن بابكر بدري كتب تلك المذكرات بأسلوب يختلف عن أسلوب كتابته الرسمية المهنية، وعما كتبه في مؤلفاته التي أعدها للطلاب، أو كتاباته في أواخر حياته، وكان في ذلك يعكس نظرة الشاب الصغير الذي كان يعيش في بيئة ينقصها الرقي ويعوزها التحضر. وذكر ذلك أيضا كل من قاموا باستعراض تلك المذكرات (مثل الليزابث هودكن، ونصر الحاج علي، وطلال أسعد، وساندرسون. المترجم)، والذين رحبوا جميعهم بالمذكرات بحسبانها ذات أهمية تاريخية واجتماعية عظيمة، وتحفظ لنا كثيرا من الأحداث والعادات المتبعة بالسودان الشمالي في شؤون السفر والطعام والزواج والموت، وسلوك الرجال والنساء، وحتى طرق التهرب من دفع الضرائب. وأشادوا بالكاتب وحافظته الوقادة، حتى وهو في سن متأخرة، وقارنوا مذكراته بما كتبه غيره، مثل نعوم شقير، والذي وصف طلال أسعد كتابه بأنه "يفتقر إلى ذكر حميمة تفاصيل ودقائق الحياة اليومية، ويظهر فيها بوضوح تباعد الكاتب عن حياة الناس العاديين...". بل وصف طلال أسعد بعض قصص بابكر بدري بأنها "تشابه في حيويتها وطرافتها بعض قصص ألف ليلة وليلة".
وعند النظر في الجزء الأول من المذكرات، نجد بابكر بدري يستشهد كثيرا بأشعار المتنبئ، وبمقتطفات من "مقدمة ابن خلدون"، بل وذكر فيه أبياتا من الشعر ألفها في واحدة من زوجاته، على نمط ما ألفه "مجنون ليلى". لقد كان بابكر بدري مغرما بجمع الكتب وقراءتها، فقد كان يلتمس فيها العزاء من الإجهاد (stress)، واستخلاص العبر النافعة من قصصها ورواياتها عن المعارك والمجاهدات التي خاضها الآخرون. وقبيل معركة كرري التي واجه فيها الخليفة وجنوده جيشا أقوى منهم بكثير جلس بابكر بدري إلى نفسه يتفكر بعد أن قرأ قصائد ابن الفارض وشروحات البَيْرُوني والنابلسي، والكشكول، وشرح كتاب "الشهاب في الحكم والمواعظ والآداب"، وشرح الباجوري للبردة، وحاشيه سليمان الجمل علي القصيده الهمزية، وشرح المعلقات للزوزني. غير أن أي من تلك القراءات لم تثر في نفسه أي حماس ديني مثلما أثاره كتاب ابن عباد (شرح الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندرى)، والذي قرأه مرارا وتكرارا حتى كاد يحفظه عن ظهر قلب. كان الرجال، كما يقول بابكر بدري، يحضرون أرواحهم لمواجهة الموت، بينما كانت الأخبار المتداولة يوميا تدور عن وقائع شديدة الفظاعة تصم الآذان، والناس في حالة سؤال لا ينقطع عن آخر الأخبار. وزعم بابكر بدري أنه حتى إن اخترع المرء أخبارا من رأسه وقالها للناس فسيصدقونه ويذيعونها حتى وإن أدركوا أنها أخبار مختلقة!
لا ريب أن بابكر بدري قد استفاد كثيرا من تلك القراءات للكتب العربية الكلاسيكية في تقوية نفسه روحيا وثقافيا في شبابه، واستفاد منها أيضا عند كتابته لقصة حياته.
عدت الباحثة (الفرنسية؟) نيكول قراندن مذكرات بابكر بدري "ثورة أدبية وتاريخية" لأنها – بحسب رأيها - فارقت أسلوب ما كان معهودا في التراث الإسلامي الذي فيه تغدو سيرة المرء biographyسيرة مقدسة hagiography، ولأنها كانت "سيرة ذاتية autobiography" بالفعل، وهذا غير معهود في الأدب العربي الكلاسيكي. وتذهب نيكول قراندن إلى أن بابكر بدري تبنى الطريقة الغربية وتراثها في كتابة المذكرات، وكان مبعث ذلك أخلاقياته الثقافية الموجبة لقول الحق (cultural reality). لقد كتب بابكر بدري مذكراته والبريطانيون يمسكون بقوة على زمام الأمور بالسودان، وكان هو دائم الخلاف معهم، فقد كانت دعوته للتمدن وتنمية وتعليم المجتمع السوداني لنفسه بمثابة الهبة أو النعمة لشعبه، وسلاحا ضد المستعمر. وبذا يمكن أن نعد مذكراته، التي كتبت على النمط الغربي، سلاحا لغويا ضد البريطانيين.
فيما عدا بابكر بدري، كان هنالك من الرجال السودانيين من وجد نفسه يكتب مذكراته وهو في وسط صراع بين القوى المصرية والبريطانية والمهدية في نهايات القرن التاسع عشر. من أشهر هؤلاء التاجر السوداني الشمالي الزبير باشا، والذي سيطر على دارفور في عام 1874م، وجعلها، بكثير من الكفاءة، مركزا لتجارة الرقيق بين السودان ومصر. وكان معظم ضحايا تلك التجارة من الذين كانوا يصطادون في غارات عسكرية ويؤتى بهم لمعسكراته هم من غير المسلمين الذين لا يتحدثون بالعربية من أفراد القبائل المختلفة التي كانت تعيش في تلك المناطق. وكانت دارفور في تلك السنوات اسميا تحت السيطرة المصرية. ولما كانت مصر قد سنت بعض القوانين التي تحرم التجارة في الرقيق بضغط من الحكومة البريطانية وجماعة ضغط (لوبي) "جمعية مناهضة الرق" وعموم الشعب البريطاني، فقد غدا نجاح الزبير في دارفور كصائد للرقيق وإداري يتبع لها محرجا لخديوي مصر وسببا لتعقيد العلاقة بين مصر وبريطانيا. لذا قرر الخديوي إسماعيل إرسال الجنرال غردون للسيطرة على دارفور وإنهاء تجارة الرقيق فيها. ولما تم إنجاز ذلك الهدف ذهب بالزبير للقاهرة حبيسا.
وصف الكتاب الغربيون أنشطة الزبير في دارفور بأنها أفعال عنيفة أرتكبها العرب ضد الضحايا المستضعفين من الأفارقة السود، وزاد تلك الأفعال المشينة سوْءاً تساهل الحكام العرب في تلك القضية. ولكن رغم "شخصنة" شرور تجارة الرقيق وقصرها على الزبير، الذي دأبت الصحافة البريطانية على ذمه، إلا أن الزبير ظل شخصية محيرة وساحرة (fascinating) لجمهور البريطانيين. وعندما أفلح غردون في طرده من دارفور عام 1876م، حاز على رضا "جمعية مناهضة الرق". غير أن ما ورد في يوميات غردون التي نشرت بعد مقتله بوقت قليل أظهرت أن غردون كان يكن للزبير احتراما كبيرا، خاصة فيما يتعلق بقدراته الإدارية (أضافت الكاتبة في الهامش أن غردون في ما خطه في يومياته كان يستخدم مشاركة الزبير في تجارة الرقيق كدليل أكيد على مقدراته وامكانياته في الحكم والقيادة!) . وظل غردون يلح على الحكومة البريطانية مرارا أن تعين الزبير حاكما عاما على السودان، فهو – في نظره- الشخص الوحيد الذي بمقدوره التصدي لقوات المهدي. وكتب في إحدى اليوميات ما نصه: "نرفض رجوعه للسودان بسبب ما كان يمارسه قديما في الإتجار في الرقيق. أنا أوافق على أنه كان لدينا سبب لرفضه. ولكن بما أننا لا نمتلك الآن خطة محددة فيما يتعلق بتجارة الرقيق بهذه البلاد في المستقبل، تبدو لي معارضة عودته للبلاد أمرا غريبا، بل سخيفا. لن أرسل (أ) لأنه سيفعل كذا، ولكني سأترك البلاد في يد (ب) الذي سيفعل ذات الشيء تماما".
وعقب احتلال بريطانيا لمصر، أرسل الزبير منفيا إلى جبل طارق. وهنالك أجرت معه الصحفية المناهضة لتجارة الرقيق فلورا شو مقابلات مطولة عديدة في 1887م في حضور مترجم رأت الصحفية أنه لم يكن يتحدث اللغة الإنجليزية جيدا. وقدرت الصحفية أنه لا بد أن يكون هنالك بعض الاختلافات بين ما سمعته من فم المترجم، وما قاله الزبير فعلا. ونشرت ما ورد في تلك المقابلات في كتاب بعنوان "قصة الزبير باشا". ووضح أن تلك الصحفية كانت تبرر وتسوغ ممارسات الزبير (وغيره من تجار الرقيق) بوضعها في الإطار والسياق الإفريقي الذي كان يتميز ببربرية طاغية وممتدة وعميقة الجذور. ودفعت بأن الزبير عمل في منطقة كان يسكنها أقوام سود كانت ثقافة اصطياد الرقيق بينهم أمرا شائعا بغرض البيع أو الأكل (إذ أن بعضهم كانوا من أكلة لحوم البشر). وزعمت بأن المهنة الوحيدة التي كان يمارسها هؤلاء الناس هي القتال، فجهلهم فوق الوصف.
الرقيق وحياة بابكر بدري Slaves and the Life of Babiker Bedri
ظل الزبير رحمة باشا شخصية مؤثرة في مختلف المجتمعات السودانية. ففي غضون سنوات حكم المهدية وعقب سقوطها كان الزبير وهو في منفاه بالقاهرة يتلقى باستمرار طلبات للمساعدة المالية أو السياسية من جهات وأفرادا عددين، خاصة من جنود المهدية الذين أسرهم الجيش المصري. وكان بابكر بدري يعرف الزبير باشا جيدا، فقد كانت بينهما صلة قرابة بعيدة، وتزوج الزبير بإحدى مطلقات بابكر بدري (وكانت أثيرة إلى نفسه). ولما ذهب بابكر بدري للقاهرة في محاولة منه "لاستعادة" طليقته، تقابل وجها لوجه مع الزبير، الذي كان يومها أغنى رجل سوداني. وبدا الزبير في تلك المقابلة صلفا مغرورا، وشكك في أن ترضى زوجه بالرجوع إلى بابكر بدري بعد أن ذاقت حلاوة العيش في قصر الباشا... "أعظم سوداني اليوم". وهذا ما نفاه بابكر بدري في مذكراته.
ورغم أن بابكر بدري وصف الزبير وهو يواجهه بأنه "أعظم سوداني" إلا أن ما جاء في مذكراته يوضح أن احترامه وتقديره الأكبر كان أكبر للرجال والنساء من ذوي العمق الروحي (وليس الغنى المادي). فقد نشأ فقيرا، وتربى على أن يجل معلميه في "الكتاب"، الذي أخذته إليه والدته، حيث ظل مشغولا – منذ سنواته الأولى- بالتعلم والتفقه في أمور الدين، إلى أن التحق بجيش المهدية. أما الزبير فقد جاءت شهرته من احتكاره للقسم الأعظم من تجارة الرقيق بين السودان ومصر، ولم تكن الأمور الروحية تهمه في شيء. ورغم أن الرق كان سائدا في مجتمع بابكر بدري، وفتح بابكر بدري عينيه على الأرقاء من حوله، إلا أن همه الأكبر – كما ذكرنا- كان منصبا على تلقي العلوم الدينية، وعلى العيش حياة ملئها التقوى والصلاح. وظل مصدر ولائه للمهدي هو الدين، طالما ظل المهدي على قيد الحياة. وتحول اهتمامه نحو السياسة عقب استيلاء البريطانيين على السودان. وكان في غضون سنوات ذلك التحول، بكل ما فيه من "نظام عقائدي" قوي ومعقد، يحتفظ بما كان يملكه من أرقاء. ولا يجد القارئ لمذكراته أي محاولة للاعتذار عن دوره في استعباد الآخرين. فقد كان الرقيق جزءاً من حياة ذلك الرجل التقي، بل وأحيانا جزءاً من كيفية تعبيره عن عقيدته.
ورسم بابكر بدري في الجزء الأول من مذكراته صورا حية للحياة الاجتماعية في شمال السودان، حيث يجد المرء الرقيق في كل مكان. فوصف كيف أنه كان يسبح في النهر وهو طفل صغير، ولما خرج من الماء وجد أن ملابسه قد سرقت، وتلفت حوله فرأى مجموعة من مسترقات شخص آخر يغسلن ملابس "أسيادهن"، فقام بسرقة ثوب منهن (أوردت المؤلفة في صفحة 52 من كتابها صورة لأمة تقوم بغسل ملابس "أسيادها" على ضفاف النهر، والصورة من محفوظات أرشيف السودان في جامعة درم البريطانية. المترجم). وكانت بعض العائلات الأخرى تستعير بعض رقيق عائلته لأعمال مؤقتة، وتقوم بعض المسترقات برعايته عندما يمرض. وكان الرقيق يشاركون عائلته عيش الفقر الذي يحيق بهم عندما تضيق الأحوال. وكان الرقيق يستخدمون لتهديد / تخويف / صد الأعداء، بينما كانت حياة أولئك الرقيق تضرب مثلا للذل والمهانة، وكانت أكبر إساءة للشخص أن يوصف بأنه "عبد" أو "أمة / عَبْدَة / خادم". وكان الرقيق يحضرون لدار بابكر بدري (وغيره من السكان) وهم في سن الطفولة. وكان شراء صغار المسترقات نقاطا مهمة في حياة بابكر بدري. وكن يحضرن لدار بابكر بدري كهدايا وكمرضعات عندما تضع زوجاته أحمالهن. وفي كل أجزاء مذكرات بابكر بدري ترى الرقيق ولكن لا تسمع لهم حسا، فخدمتهم تتم في "خلفية المشهد"، وهم في الواقع "هدايا متحركة" تسم دروب الحياة. غير أن هنالك أيضا بعض الحالات التي اعتمد فيها بابكر بدري وعائلته على رقيقه الشجعان الأوفياء، والذي اعتبر قلة منهم "أصحابا أعزاء".
ولما سمع بابكر بدري ووالدته بدعوة القائد الديني محمد أحمد (المهدي)، تأثرا بها وارتحلا لمبايعته والانضمام لحركته. ومع تواصل نجاحات تمرد (ثورة) المهدي، سارع بابكر وكل الرجال في عائلته باتخاذ الجبة (الأنصارية) المرقعة زيا لهم، والتحقوا بجيش المهدي وهو يحاصر مدينة الخرطوم. وكما ذكر أحمد سيكينجا، كان غالب من التحقوا بجيش المهدي (مثل بابكر بدري) من فقراء المزارعين والرعاة وصغار التجار. وأفترض المسؤولون البريطانيون أن سبب انضمام اولئك الناس إلى المهدي كان هو فرض القوانين المناهضة للرق في نهايات سبعينيات القرن التاسع عشر. غير أن حماس بابكر بدري (وغيره من الفقراء) للانضمام للمهدي كان مبعثه الرئيس خيبة الأمل في سياسات الحكومة المصرية – التركية (خاصة في مجال الاقتصاد). ولاحظ سيكينجا أيضا انضمام الكثير من المسترقين للمهدي، الذي وعدهم بالعتق والخلاص (salvation). وكان ذلك سببا للخلاف بين بعض الأرقاء وبين "سادتهم" الذين كانوا يملكون هؤلاء الرقيق منذ سنوات طويلة. ورغم أن المهدية كانت قد سيطرت على غالب حدود السودان مع جيرانه من المشترين للرقيق، وأوقفت تجارة الزبير فيهم، إلا أن التجارة الداخلية في الرقيق ظلت باقية. وظل الأرقاء يرافقون باكر بدري والأنصار الآخرين حتى بعد أن ضعفت الحركة المهدية بعد وفاة مؤسسها، وتولي الخليفة عبد الله لمقاليد الحكم، وهزيمته في نهاية المطاف.
الرقيق في الخلفية Slaves in the Background
كان بابكر بدري قلما يضع مسترقيه في مركز الضوء في حكاياته أو يذكرهم بصورة مقربة. غير أنهم كانوا يشكلون الخلفية لغالب حكاياته. وكثيرا ما لا يأتي لهم على ذكر في صفحات كثيرة متتالية من مذكراته. (ذكرت الكتابة بعد ذلك مقتطفات مطولة من المواضع التي ذكر فيها بابكر بدري عبيده أو إمائه في مذكراته. المترجم).
الرقيق باعتبارهم هدايا Slaves as Gifts
تعرض بابكر بدري في بعض مواضع مذكراته إلى استخدام الرقيق كهدايا يتم تبادلها في مناسبات إحياء ذكرى مختلف المواقف والمناسبات في حياة عائلته. ومع تنامي ثروته من التجارة في القماش والصمغ العربي، صار بمقدوره شراء المزيد من الرقيق. وذكر في مذكراته أنه ربح ذات مرة في صفقة واحدة 113 ريال، ولذا اشترى لزوجه أمة عجوزا اسمها "أم نعيم". وعاشت تلك المسترقة معهم حتى بلغت من العمر 130 عاما (لأنها كانت أكبر عمرا من السلطان حسين سلطان دارفور الذي توج سلطانا عام 1838م وتوفي عام 1876م). وأشترى بابكر بدري أمة أخرى لتقوم على خدمة والدته. وطفق بابكر بدري يشتري الأرقاء مع كل صفقة رابحة يقوم بها، زيادة في الوجاهة والرفعة الاجتماعية له ولأزواجه (انظر في الشابكة العالمية مقال هيزر شاركي المترجم بعنوان " أهمية الرق في شمال السودان في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين"، ومقال كيم سيركي المترجم بعنوان "مواقف مهدي السودان حيال الرق وتحريره"، ومقال اليس موور – هاريل المعنون "تجارة الرقيق في السودان في القرن التاسع عشر ومنعها بين عامي 1877 – 1880م". المترجم). وكان إهداء المسترقين والمسترقات من ضمن ما كان يقدمه بابكر بدري عند خطبته لإمرأة ما، وذكر ذلك في مذكراته عن نفيسة، تلك المرأة المصرية (في السودان) التي كانت أرملة أحد المصريين الذين قتلوا بالسودان، ولما تزوجها وشغف بها حبا ذهب إلى سوق الرقيق وأشترى لها أجمل مسترقة فيه بستين ريالا، وقدمها هدية لها، مع العلم أن ذلك المبلغ كان أكبر من المهر وجهاز العروس الذي دفعه لأهلها (والذي لم يتعد الأربعين ريالا). كذلك حكى بابكر بدري عن شرائه لعبدة صغيرة هدية لأحد مسئولي الضرائب في عهد المهدية، والذي كان يداوم علي نفحه بعض الهدايا مما يجلبه من عروض التجارة حتى يغض الطرف عما يخفيه من بضائع عن أعين مسئولي الضرائب. كذلك كان من عاداته منح كل زوجة له تضع طفلا عبدة كهدية في يوم تسمية المولود/ة.
وكان بابكر بدري يذكر أحيانا بالخير بعض مسترقيه. فقد ذكر أمة له اسمها "الرحمة" اشتراها في العشرينيات من القرن العشرين مع حمار.، وظل يملكها لخمس أعوام. وعندما تقاعد عن العمل تركته تلك المرأة وباع الحمار، وكتب يقول: "وأنا ممتن لهما..." فقد كانت ترافقه في أسفاره وتطبخ له أطباقا شهية.
الرقيق والبريطانيون Slaves and the British
ظل بابكر بدري يتلقى أسئلة قلقة من المسئولين البريطانيين الشديدي الحساسية لاستمرار الرق بالبلاد، والذين كانوا يأملون في تكامل المسترقين السابقين وادماجهم في الاقتصاد السوداني. غير أن أمر الرقيق لم يرد بتاتا عند دكتور كريكشانك وبابكر بدري (ومعهما مجموعة من عبيدهما) وهما يجوبان بعض القرى خارج الخرطوم. ولكن كان لبعض الإداريين البريطانيين رأي آخر. فقد سأل السيد كيري (نائب مدير مصلحة التعليم، والصديق الشخصي لبابكر بدري) في حوالي عام 1909 أو 1910م عما إذا كان سكان الجزيرة سعداء بوصول السكة حديد لسنار، أكبر مدنهم. أجاب بابكر بدري بأن الأفراد العاديين (البسطاء) سعداء بالفعل من ذلك، ولكن الأغنياء من ذوي الحيثية ليسوا سعداء. وكان كيري يظن أن العكس هو الصحيح، إذ أن الفقراء لا بد أن يكونوا غاضبين من تحرير ما كانوا يملكون من المسترقين، فسأل بابكر بدري تفسيرا لإجابته فرد بابكر بدري بالقول: "إن تحرير الرقيق أمر هين بالنسبة للقلق الشديد الذي انتاب الأغنياء من ذوي الحيثية. ففي زمن المهدية كنت، أنا بابكر بدري، تاجرا غنيا، ولكن سقوطها حولني إلى رجل فقير. لقد وجدت يا سعادة السيد كيري مرتبي لا يتعدى جنيهين شهريا، فقمت مشكورا بزيادتها إلى 4 ثم إلى 6 جنيهات. من الطبيعي إذن أن أبقى مخلصا لكم لكرمك الفائق. غير أن قوانين الشريعة تمنعني من أن أحبك (أودادك) لأنك كافر. فأنا الآن ممزق بين تنازع الولاءات هذا".
وكانت لبابكر بدري قصة أخرى مع مفتش بريطاني في رفاعة اسمه أ. بي. كووتي، حين أشتكى بابكر بدري له من أحد مسترقيه (واسمه عبد الله، وكان يعيش في بيت لبابكر بدري مع والدته وبقية أفراد أسرته) لقيامه بإثارة القلاقل وسط المسترقين الآخرين ودفعهم للتمرد على "سيدهم". فقام المفتش البريطاني باستدعاء ذلك المسترق وحذره من مغبة فعله. وبعد يومين استدعى المفتش بابكر بدري وأخبره بأنه لم ينم لليلتين متتابعتين بسبب وخز الضمير الذي أحس به بسبب سكوته على وجود رقيق في منزله (أي في منزل بابكر بدري). فرد بابكر بدري على ذلك بالقول إنه منذ تلك اللحظة قد عتق عبده عبد الله وأهله جميعا لوجه الله. تهلل وجه المفتش فرحا وقال له: "الآن فقط سأنام نومة الحاكم العادل". وبالفعل صدق بابكر وعده وحرر عبد الله ووالدته، ولكنه لم يتوفق بعد ذلك لعقود قادمة عن شراء وبيع المزيد من المسترقين.
وكان البريطانيون لا يدخلون في نقاشات حول الرق مع الشماليين من "مُلاَّك " الرقيق إلا حين تكون هنالك مشاكل سياسية ما. ففي عام 1925م (بعد طرد البريطانيين للجيش المصري عقب اغتيال حاكم عام السودان السير لي استاك بالقاهرة) قال المسئول الإداري هيدليستون لبابكر بدري إن "أول ما يتوقعه المسئول البريطاني من مرؤوسيه هو الطاعة التامة". وكان المسؤولون البريطانيون في تلك الأيام يراقبون المتعلمين السودانيين (مثل بابكر بدري) مراقبة لصيقة ليتبينوا صدق ومدى إخلاصهم لهم. ولذا صار الافصاح عن الولاء للبريطانيين في تلك السنوات أمرا ملحا سياسيا. وعندما استشار هيدليستون بابكر بدري في إعطاء الحكومة نسبة 40% من أرباح بيع القطن في الجزيرة في مقابل خدمات الحكومة مثل الحرث والري وتسويق المحصول، سارع بابكر بدري بالرد على ذلك المقترح ووصفه بأنه أسوأ من سابق معاملتهم لرقيقهم. وشرح للبريطاني ما يقصد بقوله إنهم كانوا يسمحون لمسترقهم بالعمل يوما في مزرعتهم، وفي اليوم التالي في قطعة أرض منحوها له ليزرعها بما يشأ ويحتفظ بقيمة ما يبيعه من محصوله، على أن تظل مسئولية إطعام وكساء المسترق طوال العام على "سيده". سارع هيدليستون بتغيير موضوع الحديث فورا بعد ذلك الرد. وكان بابكر بدري يقول دوما إن الصراحة مع المسئولين البريطانيين هي أفضل وسيلة لخدمة بلاده، وأن حجب النصيحة عنهم (خوفا أو طمعا) هو خيانة للبلاد.
لم يأت بابكر بدري بذكر للرقيق وهو يكتب عن عمله في مجال التدريس، منذ أن أقنعه البريطانيون بطلب المساعدة لفتح مدرسة مدنية /علمانية في عام 1903م، حين بدأ في التدرب ليكون معلما. وتوضح كثير من صفحات الجزء الثاني من مذكراته تطور حماسة بابكر بدري لأمر التعليم. وبعد نجاح تجربته في مدرسة رفاعة اكتسب الرجل شهرة وسمعة حسنة، وغدا مقربا من السيد كروفوت نائب مدير مصلحة التعليم. وظل بابكر بدري محتفظا بالرقيق في بيته إلى نهاية الحرب العالمية الأولى، وكان محتفظا أيضا بآرائه المتحيزة (prejudices) فيما يخص "السود" أو "الزنوج". فقد عارض ما قام به مسؤول بريطاني من جلب فتاة زنجية اسمها "الرسالة" لأمدرمان للتدرب على التدريس، ولكن أجابه ذلك المسؤول بأنهم يجب أن يكونوا منصفين للزنوج. وصادف أن كان بابكر بدري محقا في رفضه لتدريب تلك الفتاة على التدريس، فقد هربت لاحقا من المعهد الذي أرسلت له.
لقد كان بابكر بدري رجلا موهوبا وذو حساسية عالية تجاه الأطفال، والنساء ومصاعبهن في الحياة، ويذكر للرجل فضل السبق في إقامة أول مدرسة للبنات بالسودان، كانت أول تلميذاتها هن بناته وبنات بعض أفراد عائلته. وكان من رأيه أن تعليم البنات السودانيات سيحض الشباب السوداني على عدم الاقتران بالأجنبيات. وكان كثيرا ما يعين ويستضيف في بيته الأمهات المطلقات أو اللواتي هجرهن أزواجهن وفقدن بذلك العائل. وكان يستند إلى حس إنساني رفيع ومعرفة عميقة بالشريعة الإسلامية في عدله مع النساء في بيته وفي وطنه الكبير. وعندما كان في منتصف عمره وقف معارضا لبعض القوانين التي رأى أنها تعيق تطور المرأة. ووقف ضد بعض العادات الموروثة مثل بقاء المرأة مع عائلة أمها حتى بعد الزواج، وطبق ذات الشيء على بناته.
كان ديدنه دوما معاملة المرأة معاملة عادلة، وكان يعد ذلك واجبا أخلاقيا وروحيا، منه يستمد الرجل سلطته. وكان يطبق ذات الشيء على مسترقيه أيضا. غير أن خيال بابكر بدري لم يسعفه ليمتد بما فيه الكفاية لتغيير أوضاع من كانوا تحته من الرقيق، أو في الرقيق بصورة عامة في البلاد. ومما استعرضناه هنا في جزئيين من مذكراته نرى أنه ظل موافقا على نظام الاسترقاق، وصعب عليه رؤية مواقف أو أدوار جديدة للذين أصابتهم وصمة الرق. وكان يجرم محاولة المسترقين أخذ حريتهم بأيديهم، بل كان يعد ذلك خيانة لفترات الطفولة التي قضوها مع "سادتهم". ولا ينكر أن بابكر بدري كان يحسن إلى رقيقه، ويزوجهم ويرعى أطفالهم، ولكن من المستبعد أنه كان ينظر إليهم كأشخاص بالغين، ولم يكن ليمنحهم فرص التعليم.
ما لم يعلمنا له أي من علي مبارك (في مصر) أو بابكر بدري (في السودان) هو ما كان يتحدث به اولئك الرقيق بلغاتهم الأصلية قبل أن تغدو القاهرة أو الخرطوم هي موطنهم. ويجب علينا الالتفات لمصادر أخرى لاستكشاف كفاح ومجاهدات الأرقاء الذين عاصروا الرجلين لنعثر على لغة بها نحكي تاريخهم.

alibadreldin@hotmail.com

 

آراء