مطلوب من الحركة الإسلامية التخلية ثم التحلية

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

umsalama almahdi [umsalsadig@gmail.com]
في زمان مضى بعد انتخابات ابريل 2010 المزورة كتبت في عمود نصف الرأي الذي كان ينشر في صحيفة الأمة التي توقفت عن الإصدار بسبب الحرب المعلنة والسرية  غير الخافية التي يمارسها حزب السلطة ضد  كل ما ومن  يصنف أعداء للمؤتمر الوطني ،  مقالا عنوانه : (هي مزورة لكن باركوها).كتبت فيه أعاتب د.الطيب زين العابدين على رؤيته التي سماها واقعية لتلك الإنتخابات المثيرة للجدل تحت عنوان :(قراءة واقعية للانتخابات السودانية) على الصحافة بتاريخ الأحد 25/ابريل/2010م.
يومها  لم  أكن  قد نلت  بعد شرف معرفة   د. الطيب زين العابدين على مستوى مباشر  ويقول أهلنا السودانيون أن :(الوجوه خناجر) وللمثل معان عدة  من بينها أن التعامل المباشر مع الأشخاص  وملاقاة وجوههم يحرجك مثل حد الخنجر  ويمنعك من المخاشنة لفظا وفعلا ، وتلك محمدة  تحفظ التعايش السلمي وتميز التسامح السوداني .
فإن قُيد  نصحنا لأمثال د.الطيب في ذلك الزمان بضوابط أخلاقية  عامة من وجوب إلتزام الأدب والموضوعية و توقير الكبار وتخير الألفاظ  في حق المقامات العلمية الرفيعة فقد أضافت تلك القيمة السودانية -خناجر الوجوه قيودا إضافية  تحيل مهمة  ما نكتب هذا الاسبوع إلى  مهمة   جد عسيرة !
ثم أعاننا  أن الدين النصيحة وهو يأمرنا أيضا بالقول اللين في قولها ،مما نرجو أن يحلل به  ربنا، عقدة من قلمنا  فندركه دون شطط ولا تكدير للخواطر ما استطعنا .
كتب  الدكتور الأستاذ الطيب زين العابدين  في : (حكاية الحركة الإسلامية مع حكومة "الإنقاذ") الذي  نشر في 12 فبراير 2012  ما رأيته مستحقا للسير في درب الصراط  رغم أخطاره  من وجهين:أولاهما  مصدر ذلك الرأي وقد لا يختلف اثنان في ما للدكتور من مكانة وتقدير في نفوس عارفي فضله مما يجعل أثر أقواله وأفعاله  كبيرا على شريحة عريضة .وثانيهما :الأفكار التي وردت في المقال المذكور، وقد  رأيت  فيها تخليطا للمفاهيم  وإبراء لذمة الحركة الاسلامية دون مسوغ مما  لا يمكن السكوت عليه   .ومع العسر الذي ذكرنا  ندعو الله أن يجعل لنا يسرين كما وعد:  فنجهر بالحق الذي نراه دون أن نؤذي من نجاهره ونناصحه !
نحفظ للدكتور زين العابدين منافحته الدءوبة عن الحق ولا  نخفي الترحاب  المحتفي به   ضمن الآيبين من معسكر الإنقاذ الرافدين لصفوف المعارضين لسياساتها البينة الفساد ، الناصحين لها علها تذكر أو تخشى، وقد  سبق لهذا العمود الاستشهاد بكثير من آراء د.الطيب اعترافا بفضلها وصدقها وسبقها ولكننا مع  عدم نكراننا لهذا الجميل نوازنه مع امتثالنا للأمر الرباني  الذي يحضنا على التدبر والتفكر  ومعرفة الحق بالحق وليس بالرجال أو النساء مهما بلغ شأنهم وشأنهمن  ومن هذا الباب :وجدنا في المقال المذكور ما حملنا قسرا إلى مواجهة مؤلمة –علينا، على الأقل- مع كاتبه! فقد خالف المقال المذكور كثيرا  مما  وقر في صدورنا بعد التثبت وغالط حقائق سبق علمنا بها من مصادر لا يطالها شك كونها تطابقت.
من يقرأ المقال الذي استفزنا للتعقيب يجد أن كاتبه –على عكس التوقع من مثله  راثيا  لحال  الحركة الاسلامية وما آلت إليه بأكثر مما يفعل بحال الوطن مع أن الوطن هو الأحق بالرثاء والعطف كونه الضحية. ويرى قاريء المقال من بين السطور غضبة مضرية من أجل الحركة مع أنها الجلاد  وعصبية بائنة لها مما لا يليق بمقام العلماء والأفق المفتوح .ولو كان في هذا الرثاء ندما أو اعتذارا للبلد الذي أضاعته تلك الحركة لما غضبنا .ولكننا رأينا  تسويقا لذات  الحركة التي أورثتنا ومن المفترض أن تكون قد أورثت أهلها كذلك ، قبل غيرهم  الندامة ،ورأينا محاولات لإعادة ذات السلعة البائرة  بإعادة تغليفها بشكل آخر  إكتفاء بتحميل المؤتمر الوطني ما ارتكب من أخطاء بل خطايا  ورأينا غسلا للمظهر دون الجوهر  تطابقا مع ما حمله الكاتب الفذ  فصيح القلم  مصطفى البطل  على ما كتبه المحبوب عبدالسلام لدى استعراضه لكتاب المحبوب  الموسوم(دائرة الضوء وخيوط الظلام: تأملات في العشرية الأولى لنظام الإنقاذ) مما وصفه البطل بغسيل الأحوال إشارة إلى عملية غسيل الأموال العملية التي تستخدم في ضخ  الأموال غير المشروعة في أعمال قانونية مشروعة ، وذلك نهج  سيعيدنا للمربع الأول نفسه:مربع التآمر والضياع  مهما خلصت النوايا .
نحن نريد من أتباع تلك الحركة إن كانوا ما زالوا يرون  إمكانية إصلاحها: التبرؤ جملة واحدة من الذنب المقيت  المميت الذي وقعت فيه مع سبق الإصرار والترصد باتخاذها الإنقلاب وسيلة لتسنم الحكم  لبسط سلطانها  بالحكم وأدواته بزعم تطبيق الشريعة الإسلامية. ذلك أنه آن الأوان لكي يعرف السودانيون أن التجربة المرة قد أثبتت لنا صحة نظرية بطلان ما بني على باطل بل تلك التجربة المرة تصلح لكي ينظر فيها الآخرون للاتعاظ  بها و لتجنبها خاصة بعد ما أظهرته الثورات العربية من أشواق إسلامية علينا جميعا مسئولية حفظها من الإنحراف والإنجراف  من مثل ما اكتوينا بناره في السودان من الإنقاذ بعشريتيها.
وفي سبيلنا لتوضيح  ما أقمناه من حجج  على أفكار د.الطيب المطروحة  في مقال (حكاية الحركة الاسلامية مع حكومة الانقاذ ) سنعمد إلى تتبع تلك الحكايات  سطرا بسطر، ليكن واضحا أن أهل السودان يطلبون من الحركة الاسلامية إن كانت صادقة في الإصلاح والرجوع للحق :التخلية(عن الرزائل كلها) ثم التحلية (بالفضائل كلها) كما يقول أهلنا الصوفية فجوهر السلوك الصوفي هما التخلي ثم التحلي.
وفي المقام سنجرؤ على مغالطة د الطيب زين العابدين ثم نوجه حديثا عاما لكل منسوبي هذه الحركة لنوضح لهم ماذا نطلب منهم للتخلية وماذا نطلب منهم للتحلية.
في بداية مقاله يعترف د.الطيب بصورة أقرب للفخر بأن الحركة هي التي دبرت وصنعت الانقلاب العسكري بعناصرها النظامية والمدنية وأعطته السند الجماهيري والكوادر المؤهلة والتي مكنته من تنفيذ السياسات بل رفدته بالشباب الذين انخرطوا في الدفاع الشعبي ذودا عن وحدة الوطن في أحراش الجنوب كما جلبت له الأموال ورغم ذلك فقد فرض عليها التخفي والتستر بعيدا عن الأضواء !
وفي تلك الفقرة وحدها برزت لنا  محن  عضال :فقد فهمنا أن الدكتور يرى الخطأ هنا هو إخفاء وجه  الحركة واستنكار  تمثيلها في عهد  الإنقاذ الأول  بأفراد لم ينتخبوا من قِبل أعضائها بل فرضهم شيخها تعيينا .وما نستنكره ونستغربه بدورنا كيف رضي د.الطيب أن تصادر حركته إرادة ملايين السودانيين بفرضها عليهم حكاما لم يخترهم  أحد وإقصاء من اختارهم الشعب في انتخابات نزيهة (بقول صريح ذكره المحبوب عبد السلام أيضا في تأملاته التبريرية أن الحركة الاسلامية والجبهة الاسلامية في اجتماعين منفصلين عبرتا عن اليأس من الإصلاح ورأتا أن رئيس الوزراء قد استنفذ فرصه كلها وليس من خلاص للبلاد سوى أن يرحل )،بينما يستنكر د. الطيب ذلك الفرض المتسلط على مستوى الحركة فهل  أتباع الحركة أفضل من بقية مواطنيهم ؟ وأين ميزان العدل؟ أم عندهم : ( أم حبيب  للطيب  و أم  كدوس للعوس) ؟عجبا ثم عجب!
ثم نسأل د.الطيب :هل  صحيح كان قتال الإسلاميين في الجنوب ذودا عن الوحدة؟ ألا يتناقض ذلك مع حقيقة أن حرب الجنوب كانت حربا جهادية-اشتركت فيها الملائكة! - أرادت فتح الجنوب عنوة، و حرب من ذلك النوع تجعلنا بين خيارين  لا ثالث لهما :إما فرض الرؤى بالنصر العسكري أو الانفصال وهنا لا مكان للوحدة ولا بواكي :وقد كانت تلك ،هي النتيجة التي تحققت على الواقع المعاش .والمؤلم أن ما تقدم ليس نهاية القصة فقد قطع الإنقلاب فعلا الطريق على مؤتمر جامع محدد التاريخ  في 18 سبتمبر 1989 كان سينتهي حتما للوحدة وللسلام بل ذكر المحبوب في كتابه المذكور أن موقف الأحزاب وتأييدها لاتفاقية الميرغني قرنق كان مسوغ إنقلابهم المباشر .
في الفقرة الثانية يغالط د.الطيب روايات عديدة لإسلاميين آخرين اعترفوا بأن التفكير في الانقلاب كان مبكرا جدا والحركة بعد في مهدها لم تشب عن الطوق فقد  ذكر د.علي الحاج في لقاء  أجراه معه عبدالوهاب همت على سودانيل أنهم (أي الحركة الاسلامية)كانوا يفكرون في الانقلاب منذ انقلاب الفريق عبود (1958) .ما يرد في هذه الفقرة من تفاصيل نحمل بعضه على ما كان يحتمله التفكير المنطقي لو كان سليما ذلك أن الحركة الاسلامية  كانت قد استفادت فعلا  من المناخ الديمقراطي لدرجة أنها كانت القوة البرلمانية الثالثة بحسب انتخابات 86 وأن هذا المنطق هو ما جعل رئيس الوزراء  لا يصدق التقارير الأمنية التي ترده عن تدبير الجبهة لانقلاب (كما ذكر في كتاب المحبوب) إذ لا يستقيم عقلا مثل ذلك (الرفس للنعمة) إلا لفاسد في المزاج معتل النفس ولكن للأسف فعدم المنطق هو الذي كان، ولله في خلقه شؤون!
أما القول بأن طلاب الجبهة في الثانويات أرادوا الإلتحاق بالجيش فأذن لهم! فذلك يخالف شهادة د.علي الحاج التي ذكر فيها أن فكرتهم المبكرة في  الإنقلاب أعقبتها فعلة ذلك أنهم منذ 1979 كانوا قد بدأوا بإعداد كوادرهم في الجيش  وذلك يعني التخطيط القصدي من الحركة وليس الإستجابة لرغبات طلاب الثانوي الذين دخلوا الجيش  أسوة بغيرهم من التنظيمات المنافسة للإستعانة بهم إن تعرض التنظيم للخطر الماحق (وعلينا هنا عدم إغفال تلك النقطة الخطيرة فهل يمكن أن يكون حل الأخطار التي تواجه التنظيمات في اتخاذها أذرع عسكرية؟ ألا يهدد ذلك بقاء الوطن نفسه إن تحول الجميع إلى مليشيات تحمي تنظيماتها بالسلاح ؟) ،مضى د.الطيب في قول ما معناه أن يوم حوبة هؤلاء العسكريين  قد جاء  بعد مذكرة كبار الضباط والتي أبعدت الجبهة من المشاركة في الحكومة :وهنا أيضا نرفع حواجبنا دهشة لأن  ما جاء بمذكرة  الجيش لم يرد فيه مطالبة بإبعاد الجبهة صراحة أبدا ولا يحق لهم طالما يخضع الجيش للقرار السياسي في الديمقراطيات  وما ورد بالخصوص   كان طلبا تقدم به القائد العام ورئيس هيئة الأركان وهو رجاء باسقاط الجبهة من الحكومة لأن وجودها يعزل بلادنا فرفض ذلك الطلب رئيس الوزراء بحزم  لضرورة توحيد الجبهة الداخلية وامكانية احتواء أثر الجبهة السالب على علاقاتنا الخارجية ،إلا إذا عزلت الجبهة نفسها(من كتاب الديمقراطية راجحة وعائدة،الصادق المهدي). وذلك هو ما فعلته الجبهة فقد امتنعت عن التوقيع على البرنامج المرحلي الذي وقعته جميع الأحزاب الأخرى في مارس 1989 بحجة أنه عار من أي التزام اسلامي مع أن فيه تحديد لموعد انعقاد  المؤتمر الدستوري المناط به مناقشة كافة قضايا الخلاف بين السودانيين بل ذكر رئيس الوزراء امكانية ايراد نص منفرد عن الاسلام فتكونت حكومة الجبهة الوطنية المتحدة من كافة من وقعوا على الميثاق وقد عزلت الجبهة نفسها بملء إرادتها  لأنها اعتزلت الديمقراطية وطرقها وكانت تخطط للإستيلاء على الحكم غيلة وغدرا وتتحين الفرص والذرائع لذلك ووجدوا ذلك  في فرصة تبني الحكومة لاتفاقية الميرغني قرنق  .أما الثورة الشعبية التي كانت خيار التغيير الأول كما ذكر د.الطيب أو ما عرف بثورة المصاحف  فقد كانت ضمن برامج تهيئة المناخ للانقلاب ومن باب المزاودة على الشعار الاسلامي بسبب تعبئة الكوادر بالتطبيق الفوري للاسلام والذي يعلم المروجون له قبل غيرهم ضرورة التمهيد له في وطن متعدد بتطمين الآخرين على حقوقهم ولم يكن عليه خلاف من قبل التيارات الاسلامية الأخرى التي سبقت المتشدقين بالشعارات، دون التطبيق، بإرث اسلامي ووطني  يعلمه القاصي والداني .
وانتقل د.الطيب لمغالطة أخرى بقوله أن اقتراح الانقلاب قدمه  27 عضوا للهيئة التنفيذية للجبهة الاسلامية  بحجة أن الحكومة ضعيفة وحالة الجيش يرثى لها وحركة التمرد قد تهدد الخرطوم وأن هناك ثلاث محاولات انقلابية كلها ترى أن الجبهة عدوتها رقم واحد ولتفنيد ذلك نستعين بالحوار مع د.علي الحاج الذي ذكر أن قرارالانقلاب  تم اتخاذه في مجلس الشورى وهي تضم 60 عضوا تقريبا وكل عضويتها من المدنيين , هيئة الشورى هي التي اعطت الامين العام حق تنفيذ القرار واختيار من يشاء في التنفيذ وليس بالضرورة اخطارها بكل التفاصيل (حوار علي الحاج مع عبدالوهاب همت سودانيل)وهذا ما أكده  المحبوب عبد السلام في كتابه (دائرة الضوء وخيوط الظلام: تأملات في العشرية الأولى لنظام الإنقاذ)  وافقت الحركة الاسلامية  بما يقارب إجماع مجلس شوراها وعددهم 60 شخصا على الانقلاب وسيلة لتسلم الحكم ولم يشذ عن ذلك سوى 4ـ5 (كما ذكر د. علي الحاجّ أيضا ) منهم د. الطيب زين العابدين واحمد عبد الرحمن محمد وعثمان خالد مضوي ربما يكونوا بالاسم, خلاف ذلك فالقرار يعتبر جماعياً ولم تكن لهم وجهة نظر واحدة بعضهم كان يعتقد انه يجب عدم الانقضاض على النظام الديمقراطي مهما كانت النتائج وبعضهم يشكك في امكانية نجاح الانقلاب وان رد الفعل قد يكون عنيفاً على الحركة الاسلامية وبعضهم بين هذا وذاك ). انتهى .
وبينما علمنا من تلك المقابلة المهمة الصريحة مع د. علي الحاج أن المحاولة التي قام بها الزبير محمد صالح وحسبت على المايويين لم تكن لحسابهم لأن الزبير اسلامي  ملتزم!
ونعلم أن محاولة البعثيين تمت بعد انقلاب يونيو   في 1990 تلك المحاولة التي أبيد فيها 28 من الشباب في عشية عيد الفطر والناس صائمون .لكن الأهم هل يمكن تصحيح الباطل بباطل من جنسه ؟!.
في معرض التبرير للانقلاب ذكر د.الطيب أن الغرب لن يدع الإسلاميين يصلون للسلطة بطريق ديمقراطي ودلل على ذلك بالتحالف الذي أسقط الترابي في دائرة الصحافة !ونحن نعلم أن التحالف الذي أسقط الترابي في دائرة الصحافة لم يكن للغربيين يد فيه بل هو إجماع سوداني أراد حرمان الترابي من دخول البرلمان إدانة لحركته ممثلة في شخصه على موبقات عددها المتحالفون ضده ولم يكن في ذلك خروجا من إطار اللعبة الديمقراطية التي توافق عليها الجميع.
كانت فكرة الانقلاب على الديمقراطية من الكبائر التي لا تغتفر أما التبرير لها بأنهم بعد ثلاث سنوات سيتمكنون من الدولة ومفاصلها بحيث تأتي الانتخابات القادمة في صالحهم فعجب ما بعده عجب وهو يناقض الفكرة التي زعمت أن الغرب لن يسمح بذلك  وهي فكرة حتى وان آبت للخيار الديمقراطي فتريد العودة عن طريق المخادعة وتغيير خيارات الناس الحرة بمنطق المال والسلطة وهو فوق ذلك لا يصمد لحجة لأن من يزرع الشوك لا يمكن أن يجني الورود أبدا.
ويدهشنا د.الطيب بقوله أن الكارثة الأولى كانت حل مجلس شورى الحركة الاسلامية  بينما الكارثة الأولى بأي مقياس موضوعي كانت حل كل الوطن بالانقلاب المتآمر  على الشرعية.
أما بقية المقال فقد أنفقه د. الطيب في  سرد أسباب ضعف الحركة الاسلامية وهوانها على أبنائها لدرجة فتوى بعضهم بحلها لتذوب في المؤتمر الوطني ويكون شيخها المبايع هو رأس الدولة.وإن كان بعض الماكرين يرون إبقاؤها قيد الحبس المنزلي لكنه يرى أنه آن الأوان للحركة التي جاءت السلطة على ظهرها أن تسترد كيانها المغتصب وحقها المهضوم بكيان مسجل ومستقل. لكن د.الطيب  لم يخبرنا من يسترد الوطن المغصوب الذي جنت عليه تلك  الحركة التي يراد لها اليوم أن تبرز بوجه جديد؟
كنا نعتقد أن ململة الإسلاميين ومذكراتهم كانت  بسبب صحوة اعترتهم أما ان كانت ململتهم وما يطلب منهم الآن في مقال الطيب : أن (يقطعوا الشوط حتى نهايته) فقط انتقاما لأنفسهم  من الدولة الغاشمة التي حرمتهم ممارسة الحكم المغتصب  فلا مصلحة لنا ترجى من صراع الأفيال إلا بزوالهما معا  ولا نرى خيرا في أن تحل الجبهة أو أيا من مسمياتها التي لا تتقيد بها محل المؤتمر الوطني فحتما لا فائدة من (الدواء بالتي كانت هي الداء) .
في نهاية مقالنا نطلب من الحركة الاسلامية  إمتثال جوهر  السلوك الصوفي الذي أشرنا إليه في ثنايا هذا المقال بـ(التخلية) عن العنجهية والوصايا على الآخرين مما يظهر جليا في كتاباتهم في مثل قول المحبوب عن الحالة في السودان بعد الانقلاب:( ساد جيل كأنه يصلي بأفضل مما صلى آباؤهم،ويقرأ القرآن بأفضل مما يقرأون أما مظاهر التفحش في الفجور فقد انحسرت كأنها تلاشت أو استترت منكرة!)كيف يقال هذا في وطن تشهد خلاويه وقبابه على صلاح أهله وتقواهم قبل أن يولد المحبوب بل قبل أن تولد حركته التي أذاقتنا الأمرين ؟
وهل عرفنا الفحش والفجور وكل الرزايا قبل مشروعهم الحضاري؟
وقوله في مكان آخر في كتابه المذكور :( الأوفق أن تحفظ قيادة محددة قائمة في المركز ترقب كل حركة المجتمع  تبدي  سعيها إذا أبطأ أو اتكأ في جانب أو مال منحرفا نحو منكور لا تريده)!
استنكر  هذا النهج الوصائي  أيضا مصطفى البطل بقوله عن لوح المحبوب في سلسلة مقالاته بعنوان غسيل الأموال وغسيل الأحوال (أن المحبوب يصدر في كل مواقفه من ذات المنطلق الوصائي الحركي الإسلاموي التقليدي الذي يفرض رعايته الأبوية على المجتمع كله (إنما الخير أردت والإصلاح قصدت)، وهو عين المنطق الاستعلائى الفرعوني القرآني التالد: (وما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).انتهى
لا بد للحركة الاسلامية إن أرادت بنا وبنفسها خيرا  من التخلي عن الغرور :يقول المحبوب( بدت الجبهة الاسلامية عشية الانقلاب أفضل طرحا وتنظيما من الدولة التي يحكمها تحالف حزبي عريض وبرغمه لم يفلح في سد الثغرات المتفاقمة مفسحا الطريق نحو الحزب الأقوى تماسكا الأقرب لملء الفراغ كما جرت بذلك وتجري سنن الله في الطبيعة والتاريخ!).انتهى.  وكلنا يعلم كيف ملأ (الحزب الأقوى تماسكا) هذا الفراغ المزعوم !
أما التحلية التي نريدها من الحركة ومنسوبيها فالتحلي  بصادق الأقوال ومخلص الأفعال والتواضع   فهو سمة وسمت  العلماء والعظماء .
لو عملوا بتلك النصائح التي يبذلها لهم الناس كل يوم  لما احتاروا بين مقولتي اوسكار وايلد: هل هم أشخاص صالحون يرتكبون أفعالا سيئة .والأخرى  أن الظروف التي قد تغير ردود الأفعال لا يمكنها أبدا تبديل المباديء مثلما ذكر المحبوب في مقدمة كتابه :فالصالحون لا يرتكبون الأفعال السيئة بمثل ما نرى من عناد وإصرار ، والمباديء لا تخضع للقبض ثم البسط  كيفما اقتض حال الإنتهازي وميكافيليته.
وسلمتم

 

آراء