مكاننا تحت الشمس

 


 

منى عبد الفتاح
13 September, 2011

 

كيف لا

يعلن المشهد الثقافي العربي يوماً بعد يوم هوان اللغة العربية على أمة إقرأ ، بينما هي رافلة في وهم أن تكون الأعلى كعباً بين الأمم . وما أوصلنا إلى هذا الموقف هو التحدي الماثل أمامنا في وجود مثقف اليوم يملأه الكسل والحيرة في عالم متحرك تسود فيه التقنية المعلوماتية وتتقافز شتى أنواع المعلومات من كل منهل تدور بها محركات البحث من كل لون بينما يقف هو موقف المتفرج . ومع هذا التقدم المتسارع في عالم التكنولوجيا فقد تراجعت وسائل الوعي التقليدية التي تعتمد على التفكير وليس التلقين، وضاع المثقف العربي بين الإثنين ، فلا هو أدرك بلح الشام ولا عنب اليمن.  يعتمد كثير من المثقفين كما يبدو في كتاباتهم على المعلومة الجاهزة على طرف الأصابع بدلاً عن البحث و التنقيب في أمهات الكتب والمراجع العتيقة.فقد حلّت هذه التقنية محل العقل عندهم وأصبحت تفكّر نيابة عنهم ، وتتذكرّ أيضاً .
فقد أخذ محرّك البحث قوقل على عاتقه عبء تذكر تاريخ مولد ورحيل فنانين وأدباء أسهموا في الفكر والثقافة العربية ردحاً من الزمن ، دون أن نذكرهم نحن. فقد تذّكر قوقل نجيب محفوظ وعبد الحليم حافظ وابن خلدون وأم كلثوم ومحمد مهدي الجواهري بينما يردد وراءه المدوّنون صدى الذكري ويشكرونه جزيل الشكر.
صحيح أن زخم الكتب الإلكترونية يجعلك تفتقد رائحة الكتب ومتعة ترتيبها على رفوف المكتبة ، والكتابة  والتواصل الإلكتروني تربط بين الناس بسهولة ويسر ولكن طغيان الصورة وتسطيح الوعي خلق مثقفين موتورين بعيدين عن واقعهم . فالمثقف الحقيقي يتم تكوينه على مدى زمن طويل في عمل متواصل من القراءة والاهتمام بها بشكل تراكمي ، تنمو فيه وتزدهر. أما الآن فنطالع مثقفاً هشاً ارتبطت ثقافته بالمطالعة السطحية لكتابات أكثر تسطيحاً لا ترعى حرمة لغة ولا تلتزم بنحو ولا صرف.
وهذا التأسي على حال اللغة ليس لكونها ضلع الثقافة الأكبر ، الموصّل والناقل ووسيلة الخطاب فحسب وإنما لهوانها والتعامل معها بإهمال لا يرتقي بالتعامل مع  لغة القرآن الكريم . ونحن إذ ننعيها فإننا ننعي في ذاتها التي تم بها  تدوين التاريخ العربي قديمه وحديثه ، درره وانتصاراته وانتكاساته. وكذلك لكونها أبرز مظاهر الثقافة العربية فإن سقوطها اليوم بين أيدينا يُعد فشلاً ذريعاً لنا وللثقافة الجامعة التي شكّلت الوجدان العربي لكل من نطق بها حتى وإن اختلطت أعراقه واندمج مجتمعه في مجتمعات أخرى مغايرة ومختلفة في خصائصها الثقافية الأخرى.
هناك أسباب عديدة لتراجع الثقافة العربية في وجه الثقافات الأخرى ، أهمها تردي وضعف اللغة العربية في وجه لغات أخرى . كما أن جزء من مجتمعنا استسلم لثقافة التسطيح والإبهار الفارغ ، والجزء الآخر استسلم لأهداف الإعلام الموجه الذي أخذ يشكل المتلقي كما يريد فيصوغ أفكاره ويوجه رأيه ويدفعه لتبني آراء لا تمت إلى واقعه بصلة.وإن كنا نشجع الانفتاح على الآخر بالشكل الذي يصوغ ثقافة الإنسان ويسهم في تقبل الآخر المختلف ، فإننا بالتالي من الواجب علينا أن نحترم ما لدينا حتى لا يضيع لساننا .
الحل إذن بالإعتزاز باللغة العربية دون تشدد وإعادة الإعتبار لمكوناتها المختلفة ، ليس في المهرجانات ولكن في عدم الاستهانة بها والإنسلاخ عنها إلى لا شيء . وأيضاً في وضعها في مكانها اللائق، فاللغة في أي ثقافة هي مفتاح الدخول للغات الأخرى ومعرفة الثقافات المختلفة .ولأن مجتمعنا لم يعد كما كان عليه قبل سنوات قليلة ، فهناك متغيرات محلية وعالمية لا بد وأن يتماشى معها الإنسان الذي يؤمن بسنة التطور . كما أن التقدم مع الانفتاح على ثقافة كونية أكثر تأثيراً ، فبرعاية اللغة العربية وتطويرها سيشعر الجيل الحالي بقيمته ويستطيع أن يعبر عن آماله وتطلعاته بأي لغة أخرى ما دام يجيد لغته الأم ، حتى يجد مكاناً تحت الشمس .
عن صحيفة "الأحداث"



moaney <moaney15@yahoo.com>
\\\\\\\\\\\\\\

 

آراء