ملاحظات بشأنِ النِّسَوِيَّة .. أناييس نِنْ
رئيس التحرير: طارق الجزولي
4 October, 2022
4 October, 2022
ملاحظات بشأنِ النِّسَوِيَّة* Feminism
أناييس نِنْ Anais Nin
طبيعةُ مُساهمتِي في حركة تحرير المرأة ليست سياسيَّة وإنَّمَا سايكولوجيَّة. قد تلقَّيتُ آلافَ الرَّسائل من نساءٍ كانوا قد حُرِّرُوا بقراءة يوميَّاتِي التي هي دراسةٌ طويلةٌ للعقبات السايكولوجيَّة التي تمنع المرأة من ارتقائها وازدهارها المُكْتَمِلْ. كما درستُ، في هذا المُتَّصَل، أثرَ الدِّين السِّلبي والأنماط العنصريَّة والثَّقافيَّة التي ليس من المُرْتَقَبِ منها أن تتلاشى سوى بِسبِيلِ الفِعل وحدَهُ وليس الشِّعارات السِّياسيَّةْ. ووصفتُ، كذلك، في تِلك اليوميَّات، القيود الكثيرة التي تُحاصر المرأة. واليوميَّاتُ إِيَّاهَا كانت قد اتَّسَمَتْ بالكفِّ عن الأحكام الجَّزْمِيَّة النِّهائِيَّة ومِن ثَمَّ شَكَّلَتْ، فحسبْ، مكاناً لتحليلِ حقيقةِ وضعيَّةِ المرأة في عالمنا الحالي. أنا أرى أنَّهُ هُنالِكَ ينبغي أن يبدأ حسُّ ومغزى الحُرِّيَّة في الانفتاح بالنِّسبَةِ للمرأة- "يبدأ" وليس "يبقى". ولئن يَحدُثُ "إصلاحٌ"، في هذا السِّياق، لمواقف المرأة العاطفيَّة ومعتقداتها سيتبدَّى للمرأةِ، والحالُ كذلك، أثرٌ أكبرَ وأكثَرَ فعاليَّةً في مجال الفعل. أنا لا أتحدَّثُ هنا عن المشاكل العمليَّة، الاقتصاديَّة والسَّوسيَولوجِيَّة ذاتَ الصِّلة بشأن المرأة، سيَّمَا وأنِّي أعتقد أنَّ كثيرَاً من تِلكَ المشاكل يُمكن حلُّها بجلاءِ الفِكرِ والذَّكاء، وإنَّمَا أنا معنِيَّةٌ هنا بتوكيدِ أَهَمِّيَةِ مواجهتِنَا، كنساء، لأنفُسِنَا وذلكُم لأنَّ في مثلِ تلك المُواجهة قُوَّةْ. لا تخلِطُوا فيما بين تحويلي لمسؤوليَّةِ ذلكَ وإلقاء اللَّوم على النِّساء. أنا لا ألوم المرأة. أنا أقولُ فقط إنَّنَا إن نأخذ أمرَ مسؤُوليَّتِنَا عَنَّا بأنفُسِنَا، كنساء، سيغدو بِوُسْعِنَا أن نشعرَ بأنَّنَا لَسْنَا قليلي الحيلة بالمقدار الذي قد نظُنَّهُ عن أنفُسِنَا في حالةِ إلقائِنَا بعاتقِ تلك المسؤوليَّة على المجتمع أو الرَّجُلْ. إنَّنَا، كنساء، أقولُ بعبارةٍ أخرى، نُهدِرُ طاقةً عزيزةً في مُختَلَفِ شِكُولِ التَّمَرُّد السِّلبيَّةْ. وبِوُسْعِ ذاكَ الإدراك مَنحَنَا حِسَّاً بالولايةِ على شؤون أقدارنا بأنفُسِنَا ومِن ثَمَّ أخذ مصائرنا بأيدينا، الشَّيءُ الذي هو أكثرَ إلهامَاً لنا من أن نتوقَّع من الآخرين توجيه سُبُل مصائرنا بدلاً عنَّا. أنا قد تَدَبَّرْتُ، شخصيَّاً، أمرَ تحويلِ أيِّةِ أفكارِ، بصيرةٍ سايكولوجيَّة، تاريخ أو فن تعلَّمتُها من الرَّجُلِ إلى توكيدٍ لهويَّتِيْ الخاصَّة ومعتقداتي الخاصَّة حتَّى أتمكَّن من استخدام كُلِّ ذلك على سبيلِ نِمُوِّي النَّفسي والرُّوحِيْ. وقد كُنتُ، آناءَ كُلِّ ذلكَ وفي ذاتِ الوقتِ، على حُبٍّ للمرأة وإدراكٍ لمشاكلِها، كما شَهِدْتُ كِفاحَها من أجل التَّطَوُّر والارتقاءْ. أنا أؤمنُ، بعبارةٍ أخرى، بأنَّ الثَّورةَ هُنَا- كما عندَ أيِّ حيثٍ آخرٍ- تجيءُ من تَغَيُّراتٍ عميقةٍ في أَنْفَسِنَا تَنْفُذُ بأثَرِهَا في حياتنا الجَّمعيَّة.
إنَّ الكثيراتِ من النِّساءِ العاديات، مُؤَدِّياتِ الأعمال المنزليَّة اليوميَّة الرَّوتينيَّة، المقبولات اجتماعيَّاً، كُنَّ على تَمَسُّكٍ بطقوسٍ وشعائرٍ مُنَسَّقَة، كُنَّ وسائلَ للتَّعبير عن الحُبِّ والعناية والحماية. ينبغي علينا، كنساء، إيجاد طرقٍ أخرى للتَّعبير عن مُخْتَلَفِ شِكُولِ الولاء والوفاء وذلكَ لأنَّنَا لن يكُنْ بِوُسْعِنَا حَلَّ مُشكلةِ تحرير أنفُسِنَا من تكريسِها فقط للأعمال المنزليَّة اليوميَّة الرَّوتِينيَّة دونَ أن نفهمَ، أَوَّلاً، لِمَ نحنُ، كنساءٍ، كُنَّا دومَاً نقومُ بإنجازِ أمثال تِلك الأعمال جميعاً ونشعرُ بالذَّنبٍ إن كُنَّا غيرَ مُؤَدِّياتٍ لها. أعني بذلكَ أنَّهُ يجبُ علينا، كنساء، إقناع أولئكَ الذين نُحبُّهم بأنَّ هنالكَ سُبُلٌ أُخرَىْ لإثراء حيواتهم. إنَّ بعضاً من تلك الانشغالات كانت قد شَكَّلَت لَنَا، كنساء، سلوكَاً تعويضِيَّاً. البيتُ كان هو مملكتنا الوحيدة، كنساء، وهو يعودُ علينا بمُتعٍ كثيرةٍ وعِنْدَهُ نُكافَاُ نحنُ، كنِسَاءٍ، بِحُبٍّ وجمالٍ وحِسِّ إنجازْ. ولئن نحنُ نبتَغِيْ لطاقتِنَا وقُوَّتِنَا أن تُصْرَفَا عبرَ قنواتٍ أخرى سيتعيَّنُ علينا، والحالُ كذلك، الاشتغالَ على حلٍّ انتِقَالِيٍّ قد يحرمُنَا تمامَاً من عالمٍ شّهِيٍّ كانَ لَنَا. بلى، قد يكن ذلك صحيحَاً. بيد أنِّي أرى، من ناحيةٍ أخرى، أنَّه يتوجَّب علينا هُنَا أيضاً التَّواؤُم مع حسِّ المسؤوليَّة المُتَأَصِل والمُتَجَذِّر عميقَاً فينا. ذلك يعني، بالنِّسبةِ لنا كنساء، إيجادَ طريقةٍ أكثر إبداعَاً على سبيلِ الحُبِّ والتَّعاون، طريقةً أكثرَ إبداعَاً على سبيلِ تربيتِنا وتعليمنا لأطفالِنَا أو على سبيلِ عنايتِنَا بالبيت، كما هو يعني لنا أيضَاً إقناع أولئك الذين نُحبِّهُم بأنَّ هُنَالِكَ طُرُقٌ أخرى لإنجازِ تلك الأشياءِ جميعاً. وأقولُ هُنَا إنَّهُ فيما كثيرَاً ما تُصَيِّرُ مُختَلَفُ القِيُودِ المفروضة على حيواتِ النِّساءِ تِلكَ الحيوات مُقتَصِرَةً على ما هو شخصي تُنْشِئُ وتُحفِّزُ القيودُ إِيَّاهَا فينا، نحنُ معشر النِّساء، من ناحيةٍ أُخرَىْ، مَلَكَاتٍ فقدها الرِّجَالُ، بدرجةٍ ما أو أُخْرَىْ، في عالمٍ تنافُسِيَّ السِّمت والنِّزُوعْ. أعتقدُ أنَّ النِّساءَ يَصُنَّ فيهُنَّ صلةً أكثرَ إنسانيَّةً بالكائنات الإنسانيَّة واَنَّهُنَّ لَسْنَ مُفْسَدَاتِ بالطَّابِع اللَّا شخصيِّ للعلاقات القائمة على اتفاق أو اختلاف المصالح، فحسبْ. أنا قد رَقِبْتُ وشَهِدْتُ فِعْلَ المرأةَ، عن كَثَبٍ، في مجالات القانون، السِّيَاسَة والتَّعليم وذلك هَيَّأَ لي أن أرى أنَّهُ بِفِعْلِ موهبةِ المرأةِ وبصيرَتِهَا النَّافِذَة آنَ تَعَلُّقَ الأُمُورِ بالعلاقات الشَّخْصِيَّة، على وجه التَّعيِين، يغدُو بإمكانِهَا التَّعامُلَ بِفَعَاليَّةٍ أكبَرَ مع شرور وسُوءَاتِ الظُّلمِ والحرب والتَّحامُل والتَّعصُّب والعُنصِرِيَّة. أنّا لَدَيَّ حُلُمٌ بامرأةٍ تُفعِمُ وتُوسِمُ كُلَّ المِهَنِ بخاصيَّةٍ جديدةْ. أنا أبتغي عالماً مُختَلِفَاً هو ليس ذاكَ العالم الذي وُلِدَ من حاجةِ الرَّجُلِ إلى القُوَّةِ التي هي أصلُ الحرب والظُّلمْ. يجبُ علينا خلق امرأةٍ جديدةْ.
ماذا عن سُكَّان الأزقَّة والحواري والعشش؟ ماذا عن الفقر والمسغبة؟ إنَّ طلوعَ فجرِ إنسانٍ جديدٍ هو الكفيلُ، في المقامِ الأَوَّل، بألَّا يسمح بميلادِ إنسانٍ ما أو آخرٍ عِندَ حيثِ الفقرِ والمَسغَبَةْ. أعني هنا أنَّنِي أبتغِي حدوثَ ارتقاءٍ وتَطَوُّرٍ في نوعيَّة الكائنات الإنسانيَّة، ذلكَ سَيَّمَا وأنَّنَا نُدرِكُ مُسْبَقَاً أنَّ شرورَ المُخَدِّرَات، الجريمة والحرب والظُّلم وانتفاء الإنصاف ليس بالوُسْعِ القضاء عليها، أو على الأقلِّ الحَدِّ من تَفَشِّيْهَا، فقط عبر مجرَّد إبدَالِ نظامٍ إدارِيٍّ، أو سياسِيٍّ، ما بنظامٍ إداريٍّ، أو سياسيٍّ، آخرْ. إنَّ الإنسانيَّةَ هي ما يُفْتَقَرُ إليهِ في قادتِنَا. أنا لا أُريدُ أن أرى النِّساءَ يَتَّبِعْنَ ذاتَ النَّمَطِ من الوُجُودْ. إنَّ تأكيد السِّمات الفرديَّة والفِكر كان محظورَاً، على النِّساء، من قِبلِ الطُّهرَانِيِّين المسيحيِّين وهو الآنَ محظُورٌ بذاتِ القدرِ، على النِّساءِ، من قِبَلِ المُتطرِّفين الغُلاة المُتَشَدِّدِينْ. لكنَّ المشاكل العمليَّة هنا كثيرَاً ما يُمكنُ حلُّها عبر سبيلِ التَّحريرِ النَّفسِي فحينذَاكَ يُحرَّرُ الخيالُ وتُحَرَّرُ المهارات ويُحرَّرُ الذَّكاءُ كي يكتشفَ حلولاً لأمثالِ تِلكَ المشاكل. أنا أرى نساءٍ كثيراتٍ في حركة تحرير المرأة يُفَكِّرْنَ على نحوٍ وَسْوَاسِيٍّ دائرِيٍّ بشأنِ مشاكلٍ بالإمكانِ حلَّهَا آنَ ما تكُن الواحدَةُ مِنَّا حُرَّةً عاطفيَّاً ومن ثَمَّ بِوُسْعِهَا التَّفكير والفعل على هُدى رؤيةٍ واضحة. إنَّ الغضبَ الأعمَىْ غيرَ المُوجَّه والعدائيَّات الهَيَجَانِيَّة ليست هي بأسلحةٍ فعَّالَةٍ على هذا السَّبيل إذ ينبغي لكُلِّ أولئكَ أن تُحَوَّلَ إلى فعلٍ جَلِيَّ الرُّؤْيَةِ والمَقصَدْ. أعني بذلكَ أنَّ على كُلِّ امرأةٍ أن تَتَدَبَّرَ مشاكلَها الخاصَّة قبلَ أن يَكُنْ بِوُسْعِهَا العمل بفعاليَّةٍ في مُحيطِهَا وإلَّا فإنَّهَا آنذَاكَ سَتَكُنْ، ببساطةٍ، مُضِيْفَةً عِبءَ مشاكلها الخاصَّة إلى عِمُومِ المشاكل الجَّمعِيَّة الأخرى التي ما فَتِئَتْ تنُوءُ بثِقْلِ كلكلها على جَمْهَرَةِ النِّساءْ. إنَّ حلُول المرأة الفرديَّة وشجاعتها تغدوان، والحالُ كذلك، مثلَ نِمُوٍ خِلْيَوِيٍّ، مِثلَ نِمُوٍّ عُضَوِيٍّ يُضَافُ إلى تركيبةِ الارتقاء العامَّة الخاصَّة بالنِّساءْ. والشِّعاراتُ هُنَا لا تَهَبُ قُوَّةً وذلكَ لأنَّ التَّعميماتَ، في هذا المُتَّصَلِ، ليست هي بالصَّحيحة، أو ليست هي بالدَّقيقَةْ. إنَّ نساءَ ذَكِيَّاتٍ كثيراتٍ ورجالَ ذوي قابليَّةٍ للتَّعاون مُغَرَّبُونَ الآنَ، في هذا المُتَّصَل، بِفعلِ التَّعميماتْ. ثُمَّ إنَّ تجنيدَ كُلِّ النِّساء لعملٍ بعضَهُنَّ غيرَ مُناسِبَاتٍ أو لائقاتٍ له ليس بالشَّيءِ الفَعَّالْ. إنَّ المجموعة- أو الجَّماعة- لا تهب دومَاً القُوَّة وذلكَ لأنَّها تتحرَّك وتنشط فقط من عِندَ حَدِّ قاسمِ الفهم المُشتَرَك الأدنى، كما هي تُضْعِفُ إرادةَ الفرد وتطمس المساهمة الفرديَّة. وأرى هُنَا أنَّ الاعتراضَ على نِمُوِّ الإدراك الفردي وارتقائهِ لدى النِّساء، أو أو إهمال مثل ذلك النِّمُوِّ والارتقاء، يعني العمل ضِدَّ منفعةِ المجموع الذي يرتقي، نوعيَّاً، بسبيلِ البحثِ والتَّعَلُّمْ. على كُلِّ امرأةٍ أن تَكُنْ على درايةٍ وبصيرةٍ بمشاكلِها الخاصَّة، بمعوقاتِها الخاصَّةْ. أنا أَنْشُدُ كُلَّ امرأةٍ أن تتحقَّقَ من أنَّهَا بِوُسْعِهَا أن تَغْدُو سَيِّدَةَ مصيرِهَا. تِلكَ فِكْرَةٌ مُلْهِمَةْ، سَيَّمَا وأنَّ لومَ الآخرين يعنِي، فيما يعنِي، أنَّ الواحدةَ مِنَّا شاعرةً بِقِلَّةِ الحِيلَةْ. إنَّ أفضلَ ما قد أَحْبَبْتُهُ في علم النَّفس هو المفهوم الذي مُؤَدَّاهُ أنَّ المصيرَ شيءٌ جُوَّانِيٌّ، شيءٌ مُتاحٌ لفعلِ أيدِيْنَا. وفيما نحنُ، كنساءٍ، ننتظرُ الآخرين كي يُحرِّرُونَا لن نتمكَّن، والحالُ كذلك، من إنماء القُوَّة اللازمة فينا لكي نقُم بذاكَ التَّحرير بأنفُسِنَا. وحينما لا تكُن امرأةٌ ما، أو أخرى، قد تعاملن مع هزائمها الخاصَّة والحميمة، عداواتها الخاصَّة ومُخْتَلَفِ ضِرُوبِ فشلِها وإخفاقاتِهَا بطريقةٍ تُؤَدِّي إلى تجاوزٍ لها، ولو نِسبِيَّاً، سَتَجْلُبُ تلك المرأةُ معها "حُثالاتٍ" من كُلِّ تِلكَ الهزائم الشخصيَّة والحميمة، عداواتها الخاصَّة ومُختَلَفِ ضِرُوبِ فشلِها وإخفاقاتِها إلى الجَّماهةِ التي قد تعملُ هي معها على سبيلِ التَّحرير ومن ثَمَّ هي قد لا تفعل شيئاً آنذاكَ سوى زيادةِ انعكاساتِ تِلك الجَّماعةِ السِّلبيَّةْ. ذلكُم يضع التَّحرير عِندَ قاعدةٍ شديدةَ الضِّيقْ. إنَّ التَّحريرَ يعنِي القُدرة على تجاوز العوائقْ. وتِلكَ العوائق تتمثَّلُ في أنماطِ مُعتَقَدَاتٍ وسِلُوكٍ تعليميَّة، دينيَّة، عِرقيَّة وثقافيَّة تَتَوَجَّبُ مِنَّا، كنِساء، مُواجَهَتْهَا وليس هنالِكَ، بحسْبِيْ، أيُّ حلٍّ سياسيٍّ يفِي، وَحْدَهُ، بمُواجهتِهَا بصُورةٍ كُلِّيَّة أو شاملةْ. الطُّغاةُ الحقيقيُّون هُنَا هم الشِّعور بالذَّنب، التابوهات (المحظورات) والإرث التَّعليمي. أولئكَ هم أعداؤنا، كنساء، ونجنُ بِوُسْعِنَا مُنازَعَتِهِمْ. إنَّ العدُوَّ الحقيقي لنا هنا، كنساء، هو ما قد تَمَّ تعليمنا وتلقيننا له، ليس دومَاً مِن قِبَلِ رِجَالٍ وإنَّمَا كثيرَاً من قِبَلِ أُمَّهاتِنَا وجَدَّاتِنَا.
مُشكلة الغضب أنَّهُ يجعلُنَا، كنساء، نُفْرِطُ ونُغالِي جِدَّاً في تقديرِ سُوءِ حالِنَا وحالةِ قضيَّتِنَا ونمنع أنفُسَنَا من بلوغِ الوعيِ والإدراك العميق لأُسِّهَا وجَذْرِهَا. إنَّنَا، كنساء، كثيرَاً ما نُؤذي ونَضُرُّ قَضِيَّتَنَا كثيرَاً بِفِعلِ الغضب فالغضبُ شيءٌ مثل اللِّجُوءِ إلى الحربِ كَحَلٍّ مزعُومٍ لمُخْتَلَفِ مشاكلنا الموروثةْ.
إنَّ مشاكل الفقرَ والظُّلم والتَّحيُّز لا تُحَلُّ بِواسِطَةِ أيِّ نظامٍ مُجرَّدٍ مصنوعٍ من قِبَلِ البَشر أنا أنشُدُ أن تُحلَّ تِلكَ المشاكل من قِبلِ نَوعيَّةٍ أعلى وأسمى من الكائن الإنسانِي حيثُ، بِفِعْلِ قانون تقييمِه الخاص للحياة الإنسانيَّة والشؤون الإنسانيَّة، لن يَسمِح ذاكَ النَّوع من الكائن الإنسانِي، في المقام الأوَّل، بِتَفَشِّي مُختَلَفِ شِكُولِ اللامبالاة والظُّلم والفقر والتَّحَيُّز في المُجتمع الإنساني. بذلكَ المعنى يغدُو كُلُّ ما نفعَلُهُ على سبيلِ تطوير وتنمية تِلكَ النَّوعيَّة الأعلى والأسمى من الكائن الإنساني فيما بيننا مُتَخَلِّلَاً لجِماعِ مُجتَمَعِنَا. إنَّ الاعتقاد أنَّهُ بالوُسْعِ تجنيدِنَا جميعَاً، كنِساء، دُونَ تدريبٍ ودُرْبَةٍ ودُونَ تهيَئَةٍ ودُونَ أَيِّ مهاراتٍ إنسانيَّة، على سبيلِ فِعْلٍ جَمَاعِيٍّ هو ما قد منع المرأة من الارتقاء والتَّطَوُّر نوعيَّاً كإنسان وذلك لأنَّهُ هو ذاتُ التَّوكيدِ العتيق القائل إنَّ الخَيرَ الوحيدَ الذي يُمكِنُ فِعلُهُ في هذه الدُّنيا كائنٌ نِطَاقُهُ خارجَ أنفُسِنَا وعِندَ حيثٍ بَرَّانِيٍّ نَقُومُ نَحْنُ عِنْدَهُ بإنقاذِ الآخرينْ. حينما نفعلُ ذلكَ نحنُ نُغفِلُ حقيقةَ أنَّ الشَّرَّ يجيءُ من ثُغرات المثالب والمعايب الشَّخصيَّة، من عِندَ طَرَفِ الكائنات الإنسانيَّة غيرَ المُطَوَّرَة وغيرَ المُنَمَّاةِ نوعيَّاً. نحنُ نحتاجُ إلى نماذج مِثاليَّة، إلى بطلات وقِيَادِيَّاتْ. ومن بين القانونيَّات والمحاميات الكثيرات اللائي تخرَّجنَ من جامعة هارفارد الأمريكيَّة قد نَكُنْ وُهِبْنَا فقد واحدةٌ من النِّساء المُتفرِّدَات والمُتَمَيِّزات من حيثُ المواهب والمَلَكَاتْ. لكنَّ واحدةً فقط من أمثالِ أولئكَ النِّسَاء تَكُن ذاتَ أَثَرٍ قد لا يُمكنُ تقديرُ مداه. ولئن نحنُ نستمرّ، باسم السِّياسة، في التَّهوينِ من شأنِ أولئكَ الذين واللواتي قد طَوَّرُوا وطَوَّرْنَ مهارتهم ومهاراتِهُنَّ إلى الحدِّ الرَّفيعِ الأقصى ووصفهم ووصفهن بأنَّهم وأنَّهُنَّ مُجرَّدَ نُخبةٍ محظوظةٍ، أو مُجرَّدَ أفرادٍ استثنائيِّين من النَّاس، سوف لن يكُن أبدَاً بِوُسْعِنَا، كنساءٍ ورجالٍ معاً، عون الآخرين والأُخريات على تحقيقِ ما قد تنطوي عليهِ أنفسهم وأنفُسِهُنَّ من إمكاناتْ. نحنُ بحلجةٍ إلى نماذج مُثْلَىْ لخلق الكائنات الإنسانيَّة، تمامَاً كما نحتاجُ إلى أمثالِ تِلكَ النَّماذج، على هيئةِ خُططٍ، في مجالِ الهندسة المِعماريَّةْ.
إنَّ الهجومَ على فكرة التَّطَوُّر والارتقاء الفردي تنتمي إلى عُصُورِ الاشتراكيَّة المُظلِمَة. ولئن أكُن أنا قادرةً على إلهامِ، أو عونِ، النِّساء اليومَ فذلكَ بسببِ أنِّي قد ثابرتُ على الارتقاءِ بنفسي. بَلَىْ، أنا قد حُرِفْتُ كثيرَاً عن مسارِ ارتقائي وتنميتِي الذَاتِيَّة وتَطَوُّرِي ذاكَ بفِعلِ انشغالِي بمهامٍ وواجباتٍ أُخرَىْ. غيرَ أنِّي لم أتخَلَّى أَبَدَاً عن ذاكَ الإنشاء والخَلق المُنضَبِط الدَّؤُوب والمثابر لإدراكي وتوعية نفسي وذلك لأنِّي تحقَّقْتُ من أنَّهُ عِندَ قاعِدَةِ، أو قاعِ، فَشَلِ نظامٍ ما، أو آخرٍ، في تحسينِ حظِّ وقَدَرِ الإنسانِ في هذه الحياة تقبعُ كائناتٌ إنسانيَّةٌ ليست ناقصةً، فَحَسْبْ، وإنَّمَا هي، فوقَ ذلكَ، قابلةً للإِفسَادْ.
إنَّهُ لمشن المُلْهِمِ، في هذا المُتَّصَلِ، القراءةُ عن نِساءٍ تَحَدَّيْنَ تَكَلُّسَ أعرافِ وتقاليدِ ومحظُوراتِ عهُودِهِنَّ المُخْتَلِفَةْ: نينون دي لينكلوس Ninon De Lenclos في القرن السَّابع عشر الميلادي؛ لو أندرياس-سالومي Lou Andreas-Salome في عهد فِرَويِد، نيتشة وريلكه؛ هان سَوْيِنْ Han Suyin في زماننا هذا؛ أو البطلات الأربع في رواية ليزلي بلانش Lesley Blanch المُسمَّاة "شواطئ أكثَرَ بَرِّيَّةً للحُب Wilder Shores of Love".
أنا أرى مقداراً ومدى عظيماً من السِّلبيَّة في تحرير المرأة. إنَّ الهجومَ على الكُتَّاب الذِّكُور أقَلَّ أهَمِّيَّةً عِندِي، كامرأة، من اكتشاف وقراءة مُؤلَّفات الكاتبات من النَّساءْ. كما أنَّ الهجُومَ على الأفلام المُسيطرة عليها السَّطوة الذِّكُوريَّة أقلَّ أهَمِّيَّةَ عِندِي، كامرأة، من صُنعِ وتوليفِ أفلامٍ من قِبَلِ النِّساءْ. ولئن يكُن لسُكون النِّساء أن ينفجر مثل بُركانٍ أو زلزالٍ لن يُقيَّض للنِّساءِ، في مثلِ تلكَ الحالة، إنجاز أيِّ شيءٍ سوى كارثة. أعني بذلكَ أنَّ ذاكَ السِّكُون بالوُسْعِ تحويلَهُ إلى إرادة خلَّاقَةْ. كما أعني به أيضاً أنَّ تعبير المرأة عن نفسها، في هذا المُتَّصَلِ، في الحربِ والاقتتال العنيف، بمُختلفِ أشكالِهِ، سيُشكِّلُ تقليدَاً ومُحاكاةً لطرائق وأساليبِ الرَّجُلْ. سيكُن من الحَسَنِ هُنَا دراسة كتابات النِّساء اللائي كُنَّ معنيَّاتٍ بالعلاقات الشَّخصيَّة أكثرَ من عِنَايَتِهِنَّ بنزاعاتِ التَّاريخ، الدَّاميةَ العنيفةَ مِنهَا، على الأخَصْ. أنا أحلُمُ بمُحاميَّاتٍ أكثرَ إنسانيَّةً، بِمُعَلِّمَاتٍ أكثرَ إنسانيَّةً، بِسِيَاسِيَّاتٍ أكثرَ إنسانيَّةً. إنَّ صيرورة المرأة كالرَّجُل، أو شبيهةً بالرَّجُل، ليس هو الحل هُنَا. هُنالِكَ تقليدٌ مُوغِلٌ جِدَّاً في إفراطِهِ للرَّجُل في مُختلفِ أوساطِ الحركةِ النِّسائيَّة. ذلكَ هو فقط مُجرَّد إزاحة لمفهومٍ مُعيَّنٍ للقُوَّةِ والتَّمكين من طرفٍ إلى طرفٍ آخرْ. أعني هنا أنَّ تعريف المرأة للقُوَّة والتَّمكين ينبغي له أن يكُن مُختَلِفَاً عن تعريف الرَّجل لهما وأنَّهُ ينبغي أن يُؤَسَّسَ ذاكَ التَّعريف على الصِّلات والعلاقات الإنسانيَّة مع الآخرين من النَّاسْ. إنَّ النِّساءَ اللاتِي يَتَمَاهَيْنَ حقَّاً، أو بالفِعل، مع مُضطهِدِيْهُنَّ، كما قد يُقال في بعضِ العبارات الشَّائعة، هُنَّ النِّساء اللائي يَتَصَرَّفْنَ كما يتصرَّف الرِّجال تماماً ومن ثَمَّ هُنَّ "يُذَكِّرْنَ" (من "التَّذكير" المقابل للتَّأنيث) أنفُسَهُنَّ. ذلكَ الطِّرازُ من النِّساء ليس هو، في اعتِبَارِي، عينَ الطَّراز مِنْهُنَّ الذي ينشُدُ، حقَّاً، تغييرَ أو تبديلَ الرَّجُلْ. وخُلاصةُ القَوْلِ هُنَا هي إنَّهُ ليس هُنَالِكَ تحريرٌ لأيِّ مجمُوعةٍ على حسابِ مجمُوعةٍ أخرى وإنَّ التَّحريرَ يجيءُ، أو يُنَالُ، فقط على هيئةٍ كُلِّيَّةٍ مُتَنَاغِمَةٍ ومُنْسَجِمَةْ.
إنَّ التَّفكير الجَّمَاعِيَّ الحَشْدِيَّ لا يَهبُ قُوَّةْ. إنَّهُ يُضعِفُ الإرادة. كما أنَّ تفكيرَ الأغلبيَّةِ قاهِرٌ لأنَّهُ يكبَحُ النِّمُوَّ النَّفْسِيَّ-الرُّوحِيَّ الفردي ويبتغي إحلالَهُ بصيغةٍ جَمعِيَّةٍ شِمُوليَّةٍ طاغِيَةْ. ثُمَّ إنَّ النِّمُوَّ النَّفْسِيَّ-الرُّوحِيَّ للفرد يُصَيِّرُ العَيشَ الجّمَاعِيَّ المُجْتَمَعِيَّ ذا نَوعِيَّةٍ أسمى وأرقَىْ. وفي جِمَاعِ ذلكَ كُلِّهِ يغدُو بِوُسْعِ المرأةِ المُتَطَوِّرَةِ نفسيَّاً ورُوحِيَّاً الاعتناءَ بِكُلِّ واجباتِهَا الاجتماعيَّة وبكيفِيَّةِ التَّصَرُّفِ على هيئةٍ فَعَّالةٍ ومُثْمِرَةْ.
هامش:
* نُشِرَ هذا المقالُ، أولاً، فيThe Massachusetts Review, Winter-Spring 1972 ، ثم في سِفرِ أناييس نِنْAnias Nin أدناه:
IN FAVOUR OF THE SENSITIVE MAN, A Star Book, The Paperback Division of W. H. Allen & Co. Ltd, London, 1983.
اكتملت هذه التَّرجمة في أواخر يوليو من العام 2022م
khalifa618@yahoo.co.uk
//////////////////////
أناييس نِنْ Anais Nin
طبيعةُ مُساهمتِي في حركة تحرير المرأة ليست سياسيَّة وإنَّمَا سايكولوجيَّة. قد تلقَّيتُ آلافَ الرَّسائل من نساءٍ كانوا قد حُرِّرُوا بقراءة يوميَّاتِي التي هي دراسةٌ طويلةٌ للعقبات السايكولوجيَّة التي تمنع المرأة من ارتقائها وازدهارها المُكْتَمِلْ. كما درستُ، في هذا المُتَّصَل، أثرَ الدِّين السِّلبي والأنماط العنصريَّة والثَّقافيَّة التي ليس من المُرْتَقَبِ منها أن تتلاشى سوى بِسبِيلِ الفِعل وحدَهُ وليس الشِّعارات السِّياسيَّةْ. ووصفتُ، كذلك، في تِلك اليوميَّات، القيود الكثيرة التي تُحاصر المرأة. واليوميَّاتُ إِيَّاهَا كانت قد اتَّسَمَتْ بالكفِّ عن الأحكام الجَّزْمِيَّة النِّهائِيَّة ومِن ثَمَّ شَكَّلَتْ، فحسبْ، مكاناً لتحليلِ حقيقةِ وضعيَّةِ المرأة في عالمنا الحالي. أنا أرى أنَّهُ هُنالِكَ ينبغي أن يبدأ حسُّ ومغزى الحُرِّيَّة في الانفتاح بالنِّسبَةِ للمرأة- "يبدأ" وليس "يبقى". ولئن يَحدُثُ "إصلاحٌ"، في هذا السِّياق، لمواقف المرأة العاطفيَّة ومعتقداتها سيتبدَّى للمرأةِ، والحالُ كذلك، أثرٌ أكبرَ وأكثَرَ فعاليَّةً في مجال الفعل. أنا لا أتحدَّثُ هنا عن المشاكل العمليَّة، الاقتصاديَّة والسَّوسيَولوجِيَّة ذاتَ الصِّلة بشأن المرأة، سيَّمَا وأنِّي أعتقد أنَّ كثيرَاً من تِلكَ المشاكل يُمكن حلُّها بجلاءِ الفِكرِ والذَّكاء، وإنَّمَا أنا معنِيَّةٌ هنا بتوكيدِ أَهَمِّيَةِ مواجهتِنَا، كنساء، لأنفُسِنَا وذلكُم لأنَّ في مثلِ تلك المُواجهة قُوَّةْ. لا تخلِطُوا فيما بين تحويلي لمسؤوليَّةِ ذلكَ وإلقاء اللَّوم على النِّساء. أنا لا ألوم المرأة. أنا أقولُ فقط إنَّنَا إن نأخذ أمرَ مسؤُوليَّتِنَا عَنَّا بأنفُسِنَا، كنساء، سيغدو بِوُسْعِنَا أن نشعرَ بأنَّنَا لَسْنَا قليلي الحيلة بالمقدار الذي قد نظُنَّهُ عن أنفُسِنَا في حالةِ إلقائِنَا بعاتقِ تلك المسؤوليَّة على المجتمع أو الرَّجُلْ. إنَّنَا، كنساء، أقولُ بعبارةٍ أخرى، نُهدِرُ طاقةً عزيزةً في مُختَلَفِ شِكُولِ التَّمَرُّد السِّلبيَّةْ. وبِوُسْعِ ذاكَ الإدراك مَنحَنَا حِسَّاً بالولايةِ على شؤون أقدارنا بأنفُسِنَا ومِن ثَمَّ أخذ مصائرنا بأيدينا، الشَّيءُ الذي هو أكثرَ إلهامَاً لنا من أن نتوقَّع من الآخرين توجيه سُبُل مصائرنا بدلاً عنَّا. أنا قد تَدَبَّرْتُ، شخصيَّاً، أمرَ تحويلِ أيِّةِ أفكارِ، بصيرةٍ سايكولوجيَّة، تاريخ أو فن تعلَّمتُها من الرَّجُلِ إلى توكيدٍ لهويَّتِيْ الخاصَّة ومعتقداتي الخاصَّة حتَّى أتمكَّن من استخدام كُلِّ ذلك على سبيلِ نِمُوِّي النَّفسي والرُّوحِيْ. وقد كُنتُ، آناءَ كُلِّ ذلكَ وفي ذاتِ الوقتِ، على حُبٍّ للمرأة وإدراكٍ لمشاكلِها، كما شَهِدْتُ كِفاحَها من أجل التَّطَوُّر والارتقاءْ. أنا أؤمنُ، بعبارةٍ أخرى، بأنَّ الثَّورةَ هُنَا- كما عندَ أيِّ حيثٍ آخرٍ- تجيءُ من تَغَيُّراتٍ عميقةٍ في أَنْفَسِنَا تَنْفُذُ بأثَرِهَا في حياتنا الجَّمعيَّة.
إنَّ الكثيراتِ من النِّساءِ العاديات، مُؤَدِّياتِ الأعمال المنزليَّة اليوميَّة الرَّوتينيَّة، المقبولات اجتماعيَّاً، كُنَّ على تَمَسُّكٍ بطقوسٍ وشعائرٍ مُنَسَّقَة، كُنَّ وسائلَ للتَّعبير عن الحُبِّ والعناية والحماية. ينبغي علينا، كنساء، إيجاد طرقٍ أخرى للتَّعبير عن مُخْتَلَفِ شِكُولِ الولاء والوفاء وذلكَ لأنَّنَا لن يكُنْ بِوُسْعِنَا حَلَّ مُشكلةِ تحرير أنفُسِنَا من تكريسِها فقط للأعمال المنزليَّة اليوميَّة الرَّوتِينيَّة دونَ أن نفهمَ، أَوَّلاً، لِمَ نحنُ، كنساءٍ، كُنَّا دومَاً نقومُ بإنجازِ أمثال تِلك الأعمال جميعاً ونشعرُ بالذَّنبٍ إن كُنَّا غيرَ مُؤَدِّياتٍ لها. أعني بذلكَ أنَّهُ يجبُ علينا، كنساء، إقناع أولئكَ الذين نُحبُّهم بأنَّ هنالكَ سُبُلٌ أُخرَىْ لإثراء حيواتهم. إنَّ بعضاً من تلك الانشغالات كانت قد شَكَّلَت لَنَا، كنساء، سلوكَاً تعويضِيَّاً. البيتُ كان هو مملكتنا الوحيدة، كنساء، وهو يعودُ علينا بمُتعٍ كثيرةٍ وعِنْدَهُ نُكافَاُ نحنُ، كنِسَاءٍ، بِحُبٍّ وجمالٍ وحِسِّ إنجازْ. ولئن نحنُ نبتَغِيْ لطاقتِنَا وقُوَّتِنَا أن تُصْرَفَا عبرَ قنواتٍ أخرى سيتعيَّنُ علينا، والحالُ كذلك، الاشتغالَ على حلٍّ انتِقَالِيٍّ قد يحرمُنَا تمامَاً من عالمٍ شّهِيٍّ كانَ لَنَا. بلى، قد يكن ذلك صحيحَاً. بيد أنِّي أرى، من ناحيةٍ أخرى، أنَّه يتوجَّب علينا هُنَا أيضاً التَّواؤُم مع حسِّ المسؤوليَّة المُتَأَصِل والمُتَجَذِّر عميقَاً فينا. ذلك يعني، بالنِّسبةِ لنا كنساء، إيجادَ طريقةٍ أكثر إبداعَاً على سبيلِ الحُبِّ والتَّعاون، طريقةً أكثرَ إبداعَاً على سبيلِ تربيتِنا وتعليمنا لأطفالِنَا أو على سبيلِ عنايتِنَا بالبيت، كما هو يعني لنا أيضَاً إقناع أولئك الذين نُحبِّهُم بأنَّ هُنَالِكَ طُرُقٌ أخرى لإنجازِ تلك الأشياءِ جميعاً. وأقولُ هُنَا إنَّهُ فيما كثيرَاً ما تُصَيِّرُ مُختَلَفُ القِيُودِ المفروضة على حيواتِ النِّساءِ تِلكَ الحيوات مُقتَصِرَةً على ما هو شخصي تُنْشِئُ وتُحفِّزُ القيودُ إِيَّاهَا فينا، نحنُ معشر النِّساء، من ناحيةٍ أُخرَىْ، مَلَكَاتٍ فقدها الرِّجَالُ، بدرجةٍ ما أو أُخْرَىْ، في عالمٍ تنافُسِيَّ السِّمت والنِّزُوعْ. أعتقدُ أنَّ النِّساءَ يَصُنَّ فيهُنَّ صلةً أكثرَ إنسانيَّةً بالكائنات الإنسانيَّة واَنَّهُنَّ لَسْنَ مُفْسَدَاتِ بالطَّابِع اللَّا شخصيِّ للعلاقات القائمة على اتفاق أو اختلاف المصالح، فحسبْ. أنا قد رَقِبْتُ وشَهِدْتُ فِعْلَ المرأةَ، عن كَثَبٍ، في مجالات القانون، السِّيَاسَة والتَّعليم وذلك هَيَّأَ لي أن أرى أنَّهُ بِفِعْلِ موهبةِ المرأةِ وبصيرَتِهَا النَّافِذَة آنَ تَعَلُّقَ الأُمُورِ بالعلاقات الشَّخْصِيَّة، على وجه التَّعيِين، يغدُو بإمكانِهَا التَّعامُلَ بِفَعَاليَّةٍ أكبَرَ مع شرور وسُوءَاتِ الظُّلمِ والحرب والتَّحامُل والتَّعصُّب والعُنصِرِيَّة. أنّا لَدَيَّ حُلُمٌ بامرأةٍ تُفعِمُ وتُوسِمُ كُلَّ المِهَنِ بخاصيَّةٍ جديدةْ. أنا أبتغي عالماً مُختَلِفَاً هو ليس ذاكَ العالم الذي وُلِدَ من حاجةِ الرَّجُلِ إلى القُوَّةِ التي هي أصلُ الحرب والظُّلمْ. يجبُ علينا خلق امرأةٍ جديدةْ.
ماذا عن سُكَّان الأزقَّة والحواري والعشش؟ ماذا عن الفقر والمسغبة؟ إنَّ طلوعَ فجرِ إنسانٍ جديدٍ هو الكفيلُ، في المقامِ الأَوَّل، بألَّا يسمح بميلادِ إنسانٍ ما أو آخرٍ عِندَ حيثِ الفقرِ والمَسغَبَةْ. أعني هنا أنَّنِي أبتغِي حدوثَ ارتقاءٍ وتَطَوُّرٍ في نوعيَّة الكائنات الإنسانيَّة، ذلكَ سَيَّمَا وأنَّنَا نُدرِكُ مُسْبَقَاً أنَّ شرورَ المُخَدِّرَات، الجريمة والحرب والظُّلم وانتفاء الإنصاف ليس بالوُسْعِ القضاء عليها، أو على الأقلِّ الحَدِّ من تَفَشِّيْهَا، فقط عبر مجرَّد إبدَالِ نظامٍ إدارِيٍّ، أو سياسِيٍّ، ما بنظامٍ إداريٍّ، أو سياسيٍّ، آخرْ. إنَّ الإنسانيَّةَ هي ما يُفْتَقَرُ إليهِ في قادتِنَا. أنا لا أُريدُ أن أرى النِّساءَ يَتَّبِعْنَ ذاتَ النَّمَطِ من الوُجُودْ. إنَّ تأكيد السِّمات الفرديَّة والفِكر كان محظورَاً، على النِّساء، من قِبلِ الطُّهرَانِيِّين المسيحيِّين وهو الآنَ محظُورٌ بذاتِ القدرِ، على النِّساءِ، من قِبَلِ المُتطرِّفين الغُلاة المُتَشَدِّدِينْ. لكنَّ المشاكل العمليَّة هنا كثيرَاً ما يُمكنُ حلُّها عبر سبيلِ التَّحريرِ النَّفسِي فحينذَاكَ يُحرَّرُ الخيالُ وتُحَرَّرُ المهارات ويُحرَّرُ الذَّكاءُ كي يكتشفَ حلولاً لأمثالِ تِلكَ المشاكل. أنا أرى نساءٍ كثيراتٍ في حركة تحرير المرأة يُفَكِّرْنَ على نحوٍ وَسْوَاسِيٍّ دائرِيٍّ بشأنِ مشاكلٍ بالإمكانِ حلَّهَا آنَ ما تكُن الواحدَةُ مِنَّا حُرَّةً عاطفيَّاً ومن ثَمَّ بِوُسْعِهَا التَّفكير والفعل على هُدى رؤيةٍ واضحة. إنَّ الغضبَ الأعمَىْ غيرَ المُوجَّه والعدائيَّات الهَيَجَانِيَّة ليست هي بأسلحةٍ فعَّالَةٍ على هذا السَّبيل إذ ينبغي لكُلِّ أولئكَ أن تُحَوَّلَ إلى فعلٍ جَلِيَّ الرُّؤْيَةِ والمَقصَدْ. أعني بذلكَ أنَّ على كُلِّ امرأةٍ أن تَتَدَبَّرَ مشاكلَها الخاصَّة قبلَ أن يَكُنْ بِوُسْعِهَا العمل بفعاليَّةٍ في مُحيطِهَا وإلَّا فإنَّهَا آنذَاكَ سَتَكُنْ، ببساطةٍ، مُضِيْفَةً عِبءَ مشاكلها الخاصَّة إلى عِمُومِ المشاكل الجَّمعِيَّة الأخرى التي ما فَتِئَتْ تنُوءُ بثِقْلِ كلكلها على جَمْهَرَةِ النِّساءْ. إنَّ حلُول المرأة الفرديَّة وشجاعتها تغدوان، والحالُ كذلك، مثلَ نِمُوٍ خِلْيَوِيٍّ، مِثلَ نِمُوٍّ عُضَوِيٍّ يُضَافُ إلى تركيبةِ الارتقاء العامَّة الخاصَّة بالنِّساءْ. والشِّعاراتُ هُنَا لا تَهَبُ قُوَّةً وذلكَ لأنَّ التَّعميماتَ، في هذا المُتَّصَلِ، ليست هي بالصَّحيحة، أو ليست هي بالدَّقيقَةْ. إنَّ نساءَ ذَكِيَّاتٍ كثيراتٍ ورجالَ ذوي قابليَّةٍ للتَّعاون مُغَرَّبُونَ الآنَ، في هذا المُتَّصَل، بِفعلِ التَّعميماتْ. ثُمَّ إنَّ تجنيدَ كُلِّ النِّساء لعملٍ بعضَهُنَّ غيرَ مُناسِبَاتٍ أو لائقاتٍ له ليس بالشَّيءِ الفَعَّالْ. إنَّ المجموعة- أو الجَّماعة- لا تهب دومَاً القُوَّة وذلكَ لأنَّها تتحرَّك وتنشط فقط من عِندَ حَدِّ قاسمِ الفهم المُشتَرَك الأدنى، كما هي تُضْعِفُ إرادةَ الفرد وتطمس المساهمة الفرديَّة. وأرى هُنَا أنَّ الاعتراضَ على نِمُوِّ الإدراك الفردي وارتقائهِ لدى النِّساء، أو أو إهمال مثل ذلك النِّمُوِّ والارتقاء، يعني العمل ضِدَّ منفعةِ المجموع الذي يرتقي، نوعيَّاً، بسبيلِ البحثِ والتَّعَلُّمْ. على كُلِّ امرأةٍ أن تَكُنْ على درايةٍ وبصيرةٍ بمشاكلِها الخاصَّة، بمعوقاتِها الخاصَّةْ. أنا أَنْشُدُ كُلَّ امرأةٍ أن تتحقَّقَ من أنَّهَا بِوُسْعِهَا أن تَغْدُو سَيِّدَةَ مصيرِهَا. تِلكَ فِكْرَةٌ مُلْهِمَةْ، سَيَّمَا وأنَّ لومَ الآخرين يعنِي، فيما يعنِي، أنَّ الواحدةَ مِنَّا شاعرةً بِقِلَّةِ الحِيلَةْ. إنَّ أفضلَ ما قد أَحْبَبْتُهُ في علم النَّفس هو المفهوم الذي مُؤَدَّاهُ أنَّ المصيرَ شيءٌ جُوَّانِيٌّ، شيءٌ مُتاحٌ لفعلِ أيدِيْنَا. وفيما نحنُ، كنساءٍ، ننتظرُ الآخرين كي يُحرِّرُونَا لن نتمكَّن، والحالُ كذلك، من إنماء القُوَّة اللازمة فينا لكي نقُم بذاكَ التَّحرير بأنفُسِنَا. وحينما لا تكُن امرأةٌ ما، أو أخرى، قد تعاملن مع هزائمها الخاصَّة والحميمة، عداواتها الخاصَّة ومُخْتَلَفِ ضِرُوبِ فشلِها وإخفاقاتِهَا بطريقةٍ تُؤَدِّي إلى تجاوزٍ لها، ولو نِسبِيَّاً، سَتَجْلُبُ تلك المرأةُ معها "حُثالاتٍ" من كُلِّ تِلكَ الهزائم الشخصيَّة والحميمة، عداواتها الخاصَّة ومُختَلَفِ ضِرُوبِ فشلِها وإخفاقاتِها إلى الجَّماهةِ التي قد تعملُ هي معها على سبيلِ التَّحرير ومن ثَمَّ هي قد لا تفعل شيئاً آنذاكَ سوى زيادةِ انعكاساتِ تِلك الجَّماعةِ السِّلبيَّةْ. ذلكُم يضع التَّحرير عِندَ قاعدةٍ شديدةَ الضِّيقْ. إنَّ التَّحريرَ يعنِي القُدرة على تجاوز العوائقْ. وتِلكَ العوائق تتمثَّلُ في أنماطِ مُعتَقَدَاتٍ وسِلُوكٍ تعليميَّة، دينيَّة، عِرقيَّة وثقافيَّة تَتَوَجَّبُ مِنَّا، كنِساء، مُواجَهَتْهَا وليس هنالِكَ، بحسْبِيْ، أيُّ حلٍّ سياسيٍّ يفِي، وَحْدَهُ، بمُواجهتِهَا بصُورةٍ كُلِّيَّة أو شاملةْ. الطُّغاةُ الحقيقيُّون هُنَا هم الشِّعور بالذَّنب، التابوهات (المحظورات) والإرث التَّعليمي. أولئكَ هم أعداؤنا، كنساء، ونجنُ بِوُسْعِنَا مُنازَعَتِهِمْ. إنَّ العدُوَّ الحقيقي لنا هنا، كنساء، هو ما قد تَمَّ تعليمنا وتلقيننا له، ليس دومَاً مِن قِبَلِ رِجَالٍ وإنَّمَا كثيرَاً من قِبَلِ أُمَّهاتِنَا وجَدَّاتِنَا.
مُشكلة الغضب أنَّهُ يجعلُنَا، كنساء، نُفْرِطُ ونُغالِي جِدَّاً في تقديرِ سُوءِ حالِنَا وحالةِ قضيَّتِنَا ونمنع أنفُسَنَا من بلوغِ الوعيِ والإدراك العميق لأُسِّهَا وجَذْرِهَا. إنَّنَا، كنساء، كثيرَاً ما نُؤذي ونَضُرُّ قَضِيَّتَنَا كثيرَاً بِفِعلِ الغضب فالغضبُ شيءٌ مثل اللِّجُوءِ إلى الحربِ كَحَلٍّ مزعُومٍ لمُخْتَلَفِ مشاكلنا الموروثةْ.
إنَّ مشاكل الفقرَ والظُّلم والتَّحيُّز لا تُحَلُّ بِواسِطَةِ أيِّ نظامٍ مُجرَّدٍ مصنوعٍ من قِبَلِ البَشر أنا أنشُدُ أن تُحلَّ تِلكَ المشاكل من قِبلِ نَوعيَّةٍ أعلى وأسمى من الكائن الإنسانِي حيثُ، بِفِعْلِ قانون تقييمِه الخاص للحياة الإنسانيَّة والشؤون الإنسانيَّة، لن يَسمِح ذاكَ النَّوع من الكائن الإنسانِي، في المقام الأوَّل، بِتَفَشِّي مُختَلَفِ شِكُولِ اللامبالاة والظُّلم والفقر والتَّحَيُّز في المُجتمع الإنساني. بذلكَ المعنى يغدُو كُلُّ ما نفعَلُهُ على سبيلِ تطوير وتنمية تِلكَ النَّوعيَّة الأعلى والأسمى من الكائن الإنساني فيما بيننا مُتَخَلِّلَاً لجِماعِ مُجتَمَعِنَا. إنَّ الاعتقاد أنَّهُ بالوُسْعِ تجنيدِنَا جميعَاً، كنِساء، دُونَ تدريبٍ ودُرْبَةٍ ودُونَ تهيَئَةٍ ودُونَ أَيِّ مهاراتٍ إنسانيَّة، على سبيلِ فِعْلٍ جَمَاعِيٍّ هو ما قد منع المرأة من الارتقاء والتَّطَوُّر نوعيَّاً كإنسان وذلك لأنَّهُ هو ذاتُ التَّوكيدِ العتيق القائل إنَّ الخَيرَ الوحيدَ الذي يُمكِنُ فِعلُهُ في هذه الدُّنيا كائنٌ نِطَاقُهُ خارجَ أنفُسِنَا وعِندَ حيثٍ بَرَّانِيٍّ نَقُومُ نَحْنُ عِنْدَهُ بإنقاذِ الآخرينْ. حينما نفعلُ ذلكَ نحنُ نُغفِلُ حقيقةَ أنَّ الشَّرَّ يجيءُ من ثُغرات المثالب والمعايب الشَّخصيَّة، من عِندَ طَرَفِ الكائنات الإنسانيَّة غيرَ المُطَوَّرَة وغيرَ المُنَمَّاةِ نوعيَّاً. نحنُ نحتاجُ إلى نماذج مِثاليَّة، إلى بطلات وقِيَادِيَّاتْ. ومن بين القانونيَّات والمحاميات الكثيرات اللائي تخرَّجنَ من جامعة هارفارد الأمريكيَّة قد نَكُنْ وُهِبْنَا فقد واحدةٌ من النِّساء المُتفرِّدَات والمُتَمَيِّزات من حيثُ المواهب والمَلَكَاتْ. لكنَّ واحدةً فقط من أمثالِ أولئكَ النِّسَاء تَكُن ذاتَ أَثَرٍ قد لا يُمكنُ تقديرُ مداه. ولئن نحنُ نستمرّ، باسم السِّياسة، في التَّهوينِ من شأنِ أولئكَ الذين واللواتي قد طَوَّرُوا وطَوَّرْنَ مهارتهم ومهاراتِهُنَّ إلى الحدِّ الرَّفيعِ الأقصى ووصفهم ووصفهن بأنَّهم وأنَّهُنَّ مُجرَّدَ نُخبةٍ محظوظةٍ، أو مُجرَّدَ أفرادٍ استثنائيِّين من النَّاس، سوف لن يكُن أبدَاً بِوُسْعِنَا، كنساءٍ ورجالٍ معاً، عون الآخرين والأُخريات على تحقيقِ ما قد تنطوي عليهِ أنفسهم وأنفُسِهُنَّ من إمكاناتْ. نحنُ بحلجةٍ إلى نماذج مُثْلَىْ لخلق الكائنات الإنسانيَّة، تمامَاً كما نحتاجُ إلى أمثالِ تِلكَ النَّماذج، على هيئةِ خُططٍ، في مجالِ الهندسة المِعماريَّةْ.
إنَّ الهجومَ على فكرة التَّطَوُّر والارتقاء الفردي تنتمي إلى عُصُورِ الاشتراكيَّة المُظلِمَة. ولئن أكُن أنا قادرةً على إلهامِ، أو عونِ، النِّساء اليومَ فذلكَ بسببِ أنِّي قد ثابرتُ على الارتقاءِ بنفسي. بَلَىْ، أنا قد حُرِفْتُ كثيرَاً عن مسارِ ارتقائي وتنميتِي الذَاتِيَّة وتَطَوُّرِي ذاكَ بفِعلِ انشغالِي بمهامٍ وواجباتٍ أُخرَىْ. غيرَ أنِّي لم أتخَلَّى أَبَدَاً عن ذاكَ الإنشاء والخَلق المُنضَبِط الدَّؤُوب والمثابر لإدراكي وتوعية نفسي وذلك لأنِّي تحقَّقْتُ من أنَّهُ عِندَ قاعِدَةِ، أو قاعِ، فَشَلِ نظامٍ ما، أو آخرٍ، في تحسينِ حظِّ وقَدَرِ الإنسانِ في هذه الحياة تقبعُ كائناتٌ إنسانيَّةٌ ليست ناقصةً، فَحَسْبْ، وإنَّمَا هي، فوقَ ذلكَ، قابلةً للإِفسَادْ.
إنَّهُ لمشن المُلْهِمِ، في هذا المُتَّصَلِ، القراءةُ عن نِساءٍ تَحَدَّيْنَ تَكَلُّسَ أعرافِ وتقاليدِ ومحظُوراتِ عهُودِهِنَّ المُخْتَلِفَةْ: نينون دي لينكلوس Ninon De Lenclos في القرن السَّابع عشر الميلادي؛ لو أندرياس-سالومي Lou Andreas-Salome في عهد فِرَويِد، نيتشة وريلكه؛ هان سَوْيِنْ Han Suyin في زماننا هذا؛ أو البطلات الأربع في رواية ليزلي بلانش Lesley Blanch المُسمَّاة "شواطئ أكثَرَ بَرِّيَّةً للحُب Wilder Shores of Love".
أنا أرى مقداراً ومدى عظيماً من السِّلبيَّة في تحرير المرأة. إنَّ الهجومَ على الكُتَّاب الذِّكُور أقَلَّ أهَمِّيَّةً عِندِي، كامرأة، من اكتشاف وقراءة مُؤلَّفات الكاتبات من النَّساءْ. كما أنَّ الهجُومَ على الأفلام المُسيطرة عليها السَّطوة الذِّكُوريَّة أقلَّ أهَمِّيَّةَ عِندِي، كامرأة، من صُنعِ وتوليفِ أفلامٍ من قِبَلِ النِّساءْ. ولئن يكُن لسُكون النِّساء أن ينفجر مثل بُركانٍ أو زلزالٍ لن يُقيَّض للنِّساءِ، في مثلِ تلكَ الحالة، إنجاز أيِّ شيءٍ سوى كارثة. أعني بذلكَ أنَّ ذاكَ السِّكُون بالوُسْعِ تحويلَهُ إلى إرادة خلَّاقَةْ. كما أعني به أيضاً أنَّ تعبير المرأة عن نفسها، في هذا المُتَّصَلِ، في الحربِ والاقتتال العنيف، بمُختلفِ أشكالِهِ، سيُشكِّلُ تقليدَاً ومُحاكاةً لطرائق وأساليبِ الرَّجُلْ. سيكُن من الحَسَنِ هُنَا دراسة كتابات النِّساء اللائي كُنَّ معنيَّاتٍ بالعلاقات الشَّخصيَّة أكثرَ من عِنَايَتِهِنَّ بنزاعاتِ التَّاريخ، الدَّاميةَ العنيفةَ مِنهَا، على الأخَصْ. أنا أحلُمُ بمُحاميَّاتٍ أكثرَ إنسانيَّةً، بِمُعَلِّمَاتٍ أكثرَ إنسانيَّةً، بِسِيَاسِيَّاتٍ أكثرَ إنسانيَّةً. إنَّ صيرورة المرأة كالرَّجُل، أو شبيهةً بالرَّجُل، ليس هو الحل هُنَا. هُنالِكَ تقليدٌ مُوغِلٌ جِدَّاً في إفراطِهِ للرَّجُل في مُختلفِ أوساطِ الحركةِ النِّسائيَّة. ذلكَ هو فقط مُجرَّد إزاحة لمفهومٍ مُعيَّنٍ للقُوَّةِ والتَّمكين من طرفٍ إلى طرفٍ آخرْ. أعني هنا أنَّ تعريف المرأة للقُوَّة والتَّمكين ينبغي له أن يكُن مُختَلِفَاً عن تعريف الرَّجل لهما وأنَّهُ ينبغي أن يُؤَسَّسَ ذاكَ التَّعريف على الصِّلات والعلاقات الإنسانيَّة مع الآخرين من النَّاسْ. إنَّ النِّساءَ اللاتِي يَتَمَاهَيْنَ حقَّاً، أو بالفِعل، مع مُضطهِدِيْهُنَّ، كما قد يُقال في بعضِ العبارات الشَّائعة، هُنَّ النِّساء اللائي يَتَصَرَّفْنَ كما يتصرَّف الرِّجال تماماً ومن ثَمَّ هُنَّ "يُذَكِّرْنَ" (من "التَّذكير" المقابل للتَّأنيث) أنفُسَهُنَّ. ذلكَ الطِّرازُ من النِّساء ليس هو، في اعتِبَارِي، عينَ الطَّراز مِنْهُنَّ الذي ينشُدُ، حقَّاً، تغييرَ أو تبديلَ الرَّجُلْ. وخُلاصةُ القَوْلِ هُنَا هي إنَّهُ ليس هُنَالِكَ تحريرٌ لأيِّ مجمُوعةٍ على حسابِ مجمُوعةٍ أخرى وإنَّ التَّحريرَ يجيءُ، أو يُنَالُ، فقط على هيئةٍ كُلِّيَّةٍ مُتَنَاغِمَةٍ ومُنْسَجِمَةْ.
إنَّ التَّفكير الجَّمَاعِيَّ الحَشْدِيَّ لا يَهبُ قُوَّةْ. إنَّهُ يُضعِفُ الإرادة. كما أنَّ تفكيرَ الأغلبيَّةِ قاهِرٌ لأنَّهُ يكبَحُ النِّمُوَّ النَّفْسِيَّ-الرُّوحِيَّ الفردي ويبتغي إحلالَهُ بصيغةٍ جَمعِيَّةٍ شِمُوليَّةٍ طاغِيَةْ. ثُمَّ إنَّ النِّمُوَّ النَّفْسِيَّ-الرُّوحِيَّ للفرد يُصَيِّرُ العَيشَ الجّمَاعِيَّ المُجْتَمَعِيَّ ذا نَوعِيَّةٍ أسمى وأرقَىْ. وفي جِمَاعِ ذلكَ كُلِّهِ يغدُو بِوُسْعِ المرأةِ المُتَطَوِّرَةِ نفسيَّاً ورُوحِيَّاً الاعتناءَ بِكُلِّ واجباتِهَا الاجتماعيَّة وبكيفِيَّةِ التَّصَرُّفِ على هيئةٍ فَعَّالةٍ ومُثْمِرَةْ.
هامش:
* نُشِرَ هذا المقالُ، أولاً، فيThe Massachusetts Review, Winter-Spring 1972 ، ثم في سِفرِ أناييس نِنْAnias Nin أدناه:
IN FAVOUR OF THE SENSITIVE MAN, A Star Book, The Paperback Division of W. H. Allen & Co. Ltd, London, 1983.
اكتملت هذه التَّرجمة في أواخر يوليو من العام 2022م
khalifa618@yahoo.co.uk
//////////////////////