ملاحظات حول قضايا أزمة المياه وموقف مصر من “إتفاقية عنتيبى”

 


 

هاني رسلان
19 December, 2012

 



رغم تطاول المرحلة الإنتقالية فى مصر بعد ثورة يناير 2011 ، وما يرتبط بذلك من خلافات وصراعات سياسية تشغل الداخل المصرى وتستهلك قواه ، إلا أن ازمة المياه فى حوض النيل تظل شأنا بالغ الاهمية بالنسبة لمصر سواء كان ذلك قبل ثورة يناير او بعدها .
ويمكن القول دون الدخول فى الكثير من المقدمات، أن ازمة قضايا مياه النيل بالنسبة لمصر تنقسم الى محورين، أولهما يتعلق بالإطار القانونى لمبادرة حوض النيل المشتركة المعروفة إعلاميا باسم إتفاقية عنتيبى، اما الثانى فيتعلق بالسدود الاثيوبية وبشكل خاص سد النهضة.
غير اننا سنركز فى هذا الحيز على القضايا المرتبطة باتفاقية عنتيبى، حيث وقعت على هذه الإتفاقية 6 دول وهى اثيوبيا واوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندى ، وقد بقيت 3 دول لم توقع حتى الآ ن وهى مصر والسودان والكونغو الديمقراطيه.وقد قررت الدول الموقعة مؤخرا ان تبدأ فى اجراءات التصديق ، وهذا بدوره يعنى امكانية  دخول الاتفاقية الى حيز التنفيذ ، وأن تعمل هذه الدول على إنشاء مفوضية لتنظيم التعاون المشترك فيما بينها . والسؤال ما هو تاثير ذلك على مصر؟
ملاحظات أساسية
هناك عدة نقاط  يجب الاشارة اليها فى هذا السياق :
1-ان هذه المفوضية لن تكون ملزمة للدول غير الموقعة، كما انها لن تكون ممثله لحوض النيل ، بل تمثل جزءا منه فقط، وهذا الأمر له أهميته الخاصه، لانه بعنى ان هناك انقساما فى حوض النيل وأن أى مشروعات قد تواجه عقبات فى التنفيذ من حيث المشورة الفنية والتمويل، لأن هذا السلوك سيكون مخالفا لقواعد القانون الدولى المتعارف عليها، ولانه أبضا سيعد تدخلا سلبيا وعملا عدائيا بالنسبة للدول غير الموقعه فى حالة اعلانها التضرر من هذه المشروعات .
2-ان الدول الموقعه خمسه منها توجد فى الحوض الاستوائى والدولة السادسة هى اثيوبيا وتقع فى الحوض الشرقى والتعاون بين هذين الحوضين لن تكون له فوائد ايجابية كبيرة بالنسبة للطرفين، وهناك منظمة للتعاون تجمع بلدان النيل الاستوائى ولم تنجز شيئا ذا بال طوال السنوات الماضية . كما أن إنضمام اثيوبيا مؤخرا لهذه المجموعة هو انضمام سياسى فى جوهره.
3– لا يوجد خطر حقيقى على مصر من ناحية الاتجاه الجنوبى الاستوائى ، لسببين : الأول أن ما تحصل عليه مصر من هذا الإتجاه هو 15% فقط من حقها التاريخى واستخداماتها الحالية ، كما أن  الطبيعة الطبوغرافيه وطبيعة تكوين النهر من عدة أفرع وضعف معامل الانحدار يجعل من الصعب انشاء مشروعات كبيرة، حيث لا يكتسب النيل شكله المعروف الا عندما يبدأ فى الخروج من اراضى دولة جنوب السودان متجها نحو الشمال وياخذ إسم النيل الابيض ، وفى الوقت نفسه فانه فى حالة اقامة اى مشروعات فى هذه المنطقة، فان  نسبة تاثيرها على مصر ضعيفة وتصل الى 10% فقط بمعنى ان اى مشروع جديد سوف يستخدم 10 مليار م3 اضافية فى هذه المنطقة فان تاثيره على مصر هو تقليل حصتها بمقدار مليار م3 واحد ، وذلك بخلاف نسبة التأثير لمشروعات الهضبة الإثيوبية التى تصل إلى 90% .
4- وبالتالى فان استمرارية الوضع الحالى فيما يتعلق بالانقسام تمثل وضعا غير مريح بالنسبة لمصر، ولكنها لا تمثل خطرا ماثلا فى الوقت الراهن ، وعلى مصر التمسك بموقفها الرافض قطعيا للتوقيع ما لم يتم الوصول الى حلول وتفاهمات حول النقاط الخلافية ، اذ ان من يقول بالتوقيع لا يقدم الا حججا ضعيفة وغير واقعية ، تتمثل فى ان مصر لا يجب ان تعزل نفسها وان تستجيب للتغيرات التى تعصف بالاقليم، وان التوقيع سوف يوفر لها ان تكون داخل المفوضية وتعرف ما يدور، وأن تنمى اتجاه التعاون . وهذا كله مردود عليه بان التوقيع سوف يهدر مركز مصر القانونى المستمد من الاتفاقيات السابقة وسوف يكرس اوضاعا جديدة فى غير صالح مصر، كما انه سوف يهدد حقها التارخى وحصتها الحالية، وسيكون السؤال ماذا الذى تستفيده مصر من التوقيع؟ وما الذى سوف تستطيع تحقيقه من خلال التواجد غير دور المتفرج العاجز، فهل ستقوم مثلا بالتذلل وطلب الرحمه أم ماذا ؟ وبالإضافة إلى ذلك فإن توقيع مصر  سيكون مقدمة للحصول على تنازلات إخرى حيث ستظهر قضايا بيع المياه أو مبادلتها أو نقلها خارج الحوض، وهذا هو الجانب السياسى والاستراتيجى المؤجل والخفى والذى تلعب عليه اطراف من خارج المنطقة، وبخاصة اسرائيل، وهناك من يروجون لمثل هذا الحديث بشكل علنى من بعض رجال الاعمال من أجل مصالح محدوده وضيقة .
إستخلاصاتعامة
هنااك عدة نقاط أساسية وهامة بالنسبة لتشكيل الموقف المصرى  :
-إنما تحصل عليه مصر من المياه هو حق لها وليس منحه من أحد،لأنه هبه من الله منذ آلاف السنين وليس من دول المنابع، ومن ثم يجب ايقاف سياسة التحدث وكأن مصر تطلب شيئا غير مستحق، وترديد البعض القول بأنه ماذا سنفعل تجاه تصميم الآخرين على التوقيع المنفرد، فمصر ليست دولة صغيرة ولديها قضية عادله ذات بعد أخلاقى واضح.
-ان الطبيعة الحاكمة للازمة الحالية ذات أبعاد سياسية واستراتيجية وليست تنموية أوفنية فقط، كما تحاول أثيوبيا وبعض الدول الاخرى أن تروج لها،ومن ثم فان المعالجة يجب ان تسير فى نفس الاتجاه .
-إن جوهر الازمة الحالية هو السعى لتغيير القواعد الحاكمة لتوزيع المياه على حساب مصر، وهذا أمر صعب الحدوث ما لم تقم مصر بالتوقيع،لأن هناك اتفاقيات وقواعد دولية مستقرة .
-يجب التوضيح بشكل كاف وبطريقة مستمره على أن  شكاوى بعض الدول الافريقية من مطالبات مصر بإحترام مبدأ الاخطار المسبق،لا تنبع من سعى مصر للهيمنة أو السيطرة أو التحكم،بل أن هذا  أمر متفق عليه  دوليا فى كل أحواض الأنهار فى العالم، والمياه ملك مشترك لكل الدول المتشاطئه فى حوض واحد وليس لدول المنابع دون دول الممر أو المصب .
- يجب التوضيح والتركيز الكامل على أن مصر تسعى للتعاون دائما، وهناك الكثير من الوقائع التى تشهد على هذا تاريخيا وفى الوقت الحالى، فمصر لاتقف حجر عثرة أمام تنمية أى دولة فى منابع النيل،بل تساعد قدر ما تستطيع ، وتبحث عن الحلول الوسط وترغب فى التوافق والتعاون والمساعدة، سواء فى قضايا المياه أو الاستثمارات أو التجارة المتبادلة او المساعدات الفنية او التنموية، ولكن فى اطار المصالح المشتركة وليس فى إتجاه واحد .
- يجب ايضا أن نذل جهدا أكبر لرفع أى إلتباس قد يقع، والتوضيح لدى الراى العام والاعلام، بالتأكيد والتوضيح المستمر، أن ازمة المياه تخص مصالح الدولة المصرية وتتجاوز تغير النظم لأنها قضية وطن وشعب وحضارة امتدت لالاف السنين على ضفاف النيل، وبالتالى الإبتعاد بهذه القضية عن مجال التراشق والصراعات السياسية حول أخطاء النظام السابق تجاه افريقيا، ثم سحب ذلك على قضايا المياه. فإن ذلك فى الحقيقة يضر بالموقف المصرى كثيرا،ويعنى التراجع عن مطالب مصر الأساسية الثلاثة المعروفة، وهذا أمر غير ممكن على الإطلاق .
- لذا يجب التشديد على ان وفود او جهود الدبلوماسية الشعبية تجاه بلدان حوض النيل، يجب ان تقتصر على تشجيع التعاون واواصر الاخوة والمصالح المشتركة دون التطرق لقضايا المياه او الموقف منها، وترك ذلك للجهات الرسمية المختصة فى وزارتى الخارجية والرى والاجهزة السيادية، فهناك الكثير من التفاصيل الفنية والتعقيدات التى تتداخل فى هذه القضايا والملفات .
- عدم السماح لممثلى بعض البعثات الدبلوماسية من بلدان حوض النيل بترويج معلومات خاطئه أو التحدث بقدر من عدم اللياقة  عن بعض المواقف أو وجهات النظر المصرية، فمن حق أى سفير لدى مصر توضيح وجهة نظر بلاده، ولكن ليس من حقه التدخل فى شئون مصر الداخلية عبر إطلاق أى توصيفات او تصنيفات سلبيه، كما يفعلالسفير الاثيوبى فى القاهرة على سبيل المثال . فالسعى الى العلاقات التعاونية يجب ان يكون فى اطار اللياقة والاحترام المتبادل وهذه قاعد اوليه لا يجب أن تغيب .
جريدة الاهرام 10 ديسمبر 2012

 

آراء