منحى فكر الانفصال: ازالة الغبن أم خطأ استراتيجى ؟ …. بقلم: سيف الدين عبد العزيز ابراهيم
25 May, 2010
سيف الدين عبد العزيز ابراهيم – محلل اقتصادى بالولايات المتحدة
Aburoba04@gmail.com
دأبت على نهج تناول الشان العام بغرض الاثراء ومن ثم المحاوله للتاثير عليه بهدف المصلحه العامه التى تدخل فى صميم طموحات وتطلعات الأهل فى السودان فى محاوله متواضعه منى لاضافة بعض المفيد الى السياسات العامه التى لها علاقة مؤثره بحياة المواطن. الاهتمام بالسياسات وليست السياسه هى ما أهدفه لايمانى واملى (او غشامتى ) فى ادخال بعض التعديلات التى يمكن أن تؤطر لاصلاح يفيد ولو القله من بنى جلدتى. ولكن ذلك البعد الاختيارى عن السياسه لايعنى عدم توفر الرأى أو التوجه الفلسفى تجاه مايعترى الساحه السياسيه ولكن لان الساحه السياسيه تعج بما فيه الكفايه من التنظير ولذا وجهت جهدى لتناول الشان العام من منظور السياسات التى تخدم المواطن مباشره.
ذلك النهج أحيد عنه أحيانا عندما يطرا على الساحه ما يجبرنى على الغوص فيه والادلاء حوله كما حدث مؤخرا عندما طرح الأخ الصديق الاستاذ محمد النور كبر (فى موقع سودانيز أون لاينز, كردفان أون لاين , ومواقع أخرى) رأيه حول دواعى وامكانية قيام دولة الغرب الكبرى (غرب السودان) سواء كانت متحده مع دار فور أو متمثله فى كردفان وحدها وقبل ابداء الرأى حول الطرح تحتم على الأمانه الفكريه أن أذكر نهج الطرح الذى أتى به الاستاذ كبر وهو ماظللنا ننادى به فى تناول الشان العام. بغض النظر عما نعتقد بشان فكره الا أن الأستاذ كبر قارئ وكاتب متمكن وله فكر قبل الراى ويتناول الامور بعمق وحذق يناى به عن العواطف مدعما بدلائله ودوافعه. تناول الاستاذ كبر انتهج المنحى العلمى فى العرض العام لما يدعو له بعيدا عن السطحيه التى ألفناها من دعاة أنصاف الافكار الذين تعج بهم الساحه والتى ترتكز على اثارة العواطف دون مخاطبة العقل حيث غلب على تحليل الاستاذ كبر فى دعوته تلك أو دفوعه لحتمية قيام دولة الغرب, غلب على طرحه التحليل المنطقى الذى يوصل الفكر مكتملا ليدع لك الحريه فى قبوله أو رفضه ولكنه يجبرك على احترام الراى لما له من منهجيه.
فى تقديرى المتواضع أن ما يتناوله الأخ كبر وكثير من المناصرين لذلك الطرح (حيث أن كبر ليس بأول من أطلق تلك الدعوه) لم يجانبهم الصواب وقبل الخوض فى تفاصيله لابد من الاشاره الى أن كل الشعوب, المجموعات العرقيه, المجموعات الاقليميه, الدينيه, أو أى مجموعه منضويه تحت لواء فئه او وحده لها الحق فى تقرير مصيرها والادلاء بدلوها فيما يتعلق بمصائرها وهو حق مكفول للكل لتقرير مصائرهم ولاوصايه فكريه أو سياسيه يمكنها أن تحبس أو تمنع تطلعات البشر لتقرير مصائرها الاستراتيجيه وبالتالى الوصايه مرفوضه.
ولكن فى تقديرى ان المنحى التأسيسى للدول قد تغير خصوصا بعد الحرب العالميه الثانيه حيث أرغمتها تجارب الحرب المريره لقبول مبدأ بروز أو دواعى جديده فى غاية الاهميه مؤثره على دواعى الانفصال سلبا أحيانا وايجابا فى أحيانا قليله. الا أن المستخلص من تلك التجارب ان الفائده المرجوه تتضاعف عشرات المرات بالوحده داخل القطر الواحد وبين الاقطار المتاخمه لبعضها مستشهده فى ذلك بتجارب المستعمرات البريطانيه فى شمال أمريكا وتوسعها لتشمل أراضى ملاكها الاصليين الهنود الحمر فى شمال أمريكا أو منزوعه قسرا منهم بواسطة الفرنسيين كما راينا فى شراء ولاية لويزيانا من فرنسا ومن ثم الزحف على الغرب الامريكى لتكون نواه للدوله أو الجمهوريه الامريكيه الحديثه (فى ذلك المسعى أقام الانجلوساكسون دولتهم بالقضاء على الهنود وهم السكان الاصليين). فى تاريخنا المعاصر نرى أوروبا تترنح وتعانى المخاض لتكون اتحاد اوروبى على غرار التجربه الامريكيه وان كانت أوروبا قد وعت التجربه متأخره ومعاناتها تمترس المجموعات بداخلها خلف الاثنيات واللغات والتقاليد وكثير من التعقيدات السياسيه التى تتطلب وقتا لتجاوزها. على نفس ذلك النهج هناك بادرة تكوين الاتحاد الافريقى وفى أمريكا الجنوبيه وبعد انتخاب نصف دسته من الاشتراكيين لقيادة دولها كما فى فنزويلا, اكوادور, البرازيل وغيرها, نرى ذلك المنحى يتبلور أيضا. هذه بالطبع ليست بدعوه لاقامة مقارنه عرجاء لاتستقيم بين الغرب وبين مانتاول وهو قيام دولة الغرب فى السودان ولكنها فقط خلفيه تاريخيه لتكتمل الصوره عند تناولنا لمشكل بهذ الحجم.
ليعلم عزيزى القارئ أننى لا أسوق دابتى هذه للحديث عن صلاحية انفصال الغرب أو جزء منه لأننى لست بالخبير فى قواعد شرح الانفصال ودواعيه وللغرب اهله مجتمعين أصوات وعقول راجحه مجتمعه يمكنها أن تقرر أو تصل لمبتغاها دون عون منى أو من من المنظرين ولكنى أسعى لوضع الامور فى اطار يوسع طريقة التفكير فى تناول الامور الاستراتيجيه والتى أعتقد وبكل تواضع أننى ملم ببعض جوانبها للأدلاء فيها وبها.
لقد قال أخوتى وأخواتى فى جنوب السودان كلمتهم وقرروا أن يكون الاستفتاء هو الفيصل للوصول الى مبتغاهم وغاياتهم بوسيله حضاريه وديمقراطيه ارتضاها قادتهم وهى الاستفتاء لتحديد ماينبغى وذلك حق مكفول وللجميع احترام رأيهم سلبا أم ايجابا ولكن ذلك لايمنع الجميع من ابداء الراى حول ذلك القرار متوشحين بنفس الاليه الديمقراطيه التى أرتضوها لتقرير مصيرهم. فى تقديرى المتواضع ان وجود الجنوب كمجموعه متباينه ضمنيا على مستوى الجنوب ووطنيا على مستوى القطر ككل (دون الاستخفاف أو التقليل من حجم الظلم والتهميش الذى طالهم وطال مناطق أخرى) الا انهم استراتيجيا كان يمكن أن يكون لهم صوت قوى ومؤثر على المدى البعيد بعد تجاوز السلبيات التى صاحبت الفتره الانتقاليه التى دوما تزخر بتلك السلبيات فى مرحلة التأقلم. ذلك مادعى له الراحل المقيم جون قرنق بفكره الثاقب ومنحاه الاستراتيجى حيث كان يدعو للوحده والعمل داخل القطر الكبير بسلبياته بغرض الاصلاح . انفصال الجنوب وقيام كيانه كدوله مستقله (اذا قرر أهل الجنوب ذلك) فان تك الدوله لن تجد مايميزها عن بقية الدول الافريقيه حولها من حيث الاهميه أو التميز الاستراتيجى الذى يمهد لخلق النفوذ العالمى وبالتالى عليها المنافسه كغيرها من الدول لجلب الاستثمار الدائم والتحالف الاستراتيجى مع الدول المؤثره على القرار الدولى والنأى بنفسها عن ترنح كثير من دول الجوار بالتالى لن تحظى (بعطف) ان لم نقل تعاون العالم معها ورعاية مصالحها كما كان يمكن أن يتم فى حالة وجودها الكونفدرالى داخل الاغلبيه المسلمه مما يوفر لها بعض الضمانات هذا اذا ارتضت والتزمت الطبقه الحاكمه لحكم القانون وسيادته.
نظريا اذا مال أهلنا فى الغرب الى الانفصال مجتمعين كردفان ودار فور, أو منفصلين كدولتين كما يدعو له الكثير من المفكرين والقاده من المنطقه, فستكون لهم نفس المعضله بغض النظر عن الغوص فى المقومات الاقتصاديه والطبيعيه والتى تسبق قرار الانفصال نفسه. هذه القرارات تحظى بقبول شريحه كبيره لتفشى الغبن والتذمر من سياسات المركز الاقصائيه والتى ظللنا ننادى باصلاحها ولكن ذلك القرار يعرف بالخيار التكتيكى وليس بالاستراتيجى, لأن الاستراتيجيه السليمه كما أسلفت فى مطلع هذا المقال هو الميل للوحده لما لها من مزايا لاتحصى ولكن تلك الوحده لابد أن تكون جاذبه من قبل المركز وعلى أرض الواقع وليست محصوره فى الخطاب السياسى فقط. ولكن ما أحذر منه هو تداعيات تلك الدعاوى للانفصال والتى لو تناولناها بتروى لرأينا أن مصير قرارات الانفصال التى سبقت وعلى مر التاريخ الحديث والمتوسط المدى نرى أن 88 بالمائه من المناطق والاقاليم التى انفصلت أو اعلنت انفصالها دخلت فى حروب. قد يأتى من يقول لك أن الدماء مطلوبه لزوم التضحيه واجابتى أن الغالب الاعم من الضحايا لتلك الحروب هم الأبرياء من نساء, اطفال, وشيوخ لا يد لهم فيما يحدث. دلتنى الاحصائيات التى اطلعت عليها فى مرحلة اعدادى لكتابة هذا المقال أن الغالبيه العظمى من الخراب للزرع والماوى والضحايا تصيب وتنال الابرياء والمستضعفين الذين يدعى هؤلاء الثوار انهم هبوا لنجدتهم. المثير للدهشه أن كثير من ولايات الاتحاد السوفيتى التى انفصلت عن الدوله الكبرى الآن تتسارع وتتدافع بالمناكب لتحظى بعضوية الاتحاد الاوروبى كبديلا للاتحاد السوفيتى الذى أنفرها بتحكم وسيطره دكتاتوريه من المركز على الاطراف وبالتالى تلك الدول لم ترفض الوحده من حيث المبدأ ولكنها رفضتها بسبب سياسات المركز المنفره وهو ما فشل بعض دعاة الانفصال عندنا فى السودان من استبيانه واختلط عليهم أن ما يعترى أهلنا ليست سلبيات الوحده وانما سياسات المركز المنفره وهى مايدفع لتغذية المنحى الانفصالى. أنا أدعم كل من يطالب بحقه رغم اختلافى مع منحى الانفصال لاهلى فى كردفان أو دار فور (أهلى فى الجنوب قالوا كلمتهم ويجب علينا احترامها رغم اختلافنا حولها) ولكن يتوخى على هؤلاء المفكرين والقاده الذين يطالبون ويدعون وبكل صدق وحسن نيه الى الانفصالأن يدرسوا تداعيات تلك القرارات على الانسان البسيط وعلى مصالح العباد.