منظومة الصناعات الدفاعية ثمرة علاقة غير (شرعية) بين فساد كبار شيوخ الحركة الإسلامية و كبار جنرالاتها
مـحمد أحمد الجاك
18 May, 2022
18 May, 2022
معكوس تطور نظرية الدولة الحديثة، منظومة الصناعات الدفاعية ثمرة علاقة غير (شرعية) بين فساد كبار شيوخ الحركة الإسلامية و كبار جنرالاتها
مـحمد أحمد الجاك
بــهدوووء_
في بعض البلدان، تولت القوات المسلحة السلطة مباشرة بعد حدوث انقلاب (كما هو الحال في مصر والسودان، وكان الأمر قريبًا من ذلك في الجزائر وإيران)، لم يحدث ذلك في دول أخرى مثل المغرب، التي ظلت مستقرة نسبيًا، أو تونس. التي شهدت بداية الربيع العربي وتغيير النظام في العام 2011.
يساعد منطق نظرية اللعبة في تفسير هذا الاختلاف. مقارنة بالديكتاتوريات العسكرية، يمكن للحكام المدنيين توسيع الكعكة الاقتصادية من خلال التعاون مع الاقتصاد المدني أكثر مما تستطيع الديكتاتوريات العسكرية القيام به، فعلى سبيل المثال، تستخدم النخب المدنية العصا والجزرة، بينما تستخدم القوات المسلحة العصا فقط. وهذا يفسر لماذا في الكثير من البلدان كما في تركيا ايام الانقلاب الساقط، قد تحكم القوات المسلحة، لكنها نادرًا ما تدير الأمور. تستخدم الحكومة المدنية المثلى، الخاضعة إلى قيود الانقلاب، واحدة من استراتيجيتين: الحفاظ على مؤسسة عسكرية ضعيفة؛ أو عندما تكون هناك حاجة إلى مؤسسة عسكرية كبيرة (بسبب التهديدات الخارجية أو لقمع السكان) تعاملها جيدًا بحيث لا تتمرد.
يمكن لهذه النظرية أن تفسر سبب بقاء النخب المدنية غالبًا من دون انقلابات. ففي الجزائر ومصر والأردن والسودان وسورية، تمكنت النخب المدنية من توفير تمويل سخي لمؤسسة عسكرية كبيرة نسبيًا باستخدام الريع الخارجي. في المقابل، في المغرب وتونس في عهد بن علي، ظلت المؤسسة العسكرية صغيرة نسبيًا.
أثناء الانتقال إلى الديمقراطية، يكون لدى المؤسسة العسكرية القوية الدافع للقيام بانقلاب عندما تعلم أن الحكومة الديمقراطية ستعمل على تقليص حجمها بدلاً من الالتزام بمواصلة دفع رواتب زائدة لضباطها. في مثل هذه الحالة، يواجه النظام الديمقراطي الطموح مشكلة تحفيزية، لأنه لا يمكنه الالتزام بشكل موثوق بعدم تقليص التمويل للمؤسسة العسكرية عند توليه السلطة. كما حدث في الواقع عندما خفض الرئيس المصري الراحل مـحمد مـرسي بقوة حجم نفقات المؤسسة العسكرية، من 6 إلى 4.3 في المئة من الإنفاق العام في محاولة لإضعافها. نجد أن بالسودان ومصر عندما قادت المؤسسات العسكرية انقلابات مناهضة للديمقراطية، تمكنت من الحفاظ على ميزانياتها ومواقفها الاقتصادية.
بطبيعة الحال، لا تؤدي كل حالة من حالات الفساد بشكل حتمي إلى الصراع ونادرا ً ما يكون الفساد هو السبب الوحيد. غير أن الفساد يؤدي إلى ظهور تأثير عدة عوامل حاسمة أخرى، وتفاقمه بما يساهم في ضعف الدولة وقابلية تعرضها للنزاعات وانعدام الأمن، مثل الفقر وضعف الحوكمة في مجال الموارد الطبيعية وعدم المساواة على الصعيدين الأفقي والعمودي. وبإيجاز، كثيرا ً ما يشكل الفساد عنصرا ً هاما ً من مجموعة من العوامل الخطيرة التي تجعل الدولة عرضة للصراع العنيف. وهذا هو الحال بوجه خاص حيث يوظف الفساد من قبل النخب الكليبتوقراطية للاستيلاء على أقصى قدر من الموارد من الدولة من أجل المنفعة الخاصة بدلا ً من ضمان تقديم الخدمات العامة، وحيث ترتفع مدركات الفساد وعدم المساواة والإجحاف.
الكليبتوقراطية ، أي الحكومات التي تثري القلة الحاكمة على حساب الأغلبية ، تؤدي إلى ظهورمجتمعات غير مستقرة أساسا ً وأكثر عرضة للنزاعات وعدم الاستقرار على الأمد الطويل. ويظهر الفساد الكبير بشكله الأكثر تطرفاً، أيالاستحواذ على الدولة، حينما تحرك النخب آلية الإنفاق في أو عند توجيه بوصلتها نحو مركز الكليبتوقراطية على/الدولة بطريقة تعود عليها بالفائدة و حساب رفاهية سكان البلاد وازدهارهم وأمنهم. يقصد بالفساد الكبير والاستحواذ على الدولة تغيير النخب لمسار الإنفاق العام من القطاعات التي تصب إيراداتها في مصلحة الشعب إلى القطاعات التي تنطوي على فرص أكبر لتحقيق المكاسب غير المشروعة والرشاوى. حيث تستولي على إيجارات الموارد الطبيعية على حساب رفاه المجتمع؛ وتحول قوى الدفاع والأمن إلى كيانات مفترسة إما بتطويعهم لأغراض أخرى وتوجيههم نحو الاستيلاء على الثروات أو إهمالهم (بوجهيه الحقيقي والمتصور) تماماً. وتبعا ً لذلك، فإن هذا المزيج السام من الفقر وعدم المساواةوالفساد البارز لا يحتاج سوى لشرارة موقدة لتشعل فتيل أزمة برمتها.
إن الضرر الذي ألحقته حكومات الكليبتوقراطية يتجاوز كثيرا ً الأموال المختلسة على شكل (رشاو)وعمولاتفالخسارة الحقيقية الحقيقية هي تلك الإيرادات العامة التي يتم تحويلها نحو أنشطة تستقطب تلك الرشاوى. وتعصف العواقب بتأثيراتها على مجالات الإنفاق العام التي هي الأكثر أهمية لدى أغلبية الناس. ويعد قطاعا الصحة والتعليم الأكثر تضررا من نقص الموارد الذي ساهمت ومن خلال وضع يدها على الأموال العامة، تُحكم الحكومات الكليبتوقراطية في سرعة تفاقمه الحكومات الكليبتوقراطية الطوق على بلدانها وتحجزها في دائرة النمو الاقتصادي المتدني وأدنى مستويات الأمن البشري، لتؤدي في النهاية إلى تفشي خيبة أمل واسعة النطاق في الدولة ومن بين القطاعات التي تستهوي بشكل خاص الكليبتوقراطيين الراغبين في إخفاء الرشاوى هو قطاع الدفاع، وغالبا ما يكون هذا المجال في عدة بلدان هو أهم المجالات من حيث الإنفاق (الأمن) وقد تلعب مبررات العمومي، إن لم يكن الأكبر، الذي يعاني من أعلى مستويات الفساد دوراً في تمكين النخب الحاكمة من توجيه العقود نحو شبكات المحسوبية.
كما تتسم الدول التي بلغت (نقطة التحول) بضعف إجراءاتها الرقابية على قطاعاتها الدفاعية مما يزيد من مخاطر تفشي الفساد في أوساط القوات المسلحة. واستنادا ً إلى أحدث البحوث التي أجرتها منمة الشفافية الدولية فإن 23 دولة أفريقية ( من بينها السودان )من أصل 24 تواجه أيضا ًمستويات عالية جدا أو حرجة من مخاطر الفساد في 2014 التحول في قطاعاتها الدفاعية الناجمة عن عدم فعالية آليات الرقابة أو غيابها بالإضافة إلى وجود ثغرات في الإجراءات الداخلية وفي بعض الحالات في توجيه الجيش بغرض تسهيل تدفق الموارد إلى الدفاع مؤسسات في الموارد تخصيص عن المتاحة المعلومات قلة ضوء وعلى النخب والاحتمال الكبير بغياب الفعالية وإهدار الموارد، ي ُ ستبعد أن تكون قوات الدفاع قادرة على مواجهة حالة انعدام الأمن أو حماية السكان، في حال سقوط الدولة في النزاعات.
علاقة المؤسسات العسكرية بالاقتصاد والسياسة ..
لا تقتصر آثار قطاع الدفاع والأمن الذي يتغلغل فيه الفساد ولا يخضع للمساءلة على اعتمادات الميزانية المهدورة؛ بل تتجاوز ذلك في بعض الحالات لت ُ بلور الوضع السياسي والاقتصادي برمته في البلاد، وعادة ما يكون ذلك على حساب الدولة ذاتها. وينطبق ذلك بوجه خاص عند ترابط القوات المسلحة مع اقتصاد الدولة، إما بسبب مكانة سياسية مميزة أو بسبب - على صعيد آخر - عدم وجود مخصصات في الميزانية تخضع للمساءلة والتي من شأنها أن تكفل الاحتياجات الأساسية للمؤسسات الدفاعية. وتميل الأنظمة الكليبتوقراطية إما إلى الاعتماد على قوات الأمن، التي جرى تطويعها وفقاً لأهداف أخرى كاستخراج الثروات وحماية النفوذ السياسي للنخبة الحاكمة، أو إلى تجريدها من دورها من الداخل من خلال الامتناع عن تطبيق سياسة تناسبها أو تمويلها أو الإشراف عليها. في كلتا الحالتين، تكون النتائج المتمخضة محفوفة بالمخاطر. فمن جهة، يؤدي ترك قوات الأمن الضارية لحال سبيلها إلىانعدام الأمن بدلا من تعزيزه، ومن جهة أخرى، تعيق الجيوش غير الخاضعة للمساءلة التي تهيمن على الحياة الاقتصادية للبلد.
من مصر إلى العراق إلى السودان إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، تكثر الأمثلة التي توضح العواقب الوخيمة المترتبة على قوات الأمن الاستغلالية والفاسدة والتي تدار بطريقة غامضة. ورغم ذلك، كثيراً ما يحذف قطاع الدفاع والأمن من تسويات السلام. ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، عقب أشد الحروب فتكاً ، نص الاتفاق العالمي الشامل والجامع الصادر في عام(1998-2003) في التاريخ الإفريقي الحديث
على إقرار بتقاسم السلطة بين المحاربين السابقين والمجتمع المدني والمعارضة السياسية. وركز الإقرار بشكل رئيسي على إعادة دمج الثوار في القوات المسلحة التابعة للدولة. لكن الإقرار ذاك فشل في تطبيق نظام / تمويلي/ وإداري/ ورقابي تخضع له قوات الأمن. وعوضاً عن ذلك، أدام الإقرار دور القوات المسلحة كمصدر لانعدام الأمن والاستقرار، وفشل في وضع حد لعمليات ابتزازالمدنيين والاعتداء عليهم التي ظهرت منذ ستينات القرن الماضي.
وهناك بالفعل إطار قانوني وإجرائي للمساءلة في قطاع الدفاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية وتم تقويض عملية تنفيذ الإصلاحات والميزانيات الضوابط الرسمية عديمة الجدوى. كما تم ايضاً تقويض عملية تنفيذ الإصلاحات والميزانيات الضوابط الرسمية عديمة الجدوى من قبل النخبة العسكرية والسياسية بغية جنى الربح الخاص واستخدام الجيش الكنغولي في حماية ريع موارده، بالأخص الموارد الطبيعية.
يوضح تقرير معهد كارنيغي تحت عنوان "أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري" بالتفصيل كيف شهد تدخل القوات المسلحة المصرية في الاقتصاد تحوّلًا من حيث نطاقه وحجمه في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما أدى إلى ظهور صيغة جديدة من رأسمالية الدولة المصرية. إذ أسفر انخراط المؤسسة العسكرية المصرية في الاقتصاد عن تكاليف عالية، ما ساهم في إضعاف الأداء في التنمية وينذر ببروز طبقة حاكمة جديدة من الضباط العسكريين. يعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على القطاع العام الذي تقوده المؤسسة العسكرية، والذي أثبت عدم قدرته على تحقيق النمو طويل الأجل، والذي يعتبر ضروريًا لانتشال ملايين المصريين من براثن الفقر. وسعت إدارة السيسي مصالحها التجارية لتهميش المقربين من النظام الذي أطاحت به، لكن سيصعب على منحى نشاطاتها الاقتصادية تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحفيز النمو. أسفر انخراط المؤسسة العسكرية المصرية في الاقتصاد عن تكاليف عالية، ما ساهم في إضعاف الأداء في التنمية وينذر ببروز طبقة حاكمة جديدة من الضباط العسكريين.
وبالعوده إلى المقال أعلاه نجد أن لتحول المجتمعات البشرية من عصر الاقطاع إلى عصر الربح "الرأسمالية" و التجارة الدولية.. احتاجت تلك المجتمعات اكثر إلى السلطة و إلى الجيوش لحماية خطوط تجارتها "البحرية" خصوصاً و البرية، تشكلت الجيوش "الدائمة-المحترفة" بدل الجيوش الطوعية التي تتألف عند الحاجة لهجوم أو دفاع بأسلوب النفير و الفزع.. الجيوش الدائمة اضحي لها طابعها المهني و المستقل و "السيادي" فنسي البعض شروط نشأتها "حماية التجارة"!
اليوم في سودان (الكيزان) و حثالتهم الباقية يعتبرون الجيش هو الأصل و التجارة الدولية للحكومة نشاط ثانوي يعمل في خدمة الجيش منظومة الصناعات و زادنا و شركات الجنيد ..الخ "، أي معكوس تطور نظرية الدولة الحديثة. بلا شك هذا المعكوس لن يعمل، منظومات التجارة هذه ستخسر و تعتاش علي موارد الجيش و الدولة حتي تقضي عليها فينهار كامل النظام. فارباح تلك الشركات لا تكفي لتمويل الجيش انما تكفي لاغناء لوردات الحرب و المقربين منهم من "الاوليغارشية العسكرية". "
البعض يحبذ الاشارة لمؤسسات الجيش المصري الاقتصادية للتدليل علي "ألمعية" فكرة البزنس العسكري، هؤلاء نحيلهم الي التوجه المصري الجديد و القاضي بخصخصة مؤسسات الجيش. هذا التوجه قد لا يظهر للعيان حالياً لكن دون شك سيتجلي خلال أشهر الي سنوات قليلة، فهو جزء من مطلوبات الصندوق و البنك الدولي حتي يزيد من جرعات دعم الاقتصاد المصري "المتعثر" ، فبعد عقود من خصخصة الكثير من مؤسسات القطاع العام "الحكومي المدني" جاء الدور أخيراً لخصخصة مؤسسات الجيش المصري "الحكومي و الحاكم".
ما يبدو للعيان علي أنه نجاحات و ربحية للمؤسسات الاقتصادية العسكرية في مصر هو ما تعمل عليه مؤسسات الدعاية المصرية الضخمة، لكن لأن مصر دولة بلا برلمان حقيقي و لا صحافة حرة و بلا مؤسسات مجتمع فاعلة فان الاخفاقات تبقي تحت الجلد حتي تنفجر يوماً ما، أو تنفجر علي تباعد و تنجح الدولة في تجميلها و ترميمها و اخفاء الفشل و العجز بمهارة التزييف المصرية "التمثيلية و السينمائية المعتادة و المعروفة.
الجيش المصري يعتمد بالأساس علي "التمويل الاميركي" منذ كامب ديفيد 1979، و "بزنس الجيش" فيها هو وسيلة الهاء للضباط و المواطنين علي حد السواء، كذلك مصر تعتمد علي تمويل وقروض الصناديق، و مؤخرا لا الصناديق و لا اميركا ستواصل في دعم "جيش مصر" بلا مقابل، جيش مصر كان حارساً للتطبيع و اليوم التطبيع اصبح ثقافة لا تحتاج لحارس. لذا سيتم الزام الحكومة المصرية بشروط الصناديق و شروط الكونغرس إذا كانت تريد تدفق مزيد من الديون و المنح، اما إذا قررت الاكتفاء (بالرز) الخليجي فذلك شأنها!
لكن كمثال خذ أقوي مؤسسة عسكرية في العالم اليوم؛ الجيش الاميركي، هذا الجيش لا يصنع أي شئ بل يشتري من الرصاصة و حتي الطائرات المسيرة (من القطاع الخاص "و علي رأسه شركة لوكهيد مارتن"، صحيح أنه يستثمر في تطوير إحتياجاته و في الإختراع و الابتكار لكن هذا البند يتوقف عند البحث العلمي فقط اما التصنيع و ما يتطلبه فليس من صلاحياته اطلاقاً .
زادنا وكر الفساد الذي لا يعلم قدره إلا الله، منظومة الصناعات الدفاعية ثمرة علاقة غير شرعية بين فساد كبار شيوخ الحركة الاسلامية و فساد كبار جنرالات الحركة. الغريب في الأمر أنه ايام حكومة حمدوك السابقة تم الاتفاق علي أن تكون وزارة المالية لها ولاية علي الجانب المدني من منظومة الصناعات الدفاعية عبر مجلس ادارة يرأسه وزير المالية ومجلس آخر للصناعات تحت رعاية وزير الصناعة، اما الجانب العسكري فيكون مسؤولية وزارة الدفاع كما كان الوضع في السابق، بحسب قانون دعم الانتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية المجاز للعام 2020 ...!!، ولكن يظهر أن هذا هو ما عجّل بانقلاب 25 اكتوبر
(من جهة اخرى) .. لماذا كانت الحرية شرطا للنهضة؟
لأن الواقع يقول: إن الحاكم المستبد يملأ خزائنه وخزائن حاشيته من خيرات البلاد ويترك الشعب المسكين يمضغ آلامه ويترك الشباب على أبواب السفارات يبحثون عن طريق للهروب من بلاد الذل والفقر والجور، مع فقد الحرية تصبح الشكوى من سوء الأحوال جريمة لأنها تمس كرامة الفرعون .. مع فقد الحرية يلي المناصب غير الأمناء والأكفاء ويكون الإعتراض على ذلك غلطة العمر التي لا تقبل التصحيح. حرية النقد والتعبير والتنظيم جعلت من أمريكا وأوروبا وكندا .. دولاً يذهب فيها حاكم ويأتي آخر . أما في بلاد الاستعباد فالرئيس لا يخرج إلا بالموت أو بانقلاب وإذا خرج لأمر ما ترك للشعب واحدا من أبنائه أو أصهاره أو من اللصوص الذين شاركوه في السلب والنهب.
الخلاصة :
كانت المحسوبية وما يرتبط بها من نقص في ديناميكية القطاع الخاص ونموه السبب الرئيس لسقوط الأنظمة الاستبدادية المدنية في الجزائر ومصر والسودان. وتهيمن المؤسسات العسكرية بصورة مباشرة بشكل أكبر على الأنظمة الجديدة. ومن المرجح أنها أقل قدرة من النخب المدنية على إدارة العلاقات الاقتصادية الأساسية، ناهيك عن الإصلاحات الاقتصادية المعقدة. أصبح دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري أكبر وأكثر غموضًا، مع آثار سلبية على ما يبدو، ولاسيما عندما نضع في الاعتبار الوضع المتدهور لمصر في الاقتصاد العالمي من خمسينيات القرن الماضي حتى اليوم. ومع النمو السريع للسكان الذين يزيد الآن عددهم عن 100 مليون نسمة غالبيتهم من الشباب، فإن العواقب السياسية لمثل هذا التدهور قد تكون خطيرة. إن عدم توافر الوظائف، مقرونًا برغبة المؤسسة العسكرية في السيطرة على الفضاء السياسي والاقتصادي، هو وصفة للارتطام بطريق سياسي مسدود، أو لما هو أسوأ من ذلك: اندلاع تمرد.
من غير المرجح أن تنجح المؤسسة العسكرية كمنقذ اقتصادي للسودان. فالمؤسسة العسكرية تواجه توقعات كبيرة تتعلق بالاحتياجات المتزايدة للشعب، لكنها لا تتمتع بتأهيل والكفاءة والرشاقة والإبداع والقدرة على القيام بذلك. لقد كشفت جائحة كورونا وما تبعها من آثار الانقلاب الاقتصادية التي ارهقت وأعيت الناس أيضًا عن الحاجة إلى ثقة الناس والاستثمار في الرعاية الاجتماعية والصحية والمعيشية، إلا أن سلطات الانقلاب أصرّت على التغافل عن وجود أزمات وتمسكت بالسلطة والحكم، سيكون فشل السودان هائلًا لمنطقة الشرق الأوسط و إفريقيا بأكملها ويستحق الاهتمام السياسي، إن كان استعداد المجتمع الدولي لقبول البرهان والعسكر كقوة استقرار وتجاهل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية — وربما السياسية — السائدة الآن والتي تواجه السودان هي حقيقة قائمة .
أخـر الهدوووء:-
ورد مصطلح اللوعة مراتٍ عِدة في أدبِنا المُغنّى وغيرِ المُغَنّى، غير أنه لم يفضح ويتعرى عن مكنوناته كما فضحه وعراه الجابري عندما تداعى ضارِعاً "هات يا زمن"، حيث حمّلَ بصوتِهِ المجروحِ بأصلِ النشأةِ المصطلح طاقةً تعبيريةً فوق احتمالهِ حتى تهتّك، ومهدَ لإعمالِ مبضعِ صوتِهِ في اللوعةِ الطريقَ بمداورةِ كأسِ التجريعِ اللاذع، وذلك لفرطِ هوانِ الدنيا عليه بمن فيها، بعد أنْ هانَ هو على مَن تكتسبُ الحياةُ معناها به وله، بل وتنبثقُ عنه:
هات يا زمن
جيب كلّ أحزانك تعال جيب المِحَن
جرعني كاس مِن لوعة مِن آلامي
ما المحبوب خلاص
خلاني ليك الليلة راح
خلّف لقلبي الحسرة والشوق والجِراح
mido34067@gmail.com