من إرشـيفي : رواية جورج أورويل ” 1984 ”

 


 

صلاح محمد علي
15 December, 2019

 

 

جاء في الأخبار قبل فترة أن أجهزة الأمن في مصر قد اعتقلت طالباً أمام جامعة القاهرة بتهمة حيازة رواية ”1984” للكاتب البريطاني جورج أوريل التي تنتقد بصورة لاذعة و ساخرة فساد أنظمة الحكم الشمولية وأنه تم تحرير محضر بالواقعة وأحيل الطالب إلى النيابة العامة لمباشرة التحقيق معه و تسبب هذا الحدث - كما هو متوقع - في شهرة و انتشار الرواية . 

أثار القبض على الطالب انتقادات واسعة وموجة من السخرية بين النشطاء ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي . وأكد عدد من المثقفين المصريين أن هذا الأمر يضر بنظام الحكم أكثر مما يضيف له. وقال كاتب في مقال بصحيفة المصري اليوم بعنوان “جورج أورويل.. ده إخوان؟ " :
" المثير للأسى والسخرية معا في قضية طالب جامعة القاهرة الذي ألقي القبض عليه هو اعتبار أن رواية ما تعد حرزا من أحراز التحريات " وأضاف: “ الجهل أخطر على النظام من خطر المتعلمين أنفسهم.. فهذه الدببة هي التي تورط النظام في كل هذه المعارك العبثية التي يود لو لم يخضها من الأساس، وجورج أورويل ليس إخوانا كما نعرف كما نظن أن الداخلية تعرف، لكن الأنظمة المتطرفة فحسب هي التي تعادي القراءة وتعادي الكتب والروايات. "
وتساءل أحد الصحفيين قائلا: “من هو المخبر المثقف الذي عرف قيمة الرواية وكشفها لحكم الأنظمة الشمولية العسكرية؟ "
ووصف أحد أساتذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة اعتقال الطالب بأنه “ قمة الجهل والتخلف”.
و نشر أحد الكتاب الحوار التالي المتخيّل بين اثنين من الطلبة المصريين :
- معايا الرواية.. تيجى نقراها سوا ؟!
- لا ياعم، افرض اتمسكنا ؟
-ياعم ميبقاش قلبك ضعيف أنا أعرف مكان العيال تقرأ فيه الرويات الممنوعة والحكومة مبتروحش هناك!
- أنا بصراحة نفسى أجرب من زمان! بس خايف نتمسك .. أبويا هينفخنى لو عرف!
- متخافش مش حيعرف.
- لا أنا أبويا بيشم بوقى وبيعرف أنا قريت روايات ممنوعة ولا لا.
- ارمى الرواية بسرعة.. وطلع الحشيش واعمل نفسك بتلف سيجارة !
فيما سخر آخر في بوست في ال " فيسبوك " قائلاً :
" بعد دقائق من القبض على طالب جامعي بحوزته رواية 1984 ساد ذعر بين ركاب المترو بعد العثور على رواية مزرعة الحيوان ( Animal Farm ) لنفس الكاتب أسفل أحد المقاعد ." !
ويكفي الآن أن تكتب على محرك البحث “ Google ” حرف “ر” فقط ليكمل هو الجملة “رواية1984″ في إشارة إلى كثافة البحث عنها . ونشرت عدة صحف بيريطانية خبر اعتقال الطالب و قالت صحيفة ( الجارديان ) ان الواقعة تعزز من مكانة أورويل و قيمة روايته الشهيرة بل تثبت إمكانية تماهي الخيال الروائي مع الحقيقة في بعض الأحيان .
كما نشرت الصفحة الرسمية لجورج أورويل - التي يتابعها نحو 1.5 مليون شخص حول العالم- خبر القبض على طالب بحوزته رواية 1984.
وقال الشاعر عبدالرحمن يوسف عبر" الفيس بوك " : " أكثر من 60 ألف شخص حملوا الرواية في أقل من ساعتين وربما ما كان لها أن تنتشر بهذه السرعة إلا لرغبة السلطة فى منعها .. فالدرس المستفاد أنه كلما سعت السلطة لحجب شيء انتشر بقوة "
من جانبه يقول الكاتب المصري د. أحمد الخميســي : " أما قصة الطالب الذي ضبطت بحوزته رواية أورويل ( 1984 ) فقد اعتقل لأسباب تتعلق بالتظاهر والنشاط السياسي، واحتفظوا بما وجدوه عنده ، ومن ضمن ما وجدوه رواية جورج أورويل، لكن الرواية بحد ذاتها لم تكن سببا لاعتقاله ، لكن المصريين في أحيان كثيرة يحبون الضحك على حساب الحقيقة ! "
تدور أحداث رواية (1984) ، التي كتبها جورج أورويل عام 1949 وترجمت إلى أكثر من 60 لغة ، حول ”وينستن سميث” الموظف في وزارة الحقيقة بدولة افتراضية هي " أوشينيا" والذي يخضع للرقابة الدائمة من الشرطة والجيران ، إذ أن الرقابة في تلك الدولة يقوم بها الجميع ضد بعضهم البعض تعبيراً عن الولاء للوطن، فيما تتسلط الأنظمة القمعية على المجتمع عبر دكتاتورية الحزب الحاكم الذي يمارس القمع وتزوير الوقائع باسم الدفاع عن الوطن و زعيم الحزب – و الدولة - الذي أطلق عليه اسم “الأخ الكبير” . كما أن أجهزة التلفيزيون هناك تعمل عكس النظام المعروف بنقل الصور و الأخبار للمشاهد بل تعمل بطريقة عكسية وهي نقل صور و أخبار المستقبِل للأجهزة الأمنية !
لدى حكومة تلك الدولة ، التي أطلق عليها أورويل إسم أوشينيا ( Oceania ) ، أربع وزارات رئيسية هي:
1. وزارة الحقيقة و مهمتها تزوير الحقائق خاصة الوثائق التأريخية لتنسجم مع رؤى و تنبؤات الحزب الحاكم .
2. وزارة الوفـرة و مهمتها اخضاع السلع الشحيحة للتموين .
3. وزارة المحبة و مهمتها اعتقال المعارضين السياسيين و تعذيبهم .
4. وزارة السلام و تختص بشن الحروب على الدول المجاورة .
تعتبر هذه الرواية في البلاد ذات الأنظمة الشمولية رواية خطرة سياسياً لأنها تستخف بالأنظمة الحاكمة و تحرض المواطنين على الثورة مما أدى إلى منعها في عدد من تلك البلدان .
هوامش :
• جورج أورويل هو الإسم المستعار للكاتب البيريطاني إريك أرثر بليـر ( 1903 – 1950 )
• نشرأورويل هذه الرواية عام 1949 بعد روايتيه الشهيريتين ( مزرعة الحيوان ) عام 1945 و ( تحية إلى كاتالونيا ) عام 1938 بعد مشاركته في الحرب الأهلية الأسبانية في صفوف الجمهوريين ضد قوات فرانكــو في عام 1936 .
• أعيد نشر هذا المقال بعد الاتفاق مع الصديق الأستاذ طارق الجزولي على موافاته بعدد من مقالاتي الثقاافية و الأدبية التي سبق أن نشرتها صحيفتنا الأثيرة ( سودانايل ) و ذلك في مسعى للتنويع وكسر الرتابة .

الخرطوم
ديســمبر 2019 م

abasalah45@gmail.com

 

آراء