من الذي يكمل أركان النصر للجماهير

 


 

 

اخطأ البرهان عندما جعل الانقلاب خيارا سياسيا لحسم الصراع السياسي في البلاد، لمجتمع يتطلع لعملية التحول الديمقراطي، التي لا تعتمد فقط على الشعارات التي تطلق في الهواء، أنما هي ممارسة محكومة بالمعرفة و الوعي و تتطلب استخدام الأدوات الملائمة للعملية الديمقراطية، و فتح عشرات منافذ الحوار في المجتمع، خاصة أن البلاد في حاجة لإنتاج ثقافة ديمقراطية بديلة للثقافة الشمولية السائدة في المجتمع. و أيضا اخ البرهان عندما قرر مواجهة المسيرات السلمية بالسلاح و بالقتل المقصود من خلال تركيز السلاح على الرأس و الصدر للضحية، مما يؤكد أن سلطة الانقلاب هي التي اعطت التوجيهات أن يكون القتل وسيلة لتخويف الجماهير للخروج للشارع. و هنا أيضا اخطأ البرهان للمرة الثالثة عندما اعتقد أن التخويف سوف يوقف حلم الجماهير التي وصلت لقناعة كاملة أن الانقلاب مرفوض و عودة العسكر لحكم البلاد سوف يكلف المجتمع مئات الألاف من الشهداء. و إذا كان البرهان يعتقد أن التجارب التي حدثت في مجتمعات أخرى للردة عن السير في طريق الديمقراطية سوف ينجح في السودان يؤكد أنه يريد أن يحكم شعبا لا يعرف تاريخه النضالي.
أن الجماهير قد قدمت كل المطلوب أن تقدمه من أجل تحقيق أهداف الثورة، حي قدمت مئات الشهداء من أجل الديمقراطية منذ ثورة ديسمبر 2018م حتى اليوم، و أثبتت بشجاعة و أقدام أن السلاح لا يثنيها عن مقاصدها، و تؤكد يوميا لا تنازل لا تراجع عن أهداف الثورة في تحقيق " الدولة المدنية الديمقراطية" المحكومة بشعار الثورة " حرية سلام و عدالة" و هي القاعدة التي يجب أن تؤسس عليها المشاريع السياسية للقوى السياسية و غيرها، و أي إنحراف عن القاعدة و ممارسة أدوات لا تتلاءم مع الديمقراطية تشكل خيانة للثورة و شعاراتها.
هناك فارقا الكبيرا بين المباديء و شعارات المناورة، أن المباديء تجعل الأدوات التي تستخدمها في تحقيق الأهداف تكون ملائمة تماما مع المباديء الديمقراطية، التى تجعل الحوار و الاقناع وحده هو الوسيلة في حل المشكل، و في المناورة دائما تفضل أدوات الميكافلية تتيح استخدام أي أدوات لتحقيق الأهداف، الأمر الذي يوقع أصحابها في أزمات أكثر تعقيدا. لذلك تجد أن شعارات البرهان التي أطلقها، بإنها ثورة تصحيحية بهدف إكمال شعارات الثورة " لعملية التحول الديمقراطي" و جعل أداتها الانقلاب العسكري و استخدام السلاح لتحقيق الهدف، يؤكد أن الهدف هو احتكار السلطة و ليست علمية التحول الديمقراطي. لكن خروج الشارع في مسيرات متواصلة قد جعل الانقلاب يقف في محطة واحدة حتى بعد تكوين مجلس السيادة، لآن شعارات الجماهير قد أربكت قادة الانقلاب و حتى المتحالفين معه، و إطلاق الرصاص بهذه الكثافة على المتظاهرين يكشف ضيق مساحات التكتيك عند الانقلابين و المناصرين لهم، و أن القتل دلالة على العجز و ليس القوة. حيث أصبح الوسيلة الوحيدة عند الانقلابيين مما يؤكد أن مساحة المناورة قد ضاقت تماما. و لا تراجع عن تحقيق هدف الدولة المدنية الديمقراطية و أن طال السفر.
أن الانقلاب العسكري الذي قام به بالبرهان، و الثمن الغالي الذي دفعته الجماهير للوقوف ضد الانقلاب، يؤكد أن العقل العسكري يجب عليه أن يراجع ذاته، و أن طريق الانقلابات أصبح ثقافة مرفوضة تماما في المجتمع السوداني، و أن الأجيال الجديدة ليست هي الأجيال السالفة هؤلاء يملكون قوة الإرادة، والأصرار على تحقيق الهدف، و هؤلاء أيضا مدركين لدورهم و متمسكين بالعمل من أجل تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية. و إذا كان العسكريون يقرأون الواقع بكل تناقضاته قراءة جيدة كانوا استفادوا من تجربة لجان المقاومة في موقفهم عندما انحرفت " قحت" عن طريق مسار الثورة و لهثت وراء المحاصصات و نسيت عملية التحول الديمقراطي، خرجت اللجان عليها و أتهمتها ببيع الثورة، و أيضا خرجت على رئيس الوزراء، لتؤكد وعيها بالعملية السياسية، و عندما وقع الانقلاب تمسكت لجان المقاومة بالوثيقة الدستورية، و بالمكون المدني التزاما بالوثيقة، و تأكيدا على ثقافة الديمقراطية. و لذلك لابد من الرجوع لمنطق العقل. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء