من غرائب السياسة في السودان .. أن يشتكي الانقلابين مصر ويستجرون بها!

 


 

 

في ظل التعقيدات الإقليمية، والتردي الشامل داخليا، من نافلة القول التأكيد على أنّ لا غنى للشعب السودان عن مصر، كخيار شعبي طبيا وعلاجياً، معيشيا وتعليميا، رغم أنّ "أم الدينا" ذات نفسها، الآن تتنفس تحت مياه النيل الشحيحة بعصوبة، وتواجه المجهول، مما يعني أنّ المصرين، أيضا في حاجة للسودان، ومع ذلك يجد "فرعون" مصر، متسعاً لحشر أنفه في الشأن السوداني، بصورة مكثفة، سيما منذ ميلاد مشروع نقابة المحامين للدستور الانتقالي، وتوقيع الاتفاق الإطاري في مطلع شهر ديسمبر الفائت بين مكونات سياسية عسكرية، تمهيداً لتوقيع اتفاق سياسي جديد يشرعن لفترة انتقالية ثانية. ومفهوم أنّ القلق والاهتمام المصري بشأن مخاض التحول في السودان، يأتي في إطار خوف حكومة السيسي الشمولية على ذيلها، من الأذى السياسي، والتأثير السلبي المحتمل من التحول المدني الديمقراطي في السوداني على الشعب المصري، خاصة وأن السيسي أوصلهم إلى طريق مسدود سياسيا واقتصادياً، بأسرع من توقعاتهم.
هناك من يبالغ في تهويل التدخل المصري في الشأن السوداني، والذي لم يتوقف منذ استقلال البلاد، وعلى مر التاريخ، يجئ هذا التدخل إما بطلب من السلطات الشمولية السودانية، أو بمباركة مكونات سياسية معروفة بولائها لمصر، ولم تتوقف مباركة التدخل المصري في الشأن السوداني، على الاتحاديين وطائفة المراغنة، أو الناصرين، وإنما دخلت أحزاب كبيرة وكيانات ثورية حلبة المزايدة في التودد لمصر.
وفي ظل تنامي النفوذ الخليجي إقليميا، وتعاظم تدخلها في الشأن السوداني مؤخرا، منذ نهاية عهد البشير، فمن حق مصر أن تقول "أحرام على بلابله الدوح، حلالٌ على الطير من كل جنس! لو لا احتلاله لجزءٍ عزيزٍ من تراب الوطن، ألاّ وهو حلايب وشلاتين! بجريرة حماقة نظام الإنقاذ المجرم، في حق الوطن والآخرين من دول الجوار.
فمن العار وطنيا، أن تظل مصر محتلة لأرضنا، وتجد منا طلاقة الوجه، والتملق المقزز من ساستنا، بدون استثناء، اتحادين، أم استقلالين، ثوار أو انتهازين (جرمندية). يمكننا استثناء الحزب الشيوعي، والذي يفضل الصمت، كأضعف الإيمان.
معلوم للجميع أنّ عبد الفتاح السيسي، هو عرّاب عبدالفتاح البرهان، لذا اصبنا بالدهشة، من تجديد شكوى دولة السودان، ضد دولة مصر لدى مجلس الأمن بشأن بالسيادة على مثلث حلايب! والذي قدمه في الرابع من شهر يناير الجاري السفير الحارث إدريس، مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، مؤكدا فيها رغبة حكومة السودان في إبقاء الرسالة المؤرخة في 1958 ضمن قائمة المسائل المعروضة على مجلس الأمن. ودعا السفير الحارث إلى تعميم الرسالة على بقية الأعضاء واعتبارها وثيقة من وثائق مجلس الأمن الدولي.
الغرابة في هذا التصرف، هو أن تتجدد الحكومة الانقلابية في السودان الشكوى ضد احتلال مصر لحلايب، وفي ذات الوقت، تفتح أبواب دوائرها الرسمية والشعبية لرئيس مخابراتها، وتستقبلها بالأحضان والرياحين، وتستجير مكونات انقلابية أساسية بالدور المصري، لمواجهة الخصوم السياسيين، وتؤلبها ضد الاتفاق الاطاري، وتروّج بصورة محمومة لمبادرتها المريبة لفرملة مسيرة التحول المدني الديمقراطي!
نعتقد قد آن الأون للتعامل الندي مع مصر، وقبل إعطاء أي وجه سياسي لحكوماتها، يجب تحرير حلايب وشلاتين، وإعادتها لحضن الوطن، بعدها فليزايد الساسة في أشعار التغزّل بجمال مصر ومفاتنها، كيما شاءوا.
نعلم أن معركة تحرير حلايب وشلاتين مؤجلة، لكن فليعلم الساسة، أنّ مرور الوقت، في صالح المحتل، بفرض أمر واقع سياسيا ومزاجيا، قد يفوت أوان تداركه.
ebraheemsu@gmail.com

 

آراء