مواجهة الإنقلاب بانقلاب مضاد 

 


 

عمر العمر
23 September, 2021

 

 أي قراءة نافذة  للإحداث الأخيرة تكشف في جلاء أن نسخة ألإنقلاب الرسمية المعلنة لم تكن سوى فرية . بل الإنقلاب الحقيقي هو ما أعقب ذلك من إفتراء من أعلى المستويات في الدولة على  القوى والواقع السياسي برمته .

فالإنقلاب المعلن نصٌ مسرحيٌ مهترئً الحبكة والإخراج والأداء. كلاهما الفرية المعلنة والإفتراء الكذوب يستوجبان وفق القرآة النافذة  أخذ اللأمور على أنحو بالغ العمق في الروئ والصرامة من أجل جعل هذا العرض الهزيل نقطة إنعطاف بالغة الحدة والجدة على الصعيد الوطني. من النادر أن يعلو الحق على الباطل  لكن كما قال علي بن أبي طالب  النادر يستطيع تحقيق النصر على المألوف .في الصراع بين الماء والحجرعبر الزمن  ينتصر الماء كما تقول الحكمة الصينية بل كما تقول التجربة الديسمبرية.

****   ****   ****

    لا مصلحة  لنا في إهدار الوقت والجهد في تفكيك الحبكة المسرحية من أجل كشف إهتراء النص، سذاجة الإخراج وضعف الأداء. فمشهد الإذاعة وحده يثير الضحك في موازاة  السخرية . إنكسار ذروة المغامرة العسكرية في أكثر من موقع دون إطلاق رصاصة من قبل الإنقلابيين أو الخامدين مشهد عبثي يستخف بعقول المشاهدين على قدر ما يفرض الإنضباط  العسكري المفقود بموجب الحبكة والواقع . ففي انقلاباتنا السابقة الحقيقية على تباين إحكام خططها  فقد ضباط عظام وجنود أرواحهم كما حدث إطلاق أونبادل للنار نتيجة حماقات أو ارتباك جنود من طرف أو الطرفين. دعك عن تحيق الأهداف من قبل الجانبين.

****   ****   ****

    أخذ العرض على محمل الجد يضع القيادة العسكرية العليا في قفص االمحاكمة المهنية على نحو مواز للمساءلة الوطنية. فلو جارينا النص الهابط للعرض وافترضنا سهولة حدوث تمرد داخل معسكر الشجرة فإن الإستيلاء على القيادة العامة للقوات المسلحة لا يتم إلا تحت استرخاء يستوجب بالضرورة محاسبة  على الأقل رئاسىة الأركان  على نحو صارم . فلقيادة العامة للجيش كما تقول ادبياته الموروثة " خط أحمر". المساس بها يطال الكرامة الوطنية العليا .كذلك فإن قيادة ضابط عائد للوطن قبل خمسة أيام زمام إنقلاب يضع كل أجهزة الإستخبارات تحت طائلة المحاسبة والعقاب الفوريين. فالحبكة كانت وفق المنطق المنطق  جاهزة للتنفيذ ..لو تقبلنا هذه الفرضية فإن ما  يقلّب الشك في النص على اليقين هو  سبق محاولات إنقلابية  عدة على النسق ذاته لم يتسم التعامل معها – إن جرى– بالشفافية المفترضة. في ذاكرة البعض سبعة منها لم يسمع الشعب بأحكام صدرت في حق قادتها أومنفذيها . أفلا يغري هذا التهاون المغامرين بالمحاولة؟

****   ****   ****

     من الدروس المستفادة عبر التاريخ أن  خروج كل جيش عن مساراته التقليدية  المنصوص عليها في الدساتير الوطنية يجرفه لا محالة لجهة تبديد مهنيته. أخذ هذأ الدرس على محمل الجد يستوجب إعادة النظر في حال القوات المسلحة على نحو يستوجب المراجعة الحرفية كما المساءلة القانونية .من غيرالمطمئن ترك الأمو مثلما هو الحال .من غير المقنع التسليم بفرضية بقاء القيادة العليا للقوات فوق المساءلة الوطنية. حين تؤخذ الأمورعلى محمل الجد فلا بد من المناداة  بنخبة قومية محايدة من أهل العلوم والخبرة ليس فقط من أجل المحاسبة والمكاشفة ، بل فوق ذلك  بغية بلوغ القوات إلى أقصى درجات الإنضباط واليقظة والروح الوطنية. الجيش السوداني ليس ملكية أحدٍ أوجهة سياسية يعيدان صوغ أخلاقياته حسب ميولهما فهومؤسسة عتيقة ذات إرث وطني يكتنز بحمولاته من القيم والمثل والتجارب المتباينة . تلك حمولات ينبغي التفريط فيها بل  الحفاظ عليها والوفاء بها عبر الأجيال .هو مؤسسة وطنية يجب تطويرها لا تقويضها.

****   ****   ****

    الإنقلاب الحقيقي يتجسد في موقف البرهان المضاد لـ"الشراكة النموذجية"  المعلنة داخل الثكنات العسكرية . كل مظاهر  الإنفلات الأمني والسياسي المبثوثة في أرجاء الوطن لم تكن-كما يزعم البعض-  مشاهد استعراضية  من نسخة الإنقلاب المعلن بلالقصد منها تمهيد تربة مهيأة للإستثمار فيها . خطاب البرهان بالغ الوضوح لكل من يتمتع بالحد الأدنى من ألقدرة على الإستيعاب. إصطحابه حميدتي رد فعل حاسم على الباحثين عن التحالفات المشبوهة مثلما هو استنفار لضباط وجنود سلاح المدرعات من أجل تأمين موقف الجنرالات وكل القواد القابضين على مقابض الدولة. عوضا عن صب الغضب على " المحاولة الفاشلة" والنهج الإنقلابي استهدف الرجل " الشراكة النموذجية" بكل مافيه من قصور واتهامات تساهم في إجهاض مشروع الثورة الوطنية الباسلة.

****   ****   ****

      في خطابه العدائي لم يهمل البرهان فقط  إخفاق المكون العسكري في إنجاز مهام اامرحلة الإنتقالية . كمل لم يعتذر عن االتوغل في نهج "

الإنقاذ" بما في ذلك  إنغماس العسكر في التجارة أو التورط في عمليات التهريب أو  التقصير في فرض هيبة الدولة وبسط الأمن . بل رمى القوى المدنية بكل الرذائل . فهل تستوعب الفصائل السياسية الموقف فتسعى إلى تجميع صفوفها وتوحيد رؤاها واستنفار قواها لحماية مكتسباتها.؟ للأسف هناك من يتصدر المشهد الثوري رغم أنه لم يخض أيا من معركه . ذلك أحد مفاصل الأزمة. مع ذلك ينبغي تذكير الجنرالات أنه ربما يكون الحصول أمرا على القوة يسيرا لكن من العسير إن لم يكن مستحيلا  استخدامها في كل الأوقات أو الأحوال.

****   ****   ****

   جعل ما حدث إنعطافة تاريخية فارقة ينفي قبول أنصاف الأدوار لأانصاف الرجال على مسرح الأحداث.نحن  لدى منعطف يستوجب استرداد روح " الشرعية الثورية". ذلك تفريط لم يجعل الجيش فقط يخرج من تحت مظلة الحكومة بل أغرى العابثين بغايات الثورة النبيلة بالتبجح الفج . كما  أغرى العابثين بالأمن القومي والسلم الإجتماعي .من واجبات رئيس الحكومة العاجلة استرداد بل تفعيل - على الأقل – سلطاته التنفيذية . هي كل سلطات رئيس الجمهورية وفق نص الوثيقة الدستورية  وقد تم التهاون فيها حرصا على "الشراكة النموذجية" المفترى عليها. على الحاضنة السياسية مغادرة ثباتها العميق  المدثّر بالنوايا الحسنة  والسذاجة  والتباينات المؤلمة واستكمال مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المجلس التشريعي. مطلوب فيه ومنه أكثر من أي وقتٍ مضى  أن يكون برلمان الثوار لا مجلس المصفقين. القوى لسياسية وفيها .  مما لاريب فيه أن الوهن الراهن يغري أو يحرّض على تغيير المشهد . فأي إنقلاب يحدث إنما يأتي نتيجة حتمية لهذا الإهتراء ,فلنرد على الإنقلاب المزعوم والإنقلاب المستهدف بإنقلاب جوهري ثالث.


aloomar@gmail.com

 

آراء