موسم الحج الى افريقيا وتنامي النفوذ الروسي
محمد تورشين
18 October, 2022
18 October, 2022
تمثل قضية التنافس الدولي على القارة الأفريقية في الوقت الراهن أولوية بين القوي العظمي والصاعدة المتنافسة على ثروات وإمكانيات وقدرات الدول الأفريقية. وبالرغم من ان الرأي العام العالمي منشغل بقضيتي أزمة تايوان و الغزو الروسي لأوكرانيا ، الان ان هذه الأحداث لها ايضا تداعياتها المباشرة على الامن الدولي والاقتصاد العالمي ومن ثم على افريقيا بشكل مباشر وغير مباشر .
ان زيارة وزيري خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا مؤخراً لعدد من الدول الأفريقية، فضلا عن زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل مكرون وزيارة الرئيس البولندي ووزير الخارجية الاوكراني لبعضها الاخر ، انما تعكس اهتمام العالم بافريقيا .
اعتقد ان الزيارة الاهم كانت جولة مكرون ، والتي سعى من خلالها لإعادة رسم سياسة خارجية فرنسية جديدة إزاء الدول الأفريقية ، لاسيما الدول الفرانكفونية التي كانت تعتمد على فرنسا في كل مناحي الحياة ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وامنياً . هذا الاعتماد تدهور مع ذلك بعد تمرد جمهورية أفريقيا الوسطى عن النفوذ الفرنسي واستبداله بالنفوذ الروسي، والتخلي عن فرنسا كليا حتى ثقافياً باعتماد اللغة الروسية كلغة تدريس ومن بعد اعتمادها لغة رسمية _وابعاد الوجود العسكري الفرنسي بعد إنهاء التعاون العسكري بين بانغي وباريس. هذا النموذج يعكس لنا قدر التحديات الماثلة أمام النفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية.
ورغم ان انشطة فاغنر لا تراعي القانون الدولي الإنساني, إلا انها قد نجحت في الحد من انشطة الجماعات المتمردة في إفريقيا الوسطى. فقبل التدخل الروسي في أفريقيا الوسطى كانت الجماعات والحركات المسلحة حتى ديسمبر ٢٠٢١م تحاصر العاصمة بانغي. لاحقا بفضل العمليات العسكرية لمجموعة فاغنر التي تميزت بالانتهاكات في صفوف المدنيين والقتال الشرس ضد المجموعات المسلحة، جعل الأخيرة تتراجع حتى حدود السودان َجنوب السودان.
ان رحلة التحرر من النفوذ الفرنسي لم تتوقف عند بانغي، وإنما اتسع نطاقها ليشمل جمهورية مالي التي إعادت النظر في الشراكات العسكرية والاقتصادية مع فرنسا، ليدخل المجلس العسكري الحاكم فيها منذ ٢٠٢٠ في شراكات جيواستراتيجية مع موسكو، حصلت من خلالها باماكو على معدات عسكرية و اسلحة وحضور فعال من قبل وحدات عسكرية روسية شبه رسمية "فاغنر "، تراهن باماكو عليها لإنهاء انشطة الجماعات الإرهابية في شمال وشرق البلاد.
في مالي تبنت السلطة الراهنة مقاربة جديدة تعتمد على الاستقلالية والبعد عن تأثيرات النفوذ الفرنسي، و اعتقد انه في مقبل الايام ستتخلي مالي عن اللغة الفرنسية كلغة رسمية واستبدالها باللغة الإنجليزية باعتبارها اخر حلقات النفوذ الفرنسي.
الجزائر أيضا اصبحت تغرد خارج إطار النفوذ الفرنسي، حيث اعتمدت مقاربات جديدة في الاطر الثقافية والاجتماعية والسياسة مستقوية بملفات مهمة شكلت وجدان الشعب الجزائري كقضية الذاكرة والتاريخ والتجارب النووية الفرنسية وغيرها من القضايا محل الخلاف.
لذلك كانت زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل مكرون الإفريقية التي شملت الكاميرون لاهميتها الجيواستراتيجية وتأثيرها على أمن دول بحيرة تشاد ودول خليج غنينا فضلاً عن الازمة السياسية المتوقع حدوثها عقب اي فراغ دستوري عقب وفاة الرئيس بوبا بيا الذي يحكم البلاد منذ ١٩٨٣م . يترابط هذا مع رغبة مكرون في إيجاد تسوية سياسية لأزمة الكاميرون الشمالي الناطق الإنجليزية.
اما جمهورية بنين فأتت زيارتها في إطار مساعي فرنسا في إيجاد بديل ناجع بعد تلاشي مشروع القوات الأوربية بارخن المعنية بمكافحة الجماعات الإرهابية في الساحل الأفريقي.
أن السياسة الخارجية الفرنسية الجديدة تعتمد على محاور جديدة تتمثل في ساحل العاج والنيجر وبنين، حيث تكمن أهمية بورتو نوفو بأنها تملك مقومات ان تصبح مركزا مهما للحضور الفرنسي في خليج غنينا، وذلك لاستكمال مكافحة الجماعات الإرهابية وحماية المصالح الجيو استراتيجية في خليج غيينا.
اما زيارة غنينا بيساو فكان الغرض منها التأكيد على دور الرئيس عمر سيسكو والذي هو رئيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا "الايكواس"، بحيث تعتمد باريس على الايكواس بشكل كبير في حماية مصالحها والتصدي لتنامي الانقلابات العسكرية مؤخراً في غرب إفريقيا.
من جهته زار وزير الخارجية الأمريكية انطوليو بلينكين جنوب افريقيا التي تعتبر من أفضل الانظمة الديمقراطية في إفريقيا ومن ضمن أقوى الاقتصاديات الافريقية ، والتي تعتبر مع ذلك حليفا لروسيا . لكن الغريب في الأمر زيارة جمهوريتي روندا والكنغو باعتبار ان البلدين فيها اشكاليات وتعقيدات سياسية، لكن توفر الموارد النادرة كالكوبالت والكوتان لها دور في زيارة الكونغو الديمقراطية ، كما ان زيارة رواندا حملت محاولة للضغط على كيغالي لإنهاء دعم ومساندة حركة ام ٢٣ مارس التي تمارس انشطتها في شرق الكونغو .
اما زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لابروف فقد اتت في إطار محاولة روسيا الخروج من العزلة الدولية بعد العقوبات عليها بعد الحرب على أوكرانيا ، حيث من الطبيعي زيارة افريقيا حيث امتنعت العديد من دول القارة عن التصويت بإدانة روسيا في الأمانة العامة للأمم المتحدة.
فضلاً عن ذلك تسعي موسكو إلى انشاء قواعد عسكرية في كل من مصر والسودان وإرتريا وأفريقيا الوسطى وموزمبيق ومدغسقر، فالزيارة لا تخرج عن نطاق تعزيز العلاقات والشراكات الجيو استراتيجية مع مصر واثيوبيا والكنغو وكسب حلفاء جدد كأوغندا . من جهة ثالثة ناور لافروف باستخدام كرت الحبوب ، حيث ان الدول الأفريقية تعاني في تحقيق امنها الغذائي بسبب انقطاع خطوط امداد الحبوب من اوكرانيا .
في النهاية يمكننا القول بأن الحضور الروسي في أفريقيا يتنامي بشكل متسارع ، مما يهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ، وربما يفتح الباب إلى تحالف روسي صيني في افريقيا ، تتولى فيه موسكو قضايا الامن والدفاع ، بينما تتولي فيه بكين القضايا الاقتصادية.
mohamedtorshin@gmail.com
//////////////////////////
ان زيارة وزيري خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا مؤخراً لعدد من الدول الأفريقية، فضلا عن زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل مكرون وزيارة الرئيس البولندي ووزير الخارجية الاوكراني لبعضها الاخر ، انما تعكس اهتمام العالم بافريقيا .
اعتقد ان الزيارة الاهم كانت جولة مكرون ، والتي سعى من خلالها لإعادة رسم سياسة خارجية فرنسية جديدة إزاء الدول الأفريقية ، لاسيما الدول الفرانكفونية التي كانت تعتمد على فرنسا في كل مناحي الحياة ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وامنياً . هذا الاعتماد تدهور مع ذلك بعد تمرد جمهورية أفريقيا الوسطى عن النفوذ الفرنسي واستبداله بالنفوذ الروسي، والتخلي عن فرنسا كليا حتى ثقافياً باعتماد اللغة الروسية كلغة تدريس ومن بعد اعتمادها لغة رسمية _وابعاد الوجود العسكري الفرنسي بعد إنهاء التعاون العسكري بين بانغي وباريس. هذا النموذج يعكس لنا قدر التحديات الماثلة أمام النفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية.
ورغم ان انشطة فاغنر لا تراعي القانون الدولي الإنساني, إلا انها قد نجحت في الحد من انشطة الجماعات المتمردة في إفريقيا الوسطى. فقبل التدخل الروسي في أفريقيا الوسطى كانت الجماعات والحركات المسلحة حتى ديسمبر ٢٠٢١م تحاصر العاصمة بانغي. لاحقا بفضل العمليات العسكرية لمجموعة فاغنر التي تميزت بالانتهاكات في صفوف المدنيين والقتال الشرس ضد المجموعات المسلحة، جعل الأخيرة تتراجع حتى حدود السودان َجنوب السودان.
ان رحلة التحرر من النفوذ الفرنسي لم تتوقف عند بانغي، وإنما اتسع نطاقها ليشمل جمهورية مالي التي إعادت النظر في الشراكات العسكرية والاقتصادية مع فرنسا، ليدخل المجلس العسكري الحاكم فيها منذ ٢٠٢٠ في شراكات جيواستراتيجية مع موسكو، حصلت من خلالها باماكو على معدات عسكرية و اسلحة وحضور فعال من قبل وحدات عسكرية روسية شبه رسمية "فاغنر "، تراهن باماكو عليها لإنهاء انشطة الجماعات الإرهابية في شمال وشرق البلاد.
في مالي تبنت السلطة الراهنة مقاربة جديدة تعتمد على الاستقلالية والبعد عن تأثيرات النفوذ الفرنسي، و اعتقد انه في مقبل الايام ستتخلي مالي عن اللغة الفرنسية كلغة رسمية واستبدالها باللغة الإنجليزية باعتبارها اخر حلقات النفوذ الفرنسي.
الجزائر أيضا اصبحت تغرد خارج إطار النفوذ الفرنسي، حيث اعتمدت مقاربات جديدة في الاطر الثقافية والاجتماعية والسياسة مستقوية بملفات مهمة شكلت وجدان الشعب الجزائري كقضية الذاكرة والتاريخ والتجارب النووية الفرنسية وغيرها من القضايا محل الخلاف.
لذلك كانت زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل مكرون الإفريقية التي شملت الكاميرون لاهميتها الجيواستراتيجية وتأثيرها على أمن دول بحيرة تشاد ودول خليج غنينا فضلاً عن الازمة السياسية المتوقع حدوثها عقب اي فراغ دستوري عقب وفاة الرئيس بوبا بيا الذي يحكم البلاد منذ ١٩٨٣م . يترابط هذا مع رغبة مكرون في إيجاد تسوية سياسية لأزمة الكاميرون الشمالي الناطق الإنجليزية.
اما جمهورية بنين فأتت زيارتها في إطار مساعي فرنسا في إيجاد بديل ناجع بعد تلاشي مشروع القوات الأوربية بارخن المعنية بمكافحة الجماعات الإرهابية في الساحل الأفريقي.
أن السياسة الخارجية الفرنسية الجديدة تعتمد على محاور جديدة تتمثل في ساحل العاج والنيجر وبنين، حيث تكمن أهمية بورتو نوفو بأنها تملك مقومات ان تصبح مركزا مهما للحضور الفرنسي في خليج غنينا، وذلك لاستكمال مكافحة الجماعات الإرهابية وحماية المصالح الجيو استراتيجية في خليج غيينا.
اما زيارة غنينا بيساو فكان الغرض منها التأكيد على دور الرئيس عمر سيسكو والذي هو رئيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا "الايكواس"، بحيث تعتمد باريس على الايكواس بشكل كبير في حماية مصالحها والتصدي لتنامي الانقلابات العسكرية مؤخراً في غرب إفريقيا.
من جهته زار وزير الخارجية الأمريكية انطوليو بلينكين جنوب افريقيا التي تعتبر من أفضل الانظمة الديمقراطية في إفريقيا ومن ضمن أقوى الاقتصاديات الافريقية ، والتي تعتبر مع ذلك حليفا لروسيا . لكن الغريب في الأمر زيارة جمهوريتي روندا والكنغو باعتبار ان البلدين فيها اشكاليات وتعقيدات سياسية، لكن توفر الموارد النادرة كالكوبالت والكوتان لها دور في زيارة الكونغو الديمقراطية ، كما ان زيارة رواندا حملت محاولة للضغط على كيغالي لإنهاء دعم ومساندة حركة ام ٢٣ مارس التي تمارس انشطتها في شرق الكونغو .
اما زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لابروف فقد اتت في إطار محاولة روسيا الخروج من العزلة الدولية بعد العقوبات عليها بعد الحرب على أوكرانيا ، حيث من الطبيعي زيارة افريقيا حيث امتنعت العديد من دول القارة عن التصويت بإدانة روسيا في الأمانة العامة للأمم المتحدة.
فضلاً عن ذلك تسعي موسكو إلى انشاء قواعد عسكرية في كل من مصر والسودان وإرتريا وأفريقيا الوسطى وموزمبيق ومدغسقر، فالزيارة لا تخرج عن نطاق تعزيز العلاقات والشراكات الجيو استراتيجية مع مصر واثيوبيا والكنغو وكسب حلفاء جدد كأوغندا . من جهة ثالثة ناور لافروف باستخدام كرت الحبوب ، حيث ان الدول الأفريقية تعاني في تحقيق امنها الغذائي بسبب انقطاع خطوط امداد الحبوب من اوكرانيا .
في النهاية يمكننا القول بأن الحضور الروسي في أفريقيا يتنامي بشكل متسارع ، مما يهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ، وربما يفتح الباب إلى تحالف روسي صيني في افريقيا ، تتولى فيه موسكو قضايا الامن والدفاع ، بينما تتولي فيه بكين القضايا الاقتصادية.
mohamedtorshin@gmail.com
//////////////////////////