موضوعية ومهنية الإعلامي لا تناقض مع الحيادية وفق شروط!!(2 -2)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس
توطــــــــئة:
علينا أن نقرر لواقع حال ينطبق على معظم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ، فلم تعد الغالبية العظمى من وسائل الإعلام بكل أنواعها وباختلاف توجهاتها تراعي مصالح الشعوب والدول أو تلتزم بالمعايير الإعلامية أو حتى الإنسانية، فكل واحد منها يحارب من أجل نشر معتقداته وتوجهاته، أما أن تجد من يراعي نقل الحقائق والأخبار بمصداقبة وموضوعية فلم يعد هذا متاحا ولن يكون كذلك طالما لم تحترم الحيادية والمهنية بشكل كاف.
المتـــــــــــــن:
وينبغي تعريف ما هو المقصود بالحياد الاعلامي حتى نكون على بصيرة بدلاً من التعمية المتعمدة لمعرفة وفهم التعاريف العلمية للمصطلحات، والحياد الاعلامي يعني عدم الانحياز لرأي على آخر فتكون الوسيلة الاعلامية قناة لمختلف الآراء والتوجهات الموضوعية، وهي نقل الواقع كما هو دون تزييف للحقائق أو تشكيلها، فالحيادية في الاعلام هي أن تكون الوسيلة الاعلامية منبراً للتعددية، وعدم الانحياز لجهة على أخرى ولو بشكل مستتر، وفسح المجال أمام الرأي والرأي الآخر لتحقيق أهداف شتى تساهم في تكريس الموضوعية الاعلامية. إن طرح جزء من حقيقة حدث ما لا يعتبر حياداً , وتغطية زاوية واحدة من زوايا رؤية الحدث ليست حياداً ولا تغطية, بل أن هذا الفعل له مقاصد وأهداف تريد الوسيلة الإعلامية تحقيقها إن اتبعته.
الحاشية:
لا بد أيضاً أن نقرر لظاهرة إزدواجية المعايير الإعلامية عند كثير من الاعلاميين من المنتمين لتوجهات النخب الحاكمة التي تقبض بخناق وزمام الاعلام في عالمنا العربي خصوصا، وفي دول العالم الثالث على وجه العموم، خاصة نظرتها تجاه الاعلام الأمريكي ، إنني أختلف مع بعض الرؤى الضيقة التي تتهم الإعلام الأميركي الموجه نحو العرب بأنه إعلام "غوبلزي" نسبة إلى وزير إعلام هتلر، فهذا كلام مشحون وتعبوي وغير علمي . صحيح أننا ندرك أن الإعلام الأميركي لا يمكن أن يقترب من الخطوط الحمراء التي تضعها الهيئة الفيدرالية للاتصال فيما يتعلق بالأمن القومي الأميركي!! ، ولكن ما عدا ذلك؛ فإن شواهد هذا الإعلام لا تجعلنا نصفه بإعلام دعاية سياسية - كما هو الحال مع وزير الدعاية النازي- لأننا كإعلام عربي- نتمسك بإعلامنا السياسي ولانسمح له بالحياد عن تعاليم الحزب أو النظام أوالسلطة أو الطائفة التي تهيمن على الدولة،!!. ولدينا أمن قومي عربي مثلما لأمريكا، لماذا نمنع هذا الحق على لآخرين ونسمح به لأنفسنا؟!، هنا تكمن الإجابة: ببساطة, أنها الانتقائية والازدواجية في خطابنا الإعلامي، إذا ما أجبنا على هذا التساؤل دون مواربة!!
الهامش:
هناك إزدواجية معايير إعلامية أدت إلى بروز أمور ملتبسة على بعض مفكرينا وكُتابنا وإعلاميينا الذين أصبحوا نجوماً للبرامج الحوارية، ولكن نشتم من بعضهم رائحة الانحياز والتعصب والاندفاع الأعمى دون الرجوع إلى المنظومات الأخلاقية التي تحكم الإعلام ، و أنا هنا لا أعني التخلف عن إبراز قضايا وهموم المواطن العادي الذي يعتبر أن السلطة الرابعة هي التي تدافع عن حقوقه حينما يتلاعب الساسة بها . أبداً، لم أكن أقصد ذلك، بل أريد من الإعلام ألا يضيع في دهاليز السياسة، وألا يسمح للسياسي بأن يتدخل في مقدراته أو أن يضغط على عنقه حتى لا ينكسر. وهنالك شعرة دقيقة بين الالتزام بالحياد والموضوعية، وبين الغرق في مستنقع السياسة التي لا تقود إلى إعلام عقلاني ناجح. ومن هنا، يتضح أن السياسة هي التي تقود الإعلام! وما الإعلام إلا الوسيلة المعبّرة عن السياسة.
قصاصة:
بغض النظر عن رأيي بالحيادية/الموضوعية و كونه مفهوم مستحيل بشريا، أؤمن أن القنوات الإخبارية لا يمكن بأي حال أن تكون حيادية. أي خبر يُعرَض على قناة ما يحتاج أن يمر بمراحل عديدة من الانتقائية و عدم الموضوعية كي يبث على الشاشة. مرحلة الانتقاء هذه لا بد أن تستند على الانتماء السياسي/الفكري/الديني للقناة بشكل لا يمكن أن يدع للحيادية منفذا. أستطيع أن أؤكد لك القاريء العزيز ، أن انتقاء الكلمات، أيضا، لوصف حدث ما، لا يمكن أن يكون موضوعيا بأي حال. على سبيل المثال، حين يقدم شاب على الانتحار/الشهادة في بلد ما، القناة بحاجة أن تتخذ قرارا في طريقة وصف الحدث: إما أن يكون انتحارا أو شهادة. إما أن يكون المرتكب بطلا أو شيطانا. و الأمر لا ينحد على المسميات، بل أيضا طرق الوصف. صفة عن أخرى قد تعطي انطباعا آخرا تماما عن الحدث.. مهما كان الحدث. حتى لو كان "دبا يأكل شخصا"، الدب قد يكون مسكينا جوعه التصحر و عمليات تهديم الأشجار مما أجبره على أكل البشر و لذا نحتاج للاهتمام بصنفه أكثر. و قد يكون وحشا ضاريا يفتك بالبشر نحتاج أن نقتل كل جنسه.
وبس سلامتكم...
Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]