مُدْخَلاتُ التَّهَيُّؤِ، فَاسْتِجَابَاتُ الرَّحِيْلِ

 


 

 

 

(30) 

" ... سِنَّارُ تُسفِرُ في نَقَاءِ الصَّحْوِ، جُرْحاً أَزرقَ، جَبلاً، طائراً، فَهْداً، حِصاناً أَبْيضَ، رُمْحاً، كتاب... وتَموجُ في دَعةٍ فلا شيئَ نشاز، كُلُّ شيئٍ مقطعٌ، وإشارةٌ تمتَدُّ من وَتَرٍ إلى وَتَرٍ، على قِيثَارةِ الأرضِ العظيمة"
(العَوْدةُ إلى سِنَّار"النَّشيدُ الخامس: الصُّبْحُ " : د. محمد عبد الحي).
في غمرةِ اِشتغالِكَ وانشغالكَ الجادِّ الهميمِ ببرامج المنوعات والبرامج الثقافية بهنا امدرمان، كنتَ تُمنِّي النَّفس بالعمل مع أحدِ اِثنين أو كليهما، من أميز معدي البرامج الإذاعية ومقدميها، صَاحِبي مواهب متعددة وفيضٍ من المعارف والثقافة، ضاربي الشهرة والألق المعرفي والإذاعي الراحلة المقيمة الأستاذة ليلى المغربي، والبروف عوض إبراهيم عوض (أطال الله عمره وأسعده). فقد كانت الأستاذة ليلى من أشهر مقدمي برامج المنوعات والصباحية على سبيل المثال (نفحات الصباح)، تنضح ثقافةً وأدباً وإنسانية، وهي صاحبة مبادرات إذاعية متعددة ومتميزة، وإنسانية كثيرة متفرِّدة. فبجانب جمال صوتها، وروعة أدائها، تتمتع بحس شاعري مهول، وملكات أدبية وفنية لا تحصى، والأميز روحها السمحة، وهمَّتها العالية، وإنسانيتها المتدفقة (رحمها الله رحمة واسعة). والحديث السمحُ المفيدُ عنها وعن مآثرها الخفية الباقية حسنات جاريات إلى يوم الدين، لا ينضب أو تخور شلالاته. ويذكر لها العالم قصيدتها المؤثرة الحميمة (طفل العالم الثالث) إبان المجاعات التي ضربت دول العالم الثالث وقد عالجها موسيقياً الفنان الموسيقار يوسف الموصلي لتصير أوبريتا عالمياً تمت ترجمته إلى لغات عديدة، وكذا تغنى بها الراحل المقيم )أبو سامر( مصطفى سيد أحمد، حيث تقول بعض كلماتها: " أنا طفلُ الإعانات، أنا جيل المعاناةِ، ويومي ما له بَعدُ، وعمري ما لهُ وَعْدُ، فكيف تَرَونها تبدو، بداياتي نهاياتي؟، وأرضع من شكاياتي. خيامُ الرِّيحِ أبياتي، وأحجاري أثاثاتي، أردم الرَّمل لِأبني به بيتاً لِأحلامي، ولكنِّي أفتِّشُ عن فتات الإغاثاتِ ...".
كانت الراحلة المقيمة الأستاذة ليلى قد بادرت بإعداد وتقديم برنامج (أصداء 87)، وهو برنامج أسبوعي يتتبع أهم الأحداث الثقافية والفنية التي تجرى خلال الأسبوع الذي انصرم، وقد كان يذاع في الساعة التاسعة صباح يوم الجمعة، وهي من أفضل فترات الاستماع الإذاعي، كما أنها كانت تتناول بعض الأخبار العالمية ذات الصبغة الإنسانية. كعادتها وطبعها المبادر، قدمت حلقات الأصداء الأولى (وشعار البرنامج كان بصوتها المؤثر الآسر) وعندما اطمأنت على ثباته وجدواه، دعتِ الإذاعي المتميز بروف عوض إبراهيم عوض ليقوم بإعداد البرنامج وتقديمه، لثقتها الأكيدة وثقة الإذاعة في إمكانات بروف عوض الإذاعية والمعرفية والثقافية والعلمية والأدبية بل الإنسانية، فهو مِن أنجبِ مَنْ أَنْجَبتهم أمُّنا هنا أمدرمان ثقافةً وموهبةً.
وهكذا، أضفى بروف عوض على البرنامج روحاً إبداعية تُتمِّم ما اختطَّته الراحلة ليلى، ومن محاسن الصُدفِ أن طَلَبَ منكَ بروف عوض مشاركته في قراءة بعض الفقرات في الأصداء، وكان ذلك عام 1988م، حيث صارت الأصداءُ أصداء 88. كانت خطة تنفيذ البرنامج أن تَقومَ بتقديم عنوان الفقرة التي سيقدمها بروف عوض، وهو سيقدم عنوان الفقرة التي ستقرؤها مكتوبةً بخط البروف. وهنا داهمَتْكَ الدَّهشةُ بكل عناصرها، واندلق عليكَ الإعجاب بكل عنفوانه، وأنتَ تُعلن عن الفقرة، وتدخل موسيقى الفاصل، وليس أمام البروف ورقة، إنما أغمض عينيه بعدَ تلقي شارة البداية، وانداح يروي للمستمع الكريم تفاصيل موضوع الفقرة في لغة هي الأسلم والأفصح، وإيقاعٍ منتظمٍ لكأنه يقرؤها من صفحات الوَرَق، وإبداعٍ أدائيٍّ بليغ!. فقد أدهشكَ البروف بمهاراته ومواهبه المتفردة الثرية، آخذاً إياكَ لعوالم فوق قتام الرؤيا فوق قتام الأبعاد.عندها، حمدتَ ربَّكَ وشكرتَه بتحقيق أمنيتكَ بالعمل معه، وصحبته، والتعرف عليه أكثر فأكثر داخل البلاد الكبيرة وهنا امدرمان، بل في بلادٍ بعيداتٍ جميلاتٍ هُنَّ جارات قوس قزح وأهلها الملايو، مَهْجركُما الابتِدائِيّ (ماليزيا).

ونواصل

dokahassan@yahoo.com
////////////////

 

آراء