مُدْخَلاتُ التَّهَيُّؤِ، فَاسْتِجَابَاتُ الرَّحِيْلِ

 


 

 


(31)
" ... وفِي الظَّلامِ، فِي فَجْوَةِ الصَّمْتِ التي تَغُوْر فِي فَجْوَةِ الكَلام، كَانَتْ مَصَابِيْحُ القُرَى عَلَى التِّلالِ السُّوْدِ والأَشْجَارْ، تَطْفُو وتَدْنُو مَرَّةً، ومَرَّةً تَنْأَى تَغُوْصُ فِي الضَّبَابِ والبُخَارْ ، تَسْقُطُ مِثْل الثَّمرِ النَّاضِجِ فِي الصَّمْتِ الكَثِيْفِ، بَينَ الحُلُمِ المُوْحِشِ، وابتِدَاءِ الانْتِظَارْ..."
(العَوْدةُ إلى سِنَّار"النَّشيدُ الأَوَّلُ : البَحْرُ " : د. محمد عبد الحي).

على شجيراتِ زمانكَ المسطَّر على جبهتِكَ قَبْلَ أن تكون نُطفةً، فعلقةً، فإنساناً سويا، وعلى غصونِ وقتِكَ الذي تحتلُّه "مساحةً" على هذه البسيطة هي العمرُ بتمامه وكماله، تظل عالقةً في فضاءاتكَ وريقاتٌ خُضْرٌ يانعاتٌ تأبى الانكماش أو الاصفرار، لتبقى علامات مسيرة لكَ وأنتَ تعافر ساعياً مُنْتَاشاً حظَّك ونصيبَك.
فدنيانا التي نعيشها لها حيز وقتٍ محدَّدٍ، إذ إنَّنا نحن الذين يصينُا التغيُّر، فأنتَ قبْل عشرِ سنواتٍ أو عشرين أو ثلاثينَ عاماً لَسْتَ كما أنتَ شكلاً، وعلماً، ومعرفةً، وخبراتٍ، فكل شيئ مصيره التَّغيُّر إلاَّ ميكانيزم التَّغيير نفسه. وذلكَ لِأَنَّ البُعدَ الزَّمنيَّ يُعدُّ أكثر عناصر الحياة أصالةً. ولكنَّكَ في مسيرتكَ الحياتية، وأنتَ في عقدكَ الخامسِ،لم يفلحُ الوقتُ - حتى السَّاعة- في تغييرِ مسارات عشقكَ لبلدتِكَ الحبيبة "برغم تغيُّرِ جغرافيتها الطبيعية والبشرية"، وكذا تبديل علاقتِكَ الدَّافئةِ الوفيَّةِ الحَميمة بأمِّنا "هُنا امدرمان" الإذاعة السُّودانية، حيث ظلَّتا مصباحين على تِلالِ عُمرِكَ، وحياةً نابضةً بالتعبير البليغِ فِي فَجْوَةِ الصَّمْتِ التي تَغُوْرُ فِي فَجْوَة الكَلام!
ظَلَلتَ تُشارك الإعلامي الأديب المتميِّز "قولاً وفعلا" عوض إبراهيم عوض، تقديمَ برنامج أصداء الأسبوعي لأشهر عديدة، وكعادة كبار الإذاعيين - بعدَ الاطمئنان على ثبات البرامج التي يقدمونها - تركَ لكَ بروف عوض إعداد وتقديم الأصداء بمصاحبة الإذاعي المحامي الأستاذ الفنان طارق كبلُّو، لتواصلا مشوار الراحلة ليلى والبروف عوض على دروب برامج المنوعات الإذاعية (برامج الإذاعة). وهنا يجدر بنا الإشارة إلى نوعين من البرامج الإذاعية كما عرفناه في هنا امدرمان. هناك "برنامج إذاعة"، "برنامج خاص"، والفرق بينهما أنَ برنامج الإذاعة هو برنامج يتناوب على إعداده وتقديمه عدد من المذيعين أو الإذاعيين بناء على رؤية إدارة الإذاعة المختصة بالبرنامج، وقد يوضع جدول يومي أو أسبوعي لمقدمي البرنامج . أما البرنامج الخاص، فهو برنامج ذو طبيعة خاصة يتم إجازته ليقدمه مذيع أو إذاعي أو شخص محدد هو الذي قام بعرض خطته مبيِّناً أهدافه العامة والخاصة وطبيعته البرامجية. ومن برامج الإذاعة (النوع الأول)، في حقبة النصف الثاني من الثمانينات، على سبيل المثال، برامج: صباح الخير يا وطني، ومساء الخير يا وطني، أصداء، عالم الرياضة، ما يطلبه المستمعون، ... إلخ. حيث يتعدد المقدمون، وأحياناً ترتبط هذه البرامج بمُعِدِّينَ ومُقدِّمِينَ ومُخْرِجِيْنَ ومُهَنْدِسي صَوتٍ محدَّدِين لفترة قد تطول أو تقصر، وقد ترتبط هذه البرامج بهم، وتصير عنواناً لهم. مثل ذلكَ ما حدثَ لكَ مع صباح الخير يا وطني ، ومساء الخير يا وطني، وأصداء، أنتَ ورفقاء دربكَ الإذاعي الآسر.
ولَكَم تَسعدُ طَرِباً بآخر حلقات برنامج الأصداءِ بواكير عام 1990م، وأنتَ قد حقبتَ مُدخلاتِ تَهيُئِكَ مثستجيباً للرحيلِ، طارقاً أبوابَ المَهَاجِرِ، خائضاً لُجَجَ خِيرانِ، وأنهارِ، وبحارِ تجاربكَ التي تستطيل متوغلةً في ديار الملايو وغاباتها كثيفة المعارف،لِتُفضي اِسْتجاباتُ رَحيْلِكَ إلى بلاد السَّاموراي،ديار النِّهُونْجِن، بأعاصيرها "التَّايفُوْنَات"، وأمواجها "التُّسُوْنَامِيات"،وجبالهِها "الفُوْجِيَات" الرَّاسيات المُزَلْزَلاتِ، لتنعمَ بما أورده الإمام الشافعي من حقائق تُطرِّز واقعنا، وتَمدحُ الأسفارَ، والتِّرحال في بلاد الله الواسعات،مُتَتَبِّعاً "تلاقيط" رزقكَ الحلال." تَغَرَّب عَن الأَوْطَانِ فِي طَلَبِ العُلا ... وَسَافِر فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ: تَفَرُّجُ هَمٍّ، واكْتِسَابُ مَعِيْشَةٍ، وعِلْمٌ، وآدَابٌ، وصُحْبَةُ مَاجِدِ".
ونُواصِل

dokahassan@yahoo.com

 

آراء