نحنُ في حاجةٍ لمجرى وَسَط يحملُ رؤيا للعدالة وللوطنية
عبد الله الشقليني
7 February, 2012
7 February, 2012
abdallashiglini@hotmail.com
كتب الشاعر : عالم عباس محمد نور :
في انتظار الكتابة
جلستُ على خنجرٍ صدِئْ
سَممَتهُ الكآبةْ
(1)
لنخرج من بئر الكآبة ،فنحن في حاجة لمجرى وسط يحمل رؤيا للعدالة و الوطنية . وأن يعيش المواطنون في عدالة ومساواة بين الشعوب التي تعيش في الوطن . كفانا تجريباً وفشلاً. لقد جربت أرضنا الإسلاميين القدامى ثم جاء الإسلاميون الجدد في السودان قهراً بسرقة السلطة . لم يكن لدى الأخيرين برنامجاً وطنياً ، بل استعملتهم المنظمة الإسلامية العالمية عندما تستعمر دولة ، وتستغل شعوباً لتحقيق أجندتها العالمية ، تم سلق "المشروع الحضاري" وفشل ،لأنه الاسم الحركي لاستنزاف الأرض وتخريب المشاريع التنموية التاريخية الرائدة وإفشال الدولة وتهريب أموالها لخدمة مشاريع المنظمة الأجنبية ، حين فتحت أبوابها لتنظيمات التكفير العالمية . لبس اللصوص أثواب الربانيين وانتشروا في الأرض .وكُسرت لُحمة ما تبقى من وطنية ، ورجعت المجتمعات لتحتمي بقبائلها وعشائرها و انهزمت الوطنية وانفرط عقد الوطن وذهب جنوبه إلى غير رجعة .
(2)
المعضلة الأولى :
متعلقة بتنمية الأرياف وتلك أزمة اقتصادية لا قدرة للدولة على تجهيز بنية تحتية لجميع أرياف السودان في بلد مترامي الأطراف فقير بمقدار سلم التقدم والصناعة ، فقد تطلبت البنية التحتية التي مولتها مصر ونفذها الإنجليز للسودان في أوائل القرن الماضي ثلاثة عشر عاماً و ستة ملايين جنيه مصري بعملة ذلك الزمان . نمت سكك حديد السودان 5500 كيلو متر ، امتدت من حلفا لأبوحمد وعطبرة والخرطوم ومدني و سنار والأبيض والقضارف وكسلا وهيا إلى الميناء الجديد ببورتسودان بديلاً عن سواكن. وبنية طرق ترابية لكل أطراف السودان مع جيرانها وبنية تخطيط للمدن الرئيسة في السودان . كل ذلك تمّ بناء على دراسة جدوى لزراعة القطن وتجارة الحبوب والصمغ للتصدير، ولم تكن رفاهية رغبات ، بل لحاجات اقتصادية ضرورية ، واسترجع المستعمر استثماراته لاحقاً. وصارت شعوب الأطراف المترامية تنظر تلك البنية التحتية التي نفذها المستعمر بعين الريبة ، حيث حظي الوسط بجلّها . فقد كان مركزاً لإدارة الحكم الإنجليزي المصري ، وامتدت أذرع الخدمات لتصل مناطق زراعة" القطن " و " الحبوب " و إنتاج " الصمغ " للأسواق وللتصدير.
(3)
المعضلة الثانية :
متعلقة بأن أحلام مشروع الأيديولوجية السودانية للاستعراب و الثقافة الإسلامية هو تنفيذ " الشريعة " كواجب ديني يتعين التطبيق . إنه البرنامج الذي جرى تقديسه دون رؤية نقدية للنصوص ودون مراجعة لرؤى السلف ، متقلبين في عصورهم ، و منها السير بدون إدراك لعامل الزمان والمكان ، والخضوع للروايات الفلكلورية للتراث الديني ، ولعدم توفر القدرة على تفكيك النصوص الدينية بعقلانية ، و سيطرة التراث الثقافي لما نقله المحبين من أشواقهم وعواطفهم لتكُن وكأنها نصوص مقدسة . ظللنا وفق رؤية متكلسة للحياة وللعقيدة وللآخر . وانغلقت الأبواب التي يتعين أن تُفتَح .
لقد انقطعت أبواب التأويل والتفسير عند اجتهاد السلف، واستراح الذهن وخدرته العواطف ، وها هو منهج النقل قد توصل إلى تأويل غريب يسير مع التيار ، وهو أن الأقلام قد رُفعت وجفت الصحائف وليس هنالك من تفسير أو تأويل جديد . وهذا هو أس الخلاف ، فلسنا نختلف في حديث نبحث في تأصيله ونجري عليه آليات البحث والتنقيب عن صحة نسبته أو ضلال الاستشهاد به ، ولكنا نبحث في أسئلة يبتدرها " الأطفال " المُجنى عليهم بالتلقين أن هنالك معرفة صمدية ( هذا هو " الصحيح " وذاك هو " الخطأ " ) ، و أن الخطأ في نظر أولئك هو أن يكون هنالك وجه آخر أو احتمال آخر للتأويل !.
وصدق من قال " القرآن لا تنقضي عجائبه " ،فقصته مفتوحة على نصوص من أحسن القصص ، ومن تدرُج في اللغة من البلاغة و الجزالة والفخامة حينا ، ومن التوسط و من الفصيح القريب السهل ، ومن الجائز المطلق المُرسل. وتدرج متقلباً من الفخامة إلى التقريرية ، وهنا كان لكل أمة مشربها ، وفق ما تيسر لها من فهم . يظل النَقَلة في سطح النصوص ، ويتجول الذي يرغب الإبحار في أصدافها الملونة وعجائب الأعماق التي تتكشف عند كل منعطف . وليس هنالك من سقوف للفكر .وصدق المنقول عن الإمام علي " إن القرآن حمّال أوجه " فقد نفذ التعبير إلى لًبّ المسألة التي نتناولها .
لقد رضعنا دروس السلف حتى الثُمالة ، فهي لا تنظر الفكر أو الحكمة من وراء النصوص التي وردت للتفكُر ، بل في التلقين وقتل الإبداع الفكري بطقوس النقل والعادة .هذا هو الفرق بيننا وبين جميع الذين لا ينظرون بروح ناقدة أو فكر وثاب.
لا الاجتهاد انتهى ولا التأويل انقضى نحبه ، فهنالك في داخل النص القرآني نصٌ خير من نص :
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106
وهنالك مراحل فيها تغيرت الأحكام ، والسؤال الذي ينبغي معرفة مراميه الفكرية :
ما الحكمة من النصوص ، وما الحكمة في تغيّرها وتنوعها ؟ .
ألم يكن الإنسان في الزمان والمكان هو الأس الذي تغيرت النصوص لتوافق حياته ؟ .
هذه هي " أشجار الأسئلة الكبرى " ، ولن يستطع من ينقلون اجتهاد السلف بحذافيره إلا أن يستأثروا بالمباحث وينالوا شهادة حصيفة في مؤسسة النقل ، تلك المؤسسة صاحب إرث وتراث في تأسيس رجال الحرس القديم ، الذي يرون مناهج غيرهم خروج عن العقيدة !. شغلوا الناس بالعقيدة كأنهم رسل البراءة والأخلاق النبيلة !.وانتشر الفقر المُدقع في البلاد ، ونشأت معه ثقافة الكراهية واشتعلت الأطراف ناراً . ها هو الوطنٍ يدفع الآن دون ذنب فاتورة فشل السياسيين القابضين على السلطان ، و هُم بلا رؤيا ، ولم تُجرب حيواتهم من يحمل رؤيا رائعة إلا وقتلوها واغتالوه دون أن يرف لهم جفن .
(4)
نحن في حاجةٍ لمجرى وسط يحمل رؤيا للعدالة و الوطنية :
يؤمن بالديمقراطية الحقيقية التي تزاوج بين عدالة اشتراكية إنسانية واقتصاد حر . ويؤمن بحرية ممارسة العقائد بما لا تتجاوز الوثائق الدولية لحقوق الإنسان . و يؤمن بالعدالة والحرية دون تمييز بين البشر . ويؤمن بالخير للجميع في عدالة اجتماعية توفر الحدود الدنيا للعيش الكريم والمتغيرة مع الزمان ، تظلل الجميع بالحقوق وتلزمهم بالواجبات . وتؤمن بحرية للاقتصاد بما لا يتجاوز حقوق البشر والبيئة . يؤمن بالتطور الاجتماعي والثقافي والتقني بما يلحقنا بالمجتمعات الإنسانية المتطورة . فمفتاح الحلول " فكرة " .
عبد الله الشقليني
4/2/ 2012