نظام اقتصادي عالمي جديد ، لمن؟
د. حسن بشير
6 April, 2009
6 April, 2009
د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
سميت قمة العشرين التي انعقدت بالعاصمة البريطانية لندن في 2 ابريل 2009م بالقمة التاريخية، بل ذهب البعض ابعد من ذلك و قالوا انها أسست لنظام اقتصادي عالمي جديد. يمكن الاتفاق فعلا بان هنالك نظام اقتصادي جديد يتشكل في العالم من خلال البحث عن حلول للازمة الاقتصادية الشاملة التي يمر بها الاقتصاد الرأسمالي الحديث . ستنجلي معالم ذلك النظام بعد انقشاع الازمة بالكامل. لكن أي نظام سيكون؟ و هل هو وليد للنظام العالمي الجديد المعلن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و مجموعة الدول الاشتراكية السابقة في شرق اوربا؟ و ما هي نتائج ذلك النظام علي شعوب العالم ، خاصة خارج مجموعة العشرين؟ الاجابة علي تلك الاسئلة في عالم الغيب لكن ملامح و اتجاهات ذلك النظام يمكن قراءتها من خلال نتائج القمة و ما توصلت اليه من قرارات. تم الاتفاق علي خطة لانعاش الاقتصاد العالمي علي المدي القصير بمبلغ بلغ ترليون و مائة مليار دولار. اتفق علي تقسيم ذلك المبلغ علي صندوق النقد الدولي في شكل حقوق سحب خاصة ( Special Drawing Rights" SDR" ) بقيمة 250 مليار دولار مع زيادة موارد الصندوق بمبلغ 500 مليار دولار و وضع 250 مليار دولار اخري تحت تصرفه متي ما طلب ذلك. وافقت القمة ايضا علي خطة لدعم تمويل التجارة الدولية بمبلغ 250 مليار دولار علي مدي عامين. يلاحظ ان جميع تلك الاجراءات تستهدف دعم السيولة و القدرة المالية للمؤسسات المصرفية و التمويلية و دعم القدرة الاستهلاكية في دول العشرين و توليد فرص عمل نتيجة للإنعاش الاقتصادي . بالمقابل فان الدول خارج العشرين قد خصصت لها بضع مليارات الدولارات من المعونات التي قد تصل اليها و قد لا تصل ، اضافة لدعم مؤسسات الاقراض مثل الصندوق لمزيد من العبودية عبر الديون لتلك الدول. جانب اخر ذكر في القمة بخصوص دعم الدول النامية و هي دعوة الصندوق لتسييل جزء من احتياطاته من الذهب لتقديم المزيد من القروض للدول المستضعفة " او المستعبدة " . يؤدي ذلك الي رفع معدلات التضخم العالمية مما يستنزف موارد تلك الدول و يرفع من اسعار الغذاء و وسائل الانتاج و التكنولوجيا التي تستوردها اضافة لفرضه لضرائب تضخمية عليها عبر عملات الدول الغنية التي تستخدم كاحتياطي نقدي للدول الفقيرة خارج العشرين. يعني كل ذلك ان الدول النامية و الدول الاكثر فقرا تكون مستبعدة المصالح من اجراءات قمة العشرين. يضاف لذلك ان القمة خرجت باتفاق عام حول محاربة الجنان الضريبية و احكام الرقابة علي المؤسسات و الاسواق المالية و معالجة مشكلات الحمائية و كلها تخص الدول الغنية. افضل ما تم في تلك القمة هي المقترحات الروسية التي تم تضمينها في البيان الختامي الي حد بعيد اضافة لجزء اخر منها ستتم مناقشته خلال الاشهر القادمة بعد وضعه علي جدول اعمال القمة القادمة للمجموعة. تأتي اهمية المقترحات الروسية من كون الاخيرة كانت مستبعدة من النظام الاقتصادي و المالي و التجاري العالمي لفترة طويلة حتي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، ذلك النظام الذي كان مفصلا علي مقياس الاقتصاد الامريكي الشمالي و اوربا الغربية اضافة لبعض الاستثناءات مثل اليابان و لحد ما هونغ كونغ و دول جنوب شرق اسيا. و لكن تبدل الامر بعد هبت الدب الروسي و بعد ان أصبح اقتصاده من اقوي الاقتصاديات الصاعدة إضافة للأهمية الإستراتيجية لروسيا كأكبر دول العالم مساحة مما يجعلها في صميم الاهتمام و التخطيط الاستراتيجي الدولي.تلخصت اهم المقترحات الروسية في اصلاح المؤسسات المالية العالمية و مقاييس تنظيم الاسواق و كيفية وضع المؤشرات الاقتصادية العامة " التي تشتمل علي عدد من الحيل لا يستطيع ابرع الحواة القيام بها " حتي لا تؤثر سلبا علي دول اخري. بالرغم من ان المقترح الروسي - الصيني حول وحدة العملة العالمية التي يجب ان تأخذ كعملة للاحتياطي العالمي لم تتم مناقشته الا انه قد اتفق علي ان يحدث ذلك خلال الاشهر القادمة. لكن ما تم اخذه في الاعتبار هو اصلاح صندوق النقد الدولي وزيادة القوة التصويتية به لدول مثل روسيا و الصين و الهند . اشار احد معاوني الرئيس الروسي الي ذلك بقوله " ينعدم لدي مجموعة العشرين التفهم لمدي عمق هذا الإصلاح". يضاف لذلك ان روسيا اقترحت توحيد مباديء المحاسبة و افشاء المعلومات " الافصاح" و قواعد دخول الاسواق. دعت من جانب اخر المقترحات الروسية الي التركيز علي تطوير المؤسسات ذاتية التنظيم التي يمكنها ان تنظم من تلقاء نفسها الخدمات المقدمة للمستهلكين . اشار الرئيس الروسي الي ضرورة اعادة العمل بالاتفاقية الدولية حول قواعد التنظيم القياسية العامة ( Standard Universal Regulatory Framework ;"SURF"). ، التي من شأنها ان تحدد مقاييس عامة لتنظيم القطاع المالي و احكام الرقابة عليه مما يشكل اشارة سياسية قوية. اشار المقترح الروسي الي ضرورة اشتمال تلك الاتفاقية علي مقاييس التنظيم الاقتصادي الموحدة القواعد بما فيها المحاسبة المالية و و تبادل المعلومات و ادراج وكالات التصنيف و النظم القانونية القومية التي تعرقل التعاون الدولي. خلص المقترح الروسي الي انه من المهم البدء في تشكيل منظومة تضم مؤسسات التحكيم الدولية المختصة في تسوية النزاعات التجارية بين الدول مع اقتراح عقد مؤتمر دولي لتنسيق الجهود حول أبعاد البنية المالية العالمية" الجديدة". يعتبر ذلك المقترح هو الاقرب لمصالح الدول النامية المستضعفة لذلك تلزم دراسته بتأني من قبل مؤسسات الدول النامية خارج العشرين و قراءته مع وجهة النظر الصينية و تنسيق الجهود في التحرك الدولي علي ذلك الاساس. لكن بالرغم عن كل ما قدم في قمة العشرين و ما قيل و كتب و ما سيقال و ما سيكتب عنها فانها قد وسعت الهوة بين الدول الغنية و الفقيرة في العالم و ارسلت رسالة مفادها ان " العالم عشرين " . بذلك يصبح النظام الاقتصادي العالمي الجديد في حالة قيامه فعلا سيكون نظاما خاصا بفضاء مجموعة العشرين . هنا يجب البحث بجدية و حرفية كبيرة عن مخرج ما باستخدام جميع اوراق اللعب المتاحة لبقية دول العالم التي تمثل اكثر من ثلث سكان العالم باكثر من ملياري انسان. و بالفعل قد بدأت بعض الدول التحرك مثل ما فعل الرئيس الفنزويلي أوغو شافيز في زيارته الاخيرة لايران. يجب ان لا ننسي ايضا مجموعات مؤثرة داخل دول العشرين خاصة في الولايات المتحدة و دول الاتحاد الاوربي معارضة لنهج التوجه " الامبريالي" العالمي و مناهضة للآثار السلبية للعولمة الاقتصادية و هي ورقة مهمة لا يجب عدم إغفالها من اجل الصراع في سبيل " تحسين الأوضاع" الي حين ظهور نظام اقتصادي يراعي اعتبارات العدالة. يسمع الان رنين ناقوس النظام الاقتصادي العالمي الجديد ليضع معالم المشهد الاقتصادي لما بعد الازمة المالية ، لكن لمن تقرع اجراس ذلك النظام؟ و هل يكتفي العالم خارج العشرين بالتفرج؟