نظرة عامَّة: كامو: “نشْدان السَّعادة”
رئيس التحرير: طارق الجزولي
14 October, 2022
14 October, 2022
ترجمة: إبراهيم جعفر
يبدأُ كِرْوِكِشانك Cruikshank الفصل الخاص بألبير كامو في كتابه المًسمَّى "ألبير كامُو" بِوصْلِ كامُو بقولٍ لكامُو مُؤَدَّاهُ أنَّ ظروف ميلاده قد صَيَّرَتْهُ شاعراً بِقُرْبَىْ مع "العالم القديم" أَوثَقَ من علاقته بالقيم المسيحيَّة (كِرْوِكْشَانْكْ، ألبير كامو، ص.10). ويُفصِّلُ كِرْوِكْشَانْكْ الحديثَ بشأنِ تلك المُلاحظة عبر تصَوُّرٍ له يرى وِفْقَهُ أنَّ مقالات ألبير كامُو الباكرة تُبْدِيْ ملمحين رئيسين: إلحادٌ غريزِيٌّ وتوكيدٌ مستَمِرٌّ على تجربة الفرد الإنساني الفيزيائيَّة لبيئتِهِ. ويقترحُ كِرْوِكْشانك أنَّهُ عند تلك المرحلة (أو المُستوى) يتحدَّثُ كامو، بصورةٍ أساسيَّة، عن تَطَرُّفَيْ الإحباط الذِهني/الفِكري والاستمتاع الفيزيائي (المرجع السَّابق، ص. 23). ويبدو كامُو، بحسب ذلك الرأي، إنساناً ناشدَاً، في رسالتِهِ "الفلسفيَّة"، الإمساك بـ (أو الإبقاءِ على) حَدِّ وسطٍ فيما بين الرَّغبةِ في الحياة والفزع من الموت، فيما بين الانتشاء الحِسِّي وصرامة العقل (أنظر المرجع السابق، ص. 24) ..... بَيْدَ أنَّهُ خَلَلَ الكَبَدِ النَّفسيِّ-الذِهنِيِّ الذي تُسبِّبُهُ التناقضات التي تَنجُمُ، أو تتنامَى، عن، وفي داخل، شكول الاستقطاب الوجوديَّة تِلك يُولَدُ مفهوم "العبث" في فلسفةِ ألبير كامُو.
يقولُ كِرْوِكْشانك عن كتاب ألبير كامو المُسمَّى "أُسطُورة سيزيف" إنَّه عبارة عن مقالٍ عن "العبث" و"العبثيَّة". ويواصل كِرْوِكْشانك حديثه ذاك فيقول إن ما يعنيه كامو بالعبث والعبثيَّة هو، عموماً، غياب التَّوافُق، أو التَّطابُق، فيما بين حاجة العقل إلى الاتِّساق المنطقي وعدم الاتِّساق المنطقي الذي يتِّسِمُ به العالم الذي يختبرُهُ العقل (المرجع السَّابق، ص. 41). غير أنَّ كامُو يُقيِّدُ ذلكَ، كما جاء في تقدمةٍ قصيرةٍ له لكتابه المُسمَّى "أسطورة سيزيف"، بقوله إنَّه لا يُبيِّنُ، في كتابه المعني، معنى "العبث من الناحية الفلسفية" وإنَّما هو- بالأحرَىْ- يصف هناك فقط "حساسيَّة عبثيَّة" وإنَّ مفهوم "العبث" و"العبثيَّة" لديه مفهوم مؤقَّت أو انتقالي (المرجع السَّابق، ص. 42).
ويُقدِّمُ كامُو في "أسطورة سيزيف" رجلاً (هو سيزيف) فقد إيمانَهُ بالحقيقية المُطلَقَةْ والقِيَمْ. يقولُ كامو عن "سِيزِيْفِهِ" ذاكَ إنَّهُ الشَّخص الذي يرغبُ في أن تكن حياتَهُ سعيدة، كما هو ينشُدُ إقامة علاقات (روابط) حميمة مع رفاقِهِ من الكائنات الإنسانيَّة ومع العالم الطبيعي، غير أنَّهُ يكتشفُ أنَّ ما ينشُدُهُ مُحْبَطٌ مِن قِبَلِ عينِ "طبيعةِ" الوجُودِ ذاتِهِ. إنَّ في ذلكَ حِجَاجٌ، من قِبَلِ ألبير كامُو، بأنَّ أمثال تلك الأمنيات (والرَّغائب) لا يُمكن لها أن تُوفَىْ أو تُرْضَىْ من قِبَلِ الحياةِ الإنسانيَّة بما هي عليهِ كحياة إنسانيَّة. عليه تجيءُ محاولةُ كامو الرَّاميةَ لوصفِ أيِّ موقفٍ يُمكنُ للكائن الإنساني، والحالُ كذلك، اتِّخاذَهُ آنَ ما هو يشعرُ، بصورة واعيةٍ أو لا واعية (شاعرة أو لا شعوريَّة)، بأنَّهُ مُخيَّبُ الرَّجاء وفَزِعٌ وجَزِعٌ من الموتْ.
المَسأَلَةُ التي يبدُو أنَّهُ من المُرجَّحِ توكيدُهَا وإِبْرَازُها هنا هي، وفق ألبير كامو، مسألة قِبُول "ما هو عبثِي" والتناقض المُقلق المُؤلِم الذي تنطوي عليهِ تلك المسألة. ويرى كامُو، في هذا المُتَّصَل، أنَّهُ عنِدَ النَّظر الأَوَّلِي لتلك المسألة (أو الوضعيَّة) قد يبدُو، للنَّاظِر أو النَّاظرة، أنَّ هُنالِكَ فقط إحدى سبيلين، للكائن الإنساني، للتَّحرُّرِ من "ما هو عبثِي" والتناقض المرتبط بمسألتِه (أو وضعيَّتِهِ) هما سبيلا الانتحار أو القفزة/الطَّفرَة الإيمانيَّة. بيد أنَّهُ يعودُ ويستدرِكُ ذلكَ بقولِهِ إنَّهُ ليس هنالكَ، على كُلِّ حالٍ، في أيٍّ من ذينك الخِيارين الرَّاديكاليَّين حلَّاً. وحُجَّةُ كامو في رفضه للخيارين إيَّاهُما هي أنَّهما لا يُشكِّلان، أو يعنيان، شيئاً سوى كونهما مخرجين أو، بالأحرى، مهربين سهلين من المسألة (أو الوضعيَّة) المعنيَّة هُنَا. عليه هو يرى أنَّ الموقف المُتِّسِق الوحيد، في هذا المُتَّصَل، هو موقفُ قبُولِ التناقض الذي تنطوي عليه مسألة/وضعيَّة "ما هو عبثي"، الشَّيءُ الذي يعني، بالنِّسبَةِ لكامُو، عيش توترات تلك الوضعيَّة "ببطُولة" ومن ثَمَّ رفض الخيارين، "السَّهلين الهُرُوبيَّين"، بحسبِهِ، المشار إليهما آنفَاً. والخُلاصَةُ هنا، إذَاً، هي أنَّ كامُو يَحُثُّنا، على هذا السَّبيلِ، على أن نبقَى "صادقين" مع أنفسنا و"مُخلصِينَ" في علاقتنا بـ"ما هو عبثي" الذي، وفق كامو، تكشفُ لنا عنهُ الحياةُ بحُكمِ عين طبيعتِها الأصليَّةِ ذاتِهَا.
ويبدو جان بول سارتر، كما يلاحُظُ كِرْوِكْشانك، في هذا السِّياق، على توازٍ مفهومي مع مفهوم "العبث" عند ألبير كامُو وذلكَ عندما يطرح مفهوم "العدم الأساسي" (الالتباس/"العبث" الأساسي) للوجود الإنساني. غير أن كِرْوِكْشانك يستدرك ذلك ويلاحظُ، وهو مُحقٌّ في ذلك، أنَّ المفهومين إيَّاهُمَا مُختلفَينَ عن بعضهما البعض، في الواقع، على نحوٍ أساسِي. ويُشيرُ جان بول سارتر نفسه، بالفعل، إلى "طبيعة" ذاك الاختلاف فيما بينه وبين ألبير كامُو في بعضِ كتاباتِهِ حيثُ يقول: "إن فلسفة كامُو هي فلسفةُ العبث. وينهضُ العبثُ، بحسبِهِ، من العلاقة فيما بين الإنسان والعالم، فيما بين مطالب الإنسان العقليَّة ولاعقلانيَّة العالم. والثيمات التي يستخلصها كامُو من ذلك هي ذاتُ ثيمات النزعة التَّشاؤميَّة الكلاسيكيَّة. أنا، من جانبي، لا أتعرَّفُ على ما هو عبثي في معنى الفضيحة وزوال الوهم اللذين يعزوهما كامو إليه، ذلكَ سيَّمَا وأنَّ تصوري لـ"ما هو عبثي" في هذا الوجود مختلفٌ جِدَّاً عن ذلك إذ أنِّي أعني بتلك "العبثيَّة" التباسَ الكينُونةِ الكُلِّيِّ الذي هو قائمٌ وكائنٌ، غير أنَّهُ ليس هو، على كُلِّ حالٍ، قاعدة وأساس تلك الكينونة؛ إنَّهُ- بإيجاز- ذلك السِّمتُ الأساسيُّ للوجود الذي هو مُعطَىً سلفَاً، الذي هو غيرُ قابلٍ للتَّبرير" (مُقْتَبَسٌ عن جان بول سارتر من قِبَلِ المرجع السَّابق، ص. 45).
هَمُّ كامُو هنا هو الإمساكُ بطريقةِ عيشٍ ليس من شأنِها التَّحايل على "ما هو عبثي" أو إخفائه إمَّا خلف تفلسفٍ عقلانيٍّ ما أو آخر (مثل الحجَّة المُؤَلَّفَة منطقيَّاً التي تقول إنَّه إن تكن الحياةُ عبثيَّةً في أصلِها ينبغي علينا التَّخلِّي عنها ومن ثَمَّ "يتعيَّنُ" علينا، والحالُ كذلك، ارتكاب فعل الانتحار) أو فيما وراء فعلٍ لا عقلانيٍّ ما أو آخر (مثل "القفزة/الطَّفرة الإيمانيَّة). غير أنَّه يبدو لنا هنا أيضاً أنَّ كامُو قد راجع، أو هو قد عَدَّل، على الأدق، فكرته "الفلسفيَّة" الأساسيَّة عن "العبث" و"العبثِيَّة" وبات، وِفْقَاً لذلك، يقِرُّ، لاحقَاً، بأَنَّه قد كان مُتعجِّلاً، بعض الشيْ، في قوله "إن العالم عبثي"، ثمَّ أردف ذلكَ بقولِهِ إنَّ ما قد كان عانياً له في هذا السِّياق هو أن كُلَّ ما بِوُسْعُ الواحدُ مِنَّا قوله عن العالم هو أنَّهُ "غير قابلٍ للعقلنَة". مع ذلك، يظلُّ الثَّابتُ في كُلِّ ذاك التَّفلسُف من قِبَلِ ألبير كامُو فكرةٌ مُؤَدَّاها أنَّ هنالك تقابُلاً ومُواجهةً فيما بين ما يراهُ هو على أنَّهُ "لاعقلانيَّة" يَتِّسِمُ بها العالم في أصلِهِ والتَّوق الشَّديد المُلح إلى الوضوح ("العقلاني") الذي هو، بحسبِ كامُو، أحد أعمق حاجات الكائن الإنساني. عليه هو يُؤَكِدُ- في سياقِ ذاك التَّفلسُف نفسه- أنَّ "ما هو عبثِيٌّ يعتمدُ في وجُودِهِ على الإنسان بذاتِ قدر اعتمادِهِ على العالم" (المرجع السَّابق، ص. 52).
من الممكن، وِفْقَ مفهوم كامو هذا، لـ"ما هو عبثي" أن يُظهر نفسه، بصُورةٍ عامَّة، في الوجود اليومي والمُباشر للكائن الإنساني في أربعة أشكالٍ مُختَلفَةْ. والشَّكلُ الأوَّلُ من تِلك الأشكال هو شكل احتجاج ضد الطَّابع الميكانيكي لحيواتِ أشخاصٍ عديدين- ذلك الروتين الممل الخالي من الحياة الذي تُعتَقَلُ في إطارِهِ، برتابةٍ، أمثالُ تلك الحَيَوَاتْ. إنَّ أولئك الأشخاص، ومن قد يَلِفُّونَ لَفَّهُمْ، قد يَكِفُّونَ، فعليَّاً، عن مُساءِلَةِ جدارة (قيمة) حيواتهم تِلك التي قد تبدو لهم، حينذاك، ليست مُمَثِّلَةً، تقريبَاً، لشيءٍ آخرٍ سوى شبكاتٍ من مجموعاتِ عاداتٍ غيرَ خَلَّاقَةْ، مُتكَرِّرِة على نحوٍ ميكانيكي ومُعادةَ التِّكرار أيضَاً. ويقول كامو، في هذا السِّياق، إنَّ مِثلَ تلك المُساءلة كثيرَاً ما قد تنطوي على بدايةِ "تَسْلِيْكِ" شخصٍ ما أو آخرٍ على سبيلِ مجالِ "ما هو عبثي". يبدو أنَّ كامو، كما يلاحظُ كِرْوِكْشانك وهو مُصِيبٌ في ذلك، يَرَىْ هُنَا في التكرار المميت الذي يَسِمُ حَيَواتِ معظم أفراد النَّاسْ، خاصَّة في المجتمعات العاليةَ الكَعَب في حَضَرِيَّتِها، صورةً معاصرةً لأسطورة سيزيف (المرجع السَّابق، ص. 54). والشَّكلُ الثَّاني من أشكال الوعي/الشِّعور بعبثيَّة الوجود الإنساني يرتبطُ داخليَّاً، أو باطنيَّاً، بحسب كامو، بالإدراك الإنساني المُباشر للزَّمانيَّة، لما يَتَّسِمُ به الزَّمانُ الإنسانِيُّ من مُضِيٍّ عابِرْ. إن ما يعنيه كامُو بذلكَ هو- بإيجازٍ- شعور الكائن الإنساني بأن حياته الشَخصيَّة صائرةً أقصر فأقصر ومن ثَمَّ قد يضع الموتُ، فجأةً، نهايةً حاسمةً لها. ولئن أعبِّرُ عن هذه النُّقطة بلغةٍ فلسفيَّةٍ حاذقةٍ بعضَ الشَّيء قد أقولُ هُنا إنَّ "العبث"، عند ألبير كامُو، ينهَضُ من عِندَ التَّجربةِ الوُجُوديَّةِ لزمانيَّة الشخص العيني الإنساني ومن ثَمَّ من حتميَّةِ فنائِهِ كذاتٍ منفصلة بذاتِهَا.
وعِندَ مُستَوىً ثالث يقترحُ كامُو أنَّ "ما هو عبثي" قد ينبعثُ من شعورٍ اغترابٍ في عالمٍ غيرَ مُكتَرِثٍ- عالمٍ لا مُبالٍ. هُنالِكَ قد يَتَّخِذُ "ما هو عبثي" هيئة إحساسٍ بأنَّ هذا العالم غريبٌ بالنِّسْبَةِ لَنَا وبأنَّهُ، بكَيفِيَّةٍ ما أو أُخرى، ليس هو المكان المألوف لنا للعيشِ فيه. وأرى أنا في هذا المُتَّصَل أنَّ جان بول سارتر يُعبِّرُ عن شيءٍ مُوازٍ لذلكَ- رُغمَ أنَّهُ يستخلصُ منه، أو عَنْهُ، نتائج "فلسفيَّة" مختلفة- في روايتِهِ المُسمَّاة "الغثيان La Nausee" حيثُ يصفُ إدراك، او شعور، بطل تلك الرِّواية (روكينتين Roquentin) المُفاجئ بالطَّبيعَة الجَّذريَّةَ الاغتراب عنهُ لأشياء الطَّبيعة وأشياء عالم الإنسان (مثل الحجارة، الأشجار، المقاعد وما إلى ذلك) التي يبدُو هو قَاعِدِيَّاً/أساسيَّاً (أو، بمعنىً ما أو آخر، "حَتْمِيَّاً") مُحاطَاً بِهَا.
والشكل الأخيرُ من أشكال "ما هو عبثي" قد يكن بالوُسْعِ اختبارُهُ، في تَصَوُّرِ كامُو، عبر تَوَسُّطِ وعيٍ/شعورٍ حادٍّ بعُزلةِ ("بانفِصَالِيَّة") الكائن الفردي الإنساني عن كُلِّ الكائنات الإنسانيَّة الأخرى. يقُولُ كامُ بذلك الخصوص: "إنَّ للكائنات الإنسانيَّة قُدرَةٌ على "نَزٍّ" نوعٍ ما، أو آخرٍ، من الجَّوهر اللاإنساني. وخلال لحظاتٍ رؤيا مُعيَّنَةٍ قد نُصدَمُ نحنُ، حينذاكَ، بالإيماءات الباديَةَ الميكانيكيَّة وعديمة المعنى التي قد تبدو لنا، وقتَذَاكَ، مُشَكِّلَةً لمجمل سلوك عموم النَّاسْ. ذلك الشِّعُورُ شبيهٌ بذاك الشِّعور الذي قد يعترينا أحيانَاً عِندَ مُراقبة رجلٍ مستغرقٍ في مكالمة هاتفيَّة، غير أنَّهُ ليس بمقدُورِنَا سماع ما يقُولُهُ. والانطباع الذي يأتِنَا حينذاك هو أنَّ ذاكَ الرَّجُل شبيهٌ بدُميةٍ غيرَ بَشَرِيَّةْ" (مقتبس عن ألبير كامُو من قِبَلِ المرجع السَّابق، ص. 54).
وفي إطار شرحه لمفهوم "العبث" و"العبثيَّة" عِندَهُ يُفكِّرُ كامُو بأنَّ العلم المادي "يبدأ بتعداد عِدَّة قوانين فيزيائيَّة"، ثُمَّ "نقبلُ نحنُ تلك القوانين الفيزيائيَّة بفعلِ رغبتنا في مزيدٍ من المعرفة". وبُناءً على ذلك "يخطُو العالمُ المادِّيُّ قُدُمَاً على طريقِ تفكيكِ آليَّةِ العالم الفيزيائي فيزيدُ مدى آمالُنا. ومن بعد ذلكَ يقومُ العالمُ إيَّاهُ بعزلِ عدة أجزاء مُرَكِّبَة لذاك العالم فيَرُدُّ كُل جُزءٍ منها إلى ذرات، وكل ذرة إلى إليكترونات وهكذا". غير أن ذلك العالم، يقولُ كامُو، يُجابَهُ، عند مِفْرَقٍ مُعيَّن، بسؤالٍ عمَّا ماذا من بعد ذلك فيتحدَّثُ، حينذاكَ، عن "نظامٍ كوكبيٍّ غيرَ مرئيٍّ يتحرَّكُ بفعل قُوَّةِ الجَّاذبيَّة حول نواةٍ أو نَوِيَّةْ". ويذهبُ كامُو أبعدَ في تأمُّلِهِ ذاكَ ويقولُ عن اللَّحظةِ "العلميَّةِ" الأخيرة إنَّهَا "لحظةُ خيبة الأمل الكُبرَىْ" وذلك، بحسبِهِ، لأنَّ "ما خُطِّطَ له في البدء ليكن وصفَاً عقلانيَّاً للواقع ينتهي [بحسب شروطه ذاتِهَا] إلى استعارةٍ شعريَّةْ" (مقتبس عن ألبير كامو في المرجع السَّابق، ص. 56).
يومئُ كامُو بذلكَ إلى أنَّ العلم المادِّي يتركُنا مع خيارٍ فيما بين توصيفٍ مُفصَّلٍ للعالم الفيزيائي قد يفيدنا من الناحية الوظيفيَّة غير أنَّه ينبئُنَا بالنَّذرِ اليسير ويطرحُ علينا فَرضِيَّةً تزعمُ أنَّها تُقدِّمُ لنا معرفةً بيدَ أنَّها تتبدَّل باستمرارٍ مما يعني أنَّها غير دقيقة أو مضبوطة (غير محددة أو دقيقة التَّعريف). وبُناءً على ذلك يخلُصُ كامُو إلى نتيجةٍ مُؤَدَّاهَا أن العلم المادي (الفيزيائي) "ينتهي إلى صيرورتِهِ شعرَاً"، أي، بحسب كامُو، إلى صيرورته صوراً فانتازيَّة و"تعبيراتَ" قد لا تحتوي على أيِّ شيءٍ واضحٍ، أو مباشرٍ، له صلة بحقائق الوجود المادي/الفيزيائي "اليومي" الصَّلِدَةْ.
كذلكَ يُفكِّرُ كامُو. و، على منوالِ ذات النَّحوِ من التَّفكير، يتحدَّثُ كامُو عن ما يَرَاهُ طريقتين تقليديَّتَين لنفي "ما هو عبثي" سماهما، على التوالي، طريقة الانتحار الفلسفي (أو طريقة القفزة/الطفرة الإيمانيَّة) وطريقة الانتحار الفيزيائي.
ويُفضِّلُ كامُو شارحاً، في هذا السِّياق، القول بشأنِ إدراك "ما هو عبثي" فيقُول إنَّ من صور ذاك الإدراك المُعيَّنَة ملمحَاً عامَّاً يبدُو عِندَ فلاسفةٍ مُختَلِفِين مثل سورين كيركيجارد وكارل ياسبرز وإدموند هوسرل وشيلر. ويتمثَّلُ ذاكَ الملمح العام، وِفقَاً لكامُو، في انتماء كُلِّ أولئك الفلاسفة لقبيلةٍ فلسفيَّةٍ تُنفِي "ما هو عبثِيٌّ" عبر واسطةِ "الطَّفرة/القفزة إلى دربِ اللاعقلانيَّة" من بعد مُجابهةِ "ما هو عبثِيٌّ" في واقعيَّتِهِ التَّامَّة ومن ثَمَّ هم يرتكبون بذلك ما يُشيرُ إليه كامُو باسم "الانتحار الفلسفي". وبخصوص كارل ياسبرز، على سبيل المثال، يقتبسُ كامُو عنه، في هذا السِّياق، قولاً له ذاتَ مَرَّةٍ مَفَادَهُ أن عدم قدرة العقل على فهم الوجُود "تُظهِرُ بالتَّأكيدِ، فيما وراء كُلِّ توضيحٍ وتفسيرٍ مُمْكِنَين، ليس العدم، بل وجود (كينونة) ما هو مُتجاوز أو مُتعالٍ transcendent". وبحسب منظُورِ كامُو ما يفعلُهُ ياسبرز هنا هو إنكار ونفي (أو، على الأقل، أوالأكثر، اجتناب) "ما هو عبثي" آناءَ تأمُّلِهِ الفلسفي وذلك لأنَّهُ، وفقَ كامُو، يُؤَكِّدُ، عبر عين وساطةِ "ما هو عبثي"، ترانسيدينتاليَّة transcendentalism the وغائيَّة الوجُود خلالَ اتِّكائِهِ على عمليَّةٍ تحويليَّةٍ كائنةً "فيما وراء كل توضيحٍ وتفسيرٍ ممكنين" (كامُو، مُقتَبَسٌ، ومُعَادَةً صياغتُهُ منّي، من عِندَ المرجع السَّابق، ص. 59). وبشأن هوسرل يقول كامو عنه إنَّهُ- من بعد مطابقته للفكر مع الوصف وليس التَّفسير- يأتي إلينا بمفهوم مُتعَلِّقٍ بجواهرٍ لانهائيَّة وكائنة خارج الزَّمان تهب المعنى والمغزى لعدد لانهائي من الأشياء. وبُناءً على قولِهِ ذاكَ يزعمُ كامُو أنَّ هوسرل يقومُ، في مُجمَلِ تفلسُفِه، بما قد يُفهَم أنَّهُ بمثابةِ "طفرةِ/قفزةِ إيمانٍ إلى داخلِ مجالِ العقل المُطلقْ" (هل لا يُذِكِّرُ ذلك، على نحوٍ مُريبٍ ما أو آخرٍ، بفكرة العقل المُطلق عِند جورج ولهلم فريدريش هيجل التي بسببِها يُندِّدُ كارل ماركس بفلسفة هيجل بسبب ما يراهُ هو فيها من تغريبٍ للطَّبيعة الماديَّة الحقيقيَة للديالكتيك؟ أنا هنا فقط أطرحُ سؤالاً عابِرَاً!). ويُحاجُّ كامُو، تأسيساً على زعمِهِ ذاكَ بخصوص هوسرل، بأنَّ "عقل هوسرل المُطلق" ذاك يُشكِّلُ، في النِّهايةِ، ضربَاً من اللاعقلانيَّة في "التفلسف" وذلك، بحسب كامُو، لأنَّ هوسرل يحاول، في تفلسفِه المعني، التَّمَلُّصَ من تجربةِ "العبث" و"العبثيَّة" عبرَ إنكاره (أي عبر "قفزه فوق") مَحدُودِيَّة العقل الإنساني البائسة- ذلك "العقل" الذي يُمجِّدُه كامُو على نحوٍ سلبيٍّ حيثُ يَصفُهُ بأنَّهُ الفاعلُ الكاشِفُ، بامتيازٍ، عن عبثِ وعبثيَّة الوجود الإنساني في هذا العالم.
ذلكَ مَفَادُهُ أنَّ كامُو يرفض أي طريقةٍ في التَّفكير من شأنِها، في تصَوُّرِهِ الخاص، تمويه "ما هو عبثي" أو التَّمَلُّص منه. وطرق التَّفكير تلكَ تشملُ كُلَّ تلك الفلسفات التي هي، من عِندَ وجهةِ نظر كامُو، تغفل، أو تُسقِطُ، عنها، أو تتجنب، في نشدها لمعنى متعالٍ ما أو آخرٍ للوجُود الإنساني، واقعية محدودية العقل الإنساني التي، في المقام الأوَّل، يصلُ الفرد الإنساني، وِفْقَهَا، بحسب كامُو، إلى الوعي بالعبثيَّة "الخالصة" لحياتِهِ الخاصَّةْ.
وعلى ذاتِ المِنوالِ الفِكريِّ يرفض كامو أيضاً ما يُسمِّيهِ "الانتحار الفيزيائي". هو يفعلُ ذلكَ، بالطِّبع، على ضُوءِ مفهومِهِ الخاص بشأن "العبث" والعبثيَّة". وينطوي "الانتحار الفيزيائي"، بحسب كامُو، على مَخرَجٍ سهلٍ من "ما هو عبثي" لذا هو لا يُشكِّلُ، في رأيه، حلَّاً لتناقُضِهِ المنطقي الأساسي. ويشرح كامُو نقطته تلك بقولِهِ إنَّ "الانتحار الفيزيائي" قد ينفي، أو يتجنَّب، "ما هو عبثي" عبر إزاحتِهِ بعيداً للفرد الإنساني الذي هو، على نحوٍ جوهري، شريكاً في العلاقة التي ينجمُ عنها مولد الوعي بهِ، غير أنَّهُ- بحسب كامُو- ليس بِوُسْعِه، على كُلِّ حال، نقضه وذلكَ، يَحاجُّ كامُو، لأنَّ "ما هو عبثي" سيظلُّ، حينذاكَ، كإمكان قد يتمُّ اختبارُهُ من قِبَلِ "شخصٍ آخرْ". وما يعنيه كامُو بذلك هو- ببساطةٍ- أنَّ ارتكاب فِعل الانتحار قد لا يُشكِّلُ، في تلكَ الحالةِ، أيَّ شيءٍ سوي استجابة شخصيَّة (أي استجابة محدودة ومقيَّدة بالشخص المرتكب لذلك الفعل) تفتقرُ إلى الصِّحَّة العامَّة.
ومن بعدَ رفضِهِ للانتحارين، "الفلسفي" والفيزيائي، لكونهما، في رأيِهِ، موقفين غير متَّسقين من قِبَلِ الكائن الإنساني تجاه "ما هو عبثي" يخلصُ البير كامو إلى نتيجةٍ فلسفيَّةٍ مُؤَدَّاها أنَّهُ يجبُ على الفرد الإنساني "قِبُولَ ما هو عبثِي".
تكمنُ في ذلكَ "القبُول"، يقولُ كامو، على الأقل، قيمةٌ مُهمَّةٌ واحدة وهي، بحسبِه، قيمة الحقيقة بقدرِ ما يتَّخِذُ فردٌ إنسانيٌّ ما أو آخرٌ من "ما هو عبثِيٌّ" حقيقةً. "الحقيقةُ"، يقولُ كامو، ينبغي لها أن تُصانَ ويُدافَعُ عنها. عليهِ، يُواصلُ كامُو حديثَهُ، ينبغي على "ما هو عبثِيٌّ"، ما يدم هو يُشكِّلُ "حقيقةً" لشخصٍ معيِّنٍ ما آخرٍ، أن يُسْتَمْسَكَ به بدلاً عن التَّهرُّب أو التَّمَلُّص مِنْهُ. ذلكَ هو ما يُحاولُ كامُو، جاهداً، تَوكِيْدَهُ. لكنَّ سؤالين بسيطين ومُهمَّين ومُتَّصِلَينَ ببعضهما البعض ينهضان هنا هما: أَنَّىْ لفردٍ إنسانيٍّ ما أو آخرٍ أن يَصِلَ نفسَهُ بالعالم في حالةِ قِبُولِهِ لـ"ما هو عبثِي"؟ وأيُّ نوعٍ (أنواعٍ) من الحياة قد ينطوي عليها، أو يقترحُهَا علينا، قبُول "ما هو عَبَثِي؟
في مِعرض الإجابة على ذينك السُّؤالين (اللذين هما، في غايةِ الأمرِ، سؤالٌ واحد) ينصح كامو، في البدء، أفراد النَّاس بأن يرفضوا، باستمرار، كلَّ الطرق المقترحة (و"الممكنة") "للتَّمَلُّص ممَّا هو عبثي". ثم هو يُعطِي، من بعدَ ذلك، ذاكَ الرَّفض اسم "التَّمَرُدْ". هو يعني، بإيجاز، بذاكَ "التَّمَرُّد" الرَّفض الوِجُودِي لما يُسمِّيهُما "طريقتي الانتحار" اللَّذين يربطهما هو بما يراه على أنَّهُ "فِعْلُ تَمَلُّصٍ ممَّا هو عبثي" واللَّذين هما، بحسبِهِ، طريقة الانتحار الفيزيائي وطريقة الانتحار الفلسفي (الذِهني) ومِن ثَمَّ "الإخلاص" لما يُسمِّيهِ هو "حقيقة الحوَاس الأساسيَّة".
عن موقف "التَمَرُّد" ذاكَ يكتُبُ ألبير كامُو:
"الجَّسد، التَّعاطُف، العالم المخلوق، الفعل، الحركة الإنسانيَّة سيستعيدون حينذاكَ جميعاً أمكنتهم في هذا العالم المخبُول. والإنسانُ سيجدُ آنذاكَ خَمرَ العبثيَّة وخبز اللامبالاة ليُغَذِيَا عظمتَهُ"
يرغبُ كامُو هُنا في جعل "ما هو عبثيٌّ" نفسه- وفي ذلكَ مُفارقةٌ هي، بحسبِهُ، تُظهرُ عبثيَّة الحياة الإنسانيَّة- قاعدةً للفعل الإيجابي.... هذه هي خُلاصةُ كامُو: "يتوجَّبُ" علينا عيشَ "عبثِيَّة" حيواتنا الإنسانيَّة على نحوٍ إيجابي- تلك "العَبَثِيَّةُ" التي يكشفُ لنا عنها العقل الإنساني (رُغم محدُوديَّتِه) بصورةٍ تحليليَّة. لكنَّ السّؤالُ هنا، بحسبي، هل تلكَ الطَّريقَةُ في العيش مُمكِنةً وُجُودِيَّاً؟
أعتقد أنَّها غير ممكنةً وُجُوديَّاً وذلك، ببساطةٍ، لأنَّه ليسَ هُنالكَ أيُّ وعي، أو شعور، بالعبثِيَّةِ، في أيٍّ من أشكالها، بِوُسعِهِ وهب أيِّ كائنٍ إنسانيٍّ ما، أو آخَرٍ، أيَّ "حقيقةٍ" ما، أو أخرى، يحيا بها ولها، أو أيِّ "نسيجِ قيمِ حياتيَّةٍ" ما، أو آخرٍ، يحيا بِهِ ولهُ. إن كامُو لا يُخلِص، في رأيي، لمفهومه الخاص، و"وعيه" الخاص، بشأن "ما هو عبثي" بفهمِهِ له على النَّحو الذي هو فاهِمٌ له وِفْقَه. أعني بذلكَ أن معنى الحياة (عِندَ أيٍّ من مستوياتِهِ ودرجاته وبأيٍّ مغزىً من مغازيهِ وعلى أيِّ صُورةٍ من صُورِه الممكنة) هو المفتاح/الأس الوحيد الذي يجعلُ من الممكن لكائنٍ إنسانيٍّ ما، أو آخرٍ، الدِّخُولَ في صلةٍ إيجابيَّةٍ معه. لذا لئن يَفقِدُ ذلكَ الكائنُ الإنسانيُّ ذاكَ المفتاح/الأُس سيتلاشى ككائنٍ حي، أو بالأحرى كَنَفْس ومن ثَمَّ يخسرُ صلته (صلاته) الحميمة مع العالم الذي هو، في المقام الأوَّل، يعيشُ فيه. وبما أنَّ "عبثِيَّة" الحياة الإنسانيًّة تعني، ببساطةٍ، فقدان ذاك المفتاح/الأُس لن تفلح، والحالُ كذلكَ، أيُّ حياةٍ مع تلكَ "العبثيَّة" في حملِ وطرحِ أيِّ ثمراتٍ من النَّوع الذي، أو الأنواع التي، قد يحملُها وينطوي عليها (عندَ، أو في، مستوى ما أو آخر، درجةٍ ما أو أخرى، معنى ما أو آخر)، بالفِعل، المعني الذي نعنيه هُنَا. أعني هنا، بعبارةٍ أخرى، ألَّا خلاص قد يجيءُ أبداً من عِندَ حياةٍ قد تُعاشُ على نحوٍ دائمٍ- إن يُمكنُ ذلكَ أصلاً- على قاعدةِ "قانون/مبدأ العبثيَّة" الكامَوِيْ.
أعتقد أنَّ ألبير كامو كان مُدْرِكَاً لذلكَ، فيما يبدو لي، على نحوٍ غير مُباشرْ وذلك بقدرِ ما هو نفسه يبدو على قُبُولٍ لحلٍّ توفيقِيٍّ، أو وسط، فيما يختصُّ بعلاقته- هو شخصيَّا- مع عين "عبثيَّة" الحياة الإنسانيَّة تِلكَ التي هو يدعونا جميعَاً- كأفراد إنسانيِّين- إلى قُبولها وتوكيدها على نحوٍ غيرَ مشروط. أعني بذلكَ، في كلماتٍ أُخريات، أنَّ لا رغبةَ في الحياة بِوُسْعِهَا "منطقيَّاً" الصِّدُور ("الخروج") من عِندَ إحساسٍ، أو إدراكٍ أو وعيٍ، بالعبثيَّة وأنَّهُ وِفْقَ تَوكيدِهِ الفِعْلِيِّ للرَّغبَةِ في الحياة "يتَمَلَّصُ" كامو، في الواقِع أو فِعلِيَّاً، من [أو، في سياقٍ آخرٍ، يتجاوز] عين تلك "العبثيَّة" التي ينصحنا هو بالحياةِ وفق الوعي/الشِّعور بهَا. والشَّواهِدُ على توكيدِ كامُو، في هذا السِّياق، على حُبِّ الكائن البشري، وعلى حافزِ الحياة والعيش، ليس من العسير العثور عليها في الكثيرِ من كتاباتِهِ. من تلك الشَّواهد، على سبيل التَّمثيل، الفقرة التالية من رسالةٍ نشرها ألبير كامُو ضِمنَ مُؤَلَّفِهِ المُسمَّى "رسائل إلى صديق ألمانيLettres a un ami allemande":
"أنا قد اخترتُ العدالةَ حتَّى أبقى على إيمانٍ وثِقَةٍ بالأرض. بلى، أنا ما أزالُ مُعتقِدَاً أن هذا العالم ليس له معنى فوقَ طبيعِي. غيرَ أنِّي أُدرِكُ، مع ذلكَ، أنَّ هنالك شيءٌ في هذا العالم له معني- هو الإنسان- وذلك لأنَّ الإنسان- عندي- هو الكائنُ الوحيدُ في هذا العالم الذي ينشُدُ/يطلبُ معنىً لنفسِهِ. ذلكم قد يحتوي، على الأقل، على حقيقةِ الإنسان ومُهمَّتُنا، ككائناتٍ إنسانيَّة، كائنةً هنا في تبرير وجُودِهِ في وجهِ المصيرِ نفسِهِ [الحروف المائلة في الترجمة والطِّباعةِ من عِنْدي]" (مقتبس عن ألبير كامو في المرجع السَّابق، ص. 64).
دعنا الآن نجعلُ من حديثِ ألبير كامُو أعلاه النَّوتَةَ الأخيرةَ في هذا المقال.
إبراهيم جعفر،
صيف العام 1994م
* نظرة عامَّة من قِبَلِي إلى الفصل الثَّاني من كِتاب جون كِرْوِكْشَانْكْ John Cruickshank المُسمَّى "ألبير كامُو Albert Camus" والصَّادر عن دار جامعة أوكسفورد للطباعة والنَّشر، لندن، 1959م.
• نُشرَ هذا المقال ضِمنَ كتابٍ لي، باللغة الإنجليزية، بعنوان:
A Saint & a Goose and Other Writings [A Collection of Reviewing Essays & Reflections]
صدر عن دار نُور للطباعة والنَّشر، 03 أغسطس، 2017. أنظر: A Saint & a Goose and Other Writings / 978-3-330-97675-7 / 9783330976757 / 3330976756 (noor-publishing.com)
khalifa618@yahoo.co.uk
/////////////////////////
يبدأُ كِرْوِكِشانك Cruikshank الفصل الخاص بألبير كامو في كتابه المًسمَّى "ألبير كامُو" بِوصْلِ كامُو بقولٍ لكامُو مُؤَدَّاهُ أنَّ ظروف ميلاده قد صَيَّرَتْهُ شاعراً بِقُرْبَىْ مع "العالم القديم" أَوثَقَ من علاقته بالقيم المسيحيَّة (كِرْوِكْشَانْكْ، ألبير كامو، ص.10). ويُفصِّلُ كِرْوِكْشَانْكْ الحديثَ بشأنِ تلك المُلاحظة عبر تصَوُّرٍ له يرى وِفْقَهُ أنَّ مقالات ألبير كامُو الباكرة تُبْدِيْ ملمحين رئيسين: إلحادٌ غريزِيٌّ وتوكيدٌ مستَمِرٌّ على تجربة الفرد الإنساني الفيزيائيَّة لبيئتِهِ. ويقترحُ كِرْوِكْشانك أنَّهُ عند تلك المرحلة (أو المُستوى) يتحدَّثُ كامو، بصورةٍ أساسيَّة، عن تَطَرُّفَيْ الإحباط الذِهني/الفِكري والاستمتاع الفيزيائي (المرجع السَّابق، ص. 23). ويبدو كامُو، بحسب ذلك الرأي، إنساناً ناشدَاً، في رسالتِهِ "الفلسفيَّة"، الإمساك بـ (أو الإبقاءِ على) حَدِّ وسطٍ فيما بين الرَّغبةِ في الحياة والفزع من الموت، فيما بين الانتشاء الحِسِّي وصرامة العقل (أنظر المرجع السابق، ص. 24) ..... بَيْدَ أنَّهُ خَلَلَ الكَبَدِ النَّفسيِّ-الذِهنِيِّ الذي تُسبِّبُهُ التناقضات التي تَنجُمُ، أو تتنامَى، عن، وفي داخل، شكول الاستقطاب الوجوديَّة تِلك يُولَدُ مفهوم "العبث" في فلسفةِ ألبير كامُو.
يقولُ كِرْوِكْشانك عن كتاب ألبير كامو المُسمَّى "أُسطُورة سيزيف" إنَّه عبارة عن مقالٍ عن "العبث" و"العبثيَّة". ويواصل كِرْوِكْشانك حديثه ذاك فيقول إن ما يعنيه كامو بالعبث والعبثيَّة هو، عموماً، غياب التَّوافُق، أو التَّطابُق، فيما بين حاجة العقل إلى الاتِّساق المنطقي وعدم الاتِّساق المنطقي الذي يتِّسِمُ به العالم الذي يختبرُهُ العقل (المرجع السَّابق، ص. 41). غير أنَّ كامُو يُقيِّدُ ذلكَ، كما جاء في تقدمةٍ قصيرةٍ له لكتابه المُسمَّى "أسطورة سيزيف"، بقوله إنَّه لا يُبيِّنُ، في كتابه المعني، معنى "العبث من الناحية الفلسفية" وإنَّما هو- بالأحرَىْ- يصف هناك فقط "حساسيَّة عبثيَّة" وإنَّ مفهوم "العبث" و"العبثيَّة" لديه مفهوم مؤقَّت أو انتقالي (المرجع السَّابق، ص. 42).
ويُقدِّمُ كامُو في "أسطورة سيزيف" رجلاً (هو سيزيف) فقد إيمانَهُ بالحقيقية المُطلَقَةْ والقِيَمْ. يقولُ كامو عن "سِيزِيْفِهِ" ذاكَ إنَّهُ الشَّخص الذي يرغبُ في أن تكن حياتَهُ سعيدة، كما هو ينشُدُ إقامة علاقات (روابط) حميمة مع رفاقِهِ من الكائنات الإنسانيَّة ومع العالم الطبيعي، غير أنَّهُ يكتشفُ أنَّ ما ينشُدُهُ مُحْبَطٌ مِن قِبَلِ عينِ "طبيعةِ" الوجُودِ ذاتِهِ. إنَّ في ذلكَ حِجَاجٌ، من قِبَلِ ألبير كامُو، بأنَّ أمثال تلك الأمنيات (والرَّغائب) لا يُمكن لها أن تُوفَىْ أو تُرْضَىْ من قِبَلِ الحياةِ الإنسانيَّة بما هي عليهِ كحياة إنسانيَّة. عليه تجيءُ محاولةُ كامو الرَّاميةَ لوصفِ أيِّ موقفٍ يُمكنُ للكائن الإنساني، والحالُ كذلك، اتِّخاذَهُ آنَ ما هو يشعرُ، بصورة واعيةٍ أو لا واعية (شاعرة أو لا شعوريَّة)، بأنَّهُ مُخيَّبُ الرَّجاء وفَزِعٌ وجَزِعٌ من الموتْ.
المَسأَلَةُ التي يبدُو أنَّهُ من المُرجَّحِ توكيدُهَا وإِبْرَازُها هنا هي، وفق ألبير كامو، مسألة قِبُول "ما هو عبثِي" والتناقض المُقلق المُؤلِم الذي تنطوي عليهِ تلك المسألة. ويرى كامُو، في هذا المُتَّصَل، أنَّهُ عنِدَ النَّظر الأَوَّلِي لتلك المسألة (أو الوضعيَّة) قد يبدُو، للنَّاظِر أو النَّاظرة، أنَّ هُنالِكَ فقط إحدى سبيلين، للكائن الإنساني، للتَّحرُّرِ من "ما هو عبثِي" والتناقض المرتبط بمسألتِه (أو وضعيَّتِهِ) هما سبيلا الانتحار أو القفزة/الطَّفرَة الإيمانيَّة. بيد أنَّهُ يعودُ ويستدرِكُ ذلكَ بقولِهِ إنَّهُ ليس هنالكَ، على كُلِّ حالٍ، في أيٍّ من ذينك الخِيارين الرَّاديكاليَّين حلَّاً. وحُجَّةُ كامو في رفضه للخيارين إيَّاهُما هي أنَّهما لا يُشكِّلان، أو يعنيان، شيئاً سوى كونهما مخرجين أو، بالأحرى، مهربين سهلين من المسألة (أو الوضعيَّة) المعنيَّة هُنَا. عليه هو يرى أنَّ الموقف المُتِّسِق الوحيد، في هذا المُتَّصَل، هو موقفُ قبُولِ التناقض الذي تنطوي عليه مسألة/وضعيَّة "ما هو عبثي"، الشَّيءُ الذي يعني، بالنِّسبَةِ لكامُو، عيش توترات تلك الوضعيَّة "ببطُولة" ومن ثَمَّ رفض الخيارين، "السَّهلين الهُرُوبيَّين"، بحسبِهِ، المشار إليهما آنفَاً. والخُلاصَةُ هنا، إذَاً، هي أنَّ كامُو يَحُثُّنا، على هذا السَّبيلِ، على أن نبقَى "صادقين" مع أنفسنا و"مُخلصِينَ" في علاقتنا بـ"ما هو عبثي" الذي، وفق كامو، تكشفُ لنا عنهُ الحياةُ بحُكمِ عين طبيعتِها الأصليَّةِ ذاتِهَا.
ويبدو جان بول سارتر، كما يلاحُظُ كِرْوِكْشانك، في هذا السِّياق، على توازٍ مفهومي مع مفهوم "العبث" عند ألبير كامُو وذلكَ عندما يطرح مفهوم "العدم الأساسي" (الالتباس/"العبث" الأساسي) للوجود الإنساني. غير أن كِرْوِكْشانك يستدرك ذلك ويلاحظُ، وهو مُحقٌّ في ذلك، أنَّ المفهومين إيَّاهُمَا مُختلفَينَ عن بعضهما البعض، في الواقع، على نحوٍ أساسِي. ويُشيرُ جان بول سارتر نفسه، بالفعل، إلى "طبيعة" ذاك الاختلاف فيما بينه وبين ألبير كامُو في بعضِ كتاباتِهِ حيثُ يقول: "إن فلسفة كامُو هي فلسفةُ العبث. وينهضُ العبثُ، بحسبِهِ، من العلاقة فيما بين الإنسان والعالم، فيما بين مطالب الإنسان العقليَّة ولاعقلانيَّة العالم. والثيمات التي يستخلصها كامُو من ذلك هي ذاتُ ثيمات النزعة التَّشاؤميَّة الكلاسيكيَّة. أنا، من جانبي، لا أتعرَّفُ على ما هو عبثي في معنى الفضيحة وزوال الوهم اللذين يعزوهما كامو إليه، ذلكَ سيَّمَا وأنَّ تصوري لـ"ما هو عبثي" في هذا الوجود مختلفٌ جِدَّاً عن ذلك إذ أنِّي أعني بتلك "العبثيَّة" التباسَ الكينُونةِ الكُلِّيِّ الذي هو قائمٌ وكائنٌ، غير أنَّهُ ليس هو، على كُلِّ حالٍ، قاعدة وأساس تلك الكينونة؛ إنَّهُ- بإيجاز- ذلك السِّمتُ الأساسيُّ للوجود الذي هو مُعطَىً سلفَاً، الذي هو غيرُ قابلٍ للتَّبرير" (مُقْتَبَسٌ عن جان بول سارتر من قِبَلِ المرجع السَّابق، ص. 45).
هَمُّ كامُو هنا هو الإمساكُ بطريقةِ عيشٍ ليس من شأنِها التَّحايل على "ما هو عبثي" أو إخفائه إمَّا خلف تفلسفٍ عقلانيٍّ ما أو آخر (مثل الحجَّة المُؤَلَّفَة منطقيَّاً التي تقول إنَّه إن تكن الحياةُ عبثيَّةً في أصلِها ينبغي علينا التَّخلِّي عنها ومن ثَمَّ "يتعيَّنُ" علينا، والحالُ كذلك، ارتكاب فعل الانتحار) أو فيما وراء فعلٍ لا عقلانيٍّ ما أو آخر (مثل "القفزة/الطَّفرة الإيمانيَّة). غير أنَّه يبدو لنا هنا أيضاً أنَّ كامُو قد راجع، أو هو قد عَدَّل، على الأدق، فكرته "الفلسفيَّة" الأساسيَّة عن "العبث" و"العبثِيَّة" وبات، وِفْقَاً لذلك، يقِرُّ، لاحقَاً، بأَنَّه قد كان مُتعجِّلاً، بعض الشيْ، في قوله "إن العالم عبثي"، ثمَّ أردف ذلكَ بقولِهِ إنَّ ما قد كان عانياً له في هذا السِّياق هو أن كُلَّ ما بِوُسْعُ الواحدُ مِنَّا قوله عن العالم هو أنَّهُ "غير قابلٍ للعقلنَة". مع ذلك، يظلُّ الثَّابتُ في كُلِّ ذاك التَّفلسُف من قِبَلِ ألبير كامُو فكرةٌ مُؤَدَّاها أنَّ هنالك تقابُلاً ومُواجهةً فيما بين ما يراهُ هو على أنَّهُ "لاعقلانيَّة" يَتِّسِمُ بها العالم في أصلِهِ والتَّوق الشَّديد المُلح إلى الوضوح ("العقلاني") الذي هو، بحسبِ كامُو، أحد أعمق حاجات الكائن الإنساني. عليه هو يُؤَكِدُ- في سياقِ ذاك التَّفلسُف نفسه- أنَّ "ما هو عبثِيٌّ يعتمدُ في وجُودِهِ على الإنسان بذاتِ قدر اعتمادِهِ على العالم" (المرجع السَّابق، ص. 52).
من الممكن، وِفْقَ مفهوم كامو هذا، لـ"ما هو عبثي" أن يُظهر نفسه، بصُورةٍ عامَّة، في الوجود اليومي والمُباشر للكائن الإنساني في أربعة أشكالٍ مُختَلفَةْ. والشَّكلُ الأوَّلُ من تِلك الأشكال هو شكل احتجاج ضد الطَّابع الميكانيكي لحيواتِ أشخاصٍ عديدين- ذلك الروتين الممل الخالي من الحياة الذي تُعتَقَلُ في إطارِهِ، برتابةٍ، أمثالُ تلك الحَيَوَاتْ. إنَّ أولئك الأشخاص، ومن قد يَلِفُّونَ لَفَّهُمْ، قد يَكِفُّونَ، فعليَّاً، عن مُساءِلَةِ جدارة (قيمة) حيواتهم تِلك التي قد تبدو لهم، حينذاك، ليست مُمَثِّلَةً، تقريبَاً، لشيءٍ آخرٍ سوى شبكاتٍ من مجموعاتِ عاداتٍ غيرَ خَلَّاقَةْ، مُتكَرِّرِة على نحوٍ ميكانيكي ومُعادةَ التِّكرار أيضَاً. ويقول كامو، في هذا السِّياق، إنَّ مِثلَ تلك المُساءلة كثيرَاً ما قد تنطوي على بدايةِ "تَسْلِيْكِ" شخصٍ ما أو آخرٍ على سبيلِ مجالِ "ما هو عبثي". يبدو أنَّ كامو، كما يلاحظُ كِرْوِكْشانك وهو مُصِيبٌ في ذلك، يَرَىْ هُنَا في التكرار المميت الذي يَسِمُ حَيَواتِ معظم أفراد النَّاسْ، خاصَّة في المجتمعات العاليةَ الكَعَب في حَضَرِيَّتِها، صورةً معاصرةً لأسطورة سيزيف (المرجع السَّابق، ص. 54). والشَّكلُ الثَّاني من أشكال الوعي/الشِّعور بعبثيَّة الوجود الإنساني يرتبطُ داخليَّاً، أو باطنيَّاً، بحسب كامو، بالإدراك الإنساني المُباشر للزَّمانيَّة، لما يَتَّسِمُ به الزَّمانُ الإنسانِيُّ من مُضِيٍّ عابِرْ. إن ما يعنيه كامُو بذلكَ هو- بإيجازٍ- شعور الكائن الإنساني بأن حياته الشَخصيَّة صائرةً أقصر فأقصر ومن ثَمَّ قد يضع الموتُ، فجأةً، نهايةً حاسمةً لها. ولئن أعبِّرُ عن هذه النُّقطة بلغةٍ فلسفيَّةٍ حاذقةٍ بعضَ الشَّيء قد أقولُ هُنا إنَّ "العبث"، عند ألبير كامُو، ينهَضُ من عِندَ التَّجربةِ الوُجُوديَّةِ لزمانيَّة الشخص العيني الإنساني ومن ثَمَّ من حتميَّةِ فنائِهِ كذاتٍ منفصلة بذاتِهَا.
وعِندَ مُستَوىً ثالث يقترحُ كامُو أنَّ "ما هو عبثي" قد ينبعثُ من شعورٍ اغترابٍ في عالمٍ غيرَ مُكتَرِثٍ- عالمٍ لا مُبالٍ. هُنالِكَ قد يَتَّخِذُ "ما هو عبثي" هيئة إحساسٍ بأنَّ هذا العالم غريبٌ بالنِّسْبَةِ لَنَا وبأنَّهُ، بكَيفِيَّةٍ ما أو أُخرى، ليس هو المكان المألوف لنا للعيشِ فيه. وأرى أنا في هذا المُتَّصَل أنَّ جان بول سارتر يُعبِّرُ عن شيءٍ مُوازٍ لذلكَ- رُغمَ أنَّهُ يستخلصُ منه، أو عَنْهُ، نتائج "فلسفيَّة" مختلفة- في روايتِهِ المُسمَّاة "الغثيان La Nausee" حيثُ يصفُ إدراك، او شعور، بطل تلك الرِّواية (روكينتين Roquentin) المُفاجئ بالطَّبيعَة الجَّذريَّةَ الاغتراب عنهُ لأشياء الطَّبيعة وأشياء عالم الإنسان (مثل الحجارة، الأشجار، المقاعد وما إلى ذلك) التي يبدُو هو قَاعِدِيَّاً/أساسيَّاً (أو، بمعنىً ما أو آخر، "حَتْمِيَّاً") مُحاطَاً بِهَا.
والشكل الأخيرُ من أشكال "ما هو عبثي" قد يكن بالوُسْعِ اختبارُهُ، في تَصَوُّرِ كامُو، عبر تَوَسُّطِ وعيٍ/شعورٍ حادٍّ بعُزلةِ ("بانفِصَالِيَّة") الكائن الفردي الإنساني عن كُلِّ الكائنات الإنسانيَّة الأخرى. يقُولُ كامُ بذلك الخصوص: "إنَّ للكائنات الإنسانيَّة قُدرَةٌ على "نَزٍّ" نوعٍ ما، أو آخرٍ، من الجَّوهر اللاإنساني. وخلال لحظاتٍ رؤيا مُعيَّنَةٍ قد نُصدَمُ نحنُ، حينذاكَ، بالإيماءات الباديَةَ الميكانيكيَّة وعديمة المعنى التي قد تبدو لنا، وقتَذَاكَ، مُشَكِّلَةً لمجمل سلوك عموم النَّاسْ. ذلك الشِّعُورُ شبيهٌ بذاك الشِّعور الذي قد يعترينا أحيانَاً عِندَ مُراقبة رجلٍ مستغرقٍ في مكالمة هاتفيَّة، غير أنَّهُ ليس بمقدُورِنَا سماع ما يقُولُهُ. والانطباع الذي يأتِنَا حينذاك هو أنَّ ذاكَ الرَّجُل شبيهٌ بدُميةٍ غيرَ بَشَرِيَّةْ" (مقتبس عن ألبير كامُو من قِبَلِ المرجع السَّابق، ص. 54).
وفي إطار شرحه لمفهوم "العبث" و"العبثيَّة" عِندَهُ يُفكِّرُ كامُو بأنَّ العلم المادي "يبدأ بتعداد عِدَّة قوانين فيزيائيَّة"، ثُمَّ "نقبلُ نحنُ تلك القوانين الفيزيائيَّة بفعلِ رغبتنا في مزيدٍ من المعرفة". وبُناءً على ذلك "يخطُو العالمُ المادِّيُّ قُدُمَاً على طريقِ تفكيكِ آليَّةِ العالم الفيزيائي فيزيدُ مدى آمالُنا. ومن بعد ذلكَ يقومُ العالمُ إيَّاهُ بعزلِ عدة أجزاء مُرَكِّبَة لذاك العالم فيَرُدُّ كُل جُزءٍ منها إلى ذرات، وكل ذرة إلى إليكترونات وهكذا". غير أن ذلك العالم، يقولُ كامُو، يُجابَهُ، عند مِفْرَقٍ مُعيَّن، بسؤالٍ عمَّا ماذا من بعد ذلك فيتحدَّثُ، حينذاكَ، عن "نظامٍ كوكبيٍّ غيرَ مرئيٍّ يتحرَّكُ بفعل قُوَّةِ الجَّاذبيَّة حول نواةٍ أو نَوِيَّةْ". ويذهبُ كامُو أبعدَ في تأمُّلِهِ ذاكَ ويقولُ عن اللَّحظةِ "العلميَّةِ" الأخيرة إنَّهَا "لحظةُ خيبة الأمل الكُبرَىْ" وذلك، بحسبِهِ، لأنَّ "ما خُطِّطَ له في البدء ليكن وصفَاً عقلانيَّاً للواقع ينتهي [بحسب شروطه ذاتِهَا] إلى استعارةٍ شعريَّةْ" (مقتبس عن ألبير كامو في المرجع السَّابق، ص. 56).
يومئُ كامُو بذلكَ إلى أنَّ العلم المادِّي يتركُنا مع خيارٍ فيما بين توصيفٍ مُفصَّلٍ للعالم الفيزيائي قد يفيدنا من الناحية الوظيفيَّة غير أنَّه ينبئُنَا بالنَّذرِ اليسير ويطرحُ علينا فَرضِيَّةً تزعمُ أنَّها تُقدِّمُ لنا معرفةً بيدَ أنَّها تتبدَّل باستمرارٍ مما يعني أنَّها غير دقيقة أو مضبوطة (غير محددة أو دقيقة التَّعريف). وبُناءً على ذلك يخلُصُ كامُو إلى نتيجةٍ مُؤَدَّاهَا أن العلم المادي (الفيزيائي) "ينتهي إلى صيرورتِهِ شعرَاً"، أي، بحسب كامُو، إلى صيرورته صوراً فانتازيَّة و"تعبيراتَ" قد لا تحتوي على أيِّ شيءٍ واضحٍ، أو مباشرٍ، له صلة بحقائق الوجود المادي/الفيزيائي "اليومي" الصَّلِدَةْ.
كذلكَ يُفكِّرُ كامُو. و، على منوالِ ذات النَّحوِ من التَّفكير، يتحدَّثُ كامُو عن ما يَرَاهُ طريقتين تقليديَّتَين لنفي "ما هو عبثي" سماهما، على التوالي، طريقة الانتحار الفلسفي (أو طريقة القفزة/الطفرة الإيمانيَّة) وطريقة الانتحار الفيزيائي.
ويُفضِّلُ كامُو شارحاً، في هذا السِّياق، القول بشأنِ إدراك "ما هو عبثي" فيقُول إنَّ من صور ذاك الإدراك المُعيَّنَة ملمحَاً عامَّاً يبدُو عِندَ فلاسفةٍ مُختَلِفِين مثل سورين كيركيجارد وكارل ياسبرز وإدموند هوسرل وشيلر. ويتمثَّلُ ذاكَ الملمح العام، وِفقَاً لكامُو، في انتماء كُلِّ أولئك الفلاسفة لقبيلةٍ فلسفيَّةٍ تُنفِي "ما هو عبثِيٌّ" عبر واسطةِ "الطَّفرة/القفزة إلى دربِ اللاعقلانيَّة" من بعد مُجابهةِ "ما هو عبثِيٌّ" في واقعيَّتِهِ التَّامَّة ومن ثَمَّ هم يرتكبون بذلك ما يُشيرُ إليه كامُو باسم "الانتحار الفلسفي". وبخصوص كارل ياسبرز، على سبيل المثال، يقتبسُ كامُو عنه، في هذا السِّياق، قولاً له ذاتَ مَرَّةٍ مَفَادَهُ أن عدم قدرة العقل على فهم الوجُود "تُظهِرُ بالتَّأكيدِ، فيما وراء كُلِّ توضيحٍ وتفسيرٍ مُمْكِنَين، ليس العدم، بل وجود (كينونة) ما هو مُتجاوز أو مُتعالٍ transcendent". وبحسب منظُورِ كامُو ما يفعلُهُ ياسبرز هنا هو إنكار ونفي (أو، على الأقل، أوالأكثر، اجتناب) "ما هو عبثي" آناءَ تأمُّلِهِ الفلسفي وذلك لأنَّهُ، وفقَ كامُو، يُؤَكِّدُ، عبر عين وساطةِ "ما هو عبثي"، ترانسيدينتاليَّة transcendentalism the وغائيَّة الوجُود خلالَ اتِّكائِهِ على عمليَّةٍ تحويليَّةٍ كائنةً "فيما وراء كل توضيحٍ وتفسيرٍ ممكنين" (كامُو، مُقتَبَسٌ، ومُعَادَةً صياغتُهُ منّي، من عِندَ المرجع السَّابق، ص. 59). وبشأن هوسرل يقول كامو عنه إنَّهُ- من بعد مطابقته للفكر مع الوصف وليس التَّفسير- يأتي إلينا بمفهوم مُتعَلِّقٍ بجواهرٍ لانهائيَّة وكائنة خارج الزَّمان تهب المعنى والمغزى لعدد لانهائي من الأشياء. وبُناءً على قولِهِ ذاكَ يزعمُ كامُو أنَّ هوسرل يقومُ، في مُجمَلِ تفلسُفِه، بما قد يُفهَم أنَّهُ بمثابةِ "طفرةِ/قفزةِ إيمانٍ إلى داخلِ مجالِ العقل المُطلقْ" (هل لا يُذِكِّرُ ذلك، على نحوٍ مُريبٍ ما أو آخرٍ، بفكرة العقل المُطلق عِند جورج ولهلم فريدريش هيجل التي بسببِها يُندِّدُ كارل ماركس بفلسفة هيجل بسبب ما يراهُ هو فيها من تغريبٍ للطَّبيعة الماديَّة الحقيقيَة للديالكتيك؟ أنا هنا فقط أطرحُ سؤالاً عابِرَاً!). ويُحاجُّ كامُو، تأسيساً على زعمِهِ ذاكَ بخصوص هوسرل، بأنَّ "عقل هوسرل المُطلق" ذاك يُشكِّلُ، في النِّهايةِ، ضربَاً من اللاعقلانيَّة في "التفلسف" وذلك، بحسب كامُو، لأنَّ هوسرل يحاول، في تفلسفِه المعني، التَّمَلُّصَ من تجربةِ "العبث" و"العبثيَّة" عبرَ إنكاره (أي عبر "قفزه فوق") مَحدُودِيَّة العقل الإنساني البائسة- ذلك "العقل" الذي يُمجِّدُه كامُو على نحوٍ سلبيٍّ حيثُ يَصفُهُ بأنَّهُ الفاعلُ الكاشِفُ، بامتيازٍ، عن عبثِ وعبثيَّة الوجود الإنساني في هذا العالم.
ذلكَ مَفَادُهُ أنَّ كامُو يرفض أي طريقةٍ في التَّفكير من شأنِها، في تصَوُّرِهِ الخاص، تمويه "ما هو عبثي" أو التَّمَلُّص منه. وطرق التَّفكير تلكَ تشملُ كُلَّ تلك الفلسفات التي هي، من عِندَ وجهةِ نظر كامُو، تغفل، أو تُسقِطُ، عنها، أو تتجنب، في نشدها لمعنى متعالٍ ما أو آخرٍ للوجُود الإنساني، واقعية محدودية العقل الإنساني التي، في المقام الأوَّل، يصلُ الفرد الإنساني، وِفْقَهَا، بحسب كامُو، إلى الوعي بالعبثيَّة "الخالصة" لحياتِهِ الخاصَّةْ.
وعلى ذاتِ المِنوالِ الفِكريِّ يرفض كامو أيضاً ما يُسمِّيهِ "الانتحار الفيزيائي". هو يفعلُ ذلكَ، بالطِّبع، على ضُوءِ مفهومِهِ الخاص بشأن "العبث" والعبثيَّة". وينطوي "الانتحار الفيزيائي"، بحسب كامُو، على مَخرَجٍ سهلٍ من "ما هو عبثي" لذا هو لا يُشكِّلُ، في رأيه، حلَّاً لتناقُضِهِ المنطقي الأساسي. ويشرح كامُو نقطته تلك بقولِهِ إنَّ "الانتحار الفيزيائي" قد ينفي، أو يتجنَّب، "ما هو عبثي" عبر إزاحتِهِ بعيداً للفرد الإنساني الذي هو، على نحوٍ جوهري، شريكاً في العلاقة التي ينجمُ عنها مولد الوعي بهِ، غير أنَّهُ- بحسب كامُو- ليس بِوُسْعِه، على كُلِّ حال، نقضه وذلكَ، يَحاجُّ كامُو، لأنَّ "ما هو عبثي" سيظلُّ، حينذاكَ، كإمكان قد يتمُّ اختبارُهُ من قِبَلِ "شخصٍ آخرْ". وما يعنيه كامُو بذلك هو- ببساطةٍ- أنَّ ارتكاب فِعل الانتحار قد لا يُشكِّلُ، في تلكَ الحالةِ، أيَّ شيءٍ سوي استجابة شخصيَّة (أي استجابة محدودة ومقيَّدة بالشخص المرتكب لذلك الفعل) تفتقرُ إلى الصِّحَّة العامَّة.
ومن بعدَ رفضِهِ للانتحارين، "الفلسفي" والفيزيائي، لكونهما، في رأيِهِ، موقفين غير متَّسقين من قِبَلِ الكائن الإنساني تجاه "ما هو عبثي" يخلصُ البير كامو إلى نتيجةٍ فلسفيَّةٍ مُؤَدَّاها أنَّهُ يجبُ على الفرد الإنساني "قِبُولَ ما هو عبثِي".
تكمنُ في ذلكَ "القبُول"، يقولُ كامو، على الأقل، قيمةٌ مُهمَّةٌ واحدة وهي، بحسبِه، قيمة الحقيقة بقدرِ ما يتَّخِذُ فردٌ إنسانيٌّ ما أو آخرٌ من "ما هو عبثِيٌّ" حقيقةً. "الحقيقةُ"، يقولُ كامو، ينبغي لها أن تُصانَ ويُدافَعُ عنها. عليهِ، يُواصلُ كامُو حديثَهُ، ينبغي على "ما هو عبثِيٌّ"، ما يدم هو يُشكِّلُ "حقيقةً" لشخصٍ معيِّنٍ ما آخرٍ، أن يُسْتَمْسَكَ به بدلاً عن التَّهرُّب أو التَّمَلُّص مِنْهُ. ذلكَ هو ما يُحاولُ كامُو، جاهداً، تَوكِيْدَهُ. لكنَّ سؤالين بسيطين ومُهمَّين ومُتَّصِلَينَ ببعضهما البعض ينهضان هنا هما: أَنَّىْ لفردٍ إنسانيٍّ ما أو آخرٍ أن يَصِلَ نفسَهُ بالعالم في حالةِ قِبُولِهِ لـ"ما هو عبثِي"؟ وأيُّ نوعٍ (أنواعٍ) من الحياة قد ينطوي عليها، أو يقترحُهَا علينا، قبُول "ما هو عَبَثِي؟
في مِعرض الإجابة على ذينك السُّؤالين (اللذين هما، في غايةِ الأمرِ، سؤالٌ واحد) ينصح كامو، في البدء، أفراد النَّاس بأن يرفضوا، باستمرار، كلَّ الطرق المقترحة (و"الممكنة") "للتَّمَلُّص ممَّا هو عبثي". ثم هو يُعطِي، من بعدَ ذلك، ذاكَ الرَّفض اسم "التَّمَرُدْ". هو يعني، بإيجاز، بذاكَ "التَّمَرُّد" الرَّفض الوِجُودِي لما يُسمِّيهُما "طريقتي الانتحار" اللَّذين يربطهما هو بما يراه على أنَّهُ "فِعْلُ تَمَلُّصٍ ممَّا هو عبثي" واللَّذين هما، بحسبِهِ، طريقة الانتحار الفيزيائي وطريقة الانتحار الفلسفي (الذِهني) ومِن ثَمَّ "الإخلاص" لما يُسمِّيهِ هو "حقيقة الحوَاس الأساسيَّة".
عن موقف "التَمَرُّد" ذاكَ يكتُبُ ألبير كامُو:
"الجَّسد، التَّعاطُف، العالم المخلوق، الفعل، الحركة الإنسانيَّة سيستعيدون حينذاكَ جميعاً أمكنتهم في هذا العالم المخبُول. والإنسانُ سيجدُ آنذاكَ خَمرَ العبثيَّة وخبز اللامبالاة ليُغَذِيَا عظمتَهُ"
يرغبُ كامُو هُنا في جعل "ما هو عبثيٌّ" نفسه- وفي ذلكَ مُفارقةٌ هي، بحسبِهُ، تُظهرُ عبثيَّة الحياة الإنسانيَّة- قاعدةً للفعل الإيجابي.... هذه هي خُلاصةُ كامُو: "يتوجَّبُ" علينا عيشَ "عبثِيَّة" حيواتنا الإنسانيَّة على نحوٍ إيجابي- تلك "العَبَثِيَّةُ" التي يكشفُ لنا عنها العقل الإنساني (رُغم محدُوديَّتِه) بصورةٍ تحليليَّة. لكنَّ السّؤالُ هنا، بحسبي، هل تلكَ الطَّريقَةُ في العيش مُمكِنةً وُجُودِيَّاً؟
أعتقد أنَّها غير ممكنةً وُجُوديَّاً وذلك، ببساطةٍ، لأنَّه ليسَ هُنالكَ أيُّ وعي، أو شعور، بالعبثِيَّةِ، في أيٍّ من أشكالها، بِوُسعِهِ وهب أيِّ كائنٍ إنسانيٍّ ما، أو آخَرٍ، أيَّ "حقيقةٍ" ما، أو أخرى، يحيا بها ولها، أو أيِّ "نسيجِ قيمِ حياتيَّةٍ" ما، أو آخرٍ، يحيا بِهِ ولهُ. إن كامُو لا يُخلِص، في رأيي، لمفهومه الخاص، و"وعيه" الخاص، بشأن "ما هو عبثي" بفهمِهِ له على النَّحو الذي هو فاهِمٌ له وِفْقَه. أعني بذلكَ أن معنى الحياة (عِندَ أيٍّ من مستوياتِهِ ودرجاته وبأيٍّ مغزىً من مغازيهِ وعلى أيِّ صُورةٍ من صُورِه الممكنة) هو المفتاح/الأس الوحيد الذي يجعلُ من الممكن لكائنٍ إنسانيٍّ ما، أو آخرٍ، الدِّخُولَ في صلةٍ إيجابيَّةٍ معه. لذا لئن يَفقِدُ ذلكَ الكائنُ الإنسانيُّ ذاكَ المفتاح/الأُس سيتلاشى ككائنٍ حي، أو بالأحرى كَنَفْس ومن ثَمَّ يخسرُ صلته (صلاته) الحميمة مع العالم الذي هو، في المقام الأوَّل، يعيشُ فيه. وبما أنَّ "عبثِيَّة" الحياة الإنسانيًّة تعني، ببساطةٍ، فقدان ذاك المفتاح/الأُس لن تفلح، والحالُ كذلكَ، أيُّ حياةٍ مع تلكَ "العبثيَّة" في حملِ وطرحِ أيِّ ثمراتٍ من النَّوع الذي، أو الأنواع التي، قد يحملُها وينطوي عليها (عندَ، أو في، مستوى ما أو آخر، درجةٍ ما أو أخرى، معنى ما أو آخر)، بالفِعل، المعني الذي نعنيه هُنَا. أعني هنا، بعبارةٍ أخرى، ألَّا خلاص قد يجيءُ أبداً من عِندَ حياةٍ قد تُعاشُ على نحوٍ دائمٍ- إن يُمكنُ ذلكَ أصلاً- على قاعدةِ "قانون/مبدأ العبثيَّة" الكامَوِيْ.
أعتقد أنَّ ألبير كامو كان مُدْرِكَاً لذلكَ، فيما يبدو لي، على نحوٍ غير مُباشرْ وذلك بقدرِ ما هو نفسه يبدو على قُبُولٍ لحلٍّ توفيقِيٍّ، أو وسط، فيما يختصُّ بعلاقته- هو شخصيَّا- مع عين "عبثيَّة" الحياة الإنسانيَّة تِلكَ التي هو يدعونا جميعَاً- كأفراد إنسانيِّين- إلى قُبولها وتوكيدها على نحوٍ غيرَ مشروط. أعني بذلكَ، في كلماتٍ أُخريات، أنَّ لا رغبةَ في الحياة بِوُسْعِهَا "منطقيَّاً" الصِّدُور ("الخروج") من عِندَ إحساسٍ، أو إدراكٍ أو وعيٍ، بالعبثيَّة وأنَّهُ وِفْقَ تَوكيدِهِ الفِعْلِيِّ للرَّغبَةِ في الحياة "يتَمَلَّصُ" كامو، في الواقِع أو فِعلِيَّاً، من [أو، في سياقٍ آخرٍ، يتجاوز] عين تلك "العبثيَّة" التي ينصحنا هو بالحياةِ وفق الوعي/الشِّعور بهَا. والشَّواهِدُ على توكيدِ كامُو، في هذا السِّياق، على حُبِّ الكائن البشري، وعلى حافزِ الحياة والعيش، ليس من العسير العثور عليها في الكثيرِ من كتاباتِهِ. من تلك الشَّواهد، على سبيل التَّمثيل، الفقرة التالية من رسالةٍ نشرها ألبير كامُو ضِمنَ مُؤَلَّفِهِ المُسمَّى "رسائل إلى صديق ألمانيLettres a un ami allemande":
"أنا قد اخترتُ العدالةَ حتَّى أبقى على إيمانٍ وثِقَةٍ بالأرض. بلى، أنا ما أزالُ مُعتقِدَاً أن هذا العالم ليس له معنى فوقَ طبيعِي. غيرَ أنِّي أُدرِكُ، مع ذلكَ، أنَّ هنالك شيءٌ في هذا العالم له معني- هو الإنسان- وذلك لأنَّ الإنسان- عندي- هو الكائنُ الوحيدُ في هذا العالم الذي ينشُدُ/يطلبُ معنىً لنفسِهِ. ذلكم قد يحتوي، على الأقل، على حقيقةِ الإنسان ومُهمَّتُنا، ككائناتٍ إنسانيَّة، كائنةً هنا في تبرير وجُودِهِ في وجهِ المصيرِ نفسِهِ [الحروف المائلة في الترجمة والطِّباعةِ من عِنْدي]" (مقتبس عن ألبير كامو في المرجع السَّابق، ص. 64).
دعنا الآن نجعلُ من حديثِ ألبير كامُو أعلاه النَّوتَةَ الأخيرةَ في هذا المقال.
إبراهيم جعفر،
صيف العام 1994م
* نظرة عامَّة من قِبَلِي إلى الفصل الثَّاني من كِتاب جون كِرْوِكْشَانْكْ John Cruickshank المُسمَّى "ألبير كامُو Albert Camus" والصَّادر عن دار جامعة أوكسفورد للطباعة والنَّشر، لندن، 1959م.
• نُشرَ هذا المقال ضِمنَ كتابٍ لي، باللغة الإنجليزية، بعنوان:
A Saint & a Goose and Other Writings [A Collection of Reviewing Essays & Reflections]
صدر عن دار نُور للطباعة والنَّشر، 03 أغسطس، 2017. أنظر: A Saint & a Goose and Other Writings / 978-3-330-97675-7 / 9783330976757 / 3330976756 (noor-publishing.com)
khalifa618@yahoo.co.uk
/////////////////////////