نظرية المؤامرة و الوقوف ضد حق تقرير مصير شعب جبال النوبة (2)

 


 

 


الاسلمة و التعريب القسرى المسيس و المؤسسات المنفذة لذلك و تأثيره على هوية و وحدة شعب جبال النوبة

قراءة تحليلية نقدية

Gogadi Amoga (أمين زكريا)
gogadiamoga@gmail.com

تناولنا فى الحلقة الاولى مقدمة مختصرة عن الاستهداف التاريخى لشعب جبال النوبة، و تابعنا بعض الايملات و التعليقات فى بعض المنابر العامة و لهم الشكر بمن فيهم من فضح عنصريته و من لم يفهم ان الاخرين قد فهموا تفاصيل المؤامرة التاريخية، وشكرنا للاقلام المشيدة بحق الاخرين فى ان يكونوا اخرين و موضوع الاسم كحق انسانى و قانون طبيعى و فخور جدا ان يحمل ابنائى أسكو و أسو و زوجتى ملى تيه اسماءا افريقية و نوبية لها دلالاتها و معانيها، و معذرة لاصحاب الفهم المخلوط ما بين مفهوم الشعب و الاقليم و مكوناته و الاثنية، و الظلم التاريخى الواقع على شعب الاقليم، و آليات حق تقرير المصير التى سوف نتطرق اليها فى نهاية هذة المقالات، و هو ما اشار اليه أحد المعلقين  انه يجب ان يصبر البعض و بدون انفعال و استباقا للخلاصة فى اعادة تشكيل السودان على المستوى الثقافى و الاقتصادى و السياسى.
فلكى نتعرف على ثقافاتنا السودانية بإيجابياتها وسلبياتها، وندرك قدرتها على التحاور والتجاور و التبادل و التعايش السلمى مع الآخرين، فلا بد من دراسة و معرفة الثقافات الأخرى، بجانب نظرة الثقافات الاخرى لثقافاتنا أيضا فى إطارها العمومى و الخصوصى، و هو ما يمكن وصفه بأن الثقافات أو المجموعات الثقافية مهما كان حجمها و زمانها و مكانها فهى تشكل العمود الفقرى للإنسانية جمعاء، بل ما يسمى فى عالمنا المعاصر بالعولمة، ماهو إلا إمتداد طبيعى لتراكمات ثقافية، بدأت بثقافة إنسانية واحدة ثم توسعت ديمغرافيا و جغرافيا وبيئيا و إجتماعيا و إقتصاديا و سياسيا ...الخ، وشكلت ما يعرف بالعولمة أو الثقافة العالمية، التى بنيت على معطيات، لكنها يجب ألا تتجاوز النظرة النشوئية للثقافات و تاريخ و ماضى تشكلها، كما عليها ألا تتجاهل أى ثقافة مهما كان حجمها و تاريخ و عوامل تكوينها، و إلا فإن الصراع و النزاع سيكون النتيجة الحتمية لذلك.
السودان بلد ملئ بالتعقيدات المتافيزيقية والنفسية والاجتماعية والبيئية ذات الابعاد السياسية المصطنعة، مما أثر فى التطور الطبيعى للخارطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية،  لأن  النخب السلطوية المركزية مستفيدة من هذه الوضعية لخلق تميز مزيف يضمن استمراريتها وسيطرتها على مقاليد الامور و إقصاء الآخرين او إعادة إنتاجهم بما يخدم مصالحهم الذاتية. ومن ثم فإن ديناميكية التحرر والتحول الفكرى والسلوكى القادمة من الاطراف يقابلها شراسة إستاتيكية وجمود فكرى مركزى يسيطر عليه ما يسمى بالنخب او الصفوة المركزية.            
وتنيجة لتلك التناقضات تظل المعادلة السياسية غير موزونة ولا تنبأ بتغيرات جادة تصب فى مصلحة الشعب السودانى، وللأسف فإن هذه النخب قد استخدمت العلم لخدمة استمرارية دوافعها الأنانية، وبالتالى فإن دوائر الصراع الثقافى وصراع الهوية ودولة الدستور والقانون والمواطنة سوف تدور فى دوائر مفرغة ولن يحدث تغيير ملموس إلا بتغيير أجهزة الدولة ونظرية المؤآمرة  والأدوات التى تستخدم لأستمراريتها، لأن ما يدور فى جهاز الدولة بشكلة الحالى سوف يعيق من وحدة استقرار السودان آنيا ومستقبلاً، وبالتالى فإن الحاجة الى فهم جديد ووعى مستنير يتطلب مناقشة هذه التعقيدات بتجرد  وذلك للخروج من واقع الأزمة السودانية المعاشة.
مفهوم إعادة تثقيف الثقافات الذى نعدة مصطلح جديد نبحث فيه الان فى كتابنا هو مفهوم مغاير الى حد ما لمفهوم التبادل الثقافى المعروف الذى يتم وفق شروط محددة، بل هو مرحلة سابقة للحوار الثقافى نفسه، ومختلف بدرجة عن الصراع الثقافى، ومن ثم فإن المفهوم من خلال تناولنا يهدف الى إضافة علمية جديدة  وتقديم حلول من منظور ثقافى لتعقيدات المشكلة السودانية و ازمة الهوية المشتركة.
ويعنى مفهوم إعادة تثقيف الثقافات فى تفسيره البسيط تطوير معرفة الثقافات بالثقافات الاخرى، بمعنى تطوير  الوعى بتنوع و خصوصية وعمومية الثقافات وعوامل تشكلها وتإثيرها فى توجيه سلوك و أفكار الافراد والمجتمعات وكنمط معيشى ايضا، مع ضرورة الإعتراف بواقعية هذا التنوع والتعامل معه، ومن ثم محاولة قياس مقدرة تلك الثقافات المتنوعة او المتعددة فى التحاور و الالتقاء والتبادل بعيدا عن الانانية والتعالى والدونية، لخلق جو تصالحى يعترف بالمعرفة الثقافية المتنوعة، و إعطائها فرصة للتعايش السلمى، مما يساهم فى وحدة وطنية حقيقية وهوية مشتركة تحقق المصلحة العامة للمجتمع، او انتزاع حق تقرير المصير اذا رفض المركز ادارة هذا التنوع، والمفهوم نفسه لا يركز فقط على الجوانب الإثنية أو اللغوية او الدينية، بل يتعداها ليشمل الحياة بزاواياها المختلفة إجتماعيا، وإقتصاديا وسياسيا ..الخ

فكثيرا ما يقع العديد من دارسى وكتاب حوار الثقافات فى أخطاء معالجة الثقافات المتنوعة او المتصارعة، لانهم قلما يرجعون الى تشخيص دقيق لجذور الأزمة الثقافية، ومن ثم فإن إنتقالهم الى مرحلة الحوار الثقافى مركزين على الصراع الثقافى دون مراعاة  خصوصية وعمومية الثقافة وظروف واقعها الإجتماعى والإقتصادى والسياسى .....الخ، قاد العديد من الكتاب والدارسين الى إصدار أحكام قيمية مسبقة لا تتماشى مع تفسير الواقع المعاش، مما جعل من الحوار والحلول محاولات تهدئة آنية للنزاعات وسرعان ما تعود بصورة أكثر تعقيدا.
و الملاحظ أن كثيرا من النتائج التى يصل اليها بعض الباحثين وخاصة السياسيين تشير الى إعتقاد بعضهم انهم اوصياء على المجتمعات و يمكن أن تتغير قناعة المجتمع تجاه قيمه وثقافته بصورة مفاجئة أو سريعة أو عبر إستخدام وسائل ترغيبية او ترهيبية عبر السلطة، متناسين أنها تكونت نتيجة تراكمات تاريخية أخذت زمنا وستبقى إذا لم تطرأ عليها تغيرات أيجابية يحسها المجتمع نفسه ويقتنع بها

وما قاد الى هذه المحاولة  هو التعقيدات والواقع المرير الذى يعيشه  السودان من صراعات وحروب تتذايد حدتها يوم بعد يوم، ساهمت السلطة المركزية و مؤسساتها بدرجة كبيرة فى إخفاق دور التنوع الثقافى و أهميته فى لعب دور هام وكبير فى إثراء الوطن إجتماعيا و إقتصاديا وسياسيا مما يحافظ على وحدته و أمنهلذلك فإن سطحية المعرفة بمكونات الوطن كان حجر عثرة فى الاستفادة من تنوعه
فبالرغم من اهمية كل العوامل مجتمعة فى حل المشكلة السودانية، إلا أن تجاهل المكون الثقافى المتنوع فى دولة بمساحة السودان ذاد من تعقيد المشكلة وسيقابل برفض مستمر قد يطيل مرحلة الاقتتال والحروبات
وما تمت الاشارة اليه هو جزء من واقع الأزمة السودانية المعاش الذى تشكل منذ ما يسمى بإستقلال السودان وقبله، و إنعكس على كثير من الممارسات الإجتماعية والإقتصادية و السياسية و إستمر إلى يومنا هذا
وعلى الرغم من الدور الكبير الذى يلعبه العامل الثقافى بجانب عوامل اخرى فى تجنب وفض النزاعات و الوقاية منها، إلا أن الوقائع الآنية للنزاعات كواحد من جذور الأزمة فى السودان قد تنبئ بتفجر الوضع بصورة أكثر تطرفا لاحقا إذا لم تتم معالجته عاجلا و بصورةعقلانية  تدير التنوع فى السودان بكل مستوياته، ويتيح مجالا تثقيفيا للثقافات ومن ثم حوارات هادفة مبنية على أسس معرفية بالتنوع وتبادل ثقافى طوعى يقود الى هوية سودانية ذات قواسم مشتركة

فالواقع الثقافى غير المتوازن الذى يظهر على مستواه الإجتماعى الشعبى بصورة ينظر إليها المجتمع بدرجة قبول نسبى، هو واقع غير مؤسس ولن يقود الى إستقرار دائم فى ظل الممارسات الرسمية المنعكسة على حياة الناس

محاولتنا فى تقيف الثقافات لا بد ان تتم عبر كشف الجانب المخفى و مخاطبة تلك القضايا الحساسة التى يتحاشها الناس فكأنهم "يغطون النار بالعويش"  فإعادة تثقيف الثقافات كمدخل علمى بإعتبار أن الثقافة تلعب أدوارا متعاظمة فى تشكيل أوجه الحياة المختلفة، لا بد من كشف المستور و تحميل المسئولية للذين تسببوا تاريخيا فى طمس هوية الشعب السودانى، كما ان تثقيف الثقافات سيذيد من درجات الوعى بالتنوع و تحويله من عامل سلبى إلى إيجابى يساهم فى إستقرار الوطن بصفة عامة.

يقول القائد/ يوسف كوه مكى  فى اشرطة فديو موثقة انه حتى المرحلة الثانوية من عمره  كان يعتقد انه عربيا، و لم يفطن لذلك الا بعد عدد من الممارسات و النعوت التى جاءت من معلميه فى المرحلة الثانوية بالخرطوم، فالسؤال الذى يطرح نفسه كيف و لماذا تشكل هذا الفهم؟ و لماذا انتفض يوسف فى ثورثه و قصيدته المشهورة " إفريقيتى)، فكوه يعلم التنوع الثقافى و يحترمه و  ناضل الى ان توفى من جل حقوق الاخرين فى ان يكونوا آخرين، و ليس  الاستلاب او الاستعلاء او القهر الثقافى و التهميش باشكاله المتنوعة.
استطاعت مؤسسات الاسلمة و التعريب القسرى المسيس منذ دخول العرب السودان ان تعمل مدعومة باجهزة الدولة، فى عمل غسل ثقافى مبرمج عبر المناهج التربوية و التناقل و الحكم و المأثورات و تزييف التاريخ و الاحاديث الضعيفة،  لتشكيل صورة ذهنية خاطئة تؤكد سمو العنصر العربى، و القصد الاساسى هو تحقيق سيكولوجية الانسان المقهور عبر خلق تراتبية اجتماعية زائفة، فيقال كل من تحدث العربية فهو عربى، فهل ينطبق ذلك على الالمان و الامريكان و كثير من السودانيين؟. عملت تلك المؤسسات بصورة ظاهرة و مستترة فى تنفيذ خططتها فى جبال النوبة لدرجة أقنعت الكثيرين حتى من ابناء النوبة ان النوبة عبارة عن 99 جبل و يتحدثون لغات ممتنوعة و ليس لهم شئ يربط بينهم سواء اللغة العربية!! السؤال الذى يجب طرحه لماذا يحمل كل النوبة اسما و احدا و هو النوبه و يفتخرون به جميعا و كلهم ابناء كوش و فى نفس الوقت جينيا يحبون بعضهم و يدافعون عن ثقافتهم و حضارتهم و ينفعلون مع تراثهم المتنوع حتى اذا لم يفهم البعض لغة الاخر، و لم يدخلون تاريخيا مع بعضهم البعض فى حروبا، فكيف جاءت اللغات المتنوعة فى جبال النوبة و كيف يمكن الرجوع للغة تجمع كل النوبة؟ الاجابة على هذه الاسئلة يعلمها عروبى السودان و علماء الانثروبواوجيا و اللغويات البرطانيين أكثر من النوبة انفسهم الذين انخضع العديد منهم عبر نظرية المؤامرة  من قبل مهندسى تلك السياسة بالمركز و من خلال سياسة اضعف و فرق لتسد. فالنوبة الذين صنفهم العلماء الى 10 او 7 مجموعات لغوية هم جميعا ابناء حضارة كوش التى اعتنقت المسيحية لالف سنه (1000 سنه)، و كانوا يتحدثون لغة واحدة الى ان جاءت غزوة عبد الله بن ابى السرح و غزوات اخرى لاحقة فى كردفان فاحتمى النوبة فى هذه الجبال و التى كانت جزء من حضارة كوش الممتدة الى العديد من الدول الافريقية، و لكن غزوات تجارة الرقيق و نهب الثروات التى حاولت تتبع النوبة فى مواقعهم الحالية اصطحبت من يعرفون لغات النوبة اصلا ام تعلما ليقودونهم (لذلك سميوا بالقوادين)، بما فى ذلك اشارات و لغات التفاعل الرمزى (شبيه بالاذاعة و توصيل الاخبار فى زمننا هذا)، سواء كان عبر النحاس او الطبول او النيران او الاصوات و التى تستخدم فى الافراح و الاكراه  بما فيها غزوات الاعداء و تجار الرقيق، و لكى يقاوم النوبة فكان لا بد حماية انفسهم عبر تطوير لغات محلية تجنبهم شر العدو، فطورت كل مجموعة مفردات اللغة و خاصة المتعلقة بالامن و مع مرور الزمن اصبح هناك تحور فى لغات النوبة التى صنفت الان الى 7 مجموعات اساسية، و ظلت كثير من المصطلحات غير المرتبطة بامنهم مستمرة بشكل موحد او باختلاف بسيط فى النطق و على سبيل المثال (الجمل و العنقريب ...الخ) و هو ما يسهل مهمة مركز لغات جبال النوبة الذى لعب دورا كبيرا فى توثيق لغات جبال النوبة بالحروف اللاتينية، الى البحث لانشاء قاموس يجمع المفردات اللغوية المشتركة وغير المشتركة لانشاء لغة تدرس فى المدارس، مع وجود اللغات المحلية و اللغات الاخرى، و شعب النوبة له من العزيمة و القدرات لتنفيذ ما هو مفيد لشعبهم، و سوف نبذل كل جهدنا مع مراكز الابحاث العالمية و اليونسكو و ادارة الشعوب الاصيلة بالامم المتحدة لفتح منافذ باعتبار ان شعب النوبة واحد من اعظم الشعوب  العرقيه ، حيث يرى علماء الانثروبولوجى و خاصة العالم البرطانى تونى بارنيت الذى اجرى دراسات مقارنه فى كل انحاء السودان توصل فيها الى ان اكثر مجتمع قابل للتطور اذا اتيحت له الامكانات اللازمة هو مجتمع جبال النوبة، و رغم أن هذه الدراسة تعد اضافة ايجانية فى الرصيد المعرفى والانسانى العالمى الا ان مركز السلطة فى السودان  استخدمها فى تحطيم و تدمير شعب جبال النوبة بكل اثنياته فى كافة المجالات التربوية و الصحية و التنمية و الخدمات و الطرق ...الخ و استمرار الظلم  بحرب الابادة الذى ينفذ حاليا و هو مخطط، حتى لا يستقر هذا الشعب و يتعلم و يقوى اقتصاديا و سياسيا و يطالب بصورة جماعية بكل حقوقه بما فيه حق تقرير مصيره
مؤسسات الاسلمة و التعريب المسيس فى جبال النوبة:
حينما حاول الانجليز فى فترة الاستعمار تدريس ابناء جبال النوبة قبل و بعد سياسة المناطق المقفولة باللغات المحلية او اللغة الانجليزية،  رفض شماليو السودان الذين تقريوا الى المستعمر بعد ثورة 24 و قبلها اكثر من 22 ثورة فى جبال النوبة تجاهلها كتاب تاريخ السودان و لم يشيرون لها الا فى سطور اختصرت فى ثورتى السلطان عجبنا و الفكى على الميرواى، و بالتالى، اصبح مؤسسات المركز و المستعمر اقرب الى بعضهما من حيث اسلوب التعامل مع شعب جبال النوبة، ليخرج مستعمرا برطانيا من الباب و يستمر مستعمرا اسلاموعروبيا ، فما هى مكانيزم الاسلمة و التعريب التى اعتمد عليها المستعمرين الجدد:                
1- مؤسسة التاجر (الجلابى): و الجلابى هو الذى يجلب الخير لنفسه عبر غش وخداع الاخرين و اطلقت على الانتهازيين الشماليين الذى كانوا يستغلون بساطة الناس و استغفالهم لتحقيق مكاسبهم التجارية(كشراء الدجاجة بقرشين و من ثم تلوين الريش و بيع الريشه بقرش!!) و الثقافية و السياسية كمشروع متكامل مع المركز لفرض السيطرة بمستوياتها المختلفة، لذلك تجدهم ينهبون مقدرات الشعب و ثرواته و يعمرون فى شمال السودان، و هذه المؤسسة بفعل دعم المركز و مؤسساته استطاعت ان تتغلل فى المدن و القرى. و كان الغالبية العظمى من النوبة لا يعرفون اللغة العربية ، و كان مداخل كثير من التجار للتقرب  و التاثير على المجتمعات هو تعلم بعض او كل لغاتهم المحلية لخلق نوع من الثقة و وسائل اتصال لتحقيق اهداف الاسلمة و التعريب، و دائما ما يستغل التاجر او الجلابى المواطن البسيط فى الشهور التى يفقد فيها الناس مخزونهم الاستراتيجى الموجود فى السويبه او السعيبة (مخزن) فى الفترة من شهر 7- 10 اى فترة ما قبل الحصاد عبر الاستدانة (الجروره) لبعض المسلتزمات الضرورية، و لكى يتحصل الشعب على بعض المستلزمات الضرورية كالشاى و البن و السكر و طحن الذرة لمن تبقى له من عيش، ياتى الاستغلال الاقتصادى و الثقافى المبرمج، حيث ترفع اسعار السلع لدرجة كبيرة، و طالما ان اهل القرية ليس لهم من التجارب التجارية على مستوى القطاعى و الاجمالى يأتى الاستغلال المبالغ فيه من قبل الجلابى، بل انه يستغل فيه بساطة البعض الذين يروجون لانسانيته و اظهاره بمظهر البطل المنقذ فتصل الاستدانه الى اضغاف مضعفة من السعر الرسمى، و احيانا مقايضة خرافية بالمحصول، مما يجعل دوران الاستدانه مستمرا و خاصة لمحدودى الانتاج و قليلى الانتاج لاى اسباب طبيعية كقلة المطر او الجراد او دودة القطن او فشل السمسم ...الخ، و رغم هذا الاستغلال الاقتصادى الا ان الاخطر فى ذلك ان سمعته تزداد بصورة توحى بمظهر المساعد و قد كانت سببا فى ان يقدم المجتمع فى العديد من مناطق غرب السودان بما فيها جبال النوبة الجلابة ليمثلونهم فى البرلمانات و مجالس المدن و الارياف!!!، و الاخطر فى مشروع التعريب المرتبط بمؤسسة الجلابة هو ان الاستدانة (الجرورة) يجب ان تتم عبر تسجيل الاسماء فى دفتر و هو أحد المداخل الاساسية لتغيير الاسماء، حيث يستغل التاجر آنذاك امية اهل القرية فيوحى لهم ان اسماءهم النوبية لا يمكن كتابتها بالعربى (فمثلا اسم امبجو أنقلو) يحول الى محمد على مثلا بغرض استمرار الاستدانه و تمييزه عن الاخرين، و بالتالى يحفظ انبجو اسمه الجديد كمحمد على، و حينما ياتى للمرة الثانية للاستجرار فعليه ان ينطق اسمه الجديد حتى يفتح التاجر صفحته و بالتكرار يحفظ التاجر الاسم و يبدأ فى تحية محمد على و غيره باسمائهم الجديدة، و بعد فتره يبدأ فى نشر اسمه لصاحب الطاحونة و اللورى، و من هنا يثبت الاسم و تبدأ مآساة تغيير الهوية من هنا
2- مؤسسة التعليم (المدرسة):
هذة المؤسسة كانت واحدة من اخطر مؤسسات الاسلمة و التعريب المسيس، فاستغلال رغبة الاباء فى تعويض اميتهم فى الدفع بتعليم ابناءهم رغبة ان يصيروا معلمين او ممرضين او قضاة او ضباط ...الخ، استقبلتها مؤسسة المدرسة بثلاثة اشياء اساسية فى كثير من مناطق جبال النوبة الاولى مرتبطه بتغيير الاسماء و طمس الهوية و الثانية بالتعريب و الثالثة بالاسلمة المسيسة، اذا ان معظم شعب جبال النوبة قبل خمسين سنه فما دون و خاصة فى قراهم لم يتحدثوا العربية الا بعد دخولهم المدرسة، و كثيرين منهم كانوا يدينون بالمسيحية او المعتقدات الافريقية حولتهم  مؤسسة المدرسة فى صورة خداعية بان الاسماء العربية مرتبطة بالدين الاسلامى و هو مجافى تماما لتاريخ الاسلام فالرسول محمد كان اسمه محمدا فى الجاهلية اى قبل الاسلام و عمر كان عمرا و ابوبكر كان ابوبكرا و مسيلمه كان مسيلمة، و سلمان الفارسى كان يحمل اسما فارسيا و لم يغير و صهيب الرومى كان يحمل اسما روميا و لم يغير، و حتى صورة الديانات الاخرى كانت تشوه بصورة كبيرة فى تلك المدارس حتى فى الزمن الذى عاصره العديد من اجيالنا، حينما يخرج المسيحيين من حصة التربية الاسلامية و كذلك فى الانشطة التربوبة و فى وجبات الطعام، تجد ان تعامل الاساتذه الشماليين للمسيحيين كان فظا و كثيرا ما يدخلون فى مشادات مع الاساتذة من ابناء المنطقة. و الاخطر من ذلك تماشيا مع قرار مال الدقنية و الهواء الذى كان يفرض على شعب جبال النوبة حتى فترة السبيعنيات، أصدرت توجيهات من المركز لمدراء المدارس و الذين كان اغلبهم من الشمال بالا يتحدث ابناء النوبة فى مدارسهم و داخلياتهم اللغة العربية، مما خلقت هالة و رعب فى وسط اطفال المدارس و جعلت كثيرين منهم يتنازلون عن التحدث بلغتهم و حدث لهم اهتزاز فى هويتهم، و كان هنالك ما يسمى بالعلامة السوداء و هى عبارة عن لوحة خشبية صغيره كان يكتب عليها فى بعض المدارس (حمار) و بها خيط تعلق فى عنق آخر متحدث بلغته و يعرض فى طابور الصباح، و بعد حديث ضابط الطابور يحمل هذا الطفل اربعة و يجلد عشرة جلدات على مرأى من كل المدرسة ليكون عبره و عظه، و هذا غير ترديد ان اللغة العربية هى لغة اهل الجنة، و منافسات و مسابقات و ليالى شعرية تمنح فيها الجوائز و الهدايا. هذا باختصار و بدون تفاصيل كان نوعا من العمل الممنهج. هذا غير ان كلمة نوباى التى كان يرددها بعض المستعربيين الشماليين تطلق لما يسمونهم الاعجام علنا و فى ظهر فصحاء النوبة، فى محاولة للفصل بين النوبة انفسهم فى اطار سياسة فرق لتسد، و لكن العقل الباطن للعروبيين ان النوبة نوبة فى النهاية، و هو ما انطلى على الكثيرين من ابناء النوبة الذين حظيوا بقدر من التعليم و اعتبروا انفسهم و هما بانهم افضل من اخوانهم الاخرين و اقرب الى مؤسسات الجلابة مما سهل من اعادة انتاجهم بما يتناسب مع عقلية الجلابة و يباعدهم ان اهلهم. هذا غير استغلال الاساتذه و التجار و أأمة المساجد و التمرجية للطلاب و اهل القرية فى نفائرهم التكافلية لحرث و حصاد مزراعهم و بناء منازلهم.
3- مؤسسة المستشفى (الحكيم):
تاريخيا و لقلة المتعلمين من ابناء جبال النوبة كان سببا ان يكون المساعد الطبى (الحكيم) من شمال السودان،  ليخدم منظمومة الاسلمة و التعريب القسرى، فتغيير الاسماء يتم ايضا فى المستشفيات، فالمرضى رجالا و نساء الذين يحملون اسماءا نوبية و نجوا من شرك مؤسسة التاجر و المدرسة سواء لعدم حوجتهم للاستجرار او لم يكن لهم ابناء فى عمر المدرسة او غير راغبين لادخالهم المدارس لسبب ما، فان المرض و خاصة الملاريا و الولادة المتعسرة للنساء تجبرهم للتعامل مع مؤسسة الحكيم، و دفتر الحكيم كان مدخلا لتغيير الاسماء لتلقى العلاج و صرف الجرعات الاسبوعية او الشهرية بحجة ان الاسماء النوبية لا يمكن كتابتها استغلالا لامية الشعب.
4- مؤسسة الجامع:
على الرغم من ان الدين لله و الوطن للجميع، الا ان هذا الامر لم يخطر على بال النخب الاسلاموعروبية الشمالية، و التنوع الذى يتحدث الكثيرين عن الاعتراف به و الفشل فى ادارته كلمة حق اريد بها باطل من واقع المشاركة، حيث اتضح اخيرا ان معظم المنظمات الاسلامية و الوكالات الاغاثية الاسلامية هى مؤسسات امنية استخدمت فى تعريب و تشريد و نقل و قتل الكثيرين الذين نعرفهم من اساتذه و موظفين و ممرضين و نعرفهم بالاسماء و من كان وراء قتل من او تشريد او نهب او نقل اسر و سياتى يوم محاسبتهم. 
مؤسسة الجامع فى فترة الخمسين عاما الماضية كانت تعمل بالتنسيق بين مؤسسة التاجر او الجلابى و مؤسسة المدرسة و الحكيم فى تبادل معلومات الاسلمة و التعريب، و كان التاجر هو الاخطر لقربه من الانسان العادى البسيط و التاثير عليه عبر احتياجاته اليومية، فهو راس حربة تغيير الاسماء و الديانات، عبر لعب دور المنقذ و فراج الكرب للبسطاء، فبعد تسمية امبجو بمحمد على، يبدأ فى نعت محمد على بالرجل الطيب و ان اسمه على النبى الكريم، و يدعوه الى زيارة المسجد فى يوم الجمعة، و لان امبجو(محمد) و سكان القرية قد نعتوا التاجر باعتباره حلال الكرب، فتأتى تلبية الدعوة للمسجد مجاملة، فما يحدث داخل المسجد بعد اداء صلاة الجمعة هو ان يقوم التاجر باعلان اسلام امبجو (محمد) ليهلل و يكبر الجميع و تنهال بعض التبرعات و تكثر زيارات اصحاب المشروع الاسلاموعروبى الى دار امبجو محملة بالهدايا، مما يرسل رسالة الى آخرين بان هؤلاء خيريين و هكذا تتم عمليات التعريب و الاسلمة المسيسة، و التى يتبعها ارسال شيوخ الى مناطق و قرى اخرى الى ان دخلت المنظمات الامنية باسم الدين الاسلامى و الاغاثة و بدأت تنفذ مشروعاتها الاسلاموعربية المسيسة بصورة علنية و انتهت بمشوعها الحضارى العنصرى الفاشل.          
نادى الجلابة فى المدن و بعض اجتماعات البيوت فى القرى كانت مدخلا لتقييم دور هذه المؤسسات فى سياسة الاسلمة و التعريب
كل ذلك يتم فى غياب تام للوعى كما ذكر الشهيد القائد/ يوسف كوه مكى لدرجة ان المثقفين فى المدن و الذين نال بعضهم قدرا من التعليم كانوا ايضا ضحايا لمشروع الاسلمة و التعريب المسيس، على الرغم ان الناس لهم حرية التعبد و اختيار الدين والاسماء التى تناسبهم بصورة سليمة و غير مضرة بخصوصيات الاخرين.              
قد يستغرب البعض ان مثل هذه الاشياء تمت فى مناطق كثيرة من السودان و خاصة جبال النوبة و لكن هذه هى الحقيقة و الواقع، و ان لا يستغرب الناس ان نظام الانقاذ هو امتداد طبيعى فما بين العلامة السوداء التى كان يكتب عليها حمار و حشرة البشير اكثر من اربعين عاما، تؤكد لماذا يعيش الناس مع شعب يخالف حتى الله و الديانات فى وصف البشر بالحيوانات و الحشرات ألم يكن من الافضل أن يلتفوا حول تقرير المصير، فالانقاذ هى تمومة مشروع عروبى اسلامى متطرف و مسيس و صل الى مرحلة الابادة الجماعية مرتين فى خلال عشرين عاما و المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين. فالنوبة ضحية مؤامرة تاريخية كبيرة فتحليل اس المؤامرة هو المخرج الوحيد لوحدة تجعلهم ينالون حقوقهم و بكل ثتقة و جدارة و اقتدار.                                            
ونواصل
Gogadi Amoga
محاضر جامعى سابق- باحث و اختصاصى اجتماعى و انثروبولوجى/ امريكا
الموافق 1 مايو2012م

 

آراء