نعمة النيل ونغمته: أوراق في المياه وسد النهضة
د. أحمد عبد الله الشيخ
3 January, 2023
3 January, 2023
أصدر المكتب الخاص للإمام الراحل الصادق المهدي كتاب بعنوان نعمة النيل ونغمته: أوراق في المياه وسد النهضة. والكتاب عبارة عن تجميع لمحاضرات ألقاها أو مقالات كتبها الامام الراحل.
عرض الإمام الراحل حلولاً للخلاف بين دولتي المعبر والمصب (السودان ومصر) من جهة ودول منبع النيل من جهة اخري. وكان الخلاف نشأ بسبب أن دول المنبع لم تكن دول تعبأ كثيراً بنصيبها من مياه النيل لأنها تتمتع بأمطار غزيزه. ومن جانبٍ آخر تَحُول التضاريس بينها وبين استغلال مساحات واسعة في الزراعة المروية. غير أن دورات الجفاف المتعددة، وزيادة السكان، والتقدم التكنولوجي دفع دول المنبع للسعي للتوسع في الزراعة المروية وإنتاج الكهرباء، وبالتالي السعي لزيادة نصيبها من المياه. لكن مسعاها اصطدم بواقع وحقيقة أن دولتي المعبر والمصب صار لديها حقا مكتسبا بحكم الطبيعة وبموجب اتفاقيات قانونية. من هنا نشأ الخلاف بين دول حوض النيل.
فيما يتعلق بسد النهضة على مستوى السودان، أوضح الإمام الراحل أن السد يمكن أن يكون مفيداً للسودان في حالة وجود اتفاق قانوني ملزم، وعلى العكس سيكون مضراً بالسودان بعد وجود الاتفاق القانوني الملزم. ولذلك لان اثيوبيا يمكن ان تبتز سياسيا بسبب السد. ولكنه في المقابل أشار ان الاتفاق الثلاثي سيحل مشاكل ويولد اخري. كما نبه الي الاخطار الجيولوجية المهددة لسلامة السد.
كما أوضح الامام الراحل أن المشكل في حوض النيل هو في الحقيقة مشكل سياسي اقتصادي بحت وليس فني أو قانوني. ولذلك يجب أن يكون الحل على أساس إبرام اتفاق جديد يشمل جميع دول حوض النيل، وبحيث يبدد مخاوف السودان ومصر، ويزيد من تدفق مياه النيل، ويحقق الأمن المائي والغذائي والتنمية لجميع دول حوض النيل.
في اعتقادي، يمثل الكتاب وجهة نظر سودانية متقدمة لحل مشكلة مياه النيل. وذلك بتفهم طرحه لمخاوف مصر، ولاحتجاجات السودان، ولتطلعات دول المنبع للتنمية من خلال زيادة حصصها في مياد النيل. وشدني شرح الكتاب لموقف دول المنبع الرافض للاتفاقات القديمة لأنها تلزمها بواجبات دون أن تمنحها حقوق. كما أن مطالب دول المنبع بنصيب أكبر من المياه هو تعبير عن احتياجات حقيقية وليس من باب الكيد لمصر. وهذه نقطة مهمة لأن الإعلام المصري (جزءاً كبيراً منه على أقل تقدير) كثيرا ما يروج لنظرية المؤامرة ويتبني لحقائق بديلة تسمم الأجواء بين دول حوض النيل، وتؤدي إلى تعنت دول المنبع أثناء أي مفاوضات. في مقابل ذلك يجب أن يراعي أي اتفاق مستقبلي منح مصر النصيب الأكبر من المياه بالنظر إلى كبر عدد سكانها وقلة الأمطار وانعدام البدائل، ويليها السودان.
بنظرة ألمعية نظر الإمام الراحل إلى منطقة حوض النيل على أنها منطقة واحدة متجانسة ضمن منطقة كبيرة تضم حوض البحر الأحمر وشبه الجزيرة العربية. وهذا الجزء من العالم يمتلك الموقع الاستراتيجي والثروات الهائلة من المياه والبترول والأراضي الصالحة للزراعة مما يفتح الباب للتنسيق بين دول المنطقتين لمنفعة الشعوب.
وجه الكتاب انتقادات لاذعة للمنظومة السياسية الغربية التي تهتم بالقشور أو الشكليات دون المضمون، وضرب مثلا لذلك باستفتاء انفصال دولة جنوب السودان الذي اهتمت فيه إدارة الرئيس أوباما بالشكليات دون الجوهر. وهذه النظرة القاصرة تعرض دول حوض النيل الي مشاكل جمة، وقد صدقت نبوءة الإمام الراحل بحدوث نزاع واقتتال داخلي عنيف وحرب بين الدولة المنفصلة والسودان في بعض المناطق الحدودية. وفي اهتمام نادر من قبل السياسيين السودانيين أشار الكتاب إلى ضرورة الاهتمام بقضايا التغير المناخي لتأثيراتها على المنطقة، ومطالبة الدول الغربية بدفع تعويضات لجبر الأضرار.
ومن الجوانب المهمة التي أفاض فيها الكتاب أن الماء سلعة نادرة وذات قيمة اقتصادية عالية ويجب التعامل معها على هذا الأساس، والعمل على وقف الهدر بجميع اشكاله. كما يجب الاتفاق على الأنصبة بين دول حوض النيل، وتسعير لمياه النيل، ذلك سيؤدي الي رفع الغبن عن دول المنبع ويدفع دولتي المعبر والمصب الي استخدام البحث العلمي والتكنولوجيا في الزراعة واستخدام الأساليب الحديثة في الري والترشيد في استهلاك المياه.
وفي ملمح اجتماعي، وبالاستشهاد بالشعر نقل الكتاب التباين في صورة النيل في المخيلة الاجتماعية في السودان ومصر من جهة، واثيوبيا من جهة اخري. حيث النيل نهر معظم لدى السودانيين والمصريين، أما الاثيوبيين فمحرومين منه كما في مخاطبة شاعرهم هايلويهانس للنيل:
لو أن لديك عيونا تري
يا نهر اباي أيها الخامل
لكنت رأيت ولو للحظة
ذلك الرجل يكاد يحترق
من العطش
لكنك هجرته وذهبت بعيد
مما يؤخذ على الكتاب عدم الاهتمام بالمرعيات التحريرية. منها على سبيل المثال إضافة كلمات لم يذكرها الامام في أصل المقالة. فأضيفت كلمة البائد بين معكوفين حيثما وردت كلمة الإنقاذ، ]البائد[ لم يذكرها الامام الذي كتب المقال أو حاضر قبل سقوط الإنقاذ، وبالتالي سيقدح ذكر ]البائد[ في ذكاء القارئ. من جانبٍ ثانٍ، يستحب أن تتناسق وتتماثل تراجم الشخصيات المذكورة في هوامش الكتاب، ومن جانبٍ آخر يستحب في الهامش ذكر أسم أي شاعر يستشهد بشعره في الكتاب.
هناك مشكلة كبيرة لازمت الكتاب، وهي تصحيح او استدراك في هوامش الكتاب لأرقام ذكرها الامام. ولكن لم يتم في أي جزء من أجزاء الكتاب ايراد المستندات أو الاحصائيات المشار اليها في هوامش الكتاب. مثلا في هامش صحفة (308) قُدِرَ استهلاك السودان لمياه النيل (12) مليار متر مكعب. بينما ذكر الإمام الراحل في كتابه "مياه النيل الوعد والوعيد" الصادر عام 2000 أن السودان يستهلك ما قيمته (16.7) مليار متر مكعب من المياه سنويا. ومما يؤكد صحة أرقام الإمام الراحل التقارير المتعددة عن وزارة الري، التي أشرت إليها سابقاً في مقالة نشرت بصحيفة مداميك الالكترونية بتاريخ 9/11/22، أن السودان مستهلك لنصيبيه من مياه السودان استنادا لدراسات البنك الدولي، ورسالة الراحل الدكتور جون قرنق لنيل الدكتوراة في عام 1981. (يمكن الرجوع لأصل المقالة في الرابط:
(https://www.medameek.com/?p=106787)
إن إيراد معلومات دون إيراد المصادر، أو ذكر أرقام تخالف ما نشره الإمام في كتاب سابق دون التوضيح يؤدي الي التشكيك في دقة الإمام عند بحثه وتقصيه مما يفقد الكتاب أهميته.
أتمنى في الطبعات القادمة العناية بالأمور التحريرية وإضافة أي إحصائية في الملاحق وإيجاد كُتّاب من دول الحوض الأخرى واستكتابهم للتصدير أو التقديم للكتاب. كما أتمني أن تصدر نسخة واحدة باللغة الإنجليزية تضم هذا الكتاب وكتاب الإمام الراحل "مياه النيل الوعد والوعيد".
الكتاب جدير بالقراءة والاقتناء ومهم جدا للسياسيين والمهتمين بقضايا المياه، ويشكر المكتب الخاص للإمام الراحل على المجهود المهم ، والشكر الأجزل موصول للأستاذة رباح الصادق.
د. أحمد عبد الله الشيخ
aaer4c@gmail.com
عرض الإمام الراحل حلولاً للخلاف بين دولتي المعبر والمصب (السودان ومصر) من جهة ودول منبع النيل من جهة اخري. وكان الخلاف نشأ بسبب أن دول المنبع لم تكن دول تعبأ كثيراً بنصيبها من مياه النيل لأنها تتمتع بأمطار غزيزه. ومن جانبٍ آخر تَحُول التضاريس بينها وبين استغلال مساحات واسعة في الزراعة المروية. غير أن دورات الجفاف المتعددة، وزيادة السكان، والتقدم التكنولوجي دفع دول المنبع للسعي للتوسع في الزراعة المروية وإنتاج الكهرباء، وبالتالي السعي لزيادة نصيبها من المياه. لكن مسعاها اصطدم بواقع وحقيقة أن دولتي المعبر والمصب صار لديها حقا مكتسبا بحكم الطبيعة وبموجب اتفاقيات قانونية. من هنا نشأ الخلاف بين دول حوض النيل.
فيما يتعلق بسد النهضة على مستوى السودان، أوضح الإمام الراحل أن السد يمكن أن يكون مفيداً للسودان في حالة وجود اتفاق قانوني ملزم، وعلى العكس سيكون مضراً بالسودان بعد وجود الاتفاق القانوني الملزم. ولذلك لان اثيوبيا يمكن ان تبتز سياسيا بسبب السد. ولكنه في المقابل أشار ان الاتفاق الثلاثي سيحل مشاكل ويولد اخري. كما نبه الي الاخطار الجيولوجية المهددة لسلامة السد.
كما أوضح الامام الراحل أن المشكل في حوض النيل هو في الحقيقة مشكل سياسي اقتصادي بحت وليس فني أو قانوني. ولذلك يجب أن يكون الحل على أساس إبرام اتفاق جديد يشمل جميع دول حوض النيل، وبحيث يبدد مخاوف السودان ومصر، ويزيد من تدفق مياه النيل، ويحقق الأمن المائي والغذائي والتنمية لجميع دول حوض النيل.
في اعتقادي، يمثل الكتاب وجهة نظر سودانية متقدمة لحل مشكلة مياه النيل. وذلك بتفهم طرحه لمخاوف مصر، ولاحتجاجات السودان، ولتطلعات دول المنبع للتنمية من خلال زيادة حصصها في مياد النيل. وشدني شرح الكتاب لموقف دول المنبع الرافض للاتفاقات القديمة لأنها تلزمها بواجبات دون أن تمنحها حقوق. كما أن مطالب دول المنبع بنصيب أكبر من المياه هو تعبير عن احتياجات حقيقية وليس من باب الكيد لمصر. وهذه نقطة مهمة لأن الإعلام المصري (جزءاً كبيراً منه على أقل تقدير) كثيرا ما يروج لنظرية المؤامرة ويتبني لحقائق بديلة تسمم الأجواء بين دول حوض النيل، وتؤدي إلى تعنت دول المنبع أثناء أي مفاوضات. في مقابل ذلك يجب أن يراعي أي اتفاق مستقبلي منح مصر النصيب الأكبر من المياه بالنظر إلى كبر عدد سكانها وقلة الأمطار وانعدام البدائل، ويليها السودان.
بنظرة ألمعية نظر الإمام الراحل إلى منطقة حوض النيل على أنها منطقة واحدة متجانسة ضمن منطقة كبيرة تضم حوض البحر الأحمر وشبه الجزيرة العربية. وهذا الجزء من العالم يمتلك الموقع الاستراتيجي والثروات الهائلة من المياه والبترول والأراضي الصالحة للزراعة مما يفتح الباب للتنسيق بين دول المنطقتين لمنفعة الشعوب.
وجه الكتاب انتقادات لاذعة للمنظومة السياسية الغربية التي تهتم بالقشور أو الشكليات دون المضمون، وضرب مثلا لذلك باستفتاء انفصال دولة جنوب السودان الذي اهتمت فيه إدارة الرئيس أوباما بالشكليات دون الجوهر. وهذه النظرة القاصرة تعرض دول حوض النيل الي مشاكل جمة، وقد صدقت نبوءة الإمام الراحل بحدوث نزاع واقتتال داخلي عنيف وحرب بين الدولة المنفصلة والسودان في بعض المناطق الحدودية. وفي اهتمام نادر من قبل السياسيين السودانيين أشار الكتاب إلى ضرورة الاهتمام بقضايا التغير المناخي لتأثيراتها على المنطقة، ومطالبة الدول الغربية بدفع تعويضات لجبر الأضرار.
ومن الجوانب المهمة التي أفاض فيها الكتاب أن الماء سلعة نادرة وذات قيمة اقتصادية عالية ويجب التعامل معها على هذا الأساس، والعمل على وقف الهدر بجميع اشكاله. كما يجب الاتفاق على الأنصبة بين دول حوض النيل، وتسعير لمياه النيل، ذلك سيؤدي الي رفع الغبن عن دول المنبع ويدفع دولتي المعبر والمصب الي استخدام البحث العلمي والتكنولوجيا في الزراعة واستخدام الأساليب الحديثة في الري والترشيد في استهلاك المياه.
وفي ملمح اجتماعي، وبالاستشهاد بالشعر نقل الكتاب التباين في صورة النيل في المخيلة الاجتماعية في السودان ومصر من جهة، واثيوبيا من جهة اخري. حيث النيل نهر معظم لدى السودانيين والمصريين، أما الاثيوبيين فمحرومين منه كما في مخاطبة شاعرهم هايلويهانس للنيل:
لو أن لديك عيونا تري
يا نهر اباي أيها الخامل
لكنت رأيت ولو للحظة
ذلك الرجل يكاد يحترق
من العطش
لكنك هجرته وذهبت بعيد
مما يؤخذ على الكتاب عدم الاهتمام بالمرعيات التحريرية. منها على سبيل المثال إضافة كلمات لم يذكرها الامام في أصل المقالة. فأضيفت كلمة البائد بين معكوفين حيثما وردت كلمة الإنقاذ، ]البائد[ لم يذكرها الامام الذي كتب المقال أو حاضر قبل سقوط الإنقاذ، وبالتالي سيقدح ذكر ]البائد[ في ذكاء القارئ. من جانبٍ ثانٍ، يستحب أن تتناسق وتتماثل تراجم الشخصيات المذكورة في هوامش الكتاب، ومن جانبٍ آخر يستحب في الهامش ذكر أسم أي شاعر يستشهد بشعره في الكتاب.
هناك مشكلة كبيرة لازمت الكتاب، وهي تصحيح او استدراك في هوامش الكتاب لأرقام ذكرها الامام. ولكن لم يتم في أي جزء من أجزاء الكتاب ايراد المستندات أو الاحصائيات المشار اليها في هوامش الكتاب. مثلا في هامش صحفة (308) قُدِرَ استهلاك السودان لمياه النيل (12) مليار متر مكعب. بينما ذكر الإمام الراحل في كتابه "مياه النيل الوعد والوعيد" الصادر عام 2000 أن السودان يستهلك ما قيمته (16.7) مليار متر مكعب من المياه سنويا. ومما يؤكد صحة أرقام الإمام الراحل التقارير المتعددة عن وزارة الري، التي أشرت إليها سابقاً في مقالة نشرت بصحيفة مداميك الالكترونية بتاريخ 9/11/22، أن السودان مستهلك لنصيبيه من مياه السودان استنادا لدراسات البنك الدولي، ورسالة الراحل الدكتور جون قرنق لنيل الدكتوراة في عام 1981. (يمكن الرجوع لأصل المقالة في الرابط:
(https://www.medameek.com/?p=106787)
إن إيراد معلومات دون إيراد المصادر، أو ذكر أرقام تخالف ما نشره الإمام في كتاب سابق دون التوضيح يؤدي الي التشكيك في دقة الإمام عند بحثه وتقصيه مما يفقد الكتاب أهميته.
أتمنى في الطبعات القادمة العناية بالأمور التحريرية وإضافة أي إحصائية في الملاحق وإيجاد كُتّاب من دول الحوض الأخرى واستكتابهم للتصدير أو التقديم للكتاب. كما أتمني أن تصدر نسخة واحدة باللغة الإنجليزية تضم هذا الكتاب وكتاب الإمام الراحل "مياه النيل الوعد والوعيد".
الكتاب جدير بالقراءة والاقتناء ومهم جدا للسياسيين والمهتمين بقضايا المياه، ويشكر المكتب الخاص للإمام الراحل على المجهود المهم ، والشكر الأجزل موصول للأستاذة رباح الصادق.
د. أحمد عبد الله الشيخ
aaer4c@gmail.com