هل هناك صفقات سياسية بين الخرطوم و جوبا؟

 


 

 



حاول بعض من المحللين السياسيين في الشأن السوداني, الربط بين التعديلات الكبيرة التي أحدثها رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت, و علاقة تلك الإجراءات بما يجري في الخرطوم, و في نفس الوقت كان قد أعلن النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه, إن الرئيس البشير يعكف علي إعداد مبادرة لحل مشاكل السودان, ثم صرح الدكتور نافع علي نافع إن الإجراءات التي اتخذها رئيس دولة جنوب السودان سوف تساعد علي تطوير العلاقات بين البلدين,ثم جاءت الأنباء تؤكد إن هناك تقدم كبير في الحوار بين البلدين في القضايا الأمنية, و لا يغيب عن الذاكرة حديث الرئيس سلفاكير عقب تشكيله حكومة الجنوب الجديدة, حيث قال أنه لا يسلك طريق الحرب مع الخرطوم, أنما هو يعول علي الحوار السلمي لحل القضايا العالقة بين الدولتين, هذه التحولات التي جرت في جوبا, و الحوارات التي تجري بين أطراف الصراع داخل الحزب الحاكم مع الرئيس في الخرطوم, قد دفعتنا عن البحث عن خفايا الصفقات و إبعادها و انعكاساتها علي الساحتين السياسيتين في كل من الخرطوم و جوبا.
أكدت بعض المصادر المقربة من هيئة الرئاسة في الخرطوم, إن حوارات الرئيس مع بعض الأطراف الرئيسية في الحزب الحاكم, هي حوارات بهدف المصالحة داخل الحزب الحاكم من ناحية, و بغرض وحدة الصف داخل المؤتمر الوطني من ناحية أخرى, و حوار مع بعض الأطراف السياسية المعارضة للمشاركة في حكومة واسعة, و هي لا تخرج من طور الأخوانيات و الطبطبة عي ظهور البعض, و إن الصراعات و مراكز القوة المتعددة داخل الإنقاذ, لا تسمح للرئيس أن يجري تعديلات ريديكالية كما حدث في جوبا, و إن تاريخ الإنقاذ يبين, إن كل المؤامرات و التغييرات التي جرت منذ عام 1989 العام الذي حدث فيه الانقلاب, كانت بتخطيط من عناصر سياسية داخل مؤسسة الحزب الحاكم, و إن الرئيس يستخدم كأداة لحسمها, و لكنها لم تكن من بنات تفكيره, لذلك لا يستطيع الرئيس أن يجري تغييرا كبيرا في سلطته, و إذا أقدم علي ذلك سوف يكون هو أول ضحايا تلك الإجراءات.
إن الصراع الدائر بين الفريق صلاح قوش رئيس جهاز الأمن و المخابرات السابق, و الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس الحزب للشئون التنظيمية, هو صراع حول منهجين داخل السلطة الحاكمة, و أخذ يتسع عندما استخدم الفريق قوش مستشارية الأمن في فتح حوارات مع القوي السياسية, بهدف معرفة تصوراتها لعملية التغيير السياسي التي تعتقد, سوف يؤدي إلي السلام و الاستقرار في السودان, هذا المنهج, اعتقد الدكتور نافع الهدف منه هو غرضين. الغرض الأول إبعاد الحزب عن قضية الحوار مع القوي السياسية من جانب, و إضعاف الدور السياسي للحزب من جانب أخر. الغرض الثاني إن نجاح الفريق في هذه الحوارات بالضرورة سوف تؤدي إلي تغيير في القيادات السياسية, و أول الخارجين سوف يكون الدكتور نافع, فكان منهج الدكتور نافع إن لا يحدث أية تغيير في السلطة و سياساتها, لهذا جاءت فكرة كيفية التخلص من الفريق بسرعة قبل أن تخرج حواراته بنتيجة, و قد نجح الدكتور نافع في إبعاد الفريق من خلال استخدامه لنفوذه داخل جهاز الأمن و المخابرات. و من المعروف أن الصراع بين الجانبين كان قد بدأ داخل الجهاز, عندما أقصى الفريق قوش بعض من قيادات الجهاز الذين كانوا من العناصر التي لها ولاء للدكتور نافع, بسبب القضية المعروفة داخل الجهاز, إطلاق صراح عدد من المعتقلين الإسلاميين الذين كانت ترغب الولايات المتحدة التحقيق معهم.
إن صراع مراكز القوة داخل السلطة هو صراع حقيقي لتباين المصالح, و لكن كل فريق لا يملك القوة الفاعلة التي يستطيع بها أن يحسم الصراع لصالحه, هذا الضعف جعل الرهان علي حصانين فقط, الأول هو كيفية تجميع العناصر الإسلامية مع فتح قنوات مع بعض قوي المعارضة, و الثاني هو الرهان علي المؤسسات العسكرية و لكنه رهان غير مضمون, و عدم اقتناع كل فريق بقوته في حسم الصراع جعل الكل يتكتلون حول الرئيس البشير, و الذي أصبح اللحمة التي تربط بين تلك الكتل و بقاء النظام, هذا الصراع مع عوامل اقتصادية و سياسية و انتشار الحروب في عدد من مناطق السودان, جعلت النظام ضعيفا جد لا يقدر علي مواجهة الهزات العنيفة, لذلك لا يستطيع الرئيس إن يجري تغييرا كبيرا داخل سلطته, و في نفس الوقت لا يستطيع النظام إن يجري صفقات سرية مع جوبا, و أيضا لا يمتلك أداة للضغط عليها غير وقف تصدير النفط عبر الأراضي السودانية.
و لا يختلف الحال في جوبا كثيرا, إن التغييرات  الكبيرة التي أجراها الرئيس سلفاكير, هي تغييرا كانت متوقعة منذ انفصال الجنوب, حيث كان رغبة الرجل التخلص من كل ما يسمي " أولاد قرنق" فهو لا يريد أن يكون تحت مظلة تحجب عنه الرؤية, و تجعل كل ما ينفذ و يتم محسوبا إلي رجل قد رحل قبل الانفصال, و تغيب أدوار الرجل الذي قاد عملية الانفصال, و الرئيس سلفاكير كما ذكرت في مقال سابق يعتمد علي الجيش الشعبي كسند يقف معه في عملية التغيير, و لكي يضمن الرئيس سلفاكير عدم تحرك المبعدين بثورة مضادة, أمامه شيئين, الأول, أن يجد حلا لمشاكل معاناة الناس و تخفيف الضائقة المعيشية و تحسين في الخدمات, و هذه تدفعه لتقديم تنازلات للخرطوم لكي يستمر تصدير النفط , و الشيء الثاني, أن يوسع تحالفاته مع قوي المعارضة داخل الدولة, و بالفعل استطاع أن يدخل في تشكيل الوزارة الجديدة عناصر من قوي المعارضة, احدهم كان في حزب المؤتمر الشعبي, و آخر له علاقة مع المؤتمر الوطني, و قصد منها رسالة طمأن للحكومة و المعارضة في الخرطوم في نفس الوقت.
لكن السؤال المهم هل الرئيس سلفاكير سوف يقطع صلاته مع الحركة الشعبية قطاع الشمال و يبيع قياداتها؟
الإجابة حتما سوف تكون ب  "لا " لآن الرئيس سلفاكير ليس لديه أية كرت للضغط علي الخرطوم, سوي الحركة الشعبية قطاع الشمال و الجبهة الثورية التي تتحالف معها, هو سوف يجعل هناك شعرة معاوية بينهم, و وجود الحركة الشعبية لآن في أديس أبابا, أيضا لا تخرج من محاولة لقيادات قطاع الشمال في عدم إحراج جوبا, و اتصالاتهم في أديس أبابا مع القوي الإقليمية و الدولية, لإقناعها بأن ليس هناك أية رابط بين دولة جنوب السودان و بين قطاع الشمال من جهة, و بين جوبا و الجبهة الثورية من جهة أخرى, و هو ما يريده الرئيس سلفاكير حاليا لكي لا توقف الخرطوم تصدير النفط, بحجة إن جوبا تقدم دعما لوجستيا للمتمردين, و لكن بالضرورة إن تغيير الوجوه السياسية في جوبا سوف يكون له انعكاسات سلبية أو إيجابية علي قطاع الشمال و الجبهة الثورية, و الرئيس سلفاكير لا تغيب عليه التوازنات السياسية التي يجب الحفاظ عليها لاستمرار حكمه, و المستشارين الذين يعتمد عليهم الرئيس سلفاكير سوف يطلعونه علي ردود الفعل التي يمكن أن تتم من خارج حدود الدولتين, إذا أراد الإقدام علي الضغط علي المعارضة المسلحة في السودان, و هذه تعتبر عاملا مهما جدا, باعتبار إن دولة الجنوب تحتاج إلي معونات إلي جانب تصدير النفط لكي تبني بنياتها الأساسية. و في نفس الوقت إن الجيش الشعبي عصي عليه أن يقطع علاقاته مع قيادات و مقاتلين قاتلوا معه سنين عددا و هذه سلفاكير يدركها تماما, و لكنها تحتاج لمخرج عبر حوار مباشر بين سلفاكير و بين القيادات في قطاع الشمال, و ليس مع عناصر لا تعطي سلفاكير حقيقة ما يجري علي الأرض.
تعتقد السلطة الحاكمة في الخرطوم, إن التغييرات التي أجراها الرئيس سلفاكير في حقائب السلطة, الهدف منها, هو بناء علاقات وطيدة مع الخرطوم, و إن " أولاد قرنق" كانوا يشكلون العقبة الأساسية في عدم تطوير تلك العلاقات بالصورة التي تريدها الخرطوم, و المجيء بقيادات جديدة سوف يصاحبها تغييرا في سياسات الدولة, و خاصة في العلاقة مع الخرطوم, هذا تفاءل لا ينظر للمؤثرات الداخلية و الخارجية علي دولة الجنوب بصورة عميقة و معرفة تلك المؤثرات. و الخرطوم نفسها هي في حاجة لتغييرات جوهرية لكي يحدث تغييرا جوهريا في العلاقات بين البلدين, و هنا تقع أزمة الرئيس السوداني, أنه لا يستطيع أن يحدث هذا التغيير الجوهري, لآن التغيير الجوهري يحتاج لتغيير في القناعات, و في نفس الوقت تغيير في القوي التي تسند هذا التغيير, و لاسيما إن الرئيس لا يثق في المعارضة, في الوقت الذي راهن الرئيس سلفاكير في جوبا علي الجيش الشعبي, ثم المعارضة. فالخرطوم ستظل في أزمتها و لا تستطيع الخروج منها, بسبب ضعف السلطة, و في ذات الوقت ضعف المعارضة, هذا الضعف لا يساعد علي بناء الصفقات الكبيرة.
و لا اعتقد إن اعتكاف الرئيس لإعداد مبادرة سياسية, للخروج من الأزمة, سوف تتجاوز ما هو متوقع, فهي سوف تكون تصريحات مثل التي يلقيها في الهيئة القيادية حزبه, و في برلمان الإجماع السكوتى, و هي مجرد تصريحات يهلل لها أهل السلطةلإرضاء الرئيس داخل القاعات المغلقة, ثم يعقد المتحدث باسم الحزب مؤتمرا صحفيا حول مبادرة الرئيس و إبعادها الوطنية, و تقدم تحليلات من كتاب الإنقاذ مشيدة بالمبادرة, ثم تطوي كما طويت العديد من تصريحات الرئيس, فالمبادرات التاريخية التي تغيير الواقع, لا اعتقد إن الرئيس البشير لديه القدرة السياسية للإقدام عليها, و ستظل الخرطوم في الصراع مع جوبا لصرف الأنظار, و لا توجد هناك صفقات جوهرية, أنما هي تحليلات للبعض, و الذين لا يملكون  وافرة في المعلومات, و أخيرا نسال الله أن يعين الشعبين.         



zainsalih abdelrahman [zainsalih@hotmail.com]
///////////////

 

آراء