هل يخوض الشعب الفلسطيني المعركة نيابة عن البشرية؟

 


 

 

 

   لا شك أن التصويت الأخير في شأن القضية الفلسطينية داخل الأمم المتحدة قد أعاد إلي أذهان الكثيرين التجاذب الحاد الذي تعانيه تلكم المنظمة العريقة بين التوجهات الإنسانوية للمجتمع البشري ( الذي أصبح أكثر تشوقاً لأهمية العدل كأساس لاستقرار الشعوب) والنزعات الامبريالية للدول العظمي التي لا تسعي لتأمين احتياجاتها من الموارد فقط بل أيضا تسعي للإبقاء علي الهرم العرقي الاجتماعي الذي أسس له النظام الرأسمالي والذي وضع الصهيونية علي اعلي الهرم، يليهم الغربيون،  الصفر، السمر، ثم الإنسان الأسود. إن هذه الهرمية العرقية المستوحاة من قيم توراتية/ إنجيلية محرفة هي التي تبرر لقادة البشرية اليوم (من يملكون الـﭭﻴﺘﻭ) النظرة الاستعلائية، الاستبدادية والازدرائية للشعوب الأخرى. لأنه متما ظن شخص أو شعب أو جماعة إنها مصطفاة من قبل الآلة على أساس عرقي وليست فقط عقدي فإنه لا يتوانى في هضم حقوق الآخرين الاقتصادية، السياسية والاجتماعية.إن دول الشمال القطبي تستهلك موارد بشرية اليوم لتدر على اقتصاديتها مبلغ 350 بليون دولار تتصدق منها بمبلغ 10 بليون دولار على دول العالم الثالث. ولذا فإنني أقول أنه لا سبيل لاستقرار الشعوب وتنعمها بالسلام إلا بتوفر وعي أخلاقي ينشد الإنسانوية على المستوى الثقافي كأساس لتحقيق التكافل الاقتصادي والسياسي. توفر هذا الوعي لازم لتحرر جميع الشعوب (وليست فقط الشعب العربي). إذا علمنا هذه الحقيقة فإننا يجب أن نعلم أن الشعب الفلسطيني يخوض معركة التحرر نيابة عن البشرية جمعاء. ومن ثم وجب علينا تطوير خطاب عالمي يساعدنا في اصطصحاب كافة الملل في معركة تكون فاصلة ضد الكيان الصهيوني. إن الكيان الصهيوني يستشعر هذا الخطر ولذا فإنه يستثمر أي فرصة يجدها للخروج من المأزق الأخلاقي عسكرياً. لماذا نعطيه هذه الفرصة (وهل لنا الخيار!) ألم نعي بعد أن استخدام السلاح يجب أن تسبقه تهيئة عامة وتمهيد استراتيجي يضرب العدو ليست فقط في عمقه العسكري، إنما الوجودي؟ إن التنسيق لا يمكن أن يتم في وجود أنظمة تتقاطع مصالحها وأهوائها وتظن أن نفوذها يتضاءل حال التعويل على شعوبها؟إنني ألحظ من خلال قراءتي للتاريخ أن الملكيات في كل العالم تتطور تدرجياً إلى جمهوريات لكن العكس تماماً يحدث في العالم العربي إذ أن الجمهوريات تتراجع لكي تكون ملكيات، ذلك أنها مافتئت تتقهقر حتى سببت الهزائم على جميع الأصعدة. ببساطة هي فقدت الشرعية التي جاءت بها في المقام الأول: صد العدوان الخارجي ومقاومة الهزيمة النفسية التي حلت بالأمة منذ أن استفحل الوجود الصهيوني في المنطقة. إن الملكيات التي كان قوامها الملك باعتباره حامي حمى الدولة والدين استحالت إلى بلديات غايتها تحقيق "الرفاهية" للشعوب، ولو على حساب الكينونة، العقيدة، الذات، التاريخ والمروءة.
لا تسقنـي كأس الحياة بذلةبل فاسقني بالعز كأس الحنظل
كأس الحيـاة بذلة كجهـنموجهـنم بالعـز أطيب منزل.
  إن المروءة يبست في ممرات جامعة الدول العربية وفي وجه متحدثيها الذين أصبحوا يحكون قصة الإحباط العربي، باختصار عبارة عن إسفنج تستغله الدول لامتصاص غضبة الشعب العربي. هذا الشعب العملاق الذي يقوده خسيان لا يريدون مجرد التضحية براحتهم البدنية فيتعللون بعليل بيروت الصيفي: لماذا هذا الوقت بالذات؟ (( وقالوا لا تنفروا في الحر، قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون. فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاءً بما كان يكسبون)) (التوبة). إن هذا التخاذل الذي نراه، بالرغم عن الجرح الذي يحدثه في القلب فإنه يمهد للتخلص من الأنظمة الطاغوتية التي جسمت على صدر الأمة العربية والإسلامية وكادت تأد مقدرتها الأخلاقية والفكرية ومن ثم فسح المجال لأنظمة تعول على الفردية التي هي أساس العبقرية، تنشد التكافل الذي هو أساس التضامن الاجتماعي، وتعتمد الصدق الذي هو عصب الاتصال بين الدولة والمجتمع. إن امتلاك القنبلة النووية ليست الحل، بل قد تكون هي المشكلة. لأنها تفتح باب التسويف إذ يتخذها البعض مبرر لتعطيل فرصة التحول الديمقراطي بالداخل. إن جل العسكريين الغربيين خاصة ديغول، واشنطن وآخرين استغلوا فرصة المواجهة الخارجية لدعم الجبهة الداخلية. ولذا فأنا لا أطالب أبداً بإلغاء دور المؤسسة العسكرية إنما دمجها كمؤسسة (وليست كأفراد) في عملية التحول السياسي. إن بعض المحللين يتخوف من إمكانية استحواذ الإسلاميين على السلطة، هذه الحجية يلوكها دوماً الرئيس محمد حسني مبارك، الذي يفوته بأن الوعي الجماهيري في بعض البلدان قد تجاوز المشروع السياسي الأيدولوجي لليمين، فما الذي فعله هو، لتضمين الخطاب الأخلاقي الروحي للمسلمين (وغيرهم من الأقليات) التي لها حق العيش في بلدانها بكرامة ونفاذ؟ إنني أحس أن الرئيس أنور السادات رغم لهفته واستعجاله لشرب "النخب الإسلامي" كانت لديه أهداف يسعى لتحقيقها، أما الآن فأنا أرى أنظمة عاطلة، قبل أن تكون ساقطة. هي عاطلة لأنه ليست لديها مشروعية أخلاقية أو فكرية، وساقطة لأنها تستخدم العروبة حقنة شرجية يعطونها عند اللازم لتهويد كل ما هو عربي. إن الهزيمة النفسية التي نعيشها وانعدام المؤسسة الذي نعانيه يجعل من الصعب التنسيق مع الهيئات الأممية الأخرى للتخلص من الكيان الصهيوني (الذي يهدد استقرار البشرية بأسرها) أو يرعوي (( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها )) (الإسراء). 

    د. الوليد آدم مادبو

  auwaab@gmail.com   

 

آراء