هل يمكن تطبيق النموذج الرواندي في السودان؟

 


 

 

يقع السودان في شمال شرق إفريقيا ويتمتع بموقع جيوسياسي استراتيجي لقربه من البحر الأحمر وقناة السويس. وهذا يجعل السودان نقطة عبور مهمة للتجارة والشحن بين البحر المتوسط والشرق الأوسط وشرق إفريقيا. بالإضافة إلى ذلك فإن قرب السودان من مصر وإثيوبيا وإريتريا يمنحه دورًا مهمًا في السياسة الإقليمية والأمن. للسودان تاريخ طويل من المشاركة في النزاعات الإقليمية وكان لاعباً رئيسياً في النزاعات الجارية في دارفور وجنوب السودان والمناطق الحدودية مع إثيوبيا. كان السودان من الدول التي لعبت دور الوسيط في اتفاقيات تقاسم مياه النيل بين مصر والسودان وإثيوبيا. كما أن للسودان تاريخ طويل من العلاقات مع جارته الشمالية مصر وقد تعاون البلدان في مختلف القضايا بما في ذلك الأمن والمياه والتجارة. يفتح التطور الأخير في السودان فرصًا جديدة للتعاون الاقتصادي بين السودان ومصر ودول الجوار الأخرى.
واجه السودان عدة معضلات في تنفيذ الإصلاح الاقتصادي. يتمثل أحد التحديات الرئيسية في القطاع العام الضخم في البلاد والحاجة إلى خفض الإنفاق الحكومي والإعانات. وقد أدى ذلك إلى احتجاجات وإضرابات من قبل العاملين في القطاع العام فضلاً عن مقاومة جماعات المصالح القوية. التحدي الآخر هو الديون الخارجية الكبيرة للبلاد والحاجة إلى التفاوض مع الدائنين والمنظمات الدولية لتخفيف الديون والمساعدة المالية. كما يواجه السودان نقصًا في العملة الأجنبية وضرورة جذب الاستثمار الأجنبي وتحسين ميزان مدفوعاته. بالإضافة إلى ذلك يفتقر السودان إلى البنية التحتية مما أعاق النمو الاقتصادي وجعل من الصعب جذب الاستثمار الأجنبي. كما أدى قرار الحكومة الحالية بخفض قيمة العملة المحلية وتعويمها لتصحيح الفجوة الهائلة بين سعري الصرف الرسمي والسوق الموازي إلى التضخم وزيادة أسعار السلع والخدمات. التحدي الآخر هو الحاجة إلى تحسين بيئة الاستثمار والإطار القانوني والتنظيمي من أجل جذب الاستثمار الأجنبي والمحلي. أخيرًا يمثل الصراع المستمر وعدم الاستقرار في بعض أجزاء البلاد أيضًا عقبة كبيرة أمام التنمية الاقتصادية والاستقرار.
وعلى الجانب الآخر المشرق والايجابي يتمتع السودان بإمكانيات كبيرة للتنمية الاقتصادية لا سيما في مجالات الزراعة والتعدين وإنتاج النفط. ومع ذلك واجهت البلاد تحديات كبيرة في السنوات الأخيرة بما في ذلك الحرب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي والعقوبات الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك يوجد في البلاد قطاع عام كبير ويفتقر إلى البنية التحتية مما أعاق النمو الاقتصادي. على الرغم من هذه التحديات يتمتع السودان بعدد كبير من السكان والشباب وموارد طبيعية وفيرة والتي يمكن أن توفر أساسًا للنمو الاقتصادي في المستقبل. ولابد من الإشارة إلى أن اتفاق السلام الموقع في أغسطس 2019 وتشكيل حكومة مدنية في عام 2020 بعث الأمل في المزيد من الاستقرار الاقتصادي والتنمية في السودان.
وإذا أجرينا مقارنة بسيطة بين رواندا والسودان نجد ان النموذج الرواندي نجح في التنمية الاقتصادية التي تركز على النمو الموجه للتصدير والتحديث الزراعي وتنمية القطاع الخاص، في تحويل اقتصاد رواندا في العقود القليلة الماضية. ومع ذلك فإن إمكانية تكرار هذا النموذج في السودان أم لا تعتمد على عدة عوامل!.
سيكون أحد العوامل الرئيسية هو مستوى الاستقرار السياسي والحكم الرشيد في السودان. ارتبط نجاح رواندا الاقتصادي ارتباطًا وثيقًا باستقرارها السياسي وحكومتها المركزية القوية، التي تمكنت من تنفيذ السياسات والإصلاحات بفعالية. واجه السودان عدم استقرار سياسي وحربًا أهلية وعقوبات اقتصادية في السنوات الأخيرة، ومن غير المؤكد ما إذا كانت الحكومة الحالية ستكون قادرة على توفير الاستقرار والحكم اللازمين لتنفيذ مثل هذا النموذج.
هناك عامل آخر يجب مراعاته وهو الموارد المتاحة في السودان. كان النجاح الاقتصادي لرواندا مدفوعًا بقدرتها على تصدير المحاصيل عالية القيمة، مثل البن والشاي، وجذب الاستثمار في قطاعي الخدمات والتكنولوجيا. للسودان موارد مختلفة وهيكل اقتصادي مختلف، لذلك سيحتاج إلى تحديد ميزاته النسبية واستهداف تنميته الاقتصادية وفقًا لذلك.
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن نموذج التنمية في رواندا قد واجه انتقادات من بعض الأوساط لتركيزه على التنمية التي تقودها الحكومة من أعلى إلى أسفل وافتقارها إلى المساءلة الديمقراطية. وبالتالي، من المهم أخذ هذه الانتقادات في الاعتبار عند التفكير في تطبيق النموذج الرواندي في السودان أم لا.
بشكل عام في حين أن النموذج الرواندي يمكن أن يكون مصدر إلهام من المهم أن تتذكر أن لكل دولة مجموعتها الفريدة من الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وقد لا يكون نهج مقاس واحد يناسب الجميع هو الحل الأفضل. ولكن من الممكن تطبيق بعض جوانب النموذج الرواندي للتنمية الاقتصادية والحكم في السودان مع مراعاة السياق الثقافي والتاريخي والسياسي للسودان قبل محاولة تنفيذ أي سياسات أو برامج من دولة أخرى. سيكون من الأفضل استشارة الخبراء في السياسة والاقتصاد السودانيين، وكذلك التشاور مع المجتمعات المحلية والقادة، قبل محاولة تنفيذ أي نوع من النموذج.

د. سامر عوض حسين
27 يناير 2023

Samir Al Awad PhD
samir.alawad@gmail.com

 

آراء