هوامش حول أسئلة إصلاح الأمن والدفاع
أحمد ضحية
30 December, 2022
30 December, 2022
الجيش والسياسة
على الرغم من الأهمية الكبيرة، التي أوليت للانتقال السياسي في السودان، منذ انطلاق ثورة ديسمبر ٢٠١٨ إلا أنه لم يتحقق حتى الآن أي تحسن في توطين الديمقراطية داخل قطاعَي الأمن والدفاع، اللذين يُعتبَران أساسيين من أجل استمرارية هذا الانتقال، الشاهد أن الأمور مضت نحو الأسوأ، بتنفيذ قادة الجيش الإسلاميين وحلفائهم من جماعات المصالح في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ لانقلاب قطع الطريق على الانتقال الديمقراطي، بعد أن اعتقلوا رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك وأعضاء لجنة تفكيك تمكين دولة الاسلاميين.
في ١٨ ديسمبر الماضي، نشرت (سودان تريبيون) مقالاً اخبارياً مفاده انتقاد رئيس هيئة أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين، لدى مخاطبته تخريج دورتي الدفاع والحرب العليا بأكاديمية نميري العسكرية، الأصوات التي تنادي بإصلاح القوات المسلحة، وتحدث عن حملات تدار من الخارج لاستهداف المنظومة العسكرية.
وجاءت هذه الانتقادات الاتهامية المتهافتة، كرد فعل ضد الأصوات التي تطالب بضرورة إخضاع الجيش لإصلاح شامل، وتغيير عقيدتيه العسكرية والقتالية، ودمج جيوش الحركات المسلحة والدعم السريع والمليشيات، وصولاً إلى الجيش المهني الحديث الاحترافي الواحد.
ولكن قادة المؤسسة العسكرية رفضوا باستعلاء متأصل، تدخل المدنيين في شأن القوات المسلحة خلال المرحلة الانتقالية، مكررين ذات المزاعم التي لا يملون ترديدها، والتي جاءت هذه المرة على لسان رئيس هيئة الأركان، بقوله: "تطل علينا من وقت لآخر بعض الأقلام والألسن، التي تعدت حد الاعتدال ((دون علم ولا دراية أو تمييز))، لتخوض في أمر إصلاح القوات المسلحة، وكأنما هي العجلة الوحيدة المعطوبة، التي تعطل دولاب الدولة".
وفي الحقيقة أن راعي الضأن في الأنقسنا، يُدرك أهمية الجيوش في حماية الأوطان، حتى تنعم غنمه بالرعي بأمان دون أن تنهشها الذئاب، و راعي الضأن في إدراكه هذا ليس بحاجة لامتلاك معرفة عسكرية، فكل ما هو بحاجة إليه جهازه الأخلاقي والقيمي، الذي يعينه على إدراك أهمية ودور الجيش، في حماية الأرض والعرض والممتلكات، بعيداً عن الانغماس في شؤون السياسة التي تخصم من الجيش، و تخصم من رصيده الأخلاقي ولا تضيف إليه.
والحقيقة الأخرى التي أثبتتها تجربة تسييس الجيش خلال العقود الثلاثة الماضية، أن تسييس الجيش أدى لاضعافه، وبالنتيجة تدمير الاقتصاد، وتهريب الثروات الحيوانية والزراعية والمعدنية، لترفد اقتصاديات عدد من دول الإقليم، فيما يعاني السودانيين الفقر والجوع والمرض، واستباحة الأجواء والأراضي السودانية وتمزقها وتشرذمها، خلال أكثر من ثلاث عقود، كانت أبرز محطاتها انفصال الجنوب، واشتعال الحرب في الهامش، واحتلال مثلث حلايب وشلاتين والفشقة، وقصف مصنع الشفاء بصواريخ كروز توماهوك من باب المندب على البحر الأحمر، و التي لم يتمكن وقتها وزير الداخلية عبد الرحيم محمد حسين، الملقب بوزير الدفاع بالنظر، من معرفة نوع السلاح المستخدم في القصف، أو من أي موقع انطلق، و كيف تم القصف!!!
وكانت أبرز ردوده على أسئلة الصحافة حينذاك قوله الشهير، أن ما حدث من قصف هو من صنيع (الزعيم الراحل د. جون قرنق) رغم تطوع العقلاء الذين استمعوا الى بيان الحكومة الأمريكية، الذي كانت قد بثته عبر وكالات الأنباء العالمية، ليشرحوا لسعادته أن الحكومة الأمريكية أقرّت بمسؤوليتها عن القصف، ومع ذلك ظل السيد الوزير والمسؤولين العسكريين المسيسين في حيرتهم يعمهون. ما جعل من الدولة السودانية أضحوكة ومحط سخرية في الإقليم والعالم.
ولذلك مسؤولية إصلاح الجيش هي مسؤولية القوى السياسية المدنية التي ظلت تسيس الجيش، بالقدر نفسه الذي تعد فيه مسؤولية العسكريين المسيسين الجاثمين على صدر الجيش!
فالشعب السوداني بعد كل التجارب المريرة التي خاضها منذ الاستقلال حتى الآن، يستحق جيشاً نزيهاً موحداً حديثاً مهنياً ومحترفاً، يستطيع بالفعل حماية الأرض والعرض والدستور، وليس جيشاً ضعيفاً يخضع لقادة المليشيات، ويترك مهامه الأساسية في الدفاع عن البلاد وحمايتها من الأعداء المتربصين، لينخرط في شؤون السياسة والانقلابات.
لذلك من أولويات المجلس التشريعي عند قيامه حال التوقيع على اتفاق نهائي، أن يتخذ خطوات تأسيسية حاسمة، للإشراف على قطاع الأمن والدفاع، وإدارته بتكوين لجان للتشريع والرقابة –وضمان فاعلية هذه اللجان لتحقيق أهدافها. وإعداد تشريعات للإشراف على قطاع الأمن والدفاع وفقا للامركزية إدارية.
فبما أن المجلس التشريعي يُعنى بمواضيع عدة، ضمنها تنظيم إدارة الدولة السودانية ككل ومراقبة أنشطتها، يجب أن يولي إصلاح الأمن والدفاع اهتماماً مضاعفاً.
الاصلاح الأمني ليس شأناً عسكرياً صرفاً، كما يحاول بعض العسكريين لأغراض تخصهم تصوير الأمر بخلق مبررات واهية، كنقص معارف المدنيين الضرورية لفهم الشؤون العسكرية التقنية، فهذا النوع من المزاعم هو ما يتسبب في الابقاء على تمكين الإسلاميين وإعاقة الجهود الرامية إلى إصلاح قطاعي الأمن والدفاع.
وجميعنا رأينا ثمرات خبرات العناصر العسكرية، في احتلال أجزاء من السودان (مصر، اثيوبيا)، وانفلات الأمن، وانتشار عصابات تسعة طويلة في قلب الخرطوم، وارتفاع معدلات جرائم القتل، بل واستخدام الشرطة نفسها أسلحة قاتلة، تتسبب في إعاقات دائمة ضد الثوار السلميين.
"في الديمقراطيات الغربية الراسخة، يمتلك أعضاء لجان الدفاع والأمن، اطلاعاً عميقاً على الشؤون الأمنية. فهم يتألفون عادةً من ضباط متقاعدين في الجيش أو القوى الأمنية أو من باحثين مدنيين عاديين يدرسون الشؤون الجيوسياسية والاستراتيجيات الأمنية، في مراكز بحوث مرموقة".
لذلك من الضروري تفكيك اللوبيات، التي تسعى لاعاقة مسيرة الإصلاح، وتسهيل عملية اللجان البرلمانية التي تتولى الإشراف على الأمن والدفاع، لإجراء الإصلاحات الملحّة في هذا القطاع، فمزاعم عدم الدراية بالشؤون العسكرية وغياب الخبرة. يمكن تخطيها باكتساب النقص في المعارف والخبرات لدى اللجنة البرلمانية للأمن والدفاع، بأن توفر لها أكاديمية نميري العسكرية التابعة لوزارة الدفاع، تدريباً متخصصاً تحصل خلاله على معرفة كافية بشؤون الجيش ومفاصله وهرميته، تعينها على أداء مهامها الإصلاحية.
وصحيح أن مثل هذا التدريب الذي بإمكان أكاديمية نميري تقديمه، لا يكفي للتفكير في الإصلاحات من وجهتَي نظر استراتيجية ونقدية، ولكنه بمثابة القاعدة في الحصول على مزيد من الدورات التدريبية المكثفة والمتخصصة، والمنشورات والدراسات والأبحاث المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري، من دول الوساطة والجهات المهمومة باستقرار السودان كالأمم المتحدة.
وهذا لا يعني أن لا يشمل تكوين مثل هذه اللجنة، نوّاب ذوي خلفية تخصّصية في مجالات القانون و الأمن والدفاع، إلى جانب استفادة أعضاء مثل هذه اللجنة من التدريب على الإصلاح الأمني والدفاعي الذي تقدمه الجهات ذات المصلحة في استقرار السودان وتحوله الديمقراطي، لتطوير معارفهم الأمنية والبناء عليها، في صناعة الخطط الاستراتيجية المتوسطة وطويلة المدى. كي تتمكّن مثل هذه اللجنة من إجراء بحوث تقنية حول إصلاح القطاعَين الأمني والدفاعي.
كذلك يجب في هذا الاتجاه استثمار خبرات ومعارف الضباط المعاشيين والمحالين للصالح العام من الجيش والشرطة في ظل نظام الحركة الإسلامية خلال العقود الثلاث المنصرمة، للمساعدة في إعداد القوانين والخطط والمشاريع الإصلاحية.
أبرز قضايا الإصلاح في قطاعي الدفاع والأمن
تظل قضية دمج المليشيات وتوحيد الجيش و إعادة هيكلته لمواجهة التهديدات الجدية في الإقليم، من أهم القضايا. خاصة أن التكتيكات التي اعتمدها نظام ٣٠ يونيو ١٩٨٩ البائد، أدت إلى نتائج خطيرة، أبرزها:
١. احتلال أجزاء من السودان (مصر وإثيوبيا) وتغول تشاد على الحدود مع غرب دارفور. وانفصال جنوب السودان وتجميد الوضع في أبيي.
٢. وكذلك أدت تكتيكات الحركة الاسلامية خلال ثلاث عقود إلى تهميش الجيش والشرطة، لمصلحة مليشيات كالدعم السريع وجهاز الأمن والمخابرات والميليشيات الخاصة بحزب الحركة الاسلامية الحاكم وقتها.
٣. تحويل جزء من الجيش إلى قوات مرتزقة تحارب بالوكالة لصالح دول في الإقليم (اليمن).
هذه التكتيكات فتحت الباب واسعاً أمام تهديدات خطيرة للأمن القومي في السودان، كخلايا الإرهاب الكامنة (الجماعات السلفية)، والتهريب والهجرة غير الشرعية من دول غرب افريقيا، كوقود لميليشيات الجنجويد. وأدى ذلك بطبيعة الحال إلى تنامي النفوذ العسكري لما يسمى قوات الدعم السريع، والسيولة الأمنية في المناطق الحدودية، وانفلات الأمن في الخرطوم.
الجيش والخدمة الوطنية (الالزامية)
أيضا من الضروري امتلاك المعارف التقنية لإصلاح قانون الخدمة الوطنية (الالزامية) فبسبب تكتيكات الحركة الإسلامية داخل الجيش، وانغماسها في لعبة المليشيات والأمن الشعبي، شهدت القوات المسلحة تراجعاً غير مسبوق في عدد المجنّدين للخدمة الإلزامية، خاصة أنها اتبعت في العشرية الأولى لنظام الحركة الإسلامية، أساليباً أشبه بحملات الاسترقاق للمجندين، بخطفهم من الطرقات ومطاردتهم في الشوارع، وحشرهم في (الدفارات)، للزج بهم في حروب أهلية خاسرة.
ما أدى بالنتيجة للزهد في الخدمة الالزامية، كرد فعل للأساليب المتبعة في التجنيد. هذا الأمر بحاجة للمعالجة والإصلاح، من حيث التشريع القانوني والتنظيمي والطرق والوسائل، ومناهج التدريب ومدتها، والتوزيع على مواقع الخدمة المدنية والعسكرية.
الاهتمام بالخدمة الوطنية والجيش ككل، يقتضي أن تُجري مداولات لإقرار قانون جديد للخدمة الوطنية. قانون جاذب يحدّ من الإعفاءات، ويفتح المجال أمام النساء والرجال على السواء للالتحاق بالتجنيد الإلزامي، ويُرسي أشكالاً بديلة للخدمة العسكرية البحتة.
قانون يقدم محفزات، مثل ضمان حصول المجنّدين على الحد الأدنى للأجور المعتمدة في القطاع العام، ومشاريع إسكان الشباب والتأمين الصحي، والتعليم العالي المجاني بالانتساب، ونظام التموين والتعاونيات، بهدف تشجيع المتطوعين على الانضمام أيضاً إلى الجيش.
وقد يساهم مثل هذا القانون في الحد من بطالة الشباب، ويُتيح للمجنّدين إلزامياً والملتحقين بالجيش اكتساب معارف وخبرات قيّمة، يُفيدون منها في مسيرتهم المهنية مستقبلاً –لا سيما في مجالات الهندسات والزراعة والبستنة وتعليب الفاكهة والانتاج الحيواني والمشاريع الإنتاجية الصغيرة وإدارة الأعمال، وغيرها من القطاعات التي يمكن أن تساهم في تنمية الريف، وتطوير قطاعات الزراعة والانتاج الحيواني والبستنة والصناعات الصغيرة والطرق والجسور.
وغني عن القول أن جرائم فض اعتصام القيادة العامة، والجرائم المستمرة حتى الآن نتيجة عنف الشرطة ضد الحراكات الثورية، والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والوفيات المشبوهة، كل ذلك يشير إلى أن قواعد السلوك الرسمية المعتمدة من قبل الشرطة والنيابة تحتاج إلى الإصلاح.
لقد وثّقت نقابة الأطباء المركزية، ومحامو الطوارئ، وعدد من المنظمات الحقوقية حالات عديدة للتعذيب وسوء معاملة المعتقلين و السجناء (توباك). وعلى الرغم من أن القانون يحظر هذه الممارسات، ليست هناك أجهزة مكلَّفة خصيصاً لمراقبة سلوك الشرطة وشرطة السجون وعناصر جهاز الأمن والمخابرات، ما يجعل من الصعب محاسبة الضباط والعناصر المتورطة في الانتهاكات.
تفتقر الأجهزة الأمنية إلى الشفافية وتتفشّى فيها الرشوة، ولذلك ينظر إليها السودانيون بأنها من المؤسسات الأكثر فساداً في البلاد. ومع أن المواطنين يُبدون بعض الثقة في الجيش، إلا أن هذه الثقة انحسرت كثيراً خلال عقود نظام الحركة الإسلامية الثلاثة، فالجيش هو أيضاً "معرَّض بدرجة مرتفعة لخطر" الفساد، لا سيما في مجالَي المشتريات والتجنيد.
لذلك، فإن الأولويات التشريعية التي نتطلع إلى وضعها في اعتبارات إصلاح القطاع الأمني، أن يتم إنشاء هيئات للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان والفساد داخل الجيش والأجهزة الأمنية، فضلاً عن زيادة الحمايات القانونية للمعتقلين في السجون، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين منذ انطلاق ثورة ديسمبر، وفتح وتصعيد ملفات المفقودين والمختفين قسرياً وإطلاق تحقيقات واسعة بشأنهم.
ولمعالجة هذه القضايا الملحّة بطريقة فعالة، قد يكون من الأجدى بعد التوقيع على اتفاق نهائي، الإسراع في تشكيل المجلس التشريعي، وتكوين اللجان النيابية المختصة بمعالجة قضايا الإصلاح والتحقيق والرقابة.
وغني عن القول أن من شأن دمج الأدوار التشريعية والإشرافية في لجنة واحدة معنيّة بقضايا الإصلاح في قطاعي الأمن والدفاع، أن يُتيح ذلك لأعضاء اللجنة توظيف الوقت والموارد بطريقة أكثر فاعلية.
كما أن إضافة مزيد من التفاصيل، إلى الإطار القانوني للجنة المدمجة يمنحها شرعية أكبر، ويؤمّن آليات لتقييم مؤهلات الأعضاء ومساءلتهم عن أدائهم لواجباتهم.
على سبيل المثال، من شأن منح اللجنة دوراً استقصائياً –يذهب أبعد من صلاحية استدعاء مسؤولين لاستجوابهم– أن يتيح لها التصدّي للفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، التي ترتكبها قوى الأمن الداخلي على وجه الخصوص.
كذلك يجب أن يكون واضحاً أن بإمكان المجلس التشريعي، تعيين ممثلين عن كل فرع من فروع الجيش والشرطة للعمل يداً بيد مع لجنته للأمن والدفاع، ووضع خبراتهم في تصرف هذه اللجنة، من أجل النهوض بإصلاحات وتحديات محدّدة، مثلما يحدث في البرلمانات الديمقراطية الراسخة.
من شأن هذه الإجراءات في هيكلية اللجنة، أن يساعد على وضع جدول زمني مفصّل لمعالجة المسائل الملحّة، استناداً إلى رؤية واضحة حول سبل تطبيق الإصلاحات المرجوة.
أمن الشعب
مثلما يضع الدستور الإطار العام لحقوق الشعب وواجباته، فهو أيضا يضع مسؤولية توفير الأمن كحقٌ سيادي لأي حكومة تنفيذية. خاصة أن السودان كدولة ذات (وضع هش وسيولة أمنية)، يفتقر فيه الكثيرون من أفراد الشعب من الجنسين إلى الحماية، التي يجب أن توفرها القوات المسلحة والقوى النظامية كحرس الحدود، والجمارك والأجهزة الأمنية الأخرى، وكذلك الأجهزة المدنية المتعلقة بالجبايات، لما لها من تأثير مباشر على الاستقرار والأمن الاقتصادي والغذائي والاجتماعي.
لذلك امتناع قادة الجيش عن تدخل المدنيين، بأن يتولوا معهم الإشراف على الأمن والدفاع، هو وقوف بوجه إجراء الإصلاحات الملحّة في هذه القطاعات، لأسباب تتعلق بالأدلجة التي تمت للجيش على وجه الخصوص، وشبكات المصالح المرتبطة بهذه الأدلجة، والتي تعتبر إصلاح الجيش تهديداً مباشراً لمصالحها وامتيازاتها، وكذلك ينسحب الأمر على إصلاح قوى الأمن الداخلي المختلفة.
مثل هذه الإجراءات الاصلاحية ضرورية، في ظل وضع العسكريين المؤدلجين للعوائق أمام إشراك أصحاب الشأن من قوى الثورة والمعنيين في النقاشات الأمنية والدفاعية، والاستماع إلى تصوراتهم حول محاربة الفساد و بناء القدرات والخبرات الدفاعية للسلطات المدنية، مثل المجلس التشريعي، فدون ذلك سيبقى الانتقال المفضي الى تحول ديمقراطي هشاً، ويظل شبح الانقلابات مخيماً على سماء الخرطوم الشاحبة.
دور أجهزة الأمن
عندما يكون دور أجهزة الأمن محصوراً في مطاردة الثوار الوطنيين واصطيادهم كالعصافير، منصرفين عن مهامهم الحقيقية في اعتقال عصابات تسعة طويلة، ومنع تهريب الذهب والثروات، والفشل في وقف سيول المخدرات، عندما يكون دورهم الحقيقي المتعين فيهم كأجهزة أمن مخالفا لطبيعتها، فإن ثقة المجتمع -الضرورية جداً للازدهار المستدام والرفاه- تبقى بعيدة المنال.
وعلاوةً على ذلك، فإن الأسلحة المتوفرة بسهولة بيد كل من هب ودب، تسهل أعمال الترويع وإساءة معاملة المواطن وإهانته في وطنه، وتفتح الباب لما هو أسوأ من جرائم وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وكذلك تفتح الباب على مصراعيه للنزاعات الأهلية والنزاعات عبر الحدود، و الحروبات القبلية كمخاطر فورية، كما رأينا مؤخراً في دارفور وجنوب النيل الأزرق.
كذلك، هذه السيولة الأمنية والأوضاع الهشة، تخلق نوعاً من الحصار للنساء في بيئات مهيأة لافتراسهن، ما يجعل كل الفئات الضعيفة تعيش في خوف مزمن، وهم يرون الجرائم ترتكب نهاراً جهاراً في أكبر ميادين الخرطوم (جاكسون) التي تعج بالزحام وحركة المواصلات على مدار الثانية.
كل هذه حقائق كافية تكشف تآكل المؤسسات الأمنية وحاجتها الملحة للإصلاح، خاصة أن توفير الأمن يرتبط من الجهة الأخرى بتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار وانعاش الاقتصاد.
ففي غياب الإصلاح الأمني، تمثل ظروف السيولة الأمنية مناخاً ملائماً لتجار الحروب و أصحاب الامتيازات الذين ارتبطوا بدولة الاسلاميين والقمع والاستبداد العسكري والانقلاب، الذي منع ويمنع الوطن من الاستقرار والازدهار و التطور.
الاستفادة من الشراكات
السودان كأي دولة شريك في هيئات أكبر في الإقليم والعالم كالاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وعدد من المنظمات الاقليمية والدولية الأخرى، ذات المصلحة في استقرار دول الإقليم. وهي شراكات يجب استثمارها في تحقيق وتسريع الانتقال الديمقراطي بالمساعدة في إصلاح قطاع الأمن والدفاع.
كذلك يجب الاستفادة في الاتجاه نفسه من الشراكات مع المنظمات الدولية كالأمم المتحدة في مراجعات الإنفاق العام على الأمن والدفاع، وكذلك الافادة من المجتمع المدني والمنظمات المتخصصة، بما في ذلك مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة (DCAF). والفريق الاستشاري الدولي لقطاع الأمن.
فالأمم المتحدة تساعد الدول الأعضاء على إجراء إصلاحات في قطاع الأمن -لتحقيق أمنٍ فعال وخاضعٍ للمساءلة لمصلحة الدولة و مواطنيها، دون تمييز ومع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وسيادة القانون.
وفي ذلك تتبع الأمم المتحدة نهجاً منسقاً وشاملاً للمساعدة في إصلاح قطاع الأمن عبر مجموعة من العمليات والبرامج لبناء الأمن والسلام وإعدادات التنمية، الراسخة.
ثمار إصلاح الامن والدفاع:
إصلاح قطاع الأمن والدفاع هو ركيزة أساسية في الانتقال والتحول الديمقراطي، إذ يلعب دور الوقاية كما يحفظ السلام ويحقق الأمن. الذي دونه لن يتحقق هدف التنمية طويل المدى.
فإصلاح قطاع الأمن والدفاع في السودان، يعتبر عاملاً حاسماً في بناء السلام المستدام والازدهار والتنمية طويلة الأجل. فالعلاقة بين الأمن والتنمية علاقة تفاعلية إذ (لا تنمية دون أمن ودون سلام). إذ يخلق إصلاح قطاع الأمن والدفاع، بيئة مواتية للنمو السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي تفريغ الاحتقانات الاثنية والثقافية من المحمولات السالبة وتوجيهها للبناء والتعمير والتنمية وجذب الاستثمارات لتحقيق الازدهار والرفاه الاقتصادي.
لكل ذلك من الضروري وضع مبادئ مشتركة بشأن إدارة مدنية عسكرية لقطاع الأمن والدفاع، وصياغة سياسات وإرشادات حول التنفيذ العملي لخطط وبرامج إصلاح هذين القطاعين، وهذا يقتضي أن يتخلى العسكريون عن وضع العقبات والعوائق أمام الإصلاحات التي يقترحها المدنيين.
وفي ذلك يجب أن يمتلك المدنيين تصوراً متكاملاً بالتشاور مع دول الوساطة بما لها من دور استشاري فني غير ملزم لأطراف الاتفاق الإطاري، ولكنه مفيد بشأن تنفيذ الإصلاح لقطاعي الأمن والدفاع وتعزيز السيادة والقدرات الوطنية، لتصميم وتنفيذ سياسات واستراتيجيات الدفاع والأمن القومي، في سبيل تعزيز فعالية وشمولية ومساءلة مؤسسات الدفاع والأمن، التي تساهم في استعادة سلطة الدولة وبسطها.
إلى جانب تعزيز تماسك وفعالية المساعدة الدولية لقطاع الدفاع والأمن، من خلال التنسيق بين الشركاء، وتعبئة الموارد، والدعم الاستشاري فيما يتعلق بخطط التنمية الوطنية وخطط بناء السلام والاستقرار والانتقال والتحول الديمقراطي.
وفي ذلك يجب الاهتمام بالأجندة المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن من خلال دعم الجهود الوطنية لزيادة تمثيل المرأة على جميع مستويات قطاعات الأمن والدفاع.
وتعزيز الحوار الوطني، و الرقابة المدنية وإدارة المالية العامة وإصلاح الشرطة، إصلاح السجون، والتأهيل و بناء القدرات العسكرية والشرطية، وإنشاء آليات تنسيق الأمن القومي لمجالات ذات سياقات أكثر تحديداً مثل إدارة الحدود مع مصر، اثيوبيا، اريتريا، ليبيا، تشاد، أفريقيا الوسطى جنوب السودان، و أمن البحر الأحمر مع الدول الشريكة، فضلاً عن قضايا شاملة، مثل تعميم مراعاة المنظور الجنساني في قطاع الأمن.
وبناء تحالفات وشراكات بشأن إصلاح قطاعي الدفاع و الأمن، بأن تكون عمليات إصلاح هذين القطاعين بقيادة وطنية عسكرية مدنية منسقة بشكلٍ ملائم. والوصول لتأهيل وتجهيز أفضل من حيث المعدات والقدرات.
خاتمة
من قضايا الإصلاح الأمني ضرورة تبسيط وتنسيق الإجراءات الضريبية والجمركية، نظراً للصورة الشائهة للمؤسستين في نظر عدد كبير من السودانيين، ولارتباط المؤسستين الوثيق بأمن المواطن وحياته المعيشية اليومية المباشرة، ما يضع مؤسستي الضرائب والجمارك في قلب أجندة الأمن.
لذلك من مهام لجنة الأمن والدفاع في المجلس التشريعي المرتقب، إيلاء أهمية قصوى لرصد جميع المسائل الأمنية والدفاعية، بما في ذلك إجراء نقاشات وعقد جلسات استماع مع المسؤولين عن الدفاع والأمن في الحكومة، بغية تنفيذ سياسات الأمن القومي ومساءلتهم.
فالمآخذ على أجهزة الأمن وفشلها في توفير الأمن للمواطن، بل واتهامها بالتواطؤ بل واستخدام الذخيرة الحية (الأوبلن) ضد الثوار، يجعل من المهم إيلاء هذه الأجهزة عناية تشريعية ورقابية صارمة.
كذلك يجب أن تعنى هذه اللجنة بإجراء بحوث واقتراح إصلاحات على الهيئات المسؤولة عن هذه الأجهزة. إذ لا يجب الاكتفاء بمساءلة وزيرَي الداخلية والدفاع –المسؤولَين عن الأمن والدفاع على التوالي– بل عليها المضي في خطوات أكثر تأثيراً وحسماً متى اقتضى الأمر.
هذا النوع من الإصلاحات، يُسهم في محاربة الفساد وقطع الطريق على التفلتات والانقلابات وتهديدات الأمن القومي خاصة في المناطق الحدودية للسودان.
من مهام الإصلاحات المرجوة أيضا معالجة مسألة حق التصويت للجيش والقوى الأمنية، بمنحهم هذا الحق أو حرمانهم منه بدراسته من كل جوانبه في المجلس التشريعي المرتقب. وأن تضع في الاعتبار تفادي ترسيخ نفوذ القوى السياسية على حساب الإصلاحات الطويلة الأمد.
ahmeddhahia@gmail.com
على الرغم من الأهمية الكبيرة، التي أوليت للانتقال السياسي في السودان، منذ انطلاق ثورة ديسمبر ٢٠١٨ إلا أنه لم يتحقق حتى الآن أي تحسن في توطين الديمقراطية داخل قطاعَي الأمن والدفاع، اللذين يُعتبَران أساسيين من أجل استمرارية هذا الانتقال، الشاهد أن الأمور مضت نحو الأسوأ، بتنفيذ قادة الجيش الإسلاميين وحلفائهم من جماعات المصالح في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ لانقلاب قطع الطريق على الانتقال الديمقراطي، بعد أن اعتقلوا رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك وأعضاء لجنة تفكيك تمكين دولة الاسلاميين.
في ١٨ ديسمبر الماضي، نشرت (سودان تريبيون) مقالاً اخبارياً مفاده انتقاد رئيس هيئة أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين، لدى مخاطبته تخريج دورتي الدفاع والحرب العليا بأكاديمية نميري العسكرية، الأصوات التي تنادي بإصلاح القوات المسلحة، وتحدث عن حملات تدار من الخارج لاستهداف المنظومة العسكرية.
وجاءت هذه الانتقادات الاتهامية المتهافتة، كرد فعل ضد الأصوات التي تطالب بضرورة إخضاع الجيش لإصلاح شامل، وتغيير عقيدتيه العسكرية والقتالية، ودمج جيوش الحركات المسلحة والدعم السريع والمليشيات، وصولاً إلى الجيش المهني الحديث الاحترافي الواحد.
ولكن قادة المؤسسة العسكرية رفضوا باستعلاء متأصل، تدخل المدنيين في شأن القوات المسلحة خلال المرحلة الانتقالية، مكررين ذات المزاعم التي لا يملون ترديدها، والتي جاءت هذه المرة على لسان رئيس هيئة الأركان، بقوله: "تطل علينا من وقت لآخر بعض الأقلام والألسن، التي تعدت حد الاعتدال ((دون علم ولا دراية أو تمييز))، لتخوض في أمر إصلاح القوات المسلحة، وكأنما هي العجلة الوحيدة المعطوبة، التي تعطل دولاب الدولة".
وفي الحقيقة أن راعي الضأن في الأنقسنا، يُدرك أهمية الجيوش في حماية الأوطان، حتى تنعم غنمه بالرعي بأمان دون أن تنهشها الذئاب، و راعي الضأن في إدراكه هذا ليس بحاجة لامتلاك معرفة عسكرية، فكل ما هو بحاجة إليه جهازه الأخلاقي والقيمي، الذي يعينه على إدراك أهمية ودور الجيش، في حماية الأرض والعرض والممتلكات، بعيداً عن الانغماس في شؤون السياسة التي تخصم من الجيش، و تخصم من رصيده الأخلاقي ولا تضيف إليه.
والحقيقة الأخرى التي أثبتتها تجربة تسييس الجيش خلال العقود الثلاثة الماضية، أن تسييس الجيش أدى لاضعافه، وبالنتيجة تدمير الاقتصاد، وتهريب الثروات الحيوانية والزراعية والمعدنية، لترفد اقتصاديات عدد من دول الإقليم، فيما يعاني السودانيين الفقر والجوع والمرض، واستباحة الأجواء والأراضي السودانية وتمزقها وتشرذمها، خلال أكثر من ثلاث عقود، كانت أبرز محطاتها انفصال الجنوب، واشتعال الحرب في الهامش، واحتلال مثلث حلايب وشلاتين والفشقة، وقصف مصنع الشفاء بصواريخ كروز توماهوك من باب المندب على البحر الأحمر، و التي لم يتمكن وقتها وزير الداخلية عبد الرحيم محمد حسين، الملقب بوزير الدفاع بالنظر، من معرفة نوع السلاح المستخدم في القصف، أو من أي موقع انطلق، و كيف تم القصف!!!
وكانت أبرز ردوده على أسئلة الصحافة حينذاك قوله الشهير، أن ما حدث من قصف هو من صنيع (الزعيم الراحل د. جون قرنق) رغم تطوع العقلاء الذين استمعوا الى بيان الحكومة الأمريكية، الذي كانت قد بثته عبر وكالات الأنباء العالمية، ليشرحوا لسعادته أن الحكومة الأمريكية أقرّت بمسؤوليتها عن القصف، ومع ذلك ظل السيد الوزير والمسؤولين العسكريين المسيسين في حيرتهم يعمهون. ما جعل من الدولة السودانية أضحوكة ومحط سخرية في الإقليم والعالم.
ولذلك مسؤولية إصلاح الجيش هي مسؤولية القوى السياسية المدنية التي ظلت تسيس الجيش، بالقدر نفسه الذي تعد فيه مسؤولية العسكريين المسيسين الجاثمين على صدر الجيش!
فالشعب السوداني بعد كل التجارب المريرة التي خاضها منذ الاستقلال حتى الآن، يستحق جيشاً نزيهاً موحداً حديثاً مهنياً ومحترفاً، يستطيع بالفعل حماية الأرض والعرض والدستور، وليس جيشاً ضعيفاً يخضع لقادة المليشيات، ويترك مهامه الأساسية في الدفاع عن البلاد وحمايتها من الأعداء المتربصين، لينخرط في شؤون السياسة والانقلابات.
لذلك من أولويات المجلس التشريعي عند قيامه حال التوقيع على اتفاق نهائي، أن يتخذ خطوات تأسيسية حاسمة، للإشراف على قطاع الأمن والدفاع، وإدارته بتكوين لجان للتشريع والرقابة –وضمان فاعلية هذه اللجان لتحقيق أهدافها. وإعداد تشريعات للإشراف على قطاع الأمن والدفاع وفقا للامركزية إدارية.
فبما أن المجلس التشريعي يُعنى بمواضيع عدة، ضمنها تنظيم إدارة الدولة السودانية ككل ومراقبة أنشطتها، يجب أن يولي إصلاح الأمن والدفاع اهتماماً مضاعفاً.
الاصلاح الأمني ليس شأناً عسكرياً صرفاً، كما يحاول بعض العسكريين لأغراض تخصهم تصوير الأمر بخلق مبررات واهية، كنقص معارف المدنيين الضرورية لفهم الشؤون العسكرية التقنية، فهذا النوع من المزاعم هو ما يتسبب في الابقاء على تمكين الإسلاميين وإعاقة الجهود الرامية إلى إصلاح قطاعي الأمن والدفاع.
وجميعنا رأينا ثمرات خبرات العناصر العسكرية، في احتلال أجزاء من السودان (مصر، اثيوبيا)، وانفلات الأمن، وانتشار عصابات تسعة طويلة في قلب الخرطوم، وارتفاع معدلات جرائم القتل، بل واستخدام الشرطة نفسها أسلحة قاتلة، تتسبب في إعاقات دائمة ضد الثوار السلميين.
"في الديمقراطيات الغربية الراسخة، يمتلك أعضاء لجان الدفاع والأمن، اطلاعاً عميقاً على الشؤون الأمنية. فهم يتألفون عادةً من ضباط متقاعدين في الجيش أو القوى الأمنية أو من باحثين مدنيين عاديين يدرسون الشؤون الجيوسياسية والاستراتيجيات الأمنية، في مراكز بحوث مرموقة".
لذلك من الضروري تفكيك اللوبيات، التي تسعى لاعاقة مسيرة الإصلاح، وتسهيل عملية اللجان البرلمانية التي تتولى الإشراف على الأمن والدفاع، لإجراء الإصلاحات الملحّة في هذا القطاع، فمزاعم عدم الدراية بالشؤون العسكرية وغياب الخبرة. يمكن تخطيها باكتساب النقص في المعارف والخبرات لدى اللجنة البرلمانية للأمن والدفاع، بأن توفر لها أكاديمية نميري العسكرية التابعة لوزارة الدفاع، تدريباً متخصصاً تحصل خلاله على معرفة كافية بشؤون الجيش ومفاصله وهرميته، تعينها على أداء مهامها الإصلاحية.
وصحيح أن مثل هذا التدريب الذي بإمكان أكاديمية نميري تقديمه، لا يكفي للتفكير في الإصلاحات من وجهتَي نظر استراتيجية ونقدية، ولكنه بمثابة القاعدة في الحصول على مزيد من الدورات التدريبية المكثفة والمتخصصة، والمنشورات والدراسات والأبحاث المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري، من دول الوساطة والجهات المهمومة باستقرار السودان كالأمم المتحدة.
وهذا لا يعني أن لا يشمل تكوين مثل هذه اللجنة، نوّاب ذوي خلفية تخصّصية في مجالات القانون و الأمن والدفاع، إلى جانب استفادة أعضاء مثل هذه اللجنة من التدريب على الإصلاح الأمني والدفاعي الذي تقدمه الجهات ذات المصلحة في استقرار السودان وتحوله الديمقراطي، لتطوير معارفهم الأمنية والبناء عليها، في صناعة الخطط الاستراتيجية المتوسطة وطويلة المدى. كي تتمكّن مثل هذه اللجنة من إجراء بحوث تقنية حول إصلاح القطاعَين الأمني والدفاعي.
كذلك يجب في هذا الاتجاه استثمار خبرات ومعارف الضباط المعاشيين والمحالين للصالح العام من الجيش والشرطة في ظل نظام الحركة الإسلامية خلال العقود الثلاث المنصرمة، للمساعدة في إعداد القوانين والخطط والمشاريع الإصلاحية.
أبرز قضايا الإصلاح في قطاعي الدفاع والأمن
تظل قضية دمج المليشيات وتوحيد الجيش و إعادة هيكلته لمواجهة التهديدات الجدية في الإقليم، من أهم القضايا. خاصة أن التكتيكات التي اعتمدها نظام ٣٠ يونيو ١٩٨٩ البائد، أدت إلى نتائج خطيرة، أبرزها:
١. احتلال أجزاء من السودان (مصر وإثيوبيا) وتغول تشاد على الحدود مع غرب دارفور. وانفصال جنوب السودان وتجميد الوضع في أبيي.
٢. وكذلك أدت تكتيكات الحركة الاسلامية خلال ثلاث عقود إلى تهميش الجيش والشرطة، لمصلحة مليشيات كالدعم السريع وجهاز الأمن والمخابرات والميليشيات الخاصة بحزب الحركة الاسلامية الحاكم وقتها.
٣. تحويل جزء من الجيش إلى قوات مرتزقة تحارب بالوكالة لصالح دول في الإقليم (اليمن).
هذه التكتيكات فتحت الباب واسعاً أمام تهديدات خطيرة للأمن القومي في السودان، كخلايا الإرهاب الكامنة (الجماعات السلفية)، والتهريب والهجرة غير الشرعية من دول غرب افريقيا، كوقود لميليشيات الجنجويد. وأدى ذلك بطبيعة الحال إلى تنامي النفوذ العسكري لما يسمى قوات الدعم السريع، والسيولة الأمنية في المناطق الحدودية، وانفلات الأمن في الخرطوم.
الجيش والخدمة الوطنية (الالزامية)
أيضا من الضروري امتلاك المعارف التقنية لإصلاح قانون الخدمة الوطنية (الالزامية) فبسبب تكتيكات الحركة الإسلامية داخل الجيش، وانغماسها في لعبة المليشيات والأمن الشعبي، شهدت القوات المسلحة تراجعاً غير مسبوق في عدد المجنّدين للخدمة الإلزامية، خاصة أنها اتبعت في العشرية الأولى لنظام الحركة الإسلامية، أساليباً أشبه بحملات الاسترقاق للمجندين، بخطفهم من الطرقات ومطاردتهم في الشوارع، وحشرهم في (الدفارات)، للزج بهم في حروب أهلية خاسرة.
ما أدى بالنتيجة للزهد في الخدمة الالزامية، كرد فعل للأساليب المتبعة في التجنيد. هذا الأمر بحاجة للمعالجة والإصلاح، من حيث التشريع القانوني والتنظيمي والطرق والوسائل، ومناهج التدريب ومدتها، والتوزيع على مواقع الخدمة المدنية والعسكرية.
الاهتمام بالخدمة الوطنية والجيش ككل، يقتضي أن تُجري مداولات لإقرار قانون جديد للخدمة الوطنية. قانون جاذب يحدّ من الإعفاءات، ويفتح المجال أمام النساء والرجال على السواء للالتحاق بالتجنيد الإلزامي، ويُرسي أشكالاً بديلة للخدمة العسكرية البحتة.
قانون يقدم محفزات، مثل ضمان حصول المجنّدين على الحد الأدنى للأجور المعتمدة في القطاع العام، ومشاريع إسكان الشباب والتأمين الصحي، والتعليم العالي المجاني بالانتساب، ونظام التموين والتعاونيات، بهدف تشجيع المتطوعين على الانضمام أيضاً إلى الجيش.
وقد يساهم مثل هذا القانون في الحد من بطالة الشباب، ويُتيح للمجنّدين إلزامياً والملتحقين بالجيش اكتساب معارف وخبرات قيّمة، يُفيدون منها في مسيرتهم المهنية مستقبلاً –لا سيما في مجالات الهندسات والزراعة والبستنة وتعليب الفاكهة والانتاج الحيواني والمشاريع الإنتاجية الصغيرة وإدارة الأعمال، وغيرها من القطاعات التي يمكن أن تساهم في تنمية الريف، وتطوير قطاعات الزراعة والانتاج الحيواني والبستنة والصناعات الصغيرة والطرق والجسور.
وغني عن القول أن جرائم فض اعتصام القيادة العامة، والجرائم المستمرة حتى الآن نتيجة عنف الشرطة ضد الحراكات الثورية، والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والوفيات المشبوهة، كل ذلك يشير إلى أن قواعد السلوك الرسمية المعتمدة من قبل الشرطة والنيابة تحتاج إلى الإصلاح.
لقد وثّقت نقابة الأطباء المركزية، ومحامو الطوارئ، وعدد من المنظمات الحقوقية حالات عديدة للتعذيب وسوء معاملة المعتقلين و السجناء (توباك). وعلى الرغم من أن القانون يحظر هذه الممارسات، ليست هناك أجهزة مكلَّفة خصيصاً لمراقبة سلوك الشرطة وشرطة السجون وعناصر جهاز الأمن والمخابرات، ما يجعل من الصعب محاسبة الضباط والعناصر المتورطة في الانتهاكات.
تفتقر الأجهزة الأمنية إلى الشفافية وتتفشّى فيها الرشوة، ولذلك ينظر إليها السودانيون بأنها من المؤسسات الأكثر فساداً في البلاد. ومع أن المواطنين يُبدون بعض الثقة في الجيش، إلا أن هذه الثقة انحسرت كثيراً خلال عقود نظام الحركة الإسلامية الثلاثة، فالجيش هو أيضاً "معرَّض بدرجة مرتفعة لخطر" الفساد، لا سيما في مجالَي المشتريات والتجنيد.
لذلك، فإن الأولويات التشريعية التي نتطلع إلى وضعها في اعتبارات إصلاح القطاع الأمني، أن يتم إنشاء هيئات للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان والفساد داخل الجيش والأجهزة الأمنية، فضلاً عن زيادة الحمايات القانونية للمعتقلين في السجون، وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين منذ انطلاق ثورة ديسمبر، وفتح وتصعيد ملفات المفقودين والمختفين قسرياً وإطلاق تحقيقات واسعة بشأنهم.
ولمعالجة هذه القضايا الملحّة بطريقة فعالة، قد يكون من الأجدى بعد التوقيع على اتفاق نهائي، الإسراع في تشكيل المجلس التشريعي، وتكوين اللجان النيابية المختصة بمعالجة قضايا الإصلاح والتحقيق والرقابة.
وغني عن القول أن من شأن دمج الأدوار التشريعية والإشرافية في لجنة واحدة معنيّة بقضايا الإصلاح في قطاعي الأمن والدفاع، أن يُتيح ذلك لأعضاء اللجنة توظيف الوقت والموارد بطريقة أكثر فاعلية.
كما أن إضافة مزيد من التفاصيل، إلى الإطار القانوني للجنة المدمجة يمنحها شرعية أكبر، ويؤمّن آليات لتقييم مؤهلات الأعضاء ومساءلتهم عن أدائهم لواجباتهم.
على سبيل المثال، من شأن منح اللجنة دوراً استقصائياً –يذهب أبعد من صلاحية استدعاء مسؤولين لاستجوابهم– أن يتيح لها التصدّي للفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، التي ترتكبها قوى الأمن الداخلي على وجه الخصوص.
كذلك يجب أن يكون واضحاً أن بإمكان المجلس التشريعي، تعيين ممثلين عن كل فرع من فروع الجيش والشرطة للعمل يداً بيد مع لجنته للأمن والدفاع، ووضع خبراتهم في تصرف هذه اللجنة، من أجل النهوض بإصلاحات وتحديات محدّدة، مثلما يحدث في البرلمانات الديمقراطية الراسخة.
من شأن هذه الإجراءات في هيكلية اللجنة، أن يساعد على وضع جدول زمني مفصّل لمعالجة المسائل الملحّة، استناداً إلى رؤية واضحة حول سبل تطبيق الإصلاحات المرجوة.
أمن الشعب
مثلما يضع الدستور الإطار العام لحقوق الشعب وواجباته، فهو أيضا يضع مسؤولية توفير الأمن كحقٌ سيادي لأي حكومة تنفيذية. خاصة أن السودان كدولة ذات (وضع هش وسيولة أمنية)، يفتقر فيه الكثيرون من أفراد الشعب من الجنسين إلى الحماية، التي يجب أن توفرها القوات المسلحة والقوى النظامية كحرس الحدود، والجمارك والأجهزة الأمنية الأخرى، وكذلك الأجهزة المدنية المتعلقة بالجبايات، لما لها من تأثير مباشر على الاستقرار والأمن الاقتصادي والغذائي والاجتماعي.
لذلك امتناع قادة الجيش عن تدخل المدنيين، بأن يتولوا معهم الإشراف على الأمن والدفاع، هو وقوف بوجه إجراء الإصلاحات الملحّة في هذه القطاعات، لأسباب تتعلق بالأدلجة التي تمت للجيش على وجه الخصوص، وشبكات المصالح المرتبطة بهذه الأدلجة، والتي تعتبر إصلاح الجيش تهديداً مباشراً لمصالحها وامتيازاتها، وكذلك ينسحب الأمر على إصلاح قوى الأمن الداخلي المختلفة.
مثل هذه الإجراءات الاصلاحية ضرورية، في ظل وضع العسكريين المؤدلجين للعوائق أمام إشراك أصحاب الشأن من قوى الثورة والمعنيين في النقاشات الأمنية والدفاعية، والاستماع إلى تصوراتهم حول محاربة الفساد و بناء القدرات والخبرات الدفاعية للسلطات المدنية، مثل المجلس التشريعي، فدون ذلك سيبقى الانتقال المفضي الى تحول ديمقراطي هشاً، ويظل شبح الانقلابات مخيماً على سماء الخرطوم الشاحبة.
دور أجهزة الأمن
عندما يكون دور أجهزة الأمن محصوراً في مطاردة الثوار الوطنيين واصطيادهم كالعصافير، منصرفين عن مهامهم الحقيقية في اعتقال عصابات تسعة طويلة، ومنع تهريب الذهب والثروات، والفشل في وقف سيول المخدرات، عندما يكون دورهم الحقيقي المتعين فيهم كأجهزة أمن مخالفا لطبيعتها، فإن ثقة المجتمع -الضرورية جداً للازدهار المستدام والرفاه- تبقى بعيدة المنال.
وعلاوةً على ذلك، فإن الأسلحة المتوفرة بسهولة بيد كل من هب ودب، تسهل أعمال الترويع وإساءة معاملة المواطن وإهانته في وطنه، وتفتح الباب لما هو أسوأ من جرائم وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وكذلك تفتح الباب على مصراعيه للنزاعات الأهلية والنزاعات عبر الحدود، و الحروبات القبلية كمخاطر فورية، كما رأينا مؤخراً في دارفور وجنوب النيل الأزرق.
كذلك، هذه السيولة الأمنية والأوضاع الهشة، تخلق نوعاً من الحصار للنساء في بيئات مهيأة لافتراسهن، ما يجعل كل الفئات الضعيفة تعيش في خوف مزمن، وهم يرون الجرائم ترتكب نهاراً جهاراً في أكبر ميادين الخرطوم (جاكسون) التي تعج بالزحام وحركة المواصلات على مدار الثانية.
كل هذه حقائق كافية تكشف تآكل المؤسسات الأمنية وحاجتها الملحة للإصلاح، خاصة أن توفير الأمن يرتبط من الجهة الأخرى بتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار وانعاش الاقتصاد.
ففي غياب الإصلاح الأمني، تمثل ظروف السيولة الأمنية مناخاً ملائماً لتجار الحروب و أصحاب الامتيازات الذين ارتبطوا بدولة الاسلاميين والقمع والاستبداد العسكري والانقلاب، الذي منع ويمنع الوطن من الاستقرار والازدهار و التطور.
الاستفادة من الشراكات
السودان كأي دولة شريك في هيئات أكبر في الإقليم والعالم كالاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وعدد من المنظمات الاقليمية والدولية الأخرى، ذات المصلحة في استقرار دول الإقليم. وهي شراكات يجب استثمارها في تحقيق وتسريع الانتقال الديمقراطي بالمساعدة في إصلاح قطاع الأمن والدفاع.
كذلك يجب الاستفادة في الاتجاه نفسه من الشراكات مع المنظمات الدولية كالأمم المتحدة في مراجعات الإنفاق العام على الأمن والدفاع، وكذلك الافادة من المجتمع المدني والمنظمات المتخصصة، بما في ذلك مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة (DCAF). والفريق الاستشاري الدولي لقطاع الأمن.
فالأمم المتحدة تساعد الدول الأعضاء على إجراء إصلاحات في قطاع الأمن -لتحقيق أمنٍ فعال وخاضعٍ للمساءلة لمصلحة الدولة و مواطنيها، دون تمييز ومع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وسيادة القانون.
وفي ذلك تتبع الأمم المتحدة نهجاً منسقاً وشاملاً للمساعدة في إصلاح قطاع الأمن عبر مجموعة من العمليات والبرامج لبناء الأمن والسلام وإعدادات التنمية، الراسخة.
ثمار إصلاح الامن والدفاع:
إصلاح قطاع الأمن والدفاع هو ركيزة أساسية في الانتقال والتحول الديمقراطي، إذ يلعب دور الوقاية كما يحفظ السلام ويحقق الأمن. الذي دونه لن يتحقق هدف التنمية طويل المدى.
فإصلاح قطاع الأمن والدفاع في السودان، يعتبر عاملاً حاسماً في بناء السلام المستدام والازدهار والتنمية طويلة الأجل. فالعلاقة بين الأمن والتنمية علاقة تفاعلية إذ (لا تنمية دون أمن ودون سلام). إذ يخلق إصلاح قطاع الأمن والدفاع، بيئة مواتية للنمو السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي تفريغ الاحتقانات الاثنية والثقافية من المحمولات السالبة وتوجيهها للبناء والتعمير والتنمية وجذب الاستثمارات لتحقيق الازدهار والرفاه الاقتصادي.
لكل ذلك من الضروري وضع مبادئ مشتركة بشأن إدارة مدنية عسكرية لقطاع الأمن والدفاع، وصياغة سياسات وإرشادات حول التنفيذ العملي لخطط وبرامج إصلاح هذين القطاعين، وهذا يقتضي أن يتخلى العسكريون عن وضع العقبات والعوائق أمام الإصلاحات التي يقترحها المدنيين.
وفي ذلك يجب أن يمتلك المدنيين تصوراً متكاملاً بالتشاور مع دول الوساطة بما لها من دور استشاري فني غير ملزم لأطراف الاتفاق الإطاري، ولكنه مفيد بشأن تنفيذ الإصلاح لقطاعي الأمن والدفاع وتعزيز السيادة والقدرات الوطنية، لتصميم وتنفيذ سياسات واستراتيجيات الدفاع والأمن القومي، في سبيل تعزيز فعالية وشمولية ومساءلة مؤسسات الدفاع والأمن، التي تساهم في استعادة سلطة الدولة وبسطها.
إلى جانب تعزيز تماسك وفعالية المساعدة الدولية لقطاع الدفاع والأمن، من خلال التنسيق بين الشركاء، وتعبئة الموارد، والدعم الاستشاري فيما يتعلق بخطط التنمية الوطنية وخطط بناء السلام والاستقرار والانتقال والتحول الديمقراطي.
وفي ذلك يجب الاهتمام بالأجندة المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن من خلال دعم الجهود الوطنية لزيادة تمثيل المرأة على جميع مستويات قطاعات الأمن والدفاع.
وتعزيز الحوار الوطني، و الرقابة المدنية وإدارة المالية العامة وإصلاح الشرطة، إصلاح السجون، والتأهيل و بناء القدرات العسكرية والشرطية، وإنشاء آليات تنسيق الأمن القومي لمجالات ذات سياقات أكثر تحديداً مثل إدارة الحدود مع مصر، اثيوبيا، اريتريا، ليبيا، تشاد، أفريقيا الوسطى جنوب السودان، و أمن البحر الأحمر مع الدول الشريكة، فضلاً عن قضايا شاملة، مثل تعميم مراعاة المنظور الجنساني في قطاع الأمن.
وبناء تحالفات وشراكات بشأن إصلاح قطاعي الدفاع و الأمن، بأن تكون عمليات إصلاح هذين القطاعين بقيادة وطنية عسكرية مدنية منسقة بشكلٍ ملائم. والوصول لتأهيل وتجهيز أفضل من حيث المعدات والقدرات.
خاتمة
من قضايا الإصلاح الأمني ضرورة تبسيط وتنسيق الإجراءات الضريبية والجمركية، نظراً للصورة الشائهة للمؤسستين في نظر عدد كبير من السودانيين، ولارتباط المؤسستين الوثيق بأمن المواطن وحياته المعيشية اليومية المباشرة، ما يضع مؤسستي الضرائب والجمارك في قلب أجندة الأمن.
لذلك من مهام لجنة الأمن والدفاع في المجلس التشريعي المرتقب، إيلاء أهمية قصوى لرصد جميع المسائل الأمنية والدفاعية، بما في ذلك إجراء نقاشات وعقد جلسات استماع مع المسؤولين عن الدفاع والأمن في الحكومة، بغية تنفيذ سياسات الأمن القومي ومساءلتهم.
فالمآخذ على أجهزة الأمن وفشلها في توفير الأمن للمواطن، بل واتهامها بالتواطؤ بل واستخدام الذخيرة الحية (الأوبلن) ضد الثوار، يجعل من المهم إيلاء هذه الأجهزة عناية تشريعية ورقابية صارمة.
كذلك يجب أن تعنى هذه اللجنة بإجراء بحوث واقتراح إصلاحات على الهيئات المسؤولة عن هذه الأجهزة. إذ لا يجب الاكتفاء بمساءلة وزيرَي الداخلية والدفاع –المسؤولَين عن الأمن والدفاع على التوالي– بل عليها المضي في خطوات أكثر تأثيراً وحسماً متى اقتضى الأمر.
هذا النوع من الإصلاحات، يُسهم في محاربة الفساد وقطع الطريق على التفلتات والانقلابات وتهديدات الأمن القومي خاصة في المناطق الحدودية للسودان.
من مهام الإصلاحات المرجوة أيضا معالجة مسألة حق التصويت للجيش والقوى الأمنية، بمنحهم هذا الحق أو حرمانهم منه بدراسته من كل جوانبه في المجلس التشريعي المرتقب. وأن تضع في الاعتبار تفادي ترسيخ نفوذ القوى السياسية على حساب الإصلاحات الطويلة الأمد.
ahmeddhahia@gmail.com