هو والمرأة الهجـــــــين
(1)
هذه صورة مُتألقة لكيف يصعد من بذرة إفريقيا أملاً قد يصبح رئيس لدولة تملأ الآفاق. في دواخلنا جين عصيّ على الترويض ، لم تُكسر عزيمته طبقات القشرة التي تراكمت عبر الزمان وأحدثت شروخاً في تفاعل الهويّات . أتتصالح هي أم تصطرع ؟ .
(2)
لم أكن أعلم أني جسدٌ مُدمجة فيه كل النقائض ، وروحي مُتقلبة الأهواء . عندما كنتُ رجل إفريقيا بتناقضات أهلها ، كنتُ أرسم مصائر النساء بين أصابعي كأني ألعب النرد . يتجوّلنَّ في خيالي بُرهة ،و أنحاء المغامرة كل ما يتبقى من وقت غير العمل والنوم . نيف وعشرون زوجة . اخترتُ بعضهُنَّ ، والبعض الآخر من زوجات أبي الذي رحل فجأة و ورثتُ أعباء الجسد والروح . منهُنَّ من تكبرني و منهنَّ من هيّ أصغر مني سناً . اخترتُ منهنَّ واحدة أو اثنتين في لحظة صدقٍ وكُنا معاً يجمعنا غطاء و نوم بلا شخير في غرفة تتخلل جُدرانها الريح .
(3)
جئتُ هنا ، لغربتي الجديدة ،هارباً من حرب عِرقية وموتٍ ربما لأتفه الأسباب . تركت كل أبقاري الحلوب وثلة نساء يسألنَّ عني ويترقبنَّ موعد عودتي ... ولا خبر .
أنا الآن ابن الولايات المتحدة وزوجتي كاثوليكية مسيحية من أصول مماثلة لأصولي. كانت تعتقد أني تجربة مغامرة تاريخية تعرف فيها كيف كان يعيش الرجل مع امرأة منذ ذكريات وثيقة ( أليكس هيلي ) الروائية وفي بطون التاريخ .
صدّقت هي أكاذيبي وتزوجتني تجربة حياة ، يمكن لها أن تمتد . تقمصتُ تُراث الأمريكيين من الأصول الإفريقية . عذاباتهم وأفراحهم وهمّتهم في العمل مع الضغط ، ولكني لم أتعود المخدرات ولم تُجربني الجريمة. لأن الانحدار للعالم السفلي له عواقب وخيمة ، وأنا أريد أن أكون في كامل وعيي لأخوض التجربة مفتوح العينين.
(4)
في دفتر خزانتي مستندات بإحصاء ما أملك وتملُك زوجتي و هي ممهورة بختم الكَاتب العَدل . ليس لديَّ من مال يُذكر ولكن أملي في المستقبل أكبر . فعمر العمل هنا ليس له حدود ، إلا أن تستسلِم عن رضى . إن افترقنا بالطلاق من سوء المعاملة نقتسم ما جنينا من بعد زواجنا نصفين . هذه هي عدالة مجتمع قطع شوطاً في الحقوق المدنية أسرع مما يجب . فقبل سبعين عاماً كانت لرفاق لنا من ذات الأصول السوداء مطاعم لا تشبه مطاعم البيض ، و كانت لهم ناقلات عامة غير ناقلات البيض ومقاعد لا تشبه مقاعدهم . بقيتْ أغانيهم الراقصة بحرارة إيقاعها السريع ، جزء من تاريخنا المشترك . له جذور هنا ونَبَتَ بأوجه أخرى . أصوات الرجال عميقة أقربُ درجة إلى ( الباص ) ،مثلي تماماً . وأصوات نساؤهم أقرب درجة ( للألطو ) ، مثل التي تزوجتُ هنا واللاتي هربتُ من دنيتهُنَّ هناك في وطني الأول إلى حاضري الجديد هُنا. فحِبالِنا الصوتية جميعاً مصبوغة بجيناتٍ أُخر . وفي تقاطيع الذين أنتمي إليهم الآن ينتشر فيها خليط جينات التقت أول ما التقت دون ألفة ، وتلك تُخرِج النابهين إلى الدُنيا ،كما تُحدِثُنا الحكاوي القديمة .
(5)
وجدت نفسي بينهم ، صورة قديمة من أهلهم الذين ساقتهم العبودية منذ قرون بعيدة . فركتُ جسدي لأكون مثلهم ، ودهنت روحي .لبستُ كل الذي يجعلني أتشبه بهم . أفكر في المصير إن احتفظت بطبعي القديم وأرخيت فرو الأسد لتمُر العواصف ،و لا أرجع إلى وطني الأول بالخيبة .
إني الآن في عُسرة مذاقها بطعم الحنظل ، فالخيارات الديمقراطية الآن مفتوحة حتى على الفراش الحميم ، ففيه قد يُشاركني أحد !.
تمنيت أن تقضي زوجتي هذا المساء برفقتي و رفقة الأسرة ، لا أن تتسكع في حانات السابلة ، تنام في سريرها ولا تلتفت لصوت الهاتف الذي يرن كثيراً في حضوري وفي الغياب . يعرف الغريم المُستَتِر ميعاد ضجري فيرسل رسائله الخادعة حين يقول لها هامساً :
( إن العَشاء اليوم سمكٌ طازج و جُعّة مما تُحبِّين . أعددتها لكِ لنكون شركاء فراش المساء تنامين على أكُف الراحة . سوف أدلككِ بلساني وأغذيك بحليب التغذية الذي ترتج له أنوثتُكِ . تأتيكِ الرعشة تُدغدغ هضابكِ الناعمة وجسدكِ الفتان وسوف تجلسينَ عند منضدة التجميل معظم الوقت المُتبقي ، تتمرغين في أبخرة الطيب و مسابح " الساونا " . وفي الصباح أعِدُكِ بحمامٌ دافئ ينتظركِ وقهوة تُطبطب على الذهن ليصحو ، ثم وتذهبين بسيارتي للعمل فأنا في عطلة طارئة) .
هذا هو تخيُّلي لما قد يحدث، أو صورتي المُجسمة للريبة والشك. غرائب من العسير أن يروضُ المرء نفسه عليها . أظن ربما أنه العالم الخفي الذي يقتسم معي حياتي الخاصة ، فلي قدرة عالية لمعرفة كل شيء حين أجلس لعبادة قديمة تعلمتها في صِغري ،تمهد للمرء أن يقرأ أفكار الآخرين . وأقتحم بفضول الصمت دُنياهم الخفية ، وأقرأ تفاصيل الرغبات والخفايا ، والأحداث الجسام التي تظهر ملامحها مموهة في الأوجه. فأنا لستُ كما يظنون "صورة نقية ساذجة من الأجداد قبل سبعمائة عام " ، أو صورة مُحسَنة من القِردة العُليا ! .
(6)
إني صبور أحتمل كل الجروح الغائرة بثبات مملكة الشجاعة القديمة التي ورثتها. تعلمتُ ابتلاع موسى حادة بطولها ،لأن الخيارات الأخرى أكثر أذى . روضتُ نفسي أن أحول زمْجَرتي إلى كاتم الصوت واهتزاز العناصر الجسدية لاجتياز الخطوب ساعة المُفاصلة . ونقلت نفسي من حرارة الانصهار إلى درجة لا تتحملها إلا الحيتان التي تسبح في بحار التجَمُد .
(7)
قلت لها بصوت حيادي :
(رجاءً سيدتي ،... لا تسمعي هُتاف الذين يسوقون اللذة إلى حظائر الصُدَف ، يبحثون في دفاترهم كيفما اتفق لقضاء وقت لمُتعةٍ عابرة. أتمنى وجودكِ هذا المساء هُنا جسداً رقراقاً بالندى وعقلاً يُحب سكينة الأسرة . تستغرقين في نوم مُطمئن عميق . يدَكِ التي كانت تتلمس أضلُعي الطافية في صدري ببراءة المحبة ، تُمسك وَسَطي مُسترخية من بعد لذة وفرح ونهاج الليل وأنين المُتعة و دموع فرح الاطمئنان. كما التقينا أول مرة : حين كنتِ تقولين أنكِ تتوقين لتذوق ريح الأجداد ، وأن تعودي لطعام جسدي و روحي خالٍ من ضجر الحضارة . فتسلقتُ معكِ الدرب ، وأعلم أن الدهشة الأولى ربما لن تطول .
لقد تعلمتُ أن أغسل الكآبة في حمام عِطري قبل اللقاء الحميم ، يزيد فاتورتي الشهرية ، ولكنه يُقربني من الرجل الحُلُم الذي كنتِ تُحبين في زهرة عُمركِ ونضار أيام صباكِ الفاتنة .)
عبد الله الشقليني
5/11/2009 م
abdalla shiglini [abdallashiglini@hotmail.com]
//////////////////