وانشقَّتْ دروبُ الإنتصار أو مشروع الجزيرة في طريق العودة الى سيرته الأصل، . بقلم: صديق عبد الهادي

 


 

 


(1)

Siddiq01@sudaneseeconomist.com
سيدخل يوم الحادي عشر من يناير الجاري سجل تاريخ مشروع الجزيرة، وذلك بعد ان اصدرت محكمة الطعون الإدارية لمحافظة الجزيرة في مدينة ود مدني حكمها في القضية التي اصبحت تعرف بـ "قضية توفيق اوضاع ملكية الاراضي في مشروع الجزيرة". وقد جاء الحكم في صالح اهل الجزيرة، بل واهل السودان عموماً، وليس فقط في صالح ملاك الأراضي بالمشروع، كما وقد يبدو لمنْ لا يعلمون الثقل الحقيقي لكسب تلك القضية.
بالفعل إنتصر اهل الجزيرة لمستقبل السودان، وذلك هو ما سنحاول التدليل عليه في هذه السلسلة من المقالات التي هي في جوهرها إحتفاء بذلك الحكم، هذا من ناحية، واما من الناحية الاخرى فإننا نسعى لتعزيز ذلك الإحتفاء بجعلها عضداً لما كتبه الآخرون في شأن هذا القرار التاريخي، ومساهمةً كذلك في مسيرة التصدي لأجل إلحاق الهزيمة النهائية بالراسمالية الطفيلية الاسلامية (رطاس)، وذلك بإجهاض أحلامها غير المشروعة في الاستيلاء على مشروع الجزيرة.
إن مجئ هذا الحكم في ظل دولة متجبرة ظلتْ تقتات الظلم ضحى كل يومٍ وفي زواله، منذ ان جاءت عبر القوة والدم ولاكثر من عشرين عام، إنما له دلالات عميقة، لا تقف عند حد بزوغ الامل في ان يستعيد القضاء السوداني سمعته وثقته اللتين طالتهما يد السلطة والتسلط، وإنما أبان هذا الحكم أمرين آخرين لا يقلّان اهمية. الأول هو ان هزيمة الرأسمالية الطفيلية الاسلامية (رطاس) ممكنة وفي كل السوح، وأما الامر الثاني فهو ان اهل الجزيرة وبكل قطاعاتهم ، مزارعون، وعمال زراعيون ومهنيون وموظفون، وتحت قياداتهم في تحالف المزاعين ولجنة الملاك، قد اكدوا ومما لا يدع مكاناً للشك ريادتهم في المنازلة، واكدوا ايضاً ان عودهم معجوم، وبحق، بذلك التاريخ الراسخ في الصدام منذ الاستعمار وإلى يومنا هذا.
فهذا الانتصار لا يجوز التقليل من شأنه، لانه فتح كوة في جدار الظلم الاصم، واعطى السودانيين، كل السودانيين، الامل والثقة في النفس بان لا كابح لارادة الناس إن هم وعوا وتوحدوا. فأهل الجزيرة، والكل يعلم، هم اكثر منْ يجيد هتين الصنعتين، لان تاريخ الجزيرة في اصله هو خلاصة للوعي والتوحد. فإن تنظر للجزيرة ترى السودان بتنوعه الغني وبتعايشه السلمى، وذلك امرٌ من المؤكد لا يتحقق إلا بالوعي، وإن يتمحص المرء فيما انجزته الجزيرة وساهمت به في أستقرار بلاد السودان سيتأكد له أيضاً أن الوحدة كانت هي السر لذلك الإنجاز ولتلك المساهمة، لان الوحدة حيال المصالح والدفاع عنها هو ما وسم تاريخ حركة مزارعي  الجزيرة، والتي هي في الاساس حركة رعاها اهل الجزيرة وصانوها في كل الازمنة، إن كان في الشدة او في الرخاء.
إن الذي حدث في مشروع الجزيرة، من تدمير للبنيات الاساسية ومن قضاءٍ على الاصول والممتلكات بالتجاوز والاعتداء المنظم بواسطة إتحاد المزارعين الحالي غير الشرعي، ومجلس إدارة مشروع الجزيرة المتواطئ والمنتفع،  وكذلك بواسطة محسوبي وموالي حزب المؤتمر الوطني إنما تمَّ  بإيعازٍ من نظام الإنقاذ وتحت حماية سلطته.
ما تمّ في منطقة الجزيرة حتى الآن، وما ينوون إكماله في شأن المشروع ليس هو إمتداد لفسادٍ ألمّ او حاق بنظام الإنقاذ كما يبدو، وإنما هو الفساد المعني بعينه. فالإعتداء على مؤسسات القطاع العام الاخرى وممتلكات الدولة الاخرى لم يكن ليرقى باي حال من الأحوال لحجم جريمة القضاء على مشروع الجزيرة، ذلك القضاء الذي إحتاج لاجل إنجازه تضافر جهود وامكانيات ومعارف جهات مختلفة، إن كان على المستوى المحلي اوالعالمي. الأرض كانت هي المقصودة وستظل، لأنه ما الذي يعنيه الإنسان، اي إنسان، بدون أرض ولو اقام الدنيا وأقعدها؟!!!. فالجزيرة لا تعني شيئاً بدون الأرض، وبالتالي إنسانها، فلذلك كان الاستهداف محدداً من دوائر راس المال العالمي والراسمال الطفيلي الاسلامي على وجه الدقة.
العديد من الخبراء والمختصين والمهتمين يعتبرون ان ما قام  ويقوم به نظام الإنقاذ فيما يتعلق بمشروع الجزيرة إنما يمثل حالة من الجنون!!!. ولكن في حقيقة الامر هو ليس بجنونٍ مؤقتٍ وإنما فسادٌ مؤصل.  ومن جهةٍ، ليحار المرء كيف تسنى لنظام الطفيلية الاسلامية ان يمارس وينشر من الفساد ما يحتاج لعدة انظمة ولعقود من الزمن لاجل الوصول به لهذا الحد، حد الوباء الذي لم يستثنِ ولو قطاعاً واحداً!!!.
إن المؤسسات الملحقة بنظام الانقاذ، وبما  فيها اتحاد المزارعين  ومجلس ادارة المشروع، قد تمرّس عدد ليس بالقليل من أفرادها على مزاولة الفساد في المؤسسات المالية للحركة الاسلامية منذ امدٍ بعيد، وذلك قبل ان تنقض تلك الحركة على السلطة في البلاد والسيطرة عليها، ومن ثمَّ التمكن من تجيير كامل مؤسسات الدولة وإلحاقها بمؤسسات الحركة الاسلامية. فلذلك، فما قام به احمد الشريف بدر ومجلسه بخصوص اراضي المشروع يجب ان يُفهم في هذا الإطار، اي في إطار إنجاز مهمة إلحاق كامل مشروع الجزيرة بتطلعات الراسمالية الطفيلية الاسلامية (رطاس).
إن المرافعة البليغة التي قدمها محامو ملَّاك الااضي، وهم  الاستاذ مصطفى عبد القادر، والاستاذ التجاني حسن والاستاذ حمزه خالد، قد ألقتْ ضوءاً كثيفاً على مكمن الفساد الذي تتمرغ فيه الجهات النافذة في مشروع الجزيرة، وعلى راسها مجلس إدارة المشروع. نعلم بأن سلطة الرأسمالية الطفيلية الاسلامية قد لا تقف مكتوفة الايدي تجاه الجحيم الذي سيفتحه إنتصار مزارعي الجزيرة والمناقل، وإن كان من الأعقل لها ان تحترم إرادة القانون، إلا اننا نوقن بأن مشروع الجزيرة الآن يخطو خطوته الاولى في وجهة العودة  إلى سيرته الاصل. وذلك ما ستحاول هذه المقالات ان تسهم في توضيحه وتأكيده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
(*) بالتزامن مع جريدتي "الايام" و"الميدان" السودانيتين، في يوم 22 يناير 2012م.

 

آراء