واهم يتعايش مع الوهم ومن أزمته يحكي!

 


 

 

إن فكرة الوهم في الثقافة السودانية، كما في العديد من الثقافات الأخرى، تعكس الصراع الداخلي والبحث عن المعنى في عالم مليء بالغموض والتناقضات. الوهم هو ذلك الستار الذي يفصل بين الواقع والخيال، بين ما هو معروف وما هو مجهول. وفي السودان، حيث تتشابك الأساطير والتقاليد مع الحياة اليومية، تأخذ فكرة الوهم أبعادًا متعددة تتجلى في الفنون، والأدب، والممارسات الاجتماعية
الوهم في الثقافة السودانية يمكن أن يُرى كوسيلة للتعبير عن الأمل والخوف، الحلم واليأس. إنه يعكس الرغبة في فهم العالم والتأقلم معه، وفي الوقت نفسه، يعبر عن القلق من المجهول والخوف من الفشل. الأوهام تُستخدم لملء الفراغات التي يتركها العقل البشري في محاولته لفهم الكون ومكان الإنسان فيه
في السودان، تتجلى فكرة الوهم في الحكايات الشعبية والأساطير التي تنقل من جيل إلى جيل، وفي الأغاني والشعر التي تحمل في طياتها الرموز والمعاني العميقة. كما تظهر في العادات والتقاليد التي تحاول تفسير الظواهر الطبيعية والاجتماعية، وفي الدين والمعتقدات التي توفر إطارًا للتفكير والسلوك
الوهم، إذًا، هو جزء لا يتجزأ من النسيج الثقافي السوداني، يُستخدم للتعبير عن الذات والبحث عن الهوية، وللتعامل مع التحديات والمصاعب التي تواجه الفرد والمجتمع. إنه يعكس الجمال والتعقيد في الحياة السودانية، ويقدم نافذة للنظر إلى العالم من خلال عيون مختلفة، مليئة بالألوان والظلال والأضواء.

نعم، هناك العديد من الأمثلة التي تعكس مفهوم الوهم في الأدب والفن السوداني. في الشعر، يمكن الإشارة إلى الشاعر الراحل محمد عبد الحي، الذي يُعتبر أحد أبرز الشعراء السودانيين والذي تناول موضوعات عميقة تتعلق بالوجود والهوية , كما يُعد الطيب صالح، برواياته وقصصه القصيرة، أحد أهم الأدباء الذين استكشفوا موضوعات مثل الوهم والحقيقة والذاكرة
في الفن، يمكن النظر إلى الأعمال الفنية التي تعبر عن الوهم من خلال استخدام الرمزية والأساطير السودانية. الفنانون والمبدعون السودانيون يستخدمون الوهم كوسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر، وكذلك للتعليق على الواقع الاجتماعي والسياسي.

للحصول على فهم أعمق لكيفية تجسيد الوهم في الأدب والفن السوداني، يمكن الرجوع إلى الدراسات النقدية والأعمال التي تناولت هذا الموضوع بالتفصيل

في السودان، حيث النيل يجري بسلام
والأرض تحكي قصصًا من الزمان القديم
تراقص الأوهام ظلال الأحلام
وتغني الروح لحن الحياة العظيم

بين الخرطوم وأم درمان، تسير الأقدام
على درب الأجداد، مسار العزيمة والقيم
تتلاقى القلوب على حب الوطن الدافئ
وتتشابك الأيدي في وحدة لا تُقسم

تتردد الأصداء في الأزقة والحواري
قصص الأجداد، أساطير تحكي الأمجاد
وفي الليل، حين يسكن الصخب والضوضاء
تهمس النجوم قصائد الحب والوفاء

هنا، حيث الوهم يصبح جسرًا للأماني
والفن يعانق الروح في كل زاوية ومكان
تتحدث الألوان والأشكال بلغة الإبداع
وتروي الأنغام قصة شعب لا يُقهر، لا يُهان

في السودان، حيث الثقافة تزهر كالبستان
والأدب ينير الدروب كالقمر السمان
تعيش الأوهام في القلوب كالأمل المنشود
وتبقى الحكايات، عبر الأجيال، محفورة كالوشم الودود

الإعلام له دور كبير في تشكيل الصور الذهنية وصناعة الأوهام، خاصة في عصرنا الحالي حيث تتسارع التغيرات التكنولوجية وتتعدد وسائل الإعلام. يمكن للإعلام أن يؤثر بشكل مباشر على الرأي العام ويحرك الجماهير نحو سلوك أو قرار محدد
في بعض الأحيان، يُستخدم الإعلام لتعزيز أجندات معينة أو لتحريك مشاعر العاطفة لدى الجمهور، مما يؤدي إلى تشكيل أوهام قد تكون بعيدة عن الواقع. وقد أظهرت الدراسات أن المجتمعات العاطفية قد تتأثر بشكل أكبر بمثل هذه الأوهام.

من ناحية أخرى، يمكن للإعلام أن يلعب دورًا إيجابيًا في تنمية الوعي وتعزيز الهوية الوطنية، وذلك من خلال تقديم محتوى مؤثر ومعلومات دقيقة تساعد في بناء مجتمع متكامل ومتعايش, الإعلام الوطني، على سبيل المثال، يمكن أن يساهم في تحسين الصورة الذهنية للدولة ودعم رسائلها الثقافية العالمية1.

لذا، يُعد فهم دور الإعلام وتأثيره على الجماهير أمرًا ضروريًا لتمكين الأفراد من التمييز بين الواقع والأوهام التي قد يُساهم الإعلام في صناعتها.

منصات التواصل الاجتماعي تُعد أدوات قوية لبناء الخيال وتوسيع الآفاق، ولكنها يمكن أن تكون أيضًا مصدرًا للأوهام. فهي تتيح للمستخدمين إنشاء ومشاركة المحتوى الذي يعبر عن أفكارهم وتصوراتهم، مما يساعد في تطوير الإبداع والخيال.

ومع ذلك، يمكن لهذه المنصات أيضًا أن تقدم صورًا غير واقعية أو مبالغ فيها عن الحياة الشخصية أو النجاحات، مما يؤدي إلى تشكيل توقعات قد لا تتطابق مع الواقع3. لذلك، من المهم التمييز بين استخدام هذه المنصات كأداة للإلهام والتعبير عن الذات، وبين الانسياق وراء الصور الزائفة التي قد تُقدم ,
الأوهام هي معتقدات ثابتة وخاطئة تتعارض مع الواقع. يمكن أن تكون مشكلة صعبة للمثقفين والأشخاص الذين يعانون منها. هناك أنواع مختلفة من الأوهام، مثل-

هوس: يعتقد الشخص أن شخصًا ما يحبه ويمكنه محاولة الاتصال بهذا الشخص. غالبًا ما يكون شخصًا مهمًا أو مشهورًا.
فخام: يعتقد هذا الشخص أن لديه شعورًا مبالغًا فيه بالقيمة أو القوة أو المعرفة أو الهوية. قد يعتقدون أن لديهم موهبة استثنائية أو اكتشفوا اكتشافًا مهمًا.
غيور: يعتقد الشخص من هذا النوع أن زوجته أو شريكه الجنسي غير مخلص.
اضطهاد: شخص لديه هذا الاعتقاد بأنه / هي (أو شخص قريب منه / عليها) يتعرض للإيذاء، أو أن شخصًا ما يتجسس عليه / عليها أو يخطط لإيذائه / عليها. يمكنهم تقديم شكاوى متكررة للسلطات القانونية.
جسدي: يعتقدون أن لديهم عيبًا جسديًا أو مشكلة طبية.
خليط: هؤلاء الأشخاص لديهم نوعان أو ثلاثة من أشكال الأوهام
الأسباب المحتملة للأوهام تشمل وراثية يعتبر العامل الوراثي أحد العوامل المحتملة , بيولوجية: تشير دراسات إلى أن التشوهات في مناطق معينة من الدماغ قد تؤدي إلى تطور اضطرابات التوهم.
محيطة / نفسية: التوتر والعزلة الاجتماعية قد يساهمان في حدوث الأوهام.
العلاج النفسي يمكن أن يكون فعالًا في التقليل من شدة وتكرار أعراض مرض الوهم. يمكن أن يساعد العلاج الأسري العائلات على التعامل بشكل أكثر فاعلية مع أحد أفراد أسرته المصاب باضطراب الوهم
الأوهام هي معتقدات ثابتة وخاطئة تتعارض مع الواقع. يمكن أن تكون مشكلة صعبة للمثقفين والأشخاص الذين يعانون منها. هناك أنواع مختلفة من الأوهام، مثل الهوس والفخام والاضطهاد والجسدي والخليط. يعتبر العلاج النفسي فعالًا في التقليل من شدة وتكرار أعراض مرض الوهم. يمكن أن يساعد العلاج الأسري العائلات على التعامل بشكل أكثر فاعلية مع أحد أفراد أسرته المصاب باضطراب الوهم، مما يسمح لهم بالمساهمة في تحقيق نتيجة أفضل للشخص
في النهاية، يعتمد الأمر على كيفية استخدام الأفراد لهذه المنصات والوعي بأن لكل صورة أو قصة قد تُشارك هناك واقع معقد وراء الكواليس قد لا يتم عرضه5. قضية هروب الإنسان إلى ما يسد شعوره بالضياع واللاهدفية في البحث عن مخرج من أزمته، واضطراره للبحث عن بدائل في الأوهام (الكبيرة أو الأوهام الجبلية، شديدة الوعورة وليست شديدة الصلابة والثبات)، نجد الأمر يتركز في الجانبين الأشد إلحاحاً، وهما جانب حريته في الاختيار والفعل، والآخر قضية موته (تلف كينونته وتبددها وتبخرها من بين يديه، كذات وفرد، وليس كروح، كما تسوِّق الأوهام وتصر بقسوة) ووقوفه عاجزاً أمام هذا الوضع الناشز، العصي على الفهم، والذي لا يجده مبرراً، أمام سلطة ورغبة الحياة اللتين تحكمانه بالفطرة، وليس بصورة عارضة، كما يصور رجال الكهنوت ورؤاهم المعبدية.، وهذه القضية هي التي يجب أن تكون الأهم والأكثر إشغالاً لتفكير الفلاسفة وبحثهم، من التفريعات التجريدية التي هربت إليها الفلسفة الغربية، في القرن العشرين
لأوهام تشكل جزءًا من البشرية، وهي تتسلل إلى عقولنا كظلال متراكمة. نحن نعيش في عالم مليء بالأوهام، حيث يتداخل الواقع بشكل معقد مع تصوراتنا وتصورات الآخرين. إنها مثل الضباب الذي يحجب الرؤية ويجعلنا نرى الأشياء بشكل مغاير.
في هذا العالم المتشابك، يجب أن نكون حذرين ومتيقظين. يجب أن نتساءل دائمًا: هل ما نراه حقيقة مطلقة أم مجرد تصوّر؟ هل نحن في حالة تأخي مع الأوهام أم نعيش في واقع ملموس؟
الفلسفة تعلمنا أن الحقيقة ليست دائمًا واضحة ومحددة. قد يكون لدينا تصوّرات مختلفة لنفس الواقع، وهذا يجعلنا نتساءل عن الحقيقة النهائية. هل يمكن أن تكون الأوهام هي الحقيقة الحقيقية؟ أم أنها مجرد ظلال تتلاشى أمام الواقع؟
وأخر القول، يبدو أننا محاصرون بين الأوهام والواقع، والتحدي هو الاعتراف بأننا قد نكون في حالة تأخي مع الأوهام. قد يكون الواقع أكثر تعقيدًا مما نتصوّر، وقد يكون لدينا الكثير لاكتشافه وفهمه

zuhair.osman@aol.com

 

آراء