وداعا السر قدور امام البسطاء والناس الطيبين والعبقرية التي كانت تمشي علي رجلين

 


 

 

بعد اسبوع واحد من الكارثة التي شهدها السودان في 30 يونيو من العام 1989 عقد بعض الصحفيين العاملين في صحيفة صوت الشارع اجتماع عاجل اتفق فيه الحضور من العاملين في الاخبار والكتاب العاملين في الصحيفة وبعض المتعاونين من الكتاب المعروفين علي قرار بعدم التعامل مع صحافة انقلاب الجبهة القومية الاسلامية وترك الخيار للراغبين من الاعلاميين الرياضيين والعاملين في مجال المنوعات والفنون والتصوير والمكتب الفني والاداريين ...
وافق الحضور واصحاب الدعوة لمقاطعة صحافة الانقاذيين الراحل المقيم وديع ابراهيم خوجلي .. احمد نصر .. منال حسن مختار .. الراحل الاعلامي الرياضي المتعاون مع الصحيفة صلاح سعيد .. وشخصي الضعيف .
ودعنا بعضنا البعض في ختام رحلة قصيرة حفلت بالابداع والتميز والنجاح وقررت مع اخرين مغادرة البلاد ونزلنا مصر بسلام امنين في صبيحة احد الايام مطلع التسعينات ...
كان مكتب الاستاذ الاعلامي والكاتب المسرحي النعمان حسن وشريكة في المكتب الراحل المقيم السر قدور في وسط القاهرة هو محطتنا الاولي وبداية التعرف علي الاوضاع والناس الذين تسللوا الي مصر من داخل السودان في ظل مناخ الصدمة والارهاب الانتقامي الذي ساد البلاد ...
السر قدور لمن لايعرفونة رجل لدية اكبر حصيلة من العلاقات مع كل النخب السياسية والاعلامية والفنية ورجال المال والاعمال من البيوتات المالية العريقة في السودان اصحاب الرزق والكسب الحلال من ابناء ابو العلا الي ال عثمان صالح والذين علي شاكلتهم.
تعرفت في مكتب السر قدور علي خلاصة الشعراء والادباء الذين كتبوا اعذب واجمل الاغنيات الخالدة في وجدان الملايين .. جلست معه الي صلاح احمد محمد صالح .... " انا الاغروني بالجنة وجعلت غرامهم سنة ...
وعلي الرغم من تلك الحصيلة الكبيرة من العلاقات الانسانية المتميزة والمتنوعة كان السر قدور قانعا بحاله وابعد مايكون عن حب المزاحمة والمنافسة والاحقاد والتامر وحسد الاخرين ..
كان يقطع المسافات الطويلة علي رجيلة بين مترو عين شمس القديم في محطة رمسيس الي مكتبة وسط القاهرة ومكتب صديق عمره الدرويش الاخر وعاشق السودان الراحل فاروق ابوعيسي في مكتبة باتحاد المحامين العرب في جاردن سيتي .
وتوسعت مع مرور الايام في قاهرة التسعينات مساحة الاحباب واصدقاء السر قدور بقيام مكتب العمل الخارجي لحزب الامة ومقر اقامة الشريف زين العابدين الهندي ونفر من الاتحاديين من المقيمين والمترددين علي مصر من داخل وخارج البلاد جوار الاذاعة القديمة في باب اللوق.
كنت تري السر قدور في طريقة في شوارع وسط القاهرة وهو يدندن وكانه قد امتك الدنيا بما عليها كان قانعا بالقليل وكانت امامه الفرصة لكي يرتاد عالم المصالح والاموال من خلال علاقته الوثيقة بكبار رجال المال والاعمال المحترمين في سودان ماقبل الانقاذ المزعوم و زمن الاسلاميين المفسدين .
كان زورا ورواد مكتب السر قدور وشريكة النعمان حسن من كل الوان الطيف السوداني اكبر بكثير من زوار سفارة النظام في تلك الايام وكان السر قدور شخصيا بمثابة المرشد والدليل لعدد كبير من رجال المال و الاعمال الذين يعملون بين مصر والسودان ومزار لاهل الصحافة الرياضية واقطاب الهلال والمريخ والفنانين والمسرحيين وكان هناك ميلاد القصيدة الغنائية الرائعة والمدهشة واغنية " ياريت " لو كان حبيبي اباح واعلن هواه صراح الي اخر القصيدة والكلمات العميقة ..
ربطت الراحل السر قدور علاقات حميمة وجميلة مع ذلك الجيل من الصحفيين والاعلاميين الذين عملوا في اول تجربة صحافة مهجر سودانية من خلال الصدور اليومي لصحف الخرطوم والاتحادي الدولية في مصر ومشاركته في كتابة عمود يومي في صحيفة الخرطوم بعنوان استاذة وتلاميذ.
كان السر قدور وسط تلك الكوكبة من الصحفيين المتميزين واهل السياسة والسياسيين المنفيين يحس بانه يعيش وسط خاصة اهله وعشيرته الاقربين في وطنه الذي عبر عن حبه العميق له بكلمات عميقة هزت وجدان الملايين.
الذي لايعرفة الناس عن الراحل السر قدور خفة الظل والنكتة العبقرية في مكانها وزمانها لاينافسة في ذلك الوقت غير ظرفاء ذلك الزمن المقربين منه الراحل وديع خوجلي .. ومحمد محمد خير امد الله في ايامة ...
كنت اسير في احد الايام نحو مكتب اتحاد المحامين العرب في الطريق التقيت بالقرب من مكتب ابوعيسي بشاب انيق اصفر البشرة عرفني بنفسه علي انه طالب يدرس بجامعة الزقازيق وانه في مهمة في القاهرة تتعلق بافتتاح مكتب للمعارضة وتجاذبت معه اطراف الحديث ومر السر قدور بالقرب منا والتقيته داخل المبني وسالني عن الشخص الواقف معي ولما اخبرته بقصته اطلق السر قدور عليه رحمة الله ضحكتة الشهيرة حتي خرجت سكرتيرة الراحل فاروق ابوعيسي تستفسر عن الامر وسر الضحكة العجيبة التي اطلقها السر داخل المبني الهام و الكبير..
" وقال لي الزول الكان واقف معاك يا ود الفضل دا ابوبكر دمبلاب بتاع الامن في السفارة لا زقازيق ولايحزنون " ..
هاجر الناس الي كل بقاع الدنيا وانفض سامر الايام الجميلة وانتقل السر قدور نسبيا اذا جاز التعبير الي خرطوم مابعد نيفاتشا التي كانت تعيش عوالم النفاق والفساد وخيانة المواثيق والعهود والمشاركة الواسعة من بعض المعارضين الشماليين والانفصاليين الجنوبيين في برلمان ووزرات ومؤسسات النظام ..
ومثل برنامجه الغنائي " اغاني واغاني " نقلة وطفرة نوعية في حياة السر قدور وكانت تجربة ناجحة ومتميزة بكل المقاييس ومع كل ذلك لم يساورني ادني شك ان السر قدور كان في داخله لايزال مرتبط بعالمه الجمالي والانساني الخاص في مصر التي عشقها وعشق دروبها وشوارعها وحواريها وناسها وارتبط بها حتي اخر يوم في حياته وضمت تربتها جسدة الي ابد الابدين ..
مليون رحمة ونور تتنزل علي مقامك الكريم السر قدور امام البسطاء والناس الطيبين والعبقرية التي كانت تمشي علي رجلين وسلام علي كل من سبقوك علي هذا الدرب الي الحياة الابدية من الذين هم علي شاكلتك من الذين جمعوا بين القدرات الخارقة علي الخلق والابداع والتميز ورقة الحال والشعور ...
/////////////////////////

 

آراء