ورحلت نادية غدراً لتلحق كثيرين “ضحايا حرب عبثية خاسرة” – فبأي ذنب قتلت؟ – رحمتك يارب

 


 

 

حقيقة الحال فى السودان جدا خطيرة والحاصل نتيجته مثل حصاد هياج ثيران برية، تعربد فى مستودع مكتظ بالخزف " هنا أعني بالمستودع الخرطوم تلك العاصمة المنكوبة ". لماذا الخرطوم تكتظ هكذا عبر السنين الأربعين الماضية بعشرة ملايين من سكان السودان؟ هذا يعني ربع سكان الوطن. الحكومات الفاشلة عبر كل تلك السنين هي السبب. اليوم نعيش بكل أسى تداعيات ذلك الفشل. لماذا تصير الخرطوم قاعدة عسكرية ومركزا للصناعات الحربية
مساء البارحة الخميس كغيرنا الكثيرين المنكوبين جانا الخبر الحزين أن ابنة خالنا نادية علي الفكي وشقيقاتها وأطفالها كن منتظرات الترحيل ليوصلهن إلى مكان البصات إلى مسقط الرأس بربر، خروجاً آمناً من جحيم الخرطوم بل من الموت الدائر ويتصيد من غير رحمة أي إنسان فهو يهاجم من ذات اليمين والشمال فى الشوارع وحتي داخل البيوت حيث لا أمان لكل الناس….. فجأة تدخل شظية تهشم كتف السيدة نادية من جهة صدرها الأيسر فتموت للتو أمام أعين وذهول كل الحضور. روح طاهرة من نفس زكية هكذا شاء الله وقدر أن تصعد سريعا الي السماء تعطرها ولم لا فسيرة السيدة نادية جدا عطرة لكنها لم تسلم من مآسي توجع القلوب الرهيفة وتقطع نياطها. زوجها قريبنا الشاب الخلوق الجميل خريج عطبرة الثانوية وجامعة الخرطوم المهندس الكيميائي عصام الدين الوسيلة أونسة الذي بدوره لم يعش طويلا أثناء عمله بشركة بترول ابوظبي. ترك لنادية أطفالا زغباً فبرغمها مترملةً أحسنت تربيتهم ويتخرج الابن الأكبر متخصصا فى الكومبيوتر ويحظي بوظيفة مرموقة بأديس ابابا. لكن لم تدم الفرحة فيلقى قبل سنوات قليلة مضت الشاب بن العشرين حتفه نتيجة دهس سيارة وهو يخرج من أحد المطاعم بعد أن تناول فيه وجبة منتصف النهار. إحتسبته نادية بصبر شديد وجلد الرجال الفرسان. والقدر المماثل اليوم كان على موعد مع تلك الأم الصابرة ، فهكذا مع مئات الراحلين هذه الأيام السوداء العبوسة رحلت نادية على عجل لكن السؤال الذي سيتردد صداه في الأذن إلي يوم القيامة "بأي ذنب قتلت؟"، ومثل الشهيدة نادية كثيرون فى الخرطوم والجنينة والفاشر وكردفان وجبال النوبة ، فبأي ذنب قتلوا؟ تخيل عزيزي القاريء أنك تعيش لحظة حدوث ذلك الحدث المرير المذهل والسؤال الذي بالطبع لا إجابة له "من هو القاتل والمسؤل؟". الله أعلم لكن دفن النعام لرؤوسها تحت الرمال لا يحميها من قدر الله المحتوم. الله يمهل ولا يهمل، أما القادة المتحاربين وان تحصنوا في تحصينات منيعة ومجهولة فكيف لهم المفر من يوم يفر فيه المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه ، يوم يؤز فيه المجرمون منكسو الرؤوس الي سقر وما أدراك ما سقر!. رحمة الله عليك يا الراحلة نادية فقد كنت نادية الخير والأريحية والصحبة الطيبة وتوزيع الإبتسامات ومثال الخلق الحسن والصبر على المكاره. اللهم أغفر لها وارحمها. إنا على فراقك المؤسف الشنيعة صورته وظروفه جدا لمحزونين. اللهم صبرا للجميع ورحمة ومغفرة لها وجنة فردوس عرضها السموات والارض تكون مسكنها، فهي شهيدة وطن غدر به من أبنائه من لا يخافون الله.
الفاتحة على السودان وعلى مواطنيه الذين كانوا شرفاءً وأحراراً فصاروا اليوم هم الفقراء إلى الله ، المهمشون المشردون النازحون داخل وخارج الوطن غصباً عن إرادتهم.
فى هذه الأيام العصيبة يختبر معدن الرجال ويظهر الفرق بين الصديق الجد الصادق الصدوق والمنتفع المنافق. فنعم معادن أناس لا يزالون يوجدون بيننا يواسوننا، وإن كانوا أقلة بحساب المصالح الدنيوية ، فهم ذهب لا يصدأ. كثيرون اتصلوا بنا قلقين يسألون عن أحوالنا وللإطمئنان على سلامة الوطن وأهلنا وذوينا. جزاهم الله عنا أحسن الجزاء من مسلمين ومسيحيين. أحد الأصدقاء يعزي هنا فى المرحومة نادية جزاه الله أحسن الجزاء :

"ربنا يرحم نادية ويغفر لها، ويا لها من ويلات حرب وشناعة قتل، له تقتلع الأشجار من جذورها، وتزحزح الصخور عن مكانها. ؟؟ما لها نادية وأن تقتل بهذه الطريقة الشنعاء، عبر قذيفة تصيب الكتف وتخترق الصدر، ما لها نادية؟؟ ألم يقل النبي الكريم "ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم"؟ ألم يرضعوا أنفسهم من تلك الصدور الطاهرة وهم أطفال، ألم يسكتوا صغارهم بصدور نساءهم، عندما تشتد بهم الحمى، أو يشتد بهم الخوف، أو يتعالى صياحهم من شدة الجوع. والله فعلا صدق حكيم السودان، المرحوم الطيب صالح عندما تساءل قائلا ؟؟من أين اتى هؤلاء؟؟. ربنا يرحم الراحلة نادية، وأن يعوضها عن شبابها مع ابنها بالجنة، وان يخفف صدمة أخواتها المرافقات لها، وأن يصبركم على فقدها، وأن يتقبلها شهيدة في جنات فردوس أعلى . تعازينا موصولة لكم، وللأسرة المكلومة، ولكل أهل بربر. ربنا يحفظ الباقين من كل شر وسوء ، ومن كيد الكائدين. آمين يا رب العالمين. إنا لله وإنا إليه راجعون - صدق الله العظيم"

ختاماً : عزيزي القارئ حفظك الله وأهلك وللسودان وترابه ومواطنيه الشرفاء من الله الستر والحفظ والصون. للأسف جراء هذه الحرب اللعينة المنبوذة أحرار كثر ماتوا ظلماً وغدراً وديار شيدت بعرق جبين وخدمة يمين دمرت عن أبيها وسرقت كل محتوياتها عنوة بلا وجل أو خوف من الله. حتى السيارات قد سرقوها. إنا لله وإنا إليه راجعون
السودان ضاع والعاصمة قد دمرت ، وكما يقولون فى شمال السودان فى وصف هذه الحالة الفوضوية "طلقت وعارت". نعوذ بالله من مصائب آخر الزمن

جدتي الصالحة آمنة عليها رحمة الله كانت تؤنسنا خلال أمسيات الشتاء الطويلة بالأحاجي الشيقة ومنها التي تحتوي علي إشارات تربوية. أذكر من ضمن القصص أن حاكماً قاهراً وظالما خرج يتوعد شعبه بالموت إذا لم يدفعوا الإتاوات، فوقفت متحزمة بثوبها إمرأة كبيرة السن وحكيمة فقالت له"من أين لنا ما أن ندفع لك؟. أنت ماك.شايف بحرنا شيردون، غنمنا كيسرون، ضرعنا يبسون والناس كلهم الصبحية جائعون والعشية ميتون".رحمتك يارب عليكم أحبابنا الكرام في كل بقاع السودان، وأسأل الله أن لا نري يوما نيلنا شيردون أو مرة ِثانية السودانيين مبعثرون.
عبدالمنعم

aa76@me.com

 

آراء