وطنية الجيش السوداني والدعم السريع في فقه الدكتور محمد جلال هاشم (3/3)
كور متيوك
29 May, 2023
29 May, 2023
kurmtiok@yahoo.com
الأديب عبد العزيز بركة ساكن في ليلته الجهادية في باريس، حيث انطلقت واحد من أعظم الثورات في العالم "الثورة الفرنسية" لم يوضح لمستمعيه كيف مارس الجنجويد كل هذه الجرائم في دارفور والإبادة الجماعية، وأين كان الجيش السوداني الوطني و النظاميthe national army ولماذا وقف مُتفرجاً، تاركاً مواطني دارفور من القبائل ذات الأصول الأفريقية يتعرضون للقتل والتهجير القسري و الاغتصابات المُمَنهجة دون أن يتحرك لوقف هذه الجرائم، ليس هذا فحسب بل أين كان هذا الجيش الوطني بينما كان الجنجويد يقتلون الشباب ويغتصبون الشابات السودانيات على بُعد شبر من سور القيادة العامة، كنت أعتقد أن الخطاب الدعائي للجيش والكيزان سيظل تأثيرها دوماً محصوراً ومحدوداً وسط المواطنين البُسطاء الذين لا يملكون مقدرات التحليل النقدي والقدرة للوصول الى المعلومات ومُقارنتها مع تلك التي تقدمها الجهاز الإعلامي الحكومي لكن من الواضح أن أحداً لم يتوقع أن يتطوع محمد جلال هاشم و بركة ساكن لغسل التاريخ الإجرامي للإسلاميين في السودان – بالليفة و الصابون - و مُخادعة الدارفوريين بأن سبب بؤسهم وتهميشهم هُم الجنجويد بينما هؤلاء الجنجويد ليسوا سابقين في الوجود على الجيش السوداني والمركز العروبي، فلقد كان هنالك في البدء القوات المُسلحة و من ثم المليشيات مثل (المراحيل، الدفاع الشعبي، المجاهدين، الدبابين، الاحتياطي المركزي، الجنجويد و الان الدعم السريع) لقد كانوا هنالك أينما وجد الجيش لكن الدعم السريع حيطة قصيرة ومائلة يسهل على بركة ساكن الصعود أعلى خيلها اما الجيش فمقدسة و لا يُمس.
و مع كل ذلك يُخير كل من الدكتور محمد جلال هاشم و عبد العزيز بركة ساكن السودانيين للمفاضلة بين الجيش والدعم السريع حيث انحازوا هم للجيش، بحجة وطنيتها ونظاميتها و دونها لن تكون هنالك دولة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستفاد المواطنين الجنوبيين من هذه الدولة في الفترة من ١٩٥٦-٢٠١١، ابدأ كانت حصيلتهم هو التعذيب والقتل وفرض الثقافة العربية والإسلامية واحتقار الثقافات الإفريقية بجانب نهب موارد شعب جنوب السودان وتحويلها لتنفيذ مشاريع تنموية في الخرطوم والمركز الاسلاموعروبي ولقد كان محمد جلال هاشم يعتقد قبل هذه الحرب أن الطريقة الوحيدة لتفكيك دولة ما بعد الاستعمار ونخبتها العسكرية هي عن طريق تفكيك بُنيتها، باعتبارها أداة أمني للمركز العروبي ولكن عندما جاء وقت التنفيذ تراجع جلال هاشم و هرول لإنقاذ المركز العروبي في الخرطوم أعتقد أن محمد جلال هاشم بحاجة لتقديم المزيد من التوضيح حول هذه القضايا دون تشنج و زعل، ويجب عليه أن يستصحب معه بأن دولة ما بعد الاستعمار لم يستفيد منها المواطنين السودانيين بل من أستفادوا منها هم المركز العروبي دون سواهُم.
أن هذا النداء لإنقاذ الخرطوم من جحافل التتار و من الهمجية يُذكِرنا بمقالات أستاذنا الطيب مصطفى واسحق فضل الله و لقد ظل الاثنين يُذكِرَان الشعب السوداني دائماً و أبداً بخطر الجنوبيين او ما كان يسميانه بالحزام الأسود الذي يحيط الخرطوم، الان جلال هاشم وبركة ساكن ومبارك اردول يقودان حملات التعبئة بما يحيق ويروم البلاد من خطر محدق يشكله البدو والتتار من دول النيجر ومالي وتشاد و لكن في الحقيقة أن من يقاتلون في الخرطوم وفي صفوف الدعم السريع هم مواطنين سودانيين من دارفور وغرب كردفان لكن محمد جلال هاشم قرر أن يسحب عنهم الجنسية السودانية واصبحوا من البدون السودانيين الذين يريدون إستباحة الحرائر في الخرطوم وهذا يُذكِرَنا بمقالة الدكتور حسن مكي و الذي قرع فيه جرس الإنذار لأهل المركز وحذرهم من المد الإجتماعي نتيجة هجرة أبناء جنوب السودان وجبال النوبة بسبب الحرب ولم يقف على ذلك بل حذر أيضاً من خطورة نزوح أبناء الغرب الى العاصمة الفاضِلة بسبب المجاعة وبما أن حسن مكي لم يعلق بعد بما قاموا به "أبناء الغرب" من احتلال للخرطوم فأن "هاشم" تولى مهمة تنوير السودانيين بما كتبه الإسلامي الكبير بروفيسور حسن مكي ويحذرهم من المد الغربي وخطورتها للمركز العروبي.
أن شخص مثل بركة ساكن لا يفترض به أن ينخدع بالأكاذيب ويهرول لغسل تاريخ الجيش السوداني منذ الاستقلال وإعادة كتابة تاريخها من جديد ليبدأ من ١٥ ابريل ٢٠٢٣، و وصم الجنجويد أبدياً بالجرائم التي اِرتَكبَوها في دارفور بينما الاثنين هم من نفس المؤسسة العسكرية. عندما نقوم بقراءة موقف بركة ساكن تجاه كل من الجيش و الدعم السريع أو الجنجويد نجده قد تحامل كثيراً على الجنجويد بالنظر إلى تبرئته ساحة الجيش و تعامل معها بلطف شديد و أدب عسكري جُم؛ وبينما انا أقرأ روايته "مسيح دارفور" تساءلت في نفسي إن كان قد سبق له إن عمل جندياً في الجيش؟ إذا كان الجيش هو من وفر التدريب والتسليح والتمويل لقوات الدعم السريع وقام بتعبئتهم لقتل العبيد في دارفور وتهجيرهم عن قراهم فكيف يُجرم الجنجويد ويبرئ ساحة الجيش؟ مُستخدماً سُلْطَته المعرفية فلقد حرم بركة ساكن الجنة على الجنجويد بينما طهر الجيش من معاصيها وفتح أبواب ملكوت الله على مصراعيها لهم ليس هذا فحسب فلقد طهرهم وغفر لهم كل جرائمهم حتى يتمكنوا من هزيمة الجنجويد شر هزيمة و هو لا يهمه إذا كان الجيش يديره الكيزان ام لا!
أكثر ما يهمه هو عدم السماح لمليشيات الجنجويد الآتية من أطراف الهامش والبدو باحتلال الخرطوم الجميلة وترويع مواطني المركز الوديعين و المُسالمين لان هذا سيكون أكبر هزيمة يتعرض لها جيش المركز العروبي في تاريخها، في روايته المشار إليها يمكن ملاحظة التحامُل الواضح للكاتب في النص وفي الحديث الذي دار بين شيكيري و زوجته عبد الرحمن حول الجنجويد جاء فيها الأتي "... أخبرته أنها تعرف كل صغيرة وكبيرة عن الحرب وقالت له بصورة واضحة، إن الذين قتلوا أمها و أبيها و اغتصبوا أخوتها حتى الموت، ليسوا جنوداً نظاميين ولكنهم الجنجويد، وهي تعرف وتفهم الفرق، نعم كان بإمكان الجيش أن يحميها، ولكنه لم يفعل، تعرف أفراداً في الجيش من قبيلتها وتعرف أنهم كانوا يتمزقون من الحزن وهم يشاهدون الجنجويد يقتلعون أسرهم و أهلهم اقتلاعاً من الحياة أمام أعينهم يكفيهم ذلك عذاباً و موتاً و ألمًا". و عن الجرائم التي يرتكبها جنود الدعم السريع يتحدث فيها الكاتب عن نقاط التفتيش وعن الحرية المُطلقة التي منحت لضباط الجنجويد أكثر من نظراءهم في القوات المسلحة، نُلاحِظ أن عبد العزيز بركة ساكن قد أختار طوعاً مهمة تكفير ذنوب الكيزان و الجيش السوداني لذلك يلقي باللائمة على عاتق الجنجويد و البدو الذين تم استغلالهم من قبل المركز الاسلاموعروبي في الخرطوم وأعتقد أن شخص مثل محمد جلال هاشم ربما يعرف الكثير من سياسات فرق تسد التي مارسها نظام الإنقاذ ضد المهمشين في دارفور و صفة التهميش هنا ليست مختصر فقط على الدارفوريين من القبائل الإفريقية بل يشمل القبائل العربية في دارفور، إن كان هنالك جرائم قد أُرتكب في دارفور من قبل الدعم السريع فأنها تمت تحت مُراقبة و رعاية لصيقين من قبل الجيش لذلك ليس من العدل تحميلهم "الجنجويد و الدعم السريع" كل عبء تاريخ الحروب الأهلية في السودان بينما يترك مُهندسي الحروب الأهلية بعيداً عن النقد والمُساءلة حتى يخططوا لجرائم أخرى وفي أماكن اخرى من السودان.
في الخِتام أريد أن أؤكد بأن الحرب الذي يدور بين الجيش و الدعم السريع في الخرطوم العاصِمة السودانية هي نتيجة طبيعية لخلل بنيوي داخل الجيش و الدولة السودانية إستمر منذ استقلال السودان يناير 1956 حتى استقلال جنوب السودان في يوليو 2011 و من يوليو 2011 حتى لحظة إندلاع الحرب بين الجيش و الدعم السريع في الخامس عشر من ابريل 2023، الحل لهذا الإختلال البنيوي لا يفترض أن تكون حلاً أمنياً و لا نتوقع من أشخاص في قامة محمد جلال هاشم و عبد العزيز بركة ساكن أن يحشدوا الشعب السوداني خلف الجيش بل تحميلهم المسئولية المُشتركة لِما ألت إليه الأوضاع داخل العاصمة السودانية الخرطوم و التي يؤكد بلا شك سوء تقدير قيادة الجيش لقدرات قوات الدعم السريع وما حصلت فيها من تحديث وتجنيد وبالتالي هذا مؤشر خطير لضعف وعجز قيادة الجيش السوداني في الاضطلاع بمهامها الدستورية الموكلة إليها والتي تشمل حماية الدولة من أي اعتداء خارجي، أن مهمة المثقفين السودانيين هي الضغط من أجل إصلاح الجيش وعدم تشجيع عبد الفتاح البرهان على الإستمرار في إستخدام الطائرات الحربية بصورة عشوائية وسط العاصمة او في أي مكان أخر من السودان والضغط من أجل التسوية السياسية وليس الحل الأمني لان ذلك لن يتوقف على الدعم السريع فقط بل سيُطال المزيد من مكونات الدولة السودانية.
أن موضوع تمرد قوات الدعم السريع و دمجها يشير الى وجود نية مبيتة تجاه هذه القوات، قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" لم يرفض الدمج لكن طالب بفترة إنتقالية مُدتها عشرة سنوات ليتم الدمج خلال هذه السنوات لكن الجيش أصر على سنتين فقط وهذا لأمر مُثير للشِكوك فطالما ظل الدعم السريع يُحارب بالوكالة عن الجيش السوداني في دارفور و جبال النوبة لأكثر من عشرون عاماً فلماذا يُعاند نفس الجيش منح قواته عشرة سنوات فقط للدمج، أن نتيجة الركون الى الحلول الأمنية أدت إلى أن يعيش الدولة السودانية في ظل دوامة من الحروب الأهلية أدت الى استقلال جنوب السودان و الأن تدمير الخرطوم بطريقة لم يحصل خلال أكثر من قرن كامل، أن إعادة بناء ما دمره حرب الخامس عشر من ابريل سياخذ فترة طويلة قد يفوق العشرة سنوات التي رفضها عبد الفتاح البرهان لدمج الدعم السريع اما الإقتصاد السوداني فسيظل يعاني من أثار هذا الحرب لفترات طويلة، أن المسئولية الوطنية تحتم على المثقفين السودانيين توجيه أسهم نقدهم ضد الجيش و الدعم السريع أسوةً دون إنحياز لاي طرف كما فعل الدكتور سليمان أحمد سليمان في سلسلة مقالاته "قوات الدعم السريع: قراءة في الإطار السياسي و القانوني" ولقد كشف في هذه المقالات ظروف نشاة وتكوين قوات الدعم السريع و علاقتها بالقوات المُسلحة وكذلك كشف النقاب عن قانونها مما يؤكد أنها قوات نظامية وطنية تتمتع بما يتمتع بها الجيش حتى يتغير هذه الوضعية بالقانون و من خلال عملية سياسية متوافق عليها من قبل مختلف القوى السياسية السودانية.
تمت
الأديب عبد العزيز بركة ساكن في ليلته الجهادية في باريس، حيث انطلقت واحد من أعظم الثورات في العالم "الثورة الفرنسية" لم يوضح لمستمعيه كيف مارس الجنجويد كل هذه الجرائم في دارفور والإبادة الجماعية، وأين كان الجيش السوداني الوطني و النظاميthe national army ولماذا وقف مُتفرجاً، تاركاً مواطني دارفور من القبائل ذات الأصول الأفريقية يتعرضون للقتل والتهجير القسري و الاغتصابات المُمَنهجة دون أن يتحرك لوقف هذه الجرائم، ليس هذا فحسب بل أين كان هذا الجيش الوطني بينما كان الجنجويد يقتلون الشباب ويغتصبون الشابات السودانيات على بُعد شبر من سور القيادة العامة، كنت أعتقد أن الخطاب الدعائي للجيش والكيزان سيظل تأثيرها دوماً محصوراً ومحدوداً وسط المواطنين البُسطاء الذين لا يملكون مقدرات التحليل النقدي والقدرة للوصول الى المعلومات ومُقارنتها مع تلك التي تقدمها الجهاز الإعلامي الحكومي لكن من الواضح أن أحداً لم يتوقع أن يتطوع محمد جلال هاشم و بركة ساكن لغسل التاريخ الإجرامي للإسلاميين في السودان – بالليفة و الصابون - و مُخادعة الدارفوريين بأن سبب بؤسهم وتهميشهم هُم الجنجويد بينما هؤلاء الجنجويد ليسوا سابقين في الوجود على الجيش السوداني والمركز العروبي، فلقد كان هنالك في البدء القوات المُسلحة و من ثم المليشيات مثل (المراحيل، الدفاع الشعبي، المجاهدين، الدبابين، الاحتياطي المركزي، الجنجويد و الان الدعم السريع) لقد كانوا هنالك أينما وجد الجيش لكن الدعم السريع حيطة قصيرة ومائلة يسهل على بركة ساكن الصعود أعلى خيلها اما الجيش فمقدسة و لا يُمس.
و مع كل ذلك يُخير كل من الدكتور محمد جلال هاشم و عبد العزيز بركة ساكن السودانيين للمفاضلة بين الجيش والدعم السريع حيث انحازوا هم للجيش، بحجة وطنيتها ونظاميتها و دونها لن تكون هنالك دولة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستفاد المواطنين الجنوبيين من هذه الدولة في الفترة من ١٩٥٦-٢٠١١، ابدأ كانت حصيلتهم هو التعذيب والقتل وفرض الثقافة العربية والإسلامية واحتقار الثقافات الإفريقية بجانب نهب موارد شعب جنوب السودان وتحويلها لتنفيذ مشاريع تنموية في الخرطوم والمركز الاسلاموعروبي ولقد كان محمد جلال هاشم يعتقد قبل هذه الحرب أن الطريقة الوحيدة لتفكيك دولة ما بعد الاستعمار ونخبتها العسكرية هي عن طريق تفكيك بُنيتها، باعتبارها أداة أمني للمركز العروبي ولكن عندما جاء وقت التنفيذ تراجع جلال هاشم و هرول لإنقاذ المركز العروبي في الخرطوم أعتقد أن محمد جلال هاشم بحاجة لتقديم المزيد من التوضيح حول هذه القضايا دون تشنج و زعل، ويجب عليه أن يستصحب معه بأن دولة ما بعد الاستعمار لم يستفيد منها المواطنين السودانيين بل من أستفادوا منها هم المركز العروبي دون سواهُم.
أن هذا النداء لإنقاذ الخرطوم من جحافل التتار و من الهمجية يُذكِرنا بمقالات أستاذنا الطيب مصطفى واسحق فضل الله و لقد ظل الاثنين يُذكِرَان الشعب السوداني دائماً و أبداً بخطر الجنوبيين او ما كان يسميانه بالحزام الأسود الذي يحيط الخرطوم، الان جلال هاشم وبركة ساكن ومبارك اردول يقودان حملات التعبئة بما يحيق ويروم البلاد من خطر محدق يشكله البدو والتتار من دول النيجر ومالي وتشاد و لكن في الحقيقة أن من يقاتلون في الخرطوم وفي صفوف الدعم السريع هم مواطنين سودانيين من دارفور وغرب كردفان لكن محمد جلال هاشم قرر أن يسحب عنهم الجنسية السودانية واصبحوا من البدون السودانيين الذين يريدون إستباحة الحرائر في الخرطوم وهذا يُذكِرَنا بمقالة الدكتور حسن مكي و الذي قرع فيه جرس الإنذار لأهل المركز وحذرهم من المد الإجتماعي نتيجة هجرة أبناء جنوب السودان وجبال النوبة بسبب الحرب ولم يقف على ذلك بل حذر أيضاً من خطورة نزوح أبناء الغرب الى العاصمة الفاضِلة بسبب المجاعة وبما أن حسن مكي لم يعلق بعد بما قاموا به "أبناء الغرب" من احتلال للخرطوم فأن "هاشم" تولى مهمة تنوير السودانيين بما كتبه الإسلامي الكبير بروفيسور حسن مكي ويحذرهم من المد الغربي وخطورتها للمركز العروبي.
أن شخص مثل بركة ساكن لا يفترض به أن ينخدع بالأكاذيب ويهرول لغسل تاريخ الجيش السوداني منذ الاستقلال وإعادة كتابة تاريخها من جديد ليبدأ من ١٥ ابريل ٢٠٢٣، و وصم الجنجويد أبدياً بالجرائم التي اِرتَكبَوها في دارفور بينما الاثنين هم من نفس المؤسسة العسكرية. عندما نقوم بقراءة موقف بركة ساكن تجاه كل من الجيش و الدعم السريع أو الجنجويد نجده قد تحامل كثيراً على الجنجويد بالنظر إلى تبرئته ساحة الجيش و تعامل معها بلطف شديد و أدب عسكري جُم؛ وبينما انا أقرأ روايته "مسيح دارفور" تساءلت في نفسي إن كان قد سبق له إن عمل جندياً في الجيش؟ إذا كان الجيش هو من وفر التدريب والتسليح والتمويل لقوات الدعم السريع وقام بتعبئتهم لقتل العبيد في دارفور وتهجيرهم عن قراهم فكيف يُجرم الجنجويد ويبرئ ساحة الجيش؟ مُستخدماً سُلْطَته المعرفية فلقد حرم بركة ساكن الجنة على الجنجويد بينما طهر الجيش من معاصيها وفتح أبواب ملكوت الله على مصراعيها لهم ليس هذا فحسب فلقد طهرهم وغفر لهم كل جرائمهم حتى يتمكنوا من هزيمة الجنجويد شر هزيمة و هو لا يهمه إذا كان الجيش يديره الكيزان ام لا!
أكثر ما يهمه هو عدم السماح لمليشيات الجنجويد الآتية من أطراف الهامش والبدو باحتلال الخرطوم الجميلة وترويع مواطني المركز الوديعين و المُسالمين لان هذا سيكون أكبر هزيمة يتعرض لها جيش المركز العروبي في تاريخها، في روايته المشار إليها يمكن ملاحظة التحامُل الواضح للكاتب في النص وفي الحديث الذي دار بين شيكيري و زوجته عبد الرحمن حول الجنجويد جاء فيها الأتي "... أخبرته أنها تعرف كل صغيرة وكبيرة عن الحرب وقالت له بصورة واضحة، إن الذين قتلوا أمها و أبيها و اغتصبوا أخوتها حتى الموت، ليسوا جنوداً نظاميين ولكنهم الجنجويد، وهي تعرف وتفهم الفرق، نعم كان بإمكان الجيش أن يحميها، ولكنه لم يفعل، تعرف أفراداً في الجيش من قبيلتها وتعرف أنهم كانوا يتمزقون من الحزن وهم يشاهدون الجنجويد يقتلعون أسرهم و أهلهم اقتلاعاً من الحياة أمام أعينهم يكفيهم ذلك عذاباً و موتاً و ألمًا". و عن الجرائم التي يرتكبها جنود الدعم السريع يتحدث فيها الكاتب عن نقاط التفتيش وعن الحرية المُطلقة التي منحت لضباط الجنجويد أكثر من نظراءهم في القوات المسلحة، نُلاحِظ أن عبد العزيز بركة ساكن قد أختار طوعاً مهمة تكفير ذنوب الكيزان و الجيش السوداني لذلك يلقي باللائمة على عاتق الجنجويد و البدو الذين تم استغلالهم من قبل المركز الاسلاموعروبي في الخرطوم وأعتقد أن شخص مثل محمد جلال هاشم ربما يعرف الكثير من سياسات فرق تسد التي مارسها نظام الإنقاذ ضد المهمشين في دارفور و صفة التهميش هنا ليست مختصر فقط على الدارفوريين من القبائل الإفريقية بل يشمل القبائل العربية في دارفور، إن كان هنالك جرائم قد أُرتكب في دارفور من قبل الدعم السريع فأنها تمت تحت مُراقبة و رعاية لصيقين من قبل الجيش لذلك ليس من العدل تحميلهم "الجنجويد و الدعم السريع" كل عبء تاريخ الحروب الأهلية في السودان بينما يترك مُهندسي الحروب الأهلية بعيداً عن النقد والمُساءلة حتى يخططوا لجرائم أخرى وفي أماكن اخرى من السودان.
في الخِتام أريد أن أؤكد بأن الحرب الذي يدور بين الجيش و الدعم السريع في الخرطوم العاصِمة السودانية هي نتيجة طبيعية لخلل بنيوي داخل الجيش و الدولة السودانية إستمر منذ استقلال السودان يناير 1956 حتى استقلال جنوب السودان في يوليو 2011 و من يوليو 2011 حتى لحظة إندلاع الحرب بين الجيش و الدعم السريع في الخامس عشر من ابريل 2023، الحل لهذا الإختلال البنيوي لا يفترض أن تكون حلاً أمنياً و لا نتوقع من أشخاص في قامة محمد جلال هاشم و عبد العزيز بركة ساكن أن يحشدوا الشعب السوداني خلف الجيش بل تحميلهم المسئولية المُشتركة لِما ألت إليه الأوضاع داخل العاصمة السودانية الخرطوم و التي يؤكد بلا شك سوء تقدير قيادة الجيش لقدرات قوات الدعم السريع وما حصلت فيها من تحديث وتجنيد وبالتالي هذا مؤشر خطير لضعف وعجز قيادة الجيش السوداني في الاضطلاع بمهامها الدستورية الموكلة إليها والتي تشمل حماية الدولة من أي اعتداء خارجي، أن مهمة المثقفين السودانيين هي الضغط من أجل إصلاح الجيش وعدم تشجيع عبد الفتاح البرهان على الإستمرار في إستخدام الطائرات الحربية بصورة عشوائية وسط العاصمة او في أي مكان أخر من السودان والضغط من أجل التسوية السياسية وليس الحل الأمني لان ذلك لن يتوقف على الدعم السريع فقط بل سيُطال المزيد من مكونات الدولة السودانية.
أن موضوع تمرد قوات الدعم السريع و دمجها يشير الى وجود نية مبيتة تجاه هذه القوات، قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" لم يرفض الدمج لكن طالب بفترة إنتقالية مُدتها عشرة سنوات ليتم الدمج خلال هذه السنوات لكن الجيش أصر على سنتين فقط وهذا لأمر مُثير للشِكوك فطالما ظل الدعم السريع يُحارب بالوكالة عن الجيش السوداني في دارفور و جبال النوبة لأكثر من عشرون عاماً فلماذا يُعاند نفس الجيش منح قواته عشرة سنوات فقط للدمج، أن نتيجة الركون الى الحلول الأمنية أدت إلى أن يعيش الدولة السودانية في ظل دوامة من الحروب الأهلية أدت الى استقلال جنوب السودان و الأن تدمير الخرطوم بطريقة لم يحصل خلال أكثر من قرن كامل، أن إعادة بناء ما دمره حرب الخامس عشر من ابريل سياخذ فترة طويلة قد يفوق العشرة سنوات التي رفضها عبد الفتاح البرهان لدمج الدعم السريع اما الإقتصاد السوداني فسيظل يعاني من أثار هذا الحرب لفترات طويلة، أن المسئولية الوطنية تحتم على المثقفين السودانيين توجيه أسهم نقدهم ضد الجيش و الدعم السريع أسوةً دون إنحياز لاي طرف كما فعل الدكتور سليمان أحمد سليمان في سلسلة مقالاته "قوات الدعم السريع: قراءة في الإطار السياسي و القانوني" ولقد كشف في هذه المقالات ظروف نشاة وتكوين قوات الدعم السريع و علاقتها بالقوات المُسلحة وكذلك كشف النقاب عن قانونها مما يؤكد أنها قوات نظامية وطنية تتمتع بما يتمتع بها الجيش حتى يتغير هذه الوضعية بالقانون و من خلال عملية سياسية متوافق عليها من قبل مختلف القوى السياسية السودانية.
تمت