ومتى تراجع الحكومة خيارها “الصفري”؟!

 


 

 

 

(1)

كما هو منتظر فقد أجرى صندوق النقد الدولي المراجعة الأولى لبرنامج الحكومة لإصلاح الاقتصاد ، وقد ورد في بيان الصندوق عن التقييم الأولي "إحراز السلطات السودانية تقدماً ملموساً نحو إنشاء سجل حافل بالسياسات وتنفيذ الإصلاح، وهو مطلب رئيسي لتخفيف الديون في نهاية المطاف"، كما تضمن أيضاً جملة اشتراطات جديدة من أجل "الحفاظ على التقدم والوفاء بمتطلبات تخفيف عبء ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون "هيبيك" ولذلك سيكون من المهم إحراز تقدم مستدام في إطار البرنامج الخاضع لمراقبة موظفي الصندوق على مدى الأشهر المقبلة"، ولكن السؤال الأكثر أهمية في هذا السياق أنه مثلما أجرى الصندوق مراجعته هذه، فهل أخضعت الحكومة برنامجها لتقييم حقيقي لجدواه في تحقيق الإصلاح، وهل درست تبعاته في ظل الواقع المشهود؟.

(2)
الإجابة بلا تردد هي أن الحكومة لم تقم بهذا التقييم مطلقاً، ولم يكن ذلك وارداً في نيتها ابتداءاً، بل ظلت تتعامل مع هذا البرنامج باعتباره "الخيار صفر"، وظلت تعتبره سفينة نوح الاقتصاد السوداني الوحيدة المنجية، ولذلك لم تضع في حسبانها أبداً إدارة أي حوار موضوعي حوله، وظل هو اللعبة الوحيدة في المدينة مع تغيّر الحكومات والوزراء، ربما لم يكن الأمر ليستحق إعارته انتباهةً لو أن تصورات الحكومة لهذا السيناريو كانت تجري بما تشتهيه أشرعة سفنها، ولكن رياحه تجري بما لا يشتهي السفن، ومع ذلك بقي الإنكار سيدة الموقف.

(3)
ولكي نقيم الموقف الرسمي علينا الرجوع إلى الحيثيات والرهانات التي بنت عليها الحكومة موقفها، لقد بنى مشروع موازنة 2020 سيناريو محدد الأهداف والخطوات يقوم على هدف محوري وهو تصميم الموازنة لكي تخدم هدف أساسي هو الوصول إلى تخفيف الديون الخارجية في خاتمة المطاف لفتح الفرصة امام الحصول على تمويل من مؤسسات التمويل الدولية، وذلك بادرت يمخاطبة الاشتراطات التي تتطلبها مبادرة "هيبيك"، وعلى رأسها الوصول لما يُعرف "بنقطة اتخاذ القرار" التي تأتي كنتيجة لإصدار صندوق النقد الدولي "سجل حافل بتنفيذ مطلوبات الإصلاح الاقتصادي" وفق برنامج تقدمه الحكومة يوافق عليه الصندوق ويراقب تنفيذه موظفوه، وقد شرعت الحكومة في تنفيذ هذه الاشتراطات المعلومة حتى قبل الدخول في تفاوض مع الصندوق حولها.

(3)
وحسب خارطة الطريق لمشروع موازنة 2020 فإنها استندت على تحرير كامل للسلع الخدمات وسعر الصرف وفق مواقيت محددة، وحسب مصفوفة هذه الخارطة فإنه بحلول مارس – أبريل 2020 ستتم الخطوات التالية، إنفاذ نظام التسعير التقاطعى للكهرباء، تحرير سعر الصرف للصادرات، تحرير سعر البنزين وبدء التحرير المتدرج لأسعار المحروقات الأخرى. وفي يونيو 2020 يتم إكمال تحرير سعر الصرف، وإكمال تحرير أسعار السلع الاستراتيجية. ويجب هنا الانتباه للملاحظة المهمة وهي استخدام تعبير "تحرير" والمقصود بالطبع التحول لنظام السوق الحر، وخروج الدولة من الاقتصاد.
وحسب المصفوفة فإنه بحلل أغسطس 2020، يتم إكمال تحرير أسعار الجازولين، إكمال وشمول منظومة التعاونيات الإستهلاكية للسلع الضرورية، بدء التحرير المتدرج لسعر صرف الدولار الجمركي للواردات، بدء التخفيض المتدرج للتعرفة الجمركية على الواردات.

(4)
وحول الجدول الزمني لإعفاء الديون وإعادة التأهيل، ورد في خارطة الطرق الآتي: * في ديسمبر 2020 إجراء الحوار المجتمعى للاتفاق حول برنامج إقتصادى وإجازة موازنة 2020.
*-وفي مارس 2020 بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولى للاتفاق حول برنامج للإصلاح الإقتصادى المراقب من قبل موظفي الصندوق. SMP:
*- سريان تنفيذ البرنامج: أبريل 2020- أكتوبر/نوفمبر 2020
*-إعلان تقييم الصندوق لأداء السودان والوصول إلى نقطة القرار
(decision point): يناير 2021/يونيو 2021
*- بدء عملية إعفاء ديون نادى باريس (54 بليون دولار)، إضافة إلى الديون الأخرى.
*- تفعيل الآلية التلقائية لدفع متأخرات البنك الدولى (1.23 بليون دولار) وبنك التنمية الأفريقي (370 مليون دولار)
*- تبقى متأخرات صندوق النقد الدولى (1.4 بليون دولار) والتي يتوجب دفعها لعدم وجود مثل هذه الآلية التلقائية كما في حالة البنك الدولى وبنك التنمية الأفريقى.

(5)
وفقاً لهذا السيناريو توقعت خارطة طريق موازنة 2020 عند تنفيذ جملة هذه الإجراءات أن تفتح أمام السودان آفاقاً رحبة مؤشراتها تستند على توقع تحقيق الإنجازات التالية كعائد مباشر للدخول في هذه البرنامج المراقب من قبل صندوق النقد الدولي وهي:
*-إعفاء أو تخفيض كبير للديون
*- الحصول على دعم مباشر للموازنة في شكل منحة من وكالة التنمية الدولية قد تصل إلى بليون دولار سنوياً بالنظر لعدد السكان
*- قروض ميسرة أخرى لمشاريع تنموية وبرامج
*- شراكات إستثمارية مع القطاع الخاص السوداني والأجنبي بواسطة مؤسسة التمويل الدولية التابع للبنك الدولى ورصيفتها الأفريقية التابع لبنك التنمية الأفريقي، الصناديق العربية ...إلخ

(6)
لا نريد إلقاء اللوم جُزافاً على الحكومة الانتقالية في تبني هذا المسار كخيار وحيد للإصلاح الاقتصادي، ونلتمس لها العذر في بادئ أمرها، وهي حديثة عهد بأمور الحكم ودون دربة كافية بشؤون السياسة الدولية ، وكيف تُدار اجندتها وراء الكواليس بمنطق المصالح المجردة من أية اعتبارات أخرى، فقد تكاثرت الوعود الدولية البراقة التي تعلن على رؤس الأشهاد دعمها اللامحدود لإنجاح الحكم المدني لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة، وتسابق كبار القادة في العواصم صاحبة القرار الدولي في بذل تعهدّات بالوقف إلى جانب السودان، وكذلك كبريات المنظمات الدولية، وقد ركن قادة الحكومة الانتقالية إلى هذا الدعم الدولي الموعود على نحو غير مسبوق، ولم يكن هناك ما يدعوهم للتشكيك في جدية هذه التعهدّات المبذولة، واعتبار الوفاء بها مسألة وقت لا أكثر، ولذلك كان طبيعياً أن تنحاز الحكومة السودانية، في ظل هذا الغطاء الدولي، إلى القبول بلا تردد في تبني مسار إصلاح اقتصادي مستجيب لمطالب "المجتمع الدولي".
ففي الاجتماع الرابع لمجموعة أصدقاء السودان الذي انعقد في واشنطن في أكتوبر 2019، بُعيد انعقاد الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، والذي كان أول اجتماع تشارك فيه الحكومة الانتقالية بعد بضعة أسابيع من تنصيبها ومثلها الدكتور إبراهيم البدوي وزير المالية والتخطيط الاقتصادي أنذاك، كان محور الاجتماع يدور حول "دعم الإصلاحات المخطط لها للاقتصاد السوداني"، وكيف يمكن للمجتمع الدولي "أن يدعم جهود الإصلاح الاقتصادي للحكومة الانتقالية بقيادة مدنية"، وتعهّدت المجموعة في ختام ذلك الاجتماع بدعم جملة مشاريع اقترحتها الحكومة "ذات أثر سريع". واتفقوا على تأسيس صندوق ائتماني متعدد المانحين لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي في السودان، وتقوية برامج شبكة الأمان الاجتماعي لتخيف أثر برنامج الإصلاح الاقتصاد الكلي على السودانيين الذين يعانون من الفقر المدقع. وإقامة مرتمر للمانحين أوائل العام 2020.
ودون الدخول في المزيد من التفاصيل أعادت الشركاء في مجموعة أصدقاء السودان التعهدات نفسها في اجتماعهم الخامس بالخرطوم في 11 ديسمبر 2020.

(7)
بناءاً على إعادة تأكيد هذه التعهدّات من قبل ممثلي المجتمع الدولي، دول ومنظمات، وعلى ألسنة شخصيات رفيعة، اعتبرت الحكومة أنها بذلك استلمت صكاً على بياض للانطلاق في مشروع إصلاح اقتصادي قائم على إلغاء الدعم وتحرير أسعار السلع والخدمات وإطلاق مرحلة جديد لاقتصاد السوق مدعوماً بإرادة سياسية دولية، ودعم اقتصادي ومالي لتنفيذ عملية الإصلاح المعروفة سلفاً بارتفاع كلفتها الاجتماعية.
لذلك لم يكن مستغرباً أن تتضمن تقديرات إيرادات مشروع موازنة 2020 الحصول على منح أجنبية بقيمة 323 مليار جنيه، تعادل قيمتها 5,9 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي البالغ حينها 55 جنيها، من بينها منح متوقعة من من "مجموعة أصدقاء السودان" بمبلغ 279 مليار جنيه، أي ما يُعادل نحو خمسة مليارات دولار، ومنح نقدية لمشروعات تنموية ب 44 مليار جنيه، أي حوالي 900 مليون دولار، وكانت النتيجة المباشرة لهذه التوقعات الكبيرة في تقدير عائدات الإيرادات أن صاحبها توسع كبير في المصروفات، نتج عنه العجز المهول في الموازنة، فاقمت من وطأته جائحة كورونا، وكانت النتيجة انهياراً تاماً لكل التوقعات التي تأسست عليها تقديرات الموازنة، إذا لم يتحقق من المنح الأجنبية المتوقعة سوى عشرة في المائة فقط، كما اثبت ذلك تقرير ميزانية العام 2020، وكان ذلك سبباً مباشراً في الإفراط في الاستدانة من البنك المركزي، خارج الضوابط القانونية، والإفراط في الطباعة وضخ سيولة كبيرة في الاقتصاد قادت لى انفجار تضخمي جامح، وانهيار منظومة سعر الصرف.

(8)
والأن وبعد مضي ستة أشهر من اعتماد البرنامج الحكومي للإصلاح الاقتصادي من قبل الصندوق في سبتمبر الماضي متأخراً لثلاثة أشهرعن الموعد الذي كانت اقترحته الخرطوم في مطلع يوليو المنصرم كبداية، ومع ذلك تأخرت الحكومة في تنفيذ المطلوبات التي تعهدّت بها في الاتفاق حتى ديسمبر برفع أسعار المحروقات والكهرباء، حيث كان من المفترض أن تبدأ ذلك في مطلع سبتمبر، فضلاً عن ترددها في إجراء خفض كبير في قيمة الجنيه منافس للسوق الموازي في مقابل العملات الأجنبية في التحريك الأخير لسعر الصرف قبل ثلاثة اسابيع.
جاء مردود المراجعة التي قام بها فريق الصندوق، وصدر بها بيان صحافي من المدير العام كريستالينا جورجيفاً، فهل اقتربنا حقاً من تحقيق الشروط المطلوبة للوصول إلى نقطة القرار للبدء في عملية تخفيف الديون الهدف الأساسي الذي سعت له الحكومة، مع العلم أن البرنامج تم تمديده حتى نهاية أغسطس المقبل مما يعني المزيد من التأخير في انتظر قرار الصندوق، وهل تملك البلاد في ظل هذه الأوضاع المتردية ترف الانتظار لمزيد من الوقت في ظل تفاقم تعقيدات الوضع الاقتصادي التي تحاصر معشر المواطنين؟

(9)
هناك جملة من الملاحظات يمكن الإشارة إليها على خلفية هذه المراجعة، أولها أن تكاثر سلسلة الإجراءات الحكومية القاسية التي ألقت المزيد من المعاناة على كاهل غالب المواطنين بزيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية في الأشهر الثلاث الأخيرة، بما في ذلك الخفض الكبيرفي قيمة سعر صرف الجنيه السوداني، لم تكن في واقع الأمر متصلة ببرنامح إصلاح اقتصادي محل توافق وطني، بقدر ما كانت في الواقع استجابة لضغوط عواصم القرار الدولي التي حبست تدفق أية معونات للسودان بتحسين سعر صرف الجنيه الرسمي، وللمفارقة كانت كانت هذه الجهات المانعة تطمع في تخفيض بحدود 173 جنيه، ولكن الكرم الحكومي الحاتمي منحها سقفاً أعلى بكثير لم تكن تحلم به بأكثر من الضعف أي 375 جنيهاً، وأيضاً في سياق استعجال لاستباق مراجعة الصندوق للنصف الأول من عمر برنامج الحكومة المراقب من موظفي الصندوق بغرض الحصول على تقدير إيجابي يسرّع من الوصول إلى نقطة اتخاذ القرار وبالتالي إطلاق عملية معالجة الديون تحت مبادرة هيبيك.

(10)
من الواضح أنه على الرغم من تنويه عابر في التصريح الصحافي للسيدة كريستالينا جورجيفا المدير العام للصندوق بهذا الشأن أشارت فيه إلى "إحراز السلطات السودانية تقدمًا ملموسًا نحو إنشاء سجل حافل بالسياسات وتنفيذ الإصلاح"، وهو مطلب رئيسي لتخفيف الديون في نهاية المطاف"، مشيرة إلى "توحيد سعر الصرف الأخير، وإلغاء دعم الوقود، والتدابير الضريبية المتخذة كجزء من ميزانية 2021، وزيادة تعرفة الكهرباء ستؤدي إلى تقليل التشوهات في الاقتصاد وتسهيل ضبط أوضاع المالية العامة". إلا أنها ما لبث أن سارعت إلى رسم صورة قاتمة لواقع الحال بقولها "إن الوضع الاقتصادي في السودان لا يزال هشا للغاية، مع انخفاض النمو وارتتفاع التضخم والموقف الخارجي الضعيف مما يشكل تهديدا لاستقرار الاقتصاد الكلي والحد من الفقر".

(11)
ولم تقف عند هذا الحد بل سارعت إلى وضع جملة شروط جديدة "للحفاظ على التقدم والوفاء بمتطلبات تخفيف عبء ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون سيكون من المهم إحراز تقدم مستدام في إطار البرنامج الخاضع لمراقبة موظفي الصندوق على مدى الأشهر المقبلة".
حيث رهنت تحقيق الهدف باتخاذ عدد من الإجراءات من بينها أنه "يجب أن تعزز مثل هذه الإجراءات استقلالية البنك المركزي عن طريق الحد من الهيمنة المالية، وتحفيز التدفقات المالية من خلال النظام المالي، وتقليل فرص أنشطة البحث عن الريع". وأضافت أنه "يجب على السلطات تنفيذ إصلاح سعر الصرف الجمركي في الوقت المناسب لزيادة الإيرادات والقدرة التنافسية، وتجنب العودة إلى تدابير السياسات المشوهة، بما في ذلك ممارسات تعدد سعر صرف العملات، وتقديم الدعم المالي".
وأعتبرت جورجيفا أن "تعزيز الشفافية وإدارة عمليات الشركات المملوكة للدولة يُعد أمرًا حيويًا للتخفيف من المخاطر المالية وتحقيق المزيد من الإيرادات في الميزانية" وهي إشارة واضحة حسب مراقبين إلى قضية إخضاع الأنشطة الاقتصادية للأجهزة النظامية وعلى رأسها منظومة الصناعات الدفاعية. وشدّدت على ضرورة "اعتماد قانون البنك المركزي في الوقت المناسب" في إشارة إلى شرط ضمان استقلاليته وإنهاء الهيمنة المالية.

(12)
من الواضح من خلال هذا السياق أن وصول الحكومة إلى الهدف الرئيسي بتحفيف الديون لن يكون متاحاً في وقت منظور، على الأقل بالنظر إلى طبيعة الأجراءات البيروقراطية المعقدة جداً لمؤسسات التمويل الدولية في معالجة الديون، حتى في حالة عدم وجود أية اشتراطات إضافية، وحتى مع توفر الغطاء السياسي الدولي، فالتعقيدات الفنية تجعل من هذه القضية عملية متطاولة قد تستغرق سنوت، وهو ما يعني انتفاء الحكمة من الإصرار على المضي قدماً في هذا المسار مع كل المؤشرات المؤكدة على أنه لن يكون ثمرة دانية قطوفها، وما يعني تواصل حالة المسغبة وضنك العيش التي ستضع المزيد من الأحمال على كاهل غالب المواطنين، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى تراكم عملية احتقان اجتماعي لن يكون ممكناً تخيل عمقها، ولا لحظة انفجارها، ولا مداها، فإذا اضفنا إلى الشروط الجديدة التي طرحها الصندوق فهذا يعني ببساطة الدخول في دوامة اشتراطات لن تنتهي.
لا أحد يدعو الحكومة إلى إلغاء هذ المسار بالضرورة، ولكن من الحكمة التحسب لمآلاته ويجب عليها التخلي عن التمسك الصنمي بها مخيار وحيد، وعليها البحث عن بدائل ممكنة، وعليها أن تدرك أن الصمت على فقدان الأمل في إصلاح اقتصادي حقيقي لن يطول، كما أن انتظار الحلول الخارجية لن تزيدها إلا وبالاً وقد لدغت من جحرها طوال العام المنصرم.

khalidtigani@gmail.com

 

آراء