ومضات عن الأغنية الكردفانية (6)
محمد التجاني عمر قش
21 May, 2022
21 May, 2022
يقول الأستاذ محمد عثمان الحلاج، الباحث في التراث الكردفاني، إن الأغنية الكردفانية تأثرت بعاملين إثنين هما "الخف والظلف" ويعني بذلك بيئة الأبالة في الشمال والغرب ومجتمع البقارة في الجنوب والجنوب الغربي. وقد تمثل هذا التأثير في الإيقاعات المتنوعة حيث يوجد إيقاع الجراري والهسيس والدلوكة والتوية لدى رعاة الإبل في دار الريح ومنطقة دار حمر، وهي إيقاعات مبنية على حركة البعير في سيره؛ ولذلك يوجد منها الإيقاع الخفيف والثقيل، إذا جاز التعبير. ومن المطربين الذين نشروا هذه الإيقاعات الأستاذ صديق عباس وعبد الرحمن عبد الله وأمبلينا السنوسي وفاطمة عيسى، وزينب خليفة وخديجة محمد، وغيرهم من مطربي ومطربات كردفان. كل هذه الضروب من الفن والإيقاعات والألحان يغلب عليها الأداء الجماعي الراقص، وفيما عدا الدلوكة فإن كل هذه الإيقاعات تعتمد على الحنجرة والأرجل والصفقة باليدين، أي لا تصاحبها في الأصل أي آلات أو أدوات موسيقية. ويقال إن الجراري وحده يشمل ست عشرة نوعاً من الإيقاع. وعندما لجأ المطربون إلى غناء تراث الجراري حافظوا على اللحن الأصلي بشكل عام مع إدخال بعض اللزمات الموسيقية وتعديلات طفيفة في النصوص الشعرية التراثية؛ حتى تناسب ذوق المتلقي من خارج المنطقة المعنية، ولعل هذا أحد الأسباب التي جعلت الأغنية الكردفانية تجد قبولاً واسعاً عندما نقلت عبر الإذاعة السودانية في برنامج ربوع السودان، ومن ثم شكلت رافداً مهماً للأغنية السودانية عموماً، وصار الغناء بإيقاع الجراري واحداً من الألحان الأكثر انتشاراً لدى المغنين الشباب حتى من خارج كردفان. من حيث الأصل، الأغاني في كردفان تؤدى في القرى والسهول والوديان والجبال والصحاري، وتعبر عن وتوثق لحياة الإنسان، وتتناول في نصوصها وصف الطبيعة والعلاقات العاطفية والإنسانية والحنين إلى الأحباب والديار، وتتحدث عن القيم الاجتماعية الراسخة مثل الشجاعة والمروءة والكرم وغيرها. كما نجد أن تلك الأغنيات ترتبط بمعيشة الناس من حيث الكلمات والعبارات البسيطة والمفردات العربية القحة، وإن كانت دارجة أو عامية. وإذا استخدمت بعض أدوات الموسيقية خاصة في الإيقاع نجد أنها في الغالب تتخذ من المواد المتوفرة في البيئة الجغرافية مثل الدلوكة والنقارة وهي تصنع من الجلد والفخار أو الخشب. ومن جانبه يقول الدكتور عوض إبراهيم عوض، الإعلامي المشهور، إن الأغنية الكردفانية نبعت من تراث المنطقة وبيئتها وتطورت من عدة جوانب فنية حتى صارت تقف على قدم وساق وتتميز بخصائص متفردة فهي تعبر عن أصالة الكردفانيين وذوقهم الفني والتراثي. ومن نماذج أغنية الجراري الكردفانية يمكن أن نقدم أغنية "دار أم بادر" التي شدا بها أكثر من مطرب: زارعنو في الخيران وساقينو بالتيران أسمك تقيل يا فلان ذي حنضل القيزان الليلة والليله دار أم بادر يا حليله زولاً سرب سربه وخطا الجبال غربا ناولوني لي شربه خلوني نقص دربا ومن نماذج أغنيات الجراري التي لاقت رواجاً منقطع النظير في الآونة الأخيرة أغنية أندريا: يا الزارعنك في الصّريف بسقيك بلا خريف كان ما الصبر تكليف من بيتكم ما بقيف أندريا حلاوة القرطاس الفي الخشيم تنماص كما كلام الناس برحل معاك خمّاس أندريا ومن أغاني الدلوكة الكردفانية نقدم أغنية كاسر يا جرو الخلا أب ساجور التي تغنى بها بابكر ود نوبة: لساني فيهو بقول كاسر يا جرو الخلا أب ساجور غني وشكري يا الصَفْرَة مستورة فوق تلب الخلا الغابتو محجورة يا مرض القلب الما بتخاف روبة نوسار للخصيم لامن يموت طوله غني وشكرنو يا التلات أخوات لا رجفت لحِمتو ولا لسانو لات السيف في يمينو بقدل على الدرقات الخزين أخوي ومقنع الكاشفات كاسر يا جرو الخلا أب ساجور هذه النماذج من إيقاع الجراري والدلوكة تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأغنية الكردفانية تحمل ملامح لا توجد في أغنية الوسط التي تعتبر امتداداً فنياً لأغنية الحقيبة التي برزت لحيز الوجود في مدينة أم ردمان أو العاصمة المثلثة عموماً في منتصف القرن الماضي وشكلت وجدان الشعب السوداني وظلت تؤثر على ذوقه الفني؛ لأنها انتشرت عبر ما كان متاحاً من أجهزة التسجيل الصوتي ومن إذاعة أم درمان على وجه الخصوص. ومع ذلك تعد الأغنية الكردفانية أحد أهم روافد الغناء السوداني حتى إن كثيراً من المطربين الشباب الآن بدأوا يتغنون بألحان كردفانية وبذات الإيقاعات المميزة ومن هؤلاء نانسي عجاج التي رددت أغنية أندريا، وهدى عربي التي غنت "السميحة القمرة" وأغنية "التلاتة نيسانات" لحسين الصادق وبعض أغنيات انصاف فتحي وشادن محمد حسين التراثية من إيقاع الجراري والمردوم. تتنوع الموسيقى أو الإيقاعات الشعبية بتنوع ثقافات السودان وتختلف من منطقة لأخرى. وفي واقع الأمر ترجع جذور الموسيقى السودانية إلى ما يعرف بأغنية الحقيبة ـ والتي ترجع بدورها إلى أناشيد المديح الدينية التي كانت منتشرة وسط الجماعات الصوفية منذ ممالك السودان في القرون الوسطى، وتستخدم فيها آلات موسيقية تقليدية مثل الطبول والدفوف والطار. وقد تأثرت الأغنية الكردفانية بكل هذه العوامل والظروف.
gush1981@hotmail.com
////////////////////
gush1981@hotmail.com
////////////////////