يداهمُك إحساسٌ بأنك أخطأتَ المكان

 


 

 

* تسأل نفسك عما إذا كان هذا هو السودان الذي تعرفه!
* ترانيم جنائزية تخيم على الشارع.. تدخل أحد المكاتب العامة.. الإستهانة بوجودك تبدأ من مكتب الاستقبال، حيث يداهمك إحساس بأنك أخطأت المكان.. وحين تستفسر عن حقٍّ طال أمد استحقاقه، يفاجئك إحساس آخر بأنك إنسان غير مرغوب فيه persona non grata.. لا أحد يريد الاصغاء إليك.. جميع الموظفين مشغولين بلا شيئية وجودهم على الكراسي.. وسلة المهملات تلتهم طلبات الجمهور بلا تدقيق.. والمراقب العام يراقب سفة التمباك، التي لفظها تواً، وهي في طريقها إلى قعر السلة غير مبالية بجيرانها من الأوراق التي سبقتها ألى هناك.. لقد تلاشى الإحساس بالآخر داخل السلة أيضاً، فمن الإنسان تتعلم الحيوانات والجمادات الكثير..
* وتجرجر أقدامك، في انكسار، إلى الشارع مثقلاً بالأسف على الدرك السحيق الذي رأيت الأشياء تهوى فيه.. وفي الطريق ترى الأنانية تنطلق من عقالها والمارة يتخبطون كمن مسَّه الشيطان في التو.. هؤلاء يشتجرون وأولئك يقتلعون ما تبقى من عمر بعضهم ويهربون إلى النسيان في ذمة التاريخ الموشح بدماء ضحاياهم.. وثمة دماء تجري ثرةً في شرايين أخرى سعيدة بلا توقف، إلا حين يفعل السكري والكولسترول فعلتهما، و"ذلك تقدير العزيز العليم..!"
* وفي أسواق السياسة، كما أسواق السلع والخدمات، يبيعونك الهواء المعبأ في أكياس من النايلون، تشتري بالجنية الذي اخترقه الدولار، فسقط ميتاً على الشارع الإسفلت..

* مسكين هو الجنيه، لم يأكل شيئاً منذ فاض البترول وأغرق مشروع الجزيرة والسكة حديد ومطار الخرطوم، ومسح هيئة الموانئ البحرية من على الخارطة.. وزرع الأوهام في فضاءات لم تبلغ مبلغ فضاءات هولندا، ولكنها أصيبت بالمرض الهولندي، فتضاعف عدد الغقراء في طرقات قرى ومدن السودان، فقراء يسيرون كما الموتى في مدن وقرى الأشباح..
* أَ وَ لم أقل لكم أن المسافةَ بين المنطق وبين البرهان والحركات البهلوانية مسافةٌ مغطاة بالوهم المدمر للإمكانات المتاحة؟
* ها أنتم تشاهدون ما قلتُ لكم.. تشاهدونه يحدث في كل بقاع السودان، بلا رتوش!

osmanabuasad@gmail.com
//////////////////////

 

آراء