غياب البشير .. فرصة التغيير
أنا شخصياً يهمني عدم انتخاب البشير مرة أخرى، ويهمني موقف الحزب الحاكم لنا- عنوة- من ترشيحه هذا، على الرغم من استبعادي لفرضية أن ينتصر المناوئون لترشّحه داخل مجلس شورى الحزب الحاكم. وكل هذا طبعاً مرتبط بقيام انتخابات في 2020 وهو الاحتمال الأقرب للتحقق حتى يوم الناس هذا، أما في حال حدوث انتفاضة أو مساومات فهذا سيكون شأن آخر، ولكني احتفى دائماً في هذا المقام- مقام التغيير والانتخابات- بالمقولة المنسوبة لعلي بن أبي طالب( أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً). إذاً وطالما أن الانتفاضة تتنكب الطريق، دعونا نعمل لدنيانا من خلال هذا المكتوب، فمن يهتم بالعمل العام والتغيير يجب أن يهتم أيضاً بهذه المسألة، فإهمالها ليس ثورية وعدم الاهتمام بها لن يغير النظام!
فالبعض يعتقد أن نقاش عدم ترشيح البشير يستبطن قبول ترشيح غيره من المؤتمر الوطني، هذه فرية بالتأكيد، بل هي استسهال للصراع السياسي! لقد كتب هذا المعنى من قبل دكتور يوسف الكودة محاولاً انتقاد من يرفضون ترشيح البشير، ولكني أعذره، لأن تجربته السياسية كمعارض لا تتعدى ظل لحيته الصغيرة، وصراعه مع الإنقاذ بدأ عندما بدأت تتلاشى وتصبح ثلة من المنتفعين وأهل المصالح، ولكني لا أعذر غيره ممن خاض الحرب السياسية منذ سطو الجبهة الإسلامية علي السلطة، ومن له موقف مبدئي من التيارات ذات الأيديولوجيا الإسلامية وله رؤية جدية في التغيير. هذا طبعاً لا يتوفر للكودة.
في ظني إن عدم ترشيح البشير يفتح الباب المغلق منذ سنين والقمقم الملقي في قاع ذاكرتنا المسكونة بالهزائم والأسف! فالبشير ليس شخص والسلام، بل منظومة داخل منظومة..البشير شبكة مصالح واسعة داخلياً وخارجياً وعلاقات (بيزنس) ممتدة من الأسرة والأهل والأصحاب والجيران...الخ. وتتصل هذه المنظومة بحبل سُري مع المنظومة الأكبر في الحزب والدولة، فترضع من ثديها وتنمو وتكبر كل يوم. غياب البشير عن المشهد السياسي يعني أن المنظومة تحتاج أن تحبل من جديد ولكنها حتماً ستضع مولوداً هش البنيان، ضعيف الكيان، يحتاج لزمن ليس بقصير كي يبني عضلات ويكوّن علاقات ويتعلم أسس الصراع.
ما يخيف البعض شيئان:
1- الإتيان بشخص جديد على سُدة السلطة سيجعل الكارثة تستمر وسيبدأ من جديد بالوعود والأكاذيب لنعيش عقوداً أخرى من العذابات والظلامات.
2- شخص جديد يعني أن المؤتمر الوطني سيخدع الداخل والخارج، بأن التغيير قد حدث، وبالتالي يُعاد اختراع العجلة وإنتاج الأزمة، ويستعيد المؤتمر الوطني عافيته ويستمر التمكين.
أما من يتبنون الدعوة لإهمال ترشيح البشير أو تبديله بآخر فهم:
1- إما عازمون وماضون نحو التغيير الجذري ويقومون بالترتيب له على قدم وساق
2- أو يرون إن خيار البشير أفضل من غيره، لأن غيره سيأتي جائعاً ويريد أن يشبع..!
في ظني إن تقييم الأمور بهذا الشكل فيه عدد من الأخطاء؛
إن العمل على التغيير في ظل وجود البشير أكثر صعوبة، فالرجل مسنود بأوجه عدة، فهو قد رسّخ أقدامه في السلطة وكسب خبرة كبيرة في الصراع السياسي، وينتمي لمؤسسة الجيش ذات الثقل العسكري والسياسي، ورأسماله الاجتماعي لا يُضاهى بمن هم حوله، ثم إنه أتى للسلطة في وقت كان تنظيمه قوياً، والداخل من حيرته يقبل بأي بديل( أو كما قال الشريف زين العابدين)، والخارج/العالم من حوله يفور ويمور ومشغول بسقوط المعسكر الاشتراكي والتغييرات التي أحدثها، وبحرب الخليج الأولى والثانية وما خلقته من زعزعة إقليمية، فهو قد وجد الملعب شبه خالي والمناخ مهيأ للإبحار في مهل ودون منغصات..
أما خليفته فسيجد العالم متربصاً والداخل متحفزاً والاقتصاد منهاراً، وفوق هذا وذاك لن يكون له رأسمال اجتماعي يذكر ولا علاقات يُعتد بها، ولن يكون بخبرة البشير في إدارة الصراعات داخل الحزب أو خارجه، ومع القوى الرافضة للنظام أو حزب النظام..
أما المؤتمر الوطني- حزب النظام- فبذرة فنائه غياب البشير، وإعلان نهايته في صراع البديل، فسؤال البديل الذي كان صعباً على المعارضة في يوم ما أو هكذا بدا ويبدو، يظل على الدوام سؤلاً صعباً على الحزب الحاكم، بل هو سؤال النهاية الأكيدة إن تمعّنا فيه.
خلاصة ما أريد قوله إن عدم ترشيح البشير هو أول عتبات التغيير، فهو يفتح الباب للعديدين الذين يرون أنهم أحق بالمنصب، وهذه فرصة أخرى لخلخلة بنيان النظام ومن ثم هده، كذلك فإن بديل البشير إن جاء إسلامياً فستكون الإطاحة به أسهل ما يكون، فجُل الناس في السودان سيريبهم ذلك بعد مرارة التجربة التي عاشوها وأساليب الغش والفساد التي ألفوها وكذبة الحكم بالدين والشريعة التي خبروا حجم الخدعة فيها؛ وكذا الاقليم من حولنا والعالم، فلن يقبل بمن يعيد البريق للإسلاميين الذين أصبحوا متهمين حتى قبل أن يقولوا بسم الله! أما إن جاء من غير الإسلاميين فسيزيد التناحر والصراع داخل النظام، وسيحاول بناء مشروعه الخاص الذي سيكون حتماً فوق رفات مشروع الإنقاذ. هذه نجدها نقطة ضعف في أي قادم جديد، لأن الأيديولوجيا لها سلطانها و انعدامها سيفقد صاحبها مميزات عديدة أولها عدم دعم التنظيم العالمي للإخوان وعدم تعاطف بقايا الجبهة الإسلامية المتناثرة بين قنوات وثنايا الدولة معه، فهم لا يريدون رؤية أشواقهم تذهب أدراج الرياح، ولا يريدون لما بنوه- أو بالأصح هدموه- خلال ثلاثة عقود أن يصبح عرضة للضياع منهم بعد أن وجدوا في السودان أرض ميعادهم!
أهذا رأينا في هذه القضية، أما من له رأي آخر غير هذا فلن يضيره إن ترشّح البشير أو النذير وكله سيعتبره (صابون)، وحينها فليلقي عصاه وسيجدنا من الصابرين، ومن ثمّ عليه يسهّل وعلينا يسهّل، وما أُحيلاها من حياة إن نجح في لقف ما ألقيناه من إفك!
ملحوظة: خطابي هذا ليس (بمبان) في وجه من يريد التغيير عبر الثورة الجماهيرية، وليس صك قبول بالوصول ل2020 دون إسقاط النظام، ولا يخلق متاريساً أمام بوابات القصر الجمهوري.. هذا للعلم والاحتراز