جواز الترحم على اليهود والنصارى والصابئه
لاحظت كثيرا اثناء تصفحى (للفيس) انه اذا كان لديك صديق مسيحى او اياً كانت ملته ولديه بوست ينعى فيه قريبه او صديقه وجاملته او تضامنت معه بكلمة المواساة المشهورة عندنا (له الرحمة) فسرعان ما تجد اعتراضاً من عدة اشخاص بانه لا يجوز طلب الرحمة لغير المسلم ، هذه الجفوة والغلظة التى لا تشبه ديننا كان لابد من الوقوف عندها لتصحيح هذا الفهم الخاطىء لدى الغالبيه العظمى من المسلمين .
ويمتنع كثير من المسلمين عن الترحم على قتلى الكواراث الطبيعيه وغيرها من اهل الملل الاخرى معتقدين انه منهج الاسلام الصحيح فى فهم مغلوط لرسالة يفترض انها بعثت يالرحمة للعالمين وكثيرا ما ينال احدنا عبر مواقع التواصل الاجتماعى السب والشتم والرمى بالجهل لكونك ترحمت على هؤلاء الضحايا من اخوانك من بنى البشر .
والمانعين من الاستغفار لغير المسلم لهم ادلتهم ونوردها باختصار ، قال تعالى فى سورة التوبه (113 ) ( ما كان للنبى والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولى قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم وما كان استغفار ابراهيم لابيه الا عن موعدة وعدها اياه فلما تبين له انه عدو الله تبرأ منه ان ابراهيم لاواه حليم ) ( 114 ) وهذه الاية الكريمة نزلت كما فى البخارى نزلت فى حق ابو طالب عم النبى ( ص ) ومما يلاحظه المفسرون فيها انها مقيدة بقوله سبحانه مرتين ( من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم ) وقوله ( فلما تبين له انه عدو الله تبرأ منه ) بمعنى ان الايات تدل على جواز ذلك وان الاصل هو الاستغفار الا اذا تبين عيناً انه من اصحاب الجحيم كفرعون وهامان وكالسفاحين والطغاة المجرمين . ايضاً نجد ان ابراهيم وعيسى يستغفرون لمن كفر بهم قول ابراهيم عليه السلام ( رب انهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعنى فانه منى ومن عصانى فانك غفور رحيم ) ابراهيم (36 ) وقول المسيح (فان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم ) وسيدنا محمد بكى حتى اعطى الشفاعه يوم القيامه للخاطئين من امته ورفض ان ينطبق الاخشبين ( الجبيلين ) على قريش رغم الايذاء له .
هذا وقد جوز بعض الفقهاء تعزية غير المسلم لانها تدخل فى عموم البر فى قوله تعالى ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين ) ( الممتحنه 8 ) ويمكن ان يستعمل المعزى الفاظ مثل عوضكم الله خيرا او جبر مصيبتكم او احسن اليكم اما الدعاء لغير المسلم بالرحمة او بالمغفرة فلا يسمح اما من قتل من غير المسلمين فلا يجوز تسميته بالشهيد ويمكن ان نطلق عليه مناضل او مقاوم ان معظم الفقهاء يقولون بانه لا يجوز الدعاء والترحم على الكفرة من يهود ونصارى وغيرهم ( ما كان للنبى والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولى قربى من بعد ما تبين لهم انهم من اصحاب الجحيم ) ( التوبه 113 ) ولكن بعض المعاصرين ادعوا ان الترحم غير الاستغفار وقد نهينا عن الاستغفار ولم ننه عن الترحم عليهم . ان من اسماء الله ( الرحمن ) حيث فسر بذى الرحمة العامة والشاملة ، ايضاً قوله تعالى ( ورحمتى وسعت كل شيىء ) وكذلك قوله تعالى ( اهم يقسمون رحمة ربك ) .
ولكن يجدر بنا ان نعرف من هو المسلم !!!
( ان الدين عند الله هو الاسلام ) ( ال عمران 19 ) وكان المسلمون على كل العهود ، نوح ، ابراهيم ، لوط ، يعقوب ، عيسى ، محمد كما وضح القران الكريم . ويفصل د . محمد شحرور فى ذلك ويذكر الاتى:
1 / على عهد نوح ( واتل عليهم نبأ نوح اذ قال لقومه ياقوم ان كان كبر عليكم مقامى وتذكيرى بايآت الله فعلى الله توكلت فاجمعوا امركم وشركاءكم ثم لا يكون امركم عليكم غمة ثم اقضوا الى ولا تنظرون فأن توليتم فما سالتكم من اجر ان اجرى الا على الله وامرت ان اكون اول المسلمين ) ( يونس 71 -72 ) .
2 / على عهد ابراهيم ولوط
ابراهيم ( ما كان ابراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين ) ( ال عمران 67 )
لوط : ( فاخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) ( الذاريات 35 – 36 )
3 / على عهد يعقوب ( ام كنتم شهداء اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الها واحدا ونحن له مسلمون ) ( البقره 133 )
4 : على عهد يوسف ( رب قد اتيتنى من الملك وعلمتنى من تاويل الاحاديث فاطر السموات والارض انت وليى فى الدنيا والاخره توفنى مسلما والحقنى بالصالحين ) ( يوسف 101 )
5 : على عهد موسى وسحرة فرعون
سحرة فرعون : ( وما تنقم منا الا ان امنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا افرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ) ( الاعراف 126 )
فرعون : ( وجاوزنا ببنى اسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى اذا ادركه الغرق قال امنت انه لا اله الا الذى امنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين ) ( يونس 90 )
6 / على عهد عيسى : الحواريون ( فلما احس عيسى منهم الكفر قال من انصارى الى الله قال الحواريون نحن انصار الله امنا بالله واشهد باننا مسلمون ) ( ال عمران 52 )
7 / على عهد محمد ( ص )
( قل انما يوحى الى انما الهكم اله واحد فهل انتم مسلمون ) ( الانبياء 108 )
( قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قواوا اسلمنا ولما يدخل الايمان فى قلوبكم ) ( الحجرات 14 )
( وعسى ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات .... ) ( التحريم 5 )
ان صفة الاسلام كانت تطلق قبل البعثة المحمديه بزمن بعيد جدا ابتداء من نوح مرورا بكل الرسل وكل الرسل جاءوا بدين واحد هو دين التوحيد الله خالق كل شيى وكل هؤلاء الرسل كانوا مسلمين وكل من اتبعهم يعد مسلما عند الله عز وجل .
ان معنى الاسلام جاء فى قوله تعالى ( ومن احسن قولا ممن دعا الله وعمل صالحا وقال اننى من المسلمين ) ( فصلت 33 ) وقال ايضا ( قل انما يوحى الى انما الهكم اله واحد فهل انتم مسلمون ) ( الانبياء 108 ) وقال تعالى ( قال امنت انه لا اله الا الذى امنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين ) ( يونس 90 ) وقال تعالى ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك ) ( البقره 128 ) . ومن سياق هذه الايات نفهم بمعنى لا يدعو للشك ان الاسلام هو الايمان تسليما بوجود الله و باليوم الاخر مع اقتران هذا التسليم بالعمل الصالح اى ان كل من يؤمن بالله واليوم الاخر ويعمل صالحا يعد مسلما حسب وصف كتاب الله عز وجل له ( ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ( البقره 62 ) ونجد انطلاقا من هذه الايه انها عندما ذكرت اتباع محمد وصفتهم بانهم هم ( الذيت امنوا ) واتباع موسى ( الذين هادوا ) وانصار عيسى هم ( النصارى ) واهل الملل الاخرى كالمجوسيه والبوذيه وغيرهم على انهم ( الصابئون ) وجعلت هناك قاسما مشتركا بجمع بين هؤلاء جميعا على اختلاف مللهم الا وهو ان كل من امن منهم بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فله اجره عند ربه دون ان يبخسه حقه ، وهنا نتاكد بان الاسلام بمعناه العام يحتضن كل الملل الدينيه التى يلتزم اصحابها بالايمان بالله واليوم الاخر والعمل الصالح وهذا يتوافق ما قلناه سابقا بان دين الله واحد وهو الاسلام وان الاختلاف بين الناس ينشأ من اختلاف الملل وعلى هذا الاساس فان كل من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا يعد مسلما سواء كان من اتباع محمد (ص ) او كان يهوديا او مسيحيا او غيرها من الملل الاخرى . اما الشرك فهو محرم على المسلمين لان فيه انقاصاً لعظمة الله وقلة احترام لمكانته العليا ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ) ( النساء 36 ) ( ان الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له اليه ترجعون ) ( العنكبوت 17 ) . ( ان اذين تدعون من دون الله عباد امثالكم فادعوهم فلستجيبوا لكم ان كنتم صادقين ) ( الاعراف 194 ) . ( وما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما نزل الله بها من سلطان ان الحكم الا لله امر ان لا تعبدوا الا اياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون ) ( يوسف 40 ) .
واخيرا وكما ذكر الاستاذ عبد الحكيم عثمان ان علينا ان نترحم على اى انسان منصف مسالم يدعو للخير والى الصلاح مهما كانت ديانته لان الاسلام دعا الى البر والاصلاح والصلاح وعمل الخير وان الله سبحانه وتعالى لم ينهانا ان نبر ونعدل وننصف من لا يعدينا لقوله تعالى ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين )
عصمت عبد الجبار التربى
esmaturabi55@gmail.com