الطراز المنقوش: بارا الكبرى وجنجويد احمد هارون
abdullahi.gallab@asu.edu
من اي من مداخلها الكبرى اتيت اليها استقبلك نفح فواح يعبق من رائحة الخضر والليمون والماء والتراب. نفح يبعث الراحة في النفوس. ويودعك بذات النفح الطيب وانت خارج منها. تلك هي سواقي بارا التي ظلت هي الجليس الطيب الذي ظل يحذي المدينة واهلها والقادمين اليها على مدى العصور والايام بذات الاريج. غير ان هذا الجليس الطيب ليس هو فقط ذلك النفح الذي ياتي في الصباح وفِي المساء ليُعطى المدينة احد مميزاتها التي يتجاوب معها الشجر وترتاح لها نفوس الانسان والحيوان والطيور. وانما هو اكبر وأعظم من ذلك. هو بعض من كل وجوه ذلك الطراز المنقوش الذي هو اقدم من التاريخ واكبر من الجغرافيا والذي هو أساس التجربة الانسانية الكبرى التى اكتمل بها التداخل والتكامل بين جوهر تلك العلاقة الانسانية المتميزة بين فصيل من السودانيين صنعوا من فيض تعاملهم مع بعضهم البعض وتبادلهم للمصالح العامة والخاصة نسيجا انسانيا يضاف الي ما كيف ظلت تقوم عليه البناءات الانسانية الكبرى التي هي سدى ومعنى السودان في الماضي وفي الحاضر الذي ظل يتهدده مشروع الاسلامويين الذي اخرج به جنوب البلاد من منظومة السودان بمثل ما اخرج ايضا ما تبقى من السودان من منظومة السودان وقدم عمر البشير واحمد هارون للمحكمة الدولية جزاءا وفاقا بما صنعت أيديهم.
لنا ان نتامل كيف صنع ذلك الفصيل من السودانين ذلك الطراز المنقوش الذي تألفت فيه الزراعة المطرية مع الزراعة المروية. اذ في قلب ذلك الفضاء الواسع استطاع إنسان تلك المنطقة ان يطوع الساقية من شكلها التقليدي في الشمال ويحولها الى ابتكار جديد يتوام وطبيعة المكان واحتياجات الانسان . فاستعمل الجمل بديلا للثور والقادوس المصنوع من الحديد بدلا من ذلك المصنوع من الطين ووسع دائرة البئر لتستوعب حركة الساقية بدلا من الجروف وغير ذلك من ابتكارات. وبذلك تمددت السواقي من بارا الى البشيري والرغاى وابودلم والحمرة وما يسمى بالخيران ليكون ذلك قلب تلك المنطقة وعمودها الفقري. لقد اعطت "الوابورات" الزراعة المروية قيمة اضافية. من كل ذلك أخذت بارا الصغرى حجمها ودورها كقلب لبارا الكبرى: ملتقى للطرق والمصالح والتداخل بين الأعراق والأنساب. وبمقدار تطور بارا الصغرى تطورت بارا الكبرى لتصبح مساحة للزراعة المطرية والحفاظ على مزارع الصمغ العربي او ما يسمونه "بالجنين" وساهم استخلاص نوعا خاصا من الملح من اجل نماء الحيوان. بذلك دخلت بارا الكبرى بفيض عبقرية إنسانها واقتصادياتها كعنصر مساهم في بناء السودان على مدى العصور. واكتسبت المنطقة استقرارا وسلاما اجتماعياً ساهم في مزيد من التداخل بين الأعراق الامر الذي جعل الدخول في مجتمع بارا الصغرى سهلا كما جعل الخروج من ذلك و الدخول الى اي من مجتمعات بارا الكبرى متناغما مع طبيعة ذلك السلام الاجتماعي الذي هو من صنع ذلك الفصيل السوداني. لذلك فان بارا الكبرى ليست قبائل تتفاخر على بعضها البعض ويتقاسم باسمها من ينصبون أنفسهم بتمثيلها ولم ينتخبهم احد ذلك النهج الذي يقوم عليه مشروع الاسلامويين وإنما نسجت تلك العلاقة طرازا انسانيا منقوشا ايضا يسعد الانسان تنوعه وانسجام ألوانه لترسم لوحة انسانية متناسقة اللون سليمة الطوية والوجدان.
لذلك فان مشروع احمد هارون في بارا اليوم والذي أتى بالات الهدم لا يقل خطرا عن مشروع الرجل الذي خاض فيه في دارفور وسعى فيه متعمدا الى تفكيك النسيج الاجتماعي والذي قاده الى المحكمة الدولية. فهو من جهة وبمثل ذلك المشروع تتحول بارا الصغرى الى جماعات متحاربة من جراء النتائج الوخيمة التي ستنتج عن هذا المشروع الذي سيساق فيه الناس عنفا الى الفقر وهجر سواقيهم ومصادر أرزاقهم ومن ثم ترك موطنهم الى مناطق اخرى لاياتي هو للمنطقة بجنجويد اخر هو جنجويد احمد هارون من اجل السيطرة الكاملة لشامل مقدرات المنطقة بالعنف. وفي نهاية الامر يتفكك ما صنعه الآباء والأجداد من زمان طويل.
يا اهلنا في السودان الكبير ويا اهلنا في كل مكان هذه قضية قومية نرفعها
لكم حتى لا تتكرر ماساة دارفور على أيدي مجرمي دارفور. نضعها
في ايديكم قبل فوات الأوان. النجدة.