* في أحدى نشرات الأخبار التلفزيونية ظهرت أمرأة ورجل في كامل أناقتهما، لتبادل تلاوة أخبار تلك القناة الفضائية، فأومأ الرجل للمرأة بأن تبدأ هي، إلا أنها وبكامل أناقتها وهيبتها والسرور الذى كان يملأ حياتها وخياشيمها ردت عليه قائلة:ـ
: الرجال قوامون على النساء!. فالتقط هو وبكل زهو ومفاخرة الحديث وبدأ بث الأخبار!. حينها طافت بخيالي المفاهيم غير المكتملة التي وصلت إليها مجتمعاتنا وهي تتلقى قدراً من عدم نضج لتلك المفاهيم في عقول حتى أولئك الذين يقدمون أنفسهم كقادة للرأي والإعلام في المجتمع، بحكم سيادة عدد واسع من هيئات ومنظمات ومؤسسات تنسب نفسها للاسلام وتقدمه من وجهة نظرها الشخصية دون السماح بالاعتراض أو تصحيح مفاهيمها نحو ما جانب حقائق الأشياء وفارق منطق الكون وخطاب المجتمعات الاسلامية السوية!. * تكونت هيئة علماء السودان عام 1999 وقالت أنها امتداد " لمشيخة العلماء الأولى في بدايات القرن العشرين على أيادي علماء أفذاذ" وتشير في ديباجة تأسيسها المنشور على موقعها بالانترنت، أن من أهداف إعادة التأسيس، هو " توحيد جهودهم لمناصرة قضايا الإسلام والتحديات الحضارية، ومنها قضية تطبيق الشريعة الإسلامية "..." وضمن أهداف التأسيس أشارت الديباجة أيضاً إلى "ضرورة المزاوجة بين العلوم الشرعية والعلوم الكونية والعلوم الإنسانية"، وقد كان ذلك منذ فترة الثمانينات من القرن الماضي، حتى تضافرت هذه الجهود فنتج عنها ميلاد هيئة علماء السودان بشكلها الحالي. وتشير ديباجة التأسيس أيضاً إلى اجتماع حاشد كان بمثابة جمعية عمومية خاطبها رئيس الجمهورية وعدد من الضيوف خارج البلاد كان " على رأسهم الشيخ الدكتور / يوسف القرضاوي"!. وقد أشارت الديباجة إلى أن هذا الاجتماع التأسيسي انتخب رئيس وأمين الهيئة إلى جانب أعضاء هيئة مجلس علماء السودان، والذين كان عددهم أكثر من خمسمائة عضو. كما أن الهيئة عضو مؤسس في "الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين". * توجد جملة معطيات تتعلق بهذه الهيئة، وخلفياتها وأهدافها وكيفية تأسيسها والعضوية التي نشطت وساهمت في ذلك وكيفية الاختيار والانتخاب لمجلسها ورئاستها، وما إن كان هناك إجماع حولها من مجموع مسلمي أهل السودان المتبقين!. * فإذا ركزنا نظرة فاحصة على الشخصيات التي تضمها الهيئة بما فيها الرئيس والأمين العام، نجد أن جل تخصصات أعضاء هذه الهيئة ليست سوى تخصصات في حدود الشريعة وقضايا الاسلام والعلوم الشرعية والدراسات الإسلامية لأبحاث الإيمان، وقد تم تطعيمها بأفراد ومؤسسات وحشود كبيرة من أئمة المساجد بالعاصمة وبعض الأقاليم وتمثيل لبعض عضوية المنظمات والتي هي في أصلها سياسية التوجه كالمركز النسائي الإسلامي العالمي. وجمعية القرآن الكريم المركزية وجمعية حوار الأديان ومجلس التعايش الديني بالسودان ومجمع الفقه الاسلامي ،، وربيع عبد العاطي!. * وعند الفحص نلاحظ أنه ورغم أن تخصصات جل عضويتها جد عظيمة ومطلوبة، إلا أن تكوينها يشوبه إشكاليات وينقصه معادل آخر!، لأنه ورغم الاشارت المتعددة في الأهداف التي وردت بديباجة تأسيسها من نواح وضرورات " المزاوجة بين العلوم الشرعية والعلوم الكونية والعلوم الإنسانية"، فإننا لا نكاد نرى ولو عضو واحد له تخصصات متعلقة بتلك العلوم الكونية والانسانية المشار إليها. هذا على الرغم من أن البلاد تزخر عن حق بحملة الشهادات والتخصصات القيمة في هذا الجانب، أطباء في مختلف ضروب التخصصات، قانونيون رفيعو الدرجات من الذين تمتلئ بهم مقاعد الهيئات العدلية الدولية، أساتذة جامعات ومعلمون في مختلف مراحل التعليم ببلادنا، نساء ورجال متوزعون على كافة ضروب الفنون والثقافة والابداع في الاعلام والصحافة والموسيقى والسينما والتلفزيون والمسرح، أهل معرفة ودراية بقضايا النوع والجنس والمرأة والطفولة والتربية، حتى علوم الاتصال والفضاء!. * وهكذا نود أن نخلص إلى أننا سنجد بأن جل العضوية إن لم تكون بكاملها ضمن تنظيم سياسي بعينه، وهو تنظيم الأخوان المسلمين بتسمياته المتعددة منذ تأسيس الجماعة بالسودان، (الأخوان المسلمون، جبهة الميثاق الاسلامي، الاتجاه الاسلامي، الجبهة القومية الاسلامية، المؤتمر الوطني، وما تفرع وتفرخ منه من متواليات سياسية تنظيمية). بحيث يندر أن نجد أعضاء لا ينتمون تاريخياً لهذا التنظيم السياسي أو ضمن المشايعين له ولبرنامجه الفكري والسياسي.وعليه نستطيع الحكم على هذه الهيئة وبإطمئنان دونما أي مغالطات، بأنها سياسية التوجه ولا تخدم في واقع الأمر سوى أهداف وتوجهات ومطموحات تنظيمات الاسلاميين بما فيهم التنظيم الرئيسي الذي تفرخوا منه. * ولا يختلف إثنان حول أيلولة هذه الهيئة لتنظيم الاسلاميين السياسيين، حيث تبرز جملة من الاشارات التي تؤكد ذلك:ـ * الاشارة الأولى نبحث عنها في الديباجة التي تشير بأن الجهود حول تأسيس هذه الهيئة قد تمت منذ ثمانينات القرن الماضي، وهي في الحقيقة تلك الفترة التي تم فيها تطبيق ما يسمى بقوانين الشريعة الاسلامية، ثانياً فإن مخاطبة الدكتور يوسف القرضاوي تحديداً، تأتي مقدمة للاشارات بأنها هيئة أخوانية خالصة، وأما عضويتها كمؤسس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فإن ذلك يضفي عليها صلة أعمق بارتباطها بهذا التنظيم الأخواني النشأة!. وضمن الأدلة والبراهين ما يتعلق بالسعي لتطبيق الشريعة الاسلامية في أهداف الهيئة، وهو أمر عليه خلاف عميق في المجتمع السوداني، وبسببه اندلعت حروب وانقسمت الأمة الاسلامية نفسها في المجتمع السوداني، وما يزال الناس يختصمون حول ما أن يجب تطبيقها أم الابتعاد بالمجتمعات الاسلامية للسودانيين عن ما يفرق، يأتي هؤلاء وبالانابة عن جميع مسلمي السودان متحدثين عن أهداف تطبيقها ،، هكذا!، وهناك دليل آخر أكثر قوة يشير إلى أن هذه الهيئة هي مؤسسة رسمية تتبع لولاء الانقاذ ويتم تمويلها من خزينة الدولة العامة، حيث ورغم أنشطة المتعددة لها من نواحي تنظيم المؤتمرات والندوات والسفريات الخارجية لعضويتها إضافة للنثريات والمخصصات التي ولابد أن تصرف لعضوية هيئة كهذه، إلا أننا لا نجد أي إشارة لبند المالية، فلا بيان النشأة أو منفيستو التأسيس يشيران، لا من قريب أو بعيد للمالية أو كيفية تدبير أمور مالية تتعلق بالصرف على مثل هذه الهيئة!. حيث السؤال يظل قائماً، وهو من أين تدبر الهيئة أمور ماليتها ومن أي بنود يا ترى ،، إن لم يكن من خزينة البلاد ودافعي الضرائب؟!. * من أين جائت هيئة علماء السودان ،، من أين جاء هؤلاء؟!. * جملة معطيات تتعلق بهذه الهيئة، وخلفياتها وأهدافها وكيفية تأسيسها والعضوية التي نشطت وساهمت في ذلك وكيفية الاختيار والانتخاب لمجلسها ورئاستها، وما إن كان هناك إجماع حولها من مجموع مسلمي أهل السودان المتبقين، ونخلص إلى أنها لا تعدو سوى أن تكون إحدى الشعب التنظيمية لحزب المؤتمر الوطني وأنه ليس هناك إجماع حولها بل فرضت فرضاً وقسراً. * عليه:ـ * لا سلطان يفرض بواسطتة هذه الهيئة على بقية مسلمي أهل السودان، وإن هي غير ملزمة إلا لعضوية تنظيمها الذي أنشأها، لا أكثر ولا أقل!. * حيث لا يمكن أن يكون لتنظيم سياسيى غير مجمع عليه الحق في فرض توجهات هيئة من هيئاته على كافة جماهير شعبنا بمسلميه وأصحاب دياناته الأخرى، هيئة ليست سوى شعبة تنظيمية في واقع الأمر ضمن شعبه المتعددة داخل التنظيم، تماماً كالاتحاد العام للطلاب السودانيين والاتحاد العام للشباب الوطني والاتحاد العام للمرأة السودانية، وضف تلك التنظيمات السياسية الأخرى لهم كالمركز النسائي الإسلامي العالمي. وجمعية القرآن الكريم المركزية وجمعية حوار الأديان ومجلس التعايش الديني بالسودان، ثم كل من جامعة أفريقيا العالمية والحركة الاسلامية السودانية، والأخيرة غير مسجلة في الأساس لدى أي هيئة متخصصة في منح رخصة العمل الفكري كما هو معمول به بصرامة لدى النظام الحاكم،، وذلك حسب علمنا،، للمعلومية!. * وضمن الملاحظات الكثيرة حول أصل وفصل هيئة علماء السودان، نجد تداخلاً غير مستقيم لعضويتها، حيث أن أشهر أعضائها وهما كل من السيدين عبد الحي يوسف ومحمد عبد الكريم، يقودان هيئة أخرى مستقلة باسم "الرابطة الشرعية، للعلماء والدعاة" وهي الرابطة التي أصدرت فتاوى دينية بالتكفير ضد شخصيات عامة وتنظيمات سياسية كان من بينها الحزب الشيوعي السوداني!. علماً بأن الجهات المعنية رفضت تسجيل الرابطة الشرعية للعلماء، كهيئة دينية، لدى وزارة الشئون الدينية!. * وعليه نود ألا نكون لحوحين، في إصرارنا، على تكرار مجموعة أسئلة، ظللنا نطرحها، دون تلقي إجابات شافية وهي: + ماهي الأسس والضوابط، التي تم ويتم بها، تأسيس وإنشاء روابط، وهيئات دينية، كالرابطة الشرعية للعلماء، وهيئة علماء السودان، وهلم جرا + ما هي شروط الانضمام، لقيادتها، بمعنى، كيف يتم تحديد علمية فقه هذا الشخص، عن ذاك الآخر غير المؤهل، لحمل هذه الألقاب؟!. + التأهيل للانتساب، ومنح العضوية كيف يتم.. بالتعيين أم بالانتخاب، فإن كان بالتعيين، من هي الجهة، المنوط بها ذلك، وإن كان بالانتخاب، فما هي الكليات الانتخابية، التي ترشح؟!. + هل لأي جماعة مسلمة، حق تكوين، مثل هذه الجمعيات، والهيئات والروابط، التي تطلق ما شاء لها، من فتاوى تكفيرية، وغيرها، هكذا، دونما ضوابط، أو أسس منظمة؟!. + وبذلك، ماذا سيكون الأمر، عندها يا ترى، لو أن جماعة دينية، كهيئة شئون الأنصار، قد كونت مجلساً للإفتاء، تابعاً لها، وقامت بتكفير، الجماعة الدينية الأخرى، التي طعنت، في الأهلية الدينية، للإمام الصادق المهدي وشككت في إسلامه في فترة ما؟!، ، والأمر ينسحب على حزب المؤتمر الشعبي، رداً على تكفير زعيمه، الدكتور الراحل حسن الترابي، وبالمثل جميع المنظمات العاملة في حقول التصدي لانتهاكات حقوق النساء والاعتداء عليهن كمبادرة لا لقهر النساء مثلاً، أولا يجوز لهن تشكيل مجلس إفتاء تابع لها لمهمة التصدي لمن يكفر وينشز؟، أومجلس مسلمي الجنوب مثلاً، التابع للحركة الشعبية، في مواجهة، من يكفرون الحركة قبل الانفصال؟!، أو حزب المؤتمر السوداني؟ أو الاتحادي الديمقراطي؟ أو حتى أندية الهلال والمريخ والموردة .. وقس على ذلك!. * إن هيئة عامة لعموم أمة محمد بالسودان، هي عن حق مطلوبة، ولكن ضمن شروط لابد من أن تكون حساسة، فهي في حوجة لاجماع كامل حولها وحول أهدافها لتكون متكاملة مع ما يسعى إليه أهل هذه البلاد من حيث ديمقراطية وتعددية الحياة العامة والحريات الأساسية للفرد والجماعة وصون حقوق الانسان، وضد جميع أشكال إنتهاكات النساء والفتيات والأطفال، واستقلال القضاء واحترام الحقوق والقوانين الواردة في مواد المنظمات والهيئات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان الدولية والعدلية، وإعلاء لقيم الانسانية والحضارة بكل ما تشمله هذه المعاني. ولتعضيد أواصر الاحتكام للحوارات الموضوعية، دونما شطط، أو استباق لحسم الجدل، في الخلافات الفكرية عن طريق الاعلام ومايكرفونات المساجد!، ولأهمية التصدي لفتاوى التكفير وأفكارها، التي تستبق كل الدعوات، للجدل الرصين من الجانب الآخر، ولما تمثله أفكار التكفير، التي أصبحت تترى في الفترة الأخيرة، لما تمثله من خطورة حقيقية، ترفع من وتائر، التوتر الاجتماعي والسياسي، وتحاصر به واقعاً، هو في الأصل معقد، كواقع السودان حالياً، وعلى مجتمع تتشابك فيه المشاكل الشائكة، كتشابك الغابات الكثيفة، في مناطق السافنا!، والتي تحتاج لمعالجات موضوعية رصينة، بمسئولية وطنية، ووعي رشيد، يشحذ الهمم، و(يجأر) بالنصح (في الساعة الخامسة والعشرين) من بين أخاديد ومنعرجات اللوى .. لو نستطيع النصح جميعاً قبل ضحى غده!. * فكيف بالله علينا أن يستغفلنا تنظيم سياسي ليفرض علينا واقعاً لم نختاره لهيئات تابعة له لم نشارك في اختيارها بالانتخاب كان أم بالتعيين، وتدعي الاسلام وعلينا أن نرتهن لنظرتها ورؤاها من بين جميع وجهات النظر الاسلامية الأخرى والمتعددة في مجتمعنا الاسلامي، والناس لهم وجهة نظر في وجهة نظر تلك الهيئة وأهليتها التي ترى بها الموجبات الشرعية الاسلامية!. * هذا طريق خطر في واقع الحياة الفكرية والسياسية السودانية، وما جلبته التداعيات، من تعاسة، وما خلفته من نتائج، ساهمت في فرملة عجلة تقدم البلاد، نحو المستقبل المزهر، للوطن والجماهير. * كل هذا يكفي عن جد!. ـــــــــــ * نشرت بصحيفة الميدان.