براءة ولي العهد السعودي من دم خاشوقجي
alshiglini@gmail.com
براءة ولي العهد السعودي من دم خاشوقجي
ظللنا نسمع الكثير من الاتهامات تجاه ولي العهد السعودي. والعديد من التسريبات الاستخبارية للصحف ووكالات الأنباء. كلها تقفز إلى اتهام ولي العهد السعودي، دون قرائن أو مبررات مُقنعة. فقط نسمع أنه يستحيل أن تتم هذه العملية البشعة دون علمه !. وذلك هو الوتر الحساس الذي تقبض عليه أجهزة الإعلام، وأجهزة الصحافة القاصدة، ويُبررون ذلك بأنه الرجل الأول في المملكة. والجميع ينسون الأجهزة الاستخبارية صاحبة الجريمة، وهي تنفذ العمليات الكريهة المتسخة، برجالاتها وبإمكانات توفر لها أصولاً، لتقوم تلك الأجهزة بالأعمال جميعاً ومنها القذرة التي تخالف القوانين ولكنها من وراء حجاب. وهو أمر تعارفت عليه أجهزة الاستخبارات في كل بقاع العالم.
كثير من الشخصيات غيّرت إفاداتها بشأن اغتيال الصحافي، دون أن يتحدث أحد عن حقيقة أن التحقيقات لم تكتمل. وأن تسابق الشخصيات - بمن فيهم الرئيس الأمريكي - للتصريح بشأن القضية، نابع عن ملاحقة أجهزة الإعلام، وجوعها الدائم للسبق الصحفي، واللهاث تجاه الغرائب . ويمكن في سبيل ذلك أن يمدوا ذوي الأغراض السياسية بضاعة ثمينة، من أجل غرض وضيع. إن تصريحات ولي العهد الملكي الأولى، جاءت بناء على الإفادات الأولى للمسئولين عن الأمن والاستخبارات، علماً بأن التحقيقات لم تكتمل بعد.
(2)
جاء في الأثر أن الفاروق " عمر بن الخطاب" رضي الله عنه قال: لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها: لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر.
ذلك حديث المُشفق. وهو صيغة مبالغة. فلعمر عمال يقومون في الأمصار، عليهم المسئولية، وفق ما يؤتمرون به. وإن أردنا أن نقول بأن مملكة شاسعة الأطراف، تقدر مساحتها بـ 2.15 مليون كيلو متر مربع ، في حين كانت يبعد مصر العراق عن المدينة المنورة التي يقيم فيها أمير المؤمنين عمر حوالي 1000 كيلومتر. لذا كان لزاماً على تكوين أي دولة في عصرنا الراهن أن تكون لها وزارات وتخصصات حسب طبيعة الأعمال الإدارية والاقتصادية والتعليمية والأمنية الاستخباراتية وغيرها. ولذا تنحصر المسؤليات عن قضية اغتيال الصحافي " جمال خاشوقجي " للذين بيدهم التخطيط والفعل، وهم في مرتبة دون ولى العهد، الذي يُمسك بملفات الرئاسة الحاكمة.
(3)
نموذج من الاغتيالات السياسية التي لم يحاسب عنها أحد.
اغتيل" محمود المبحوح "وهو أحد أعضاء "كتائب عز الدين القسّام"يوم19 يناير 2010 بفندق في مدينة "دبي ". وقد تم اغتياله بعد صعقه كهربائيًا داخل غرفته. ومن ثم جرى خنقه حتى لفظ أنفاسه دون أن تظهر أي إصابات على جسده، لكن تشريح الجثة كشف عن آثار للسم في جسده. يُذكر أن "المبحوح" تعرض لأربع محاولات اغتيال قبل هذه العملية.
*
وصل "المبحوح "يوم اغتياله إلى "دبي" قادماً من دمشق ،بجواز سفر عراقي أو فلسطيني مزور باسم "محمود عبد الرؤوف ". وكان ينتقل من دولة إلى دولة تحت غطاء تاجر دولي. ونزل فندق "البستان روتانا "ثم ذهب لحضور اجتماع في القنصلية الإيرانية. عاد بعده إلى غرفته حيث كمن له القتلة وصعقوه بالكهرباء، وحقنوه سما قبل أن يخنقوه بالوسادة ليلقى حتفه. قام الجناة بعدها بترتيب الغرفة لتظهر الوفاة كما لو كانت طبيعية ومن ثم غادروا دبي متوجهين لمدن أوروبية وآسيوية. وصادتهم كاميرات مطار " دبي".
*
وفق إفادة الإسرائيليين كان دور "المبحوح "رئيساً في مساعي حماس، لتهريب الصواريخ وغيرها من الأسلحة إلى قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس. وأنه كان عنصرا استراتيجيا بالنسبة لحماس فيما يتعلق بالتسليح من إيران، حيث تتهم إسرائيل إيران بتزويد حماس بالأسلحة بحرا وبرا من خلال السودان ومصر. ورفض مسؤولو حماس تحديد ماذا كان يفعل "المبحوح"، الذي كان يعيش لفترة طويلة في العاصمة السورية دمشق أو ماذا كان دوره. ووصفوه بأنه "شخصية قيادية عسكرية"، وقال مصدر من "حماس" انه ظل يعمل حتى لحظة موته.
حسب الرواية الإسرائيلية كان "المبحوح "المطلوب الأول للجيش الإسرائيلي. وبينت أن الموساد حاول في أكثر من مرة اغتياله. وتقول أنه هو من يقف وراء تهريب صواريخ ووسائل قتالية أخرى من إيران إلى قطاع غزة، زاعمة أن شاحنة السلاح التي قصفها الطيران الإسرائيلي في شرق السودان، كان من آثار متابعة التسليح الذي تقوم به إيران. كان " المبحوح"هو من يقف خلفها، على اعتبار أنها كانت تتجه لغزة. كما ساهم هو في تشكيل كتائب "عز الدين القسّام"، وأسر وقتل جنديين إسرائيليين.
لم يتهم أحد رئيس وزراء إسرائيل أو حتى جهاز الموساد الإسرائلي!
(4)
نموذج من الاغتيالات السياسية التي لم يحاسب عنها أحد.
اغتيال الشيخ " أحمد ياسين " عام 2004:
في جريمة وحشية اغتالت إسرائيل"الشيخ أحمد ياسين"، الزعيم الروحي لحركة حماس الفلسطينية، بهجوم صاروخي أشرف عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي "أرييل شارون" بنفسه، ونفذته ثلاث طائرات هليكوبتر عسكرية من طراز آباتشي. وذلك لدي خروج الشيخ "ياسين" علي كرسيه المتحرك من مسجد قريب من منزله في غزة، عقب أدائه صلاة الفجر. وقد سقط الشيخ" ياسين" شهيدا عندما أطلقت الطائرات الإسرائيلية ثلاثة صواريخ، أصاب أحدها رأسه إصابة مباشرة، فتحول جسده ـ وعدد من مرافقيه و بينهم نجله ـ إلي أشلاء ممزقة.
*
أدان الرئيس المصري حينذاك "مبارك" الهجوم ووصفه بالوحشية. وقرر وقف مشاركة مصر في احتفالات الكنيست بإحياء ذكري مرور25 عاما علي توقيع معاهدة السلام.
*
قال وزراء خارجية الاتحاد المجتمعون في بروكسل إن الاغتيال لا يعد فقط خروجا علي القانون الدولي، بل أيضا تقويض لسلطة القانون.
*
وفي واشنطن: أكدت مستشارة الأمن القومي الأمريكي "كوندوليزا رايس": أن الولايات المتحدة لم تعلم مسبقا بالغارة الإسرائيلية والاغتيال . وشددت علي أن "تل أبيب" لم تخطر واشنطن بنيتها اغتيال الشيخ" ياسين".وطالبت رايس جميع الأطراف المعنية في الشرق الأوسط بتهدئة الوضع وممارسة أقصي درجات ضبط النفس.
*
وفي لندن: أكد وزيرالخارجية البريطانية "جاك سترو" أن اغتيال إسرائيل للشيخ "ياسين" أمرغير مقبول وغير مبرر ولن يحقق أهدافه. وقال إنه من غير المتوقع أن تستفيد تل أبيب من اغتيال شيخ عجوز كسيح يستخدم مقعدا متحركا. وأكد إدانة بريطانيا الكاملة لهذا العمل غير القانوني الذي أوضح أنه لا يعتبر دفاعا عن النفس من جانب إسرائيل.
*
وفي باريس: قال وزير الخارجية الفرنسية "دومينيك دي فيلبان" ـ الموجود في بروكسل مع نظرائه الأوروبيين لحضور اجتماع للاتحاد الأوروبي ـ إن العمل الذي أقدمت عليه إسرائيل سيغذي العنف، وسيزيد التوتر في منطقة الشرق الأوسط ككل. وندد دي فيلبان باغتيال الشيخ "ياسين" قائلا إنه ضربه لجهود السلام المبذولة حاليا.
*
وفي فرانكفورت: أعرب وزير الخارجية الألمانية "يوشكا فيشر" عن قلقه العميق لما ستسفر عنه عملية الاغتيال من تطورات، وأكد أنها ستفرز وضعا جديدا في الشرق الأوسط. كما أعرب الرئيس الألماني "يوهانز راو" عن مخاوفه من تصاعد العنف مرة أخري في الشرق الأوسط.
*
وفي موسكو: أعلنت روسيا عن قلقها البالغ بعد اغتيال الشيخ "ياسين" وحذرت من أن العملية ستؤدي إلي موجات من العنف، وستخرب الجهود المبذولة لإعادة إحياء عملية السلام.
*
وفي مدريد: قال وزير الخارجية الأسبانية المعيَّن "ميجيل موراتينوس" إن اغتيال الشيخ "ياسين" يعد عملا كارثيا، وإنه خارج علي القانون. وأوضح أن الاغتيال سيجعل المجتمع الدولي يواجه دائرة مفرغة من العنف.
*
وفي بكين.أكد المتحدث باسم الخارجية الصينية أن بلاده تشعر بعميق القلق إزاء عملية الاغتيال وآثارها المتوقعة علي الشرق الأوسط.
*
وفي لاهاي: أعلنت الحكومة الهولندية أن الاغتيال يعد انتهاكاً للقانون الدولي وسيحبط عملية السلام.
*
وفي ستوكهولم: أعلنت وزيرة الخارجية السويدية "ليلا فريفالدز" إدانة بلادها لعملية الاغتيال ووصفتها بأنها خارجة على القانون. وأوضحت أن الإرهاب والعناصر الإرهابية يجب أن تمثُل أمام المحاكم والقضاء ولا يمكن أبدا مواجهتها بوسائل غير قانونية.
*
وفي أنقرة:نددت تركيا بشدة بالعملية وقالت إنها ستجر المنطقة بأسرها إلي طريق مسدود ولن تحقق الأمن لإسرائيل.
(5)
الكثير من العلماء العراقيين قد اغتالهم الموساد في أوروبا، ولم يتحدث عن الموضوع أحد. وإذا كان الاعتقاد أن السريّة هي وسائل استخباراتية، تحميها القوانين، فذلك محض افتراء. كان من الممكن تنفيذ الجريمة موضوع المقال، بحذاقة الأجهزة الاستخبارية لخداع القانون وأجهزته، وفق ما هو معلوم، إذ لا سقف أخلاقي للاستخبارات أينما تكون. والتي تتم عادة في الخفاء، ولا يحتاج المجرمون لاستخدام مباني القنصلية مكاناً لتنفيذ خططهم، ومن ثمة ليسوا هم في حاجة لهذا الكم من الأشخاص.
*
الكثير يمكن قوله عن الأجهزة السعودية التي قامت بهذا العمل المُشين. يبدو أن ضعف التأهيل وضعف الممارسة، هو الذي حدا بها لاختيار المكان الخطأ لتنفيذ العملية الفاشلة، فمتطلبات المكان هو حرز ديبلوماسي، تحكمه "اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية". والتي لا تبيح استخدام الدور الدبلوماسية لغير الأغراض المعروفة، وتجاوز كل ذلك لتنفيذ جريمة أياً كان نوعها، فهذا جرم شنيع، وخططت له ونفذته ذهنية ضعفت أخلاقياً و تقاصرت تقنياً وعجزت عن فهم تعقيدات الوضع الدولي. وأن المجرمين خرقوا العهود والاتفاقات الدولية، إضافة للحقوق الإنسانية، وقد تم العبث بجثة القتيل كي يسهُل نقلها، وتنظيف الدار القنصلية من آثار الجريمة وتوابعها. ولذلك أرى أن الاستخبارات جلبت كافة التخصصات لتنفيذ الجريمة في انتهاك فظيع لحرمة الجسد الإنساني وحرمة الأماكن الدبلوماسية. وهو أمر مُدان بكل المقاييس.
(6)
بنود هامة من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961:
ينص في بعض بنودها على أن هنالك حرمة لدار البعثة الدبلوماسية فهي مصونة، ولا يجوز لمأموري الدولة المعتمد لديها، دخولها إلا برضى رئيس البعثة. ويترتب على الدولة المعتمد لديها التزام خاص باتخاذ جميع التدابير المناسبة لحماية دار البعثة من أي اقتحام أو ضرر، ومنع أي إخلال بأمن البعثة أو المساس بكرامتها. وتُعفى دار البعثة وأثاثاتها وأموالها الموجودة فيها ووسائل النقل التابعة لها من إجراءات التفتيش أو الاستيلاء أو الحجز. و هنالك حرمة لمحفوظات البعثة ووثائقها أيا كان مكانها. وتكفل الدولة المعتمد لديها حرية الانتقال والسفر في إقليمها لجميع أفراد البعثة، مع عدم الإخلال بقوانينها وأنظمتها المتعلقة بالمناطق المحظور أو المنظم دخولها لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وتكون حرمة المراسلات للبعثة مصونة، ويقصد جميع المراسلات المتعلقة بالبعثة ووظائفها. ولا يجوز فتح الحقيبة الدبلوماسية أو حجزها، ولا يجوز أن تحتوي الحقيبة الدبلوماسية إلا الوثائق الدبلوماسية والمواد المعدة للاستعمال الرسمي. ويتمتع الرسول الديبلوماسي بالحصانة ولا يجوز إخضاعه لأية صورة من صور القبض أو الاعتقال. ويتمتع المبعوث الديبلوماسي بحماية منزله الخاص الذي يقطنه وبالحصانة القضائية. وتعفى الأمتعة الشخصية للمبعوث الدبلوماسي من التفتيش، مالم توجد أسباب تدعو إلى الافتراض بأنها تحتوي على مواد منافية للاستخدام الدبلوماسي. وعلى جميع المتمتعين بالامتيازات والحصانات عدم الاخلال بها واحترام قوانين الدولة المعتمدة لديها وأنظمتها. ويجب ألا تستخدم دار البعثة بأية طريقة تتنافى مع وظائف البعثة كما مبين في الاتفاقية أو غيرها من قواعد القانون الدولي.
عبدالله الشقليني
24أكتوبر2018