من قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة/ مساهمة حول قضايا العمال الزراعيين، في يوم الأرض 21 أكتوبر 2018.
صديق عبد الهادي
2 November, 2018
2 November, 2018
Siddiq01@Sudaneseeconomist.com
"إن بقاء المحتوى الثوري لحركة المزارعين متقداً ، إنما هو رهينٌ بضرورة التحالف بين فقراء المزارعين والعمال الزراعيين في مشروع الجزيرة والمناقل".
(من أدب تنظيم وحدة المزارعين، التاريخي).
الحلقة الثانية/
(*) نظرة ومتابعة تاريخية/
كما اسلفنا، وقبل الخوض في لب قضايا العمال الزراعيين نود أن نتعقب المعالجات القانونية والنظر إلى التعريفات التي بذلتها التشريعات المختلفة بالنسبة للعامل بشكل عام وللعامل الزراعي بشكلٍ خاص، ولما لذلك من علاقة بالإهتمام بوجود العمال الزراعيين وأثر ذلك في الإعتراف بحقيقة إن كانت لهم قضايا تستحق التصدي من قبل الدولة أم لا؟!.
نجد أنه قد وردت تعريفات لمطلق "عامل" في أهم القوانيين السودانية، على سبيل المثال ورد في قانون نقابات العمال لسنة 2010 بان "عامل يقصد به أي شخص طبيعي يعمل بأجر أياً كان نوعه ويشمل الموظف والمهني والتقني وكل من يقوم بعمل يدوي"(1)، واضحٌ أن هذا التعريف المعمم لم يلامس، وكما يبدو، مفهوم "العامل الزراعي"، لا من بعيدٍ ولا من قريب!. وعلى النحو نفسه، وعلى عكس ما كان متوقع، لم يرد في قانون تنظيمات أصحاب مهن الإنتاج الزراعي والحيواني لسنة 2011 تعريفٌ "للعامل الزراعي" بالرغم من ورود تعريف غامض لـ"صاحب مهنة الإنتاج الزراعي" وتضمين نص "العمال الزراعيين" في صلبه، حيث جاء فيه ان "صاحب مهنة الإنتاج الزراعي يقصد به: (ب) كل شخص يمارس الإنتاج الزراعي بموجب إتفاق مع صاحب الأرض ويباشرها بنفسه عدا العمال الزراعيين".(2) غير اننا نجد ان القانون الذي يمكن ان يكون قد إقترب من تعريفٍ ملامسٍ لمفهوم "العامل الزراعي" هو قانون العمل لسنة 1997، والذي كان بديلاً لقانون علاقات العمل الفردية لسنة 1981، حيث جاء ذلك القانون بمفهوم "عامل الإنتاج" وعرفه ناصاً بان ""عامل الإنتاج" يقصد به العامل الذي يُحدد أجره على أساس كمية العمل اليومي او على أساس القطعة"(3). فهذا التعريف من الممكن ان يكون قائماً ومستوفياً للمعنى، لو تمّ إستبدال نص "عامل الإنتاج" بــــنص "العامل الزراعي"، على سبيل المثال!.
إلحاقاً لما مضى، نجد ان ما يستحق التأمل حقيقةً هو موقف القوانيين الخاصة بالنشاط الزراعي وبالمشاريع الزراعية، موقفها من المعالجة القانونية والتشريعية لمفهوم العامل الزراعي!. وذلك أمرٌ يستدعي إستجلاؤه شيئاً من النظر تاريخياً.
إن اول قانون يخص مشروع الجزيرة، وهو ما عُرِف بــــــــ "قانون أرض الجزيرة لسنة 1927، والصادر في يوم 15/7/1927، لم يتطرق لمفهوم العامل الزراعي بشكلٍ مباشر، غير أنه أشار ضمناً لوجوده ولحقوقه، وذلك في مادة واحدة من مواده، وهي المادة (13)، التي تبطل رهن اي محصول للمزارع أو بيعه، إلا في حالتين، أحدهما وردت في المادة (13)(ب) والتي تقول"تنفيذ حكم بدفع مبلغ من المال واجب على ذلك المزارع المستاجر دفعه إلى عامل كأجر نظير عمل قام به العامل في الإجارة الزراعية"(4). قد تكون هذه اول إشارة، مطلقاً، للعامل الزراعي ولحقه ولحماية ذلك الحق.
نجد أن نفس النص أعلاه ورد أيضاً في صلب "قانون حماية المزارعين في دلتا القاش ودلتا طوكر لسنة 1928"، وذلك في المادة (4)(4)(ب). وكذلك ورد النص ذاته في "قانون حماية المزارعين لسنة 1950"، وذلك في المادة (3)(4)(ب).
وأما في "قانون مشروع الجزيرة لسنة 1984" فقد شمل أحد نصوصه ضمنياً العمال الزراعين فيمن شمل، وجاء ذلك تحت أهداف المشروع حيث ورد في المادة (5)(ب)، "ترقية الخدمات الإجتماعية لفائدة المزارعين والعاملين وغيرهم من الأشخاص المقيمين داخل منطقة المشروع"(5). مما لا شك فيه ان العمال الزراعيون يقعون تحت نص "الأشخاص المقيمين"، وليس تحت "العاملين" الواردة في النص، لانه وحسب تعريف العاملين الوارد في هذا القانون "فــــــــــ"العاملون" يقصد بهم أي أشخاص يعينهم المجلس للعمل بالمشروع فيما عدا المزارعين"(6). معلومٌ، أن مجلس إدارة مشروع الجزيرة لا علاقة مباشرة له بالعمال الزراعيين، ولا يعينهم!.
إن محتوى المادة (5)(ب) الواردة أعلاه مستلف في الأصل من توصيات كانت أكثر تقدماً منه ،كان ان تقدمت بها اللجنة المختارة بواسطة الجمعية التشريعية في عام 1949 للنظر في إدارة مشروع الجزيرة في المستقبل، وذلك بعد أن تذهب الشركة الزراعية البريطانية التي كانت تديره.
أوصت تلك اللجنة بتكوين لجنة محلية للجزيرة، وفي شأن عضويتها ومهامها وواجباتها اوصت بـــ "(4)(أ) يجب ان تشمل عضوية تلك اللجنة ممثلين للمزارعين وغيرهم من السكان المحليين....الخ"، وأوصت في المادة "(4)(ب)(1) أن تدلي إلى مجلس الإدارة بمشورة القاطنين والعاملين في المشروع عن جميع المسائل المتعلقة برفاهية السكان...."، وكذلك في المادة "(4)(ب)(2) أن تستعرض جميع المسائل المتعلقة بسير المشروع ورفاهية السكان....." (7)، وقد تكررت جملة "رفاهية السكان" في عدد من تلك التوصيات. ولكن لابد من ملاحظة ورود مقطع "المزارعين وغيرهم من السكان المحليين"، وكذلك"بمشورة القاطنين والعاملين في المشروع".
بالقطع أن "السكان المحليين" و"القاطنيين والعاملين في المشروع" تشمل فيمنْ تشمل "العمال الزراعيين"، ولكن هل حقاً كان "العمال الزراعيون" يستمتعون بالخدمات والحقوق في الرفاهية الموجودة، ومهما كان قدرها ومستوى توفرها، وبنفس القدر كما للاخرين من مزارعين وموظفيين وعمال صناعيين؟!. الإجابة عن هذا السؤال تمثل المحور الاساس لهذه المساهمة، والتي ستأتي لاحقاً.
وأما قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005 وتعديلاته لسنة 2014، وهو القانون الذي يحكم مشروع الجزيرة والمناقل الآن، فإنه لم يخرج مما سارت عليه أغلب القوانيين السابقة للمشروع فيما يخص "العمال الزراعيين"، ولكن ما هو جديد أن هذا القانون جاء بما هو أسوأ، أي جاء بما يجعل من كل أهل المشروع أجراء أو عمال زراعيين، بل وأن القوى الإجتماعية التي يحمي مصالحها، وهي الرأسمالية الطفيلية الإسلامية (رطاس)، أصبحت وعن طريقه تستهدف بشكلٍ خاص، ومن منطلق عنصري، العمال الزراعيين وتستهدف كذلك وجودهم في المشروع.(8)
إن إسقاط العمال الزراعيين وكذلك عدم الإهتمام بقضاياهم لم يكن حصراً في نطاق القوانيين والتشريعات كما اوضحنا سالفاً، وإنما يكاد ان تكون تمت ممارسة ذلك الإسقاط وعدم الإهتمام في معظم تقارير اللجان الفنية والمهنية التي أُنْجِزَتْ في شأن المشروع، سواءٌ إذا ما كانت محلية او عالمية، مع بعض الإستثناء!.
إن من أشهر اللجان التي حاولت التصدي لقضايا مشروع الجزيرة هي لجنة البنك الدولي، بعثة دراسة مشروع الجزيرة، المعروفة بإسم "لجنة ريست"، التي انهت تقريرها “Rist Report” في أكتوبر 1966، والذي يعتبر ثاني اكبر تقرير تقدمت به لجنة في تاريخ المشروع. أشار هذا التقرير إلى حقيقتين فيما يتعلق بالعمال الزراعيين، الأولى هي أن قال،"تتفق كل المصادر وبشكل عام على ان اكبر نسبة للعمل يقوم بها العمال الأجيرون"(9)، ومن ثم أورد التقديرات التالية/
النسب المئوية التقريبية التي يساهم بها العمل المأجور:
| الحيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــازات | أقل تقدير | أعلى تقدير |
المناقـــــــــــــــــــــــــــــــل | 15 فدان |
|
|
الجزيـــــــــــــــــــــــــــــرة | 20 فدان |
|
|
| القطـــــــــــــــــن | 50% | 75% |
| المحاصيل الأخرى | 50% | 75% |
الجزيـــــــــــــــــــــــــــرة | 40 فدان |
|
|
| القطــــــــــــــــــن | 80% | 90% |
| المحاصيل الأخرى | 67% | 67% |
النسبة العامــــــة | حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوالي | 75% | 85% |