لم ينتمِ البروفيسور عبدالله الطيب لتنظيم الإخوان المسلمين
alshiglini@gmail.com
طربت لذكر النيل إذ شط منزلي
بلندن حولي كل أعجم رطان
وهيجني صوت البلابل صدحًا
وأسراب طير ذي وصيع وأرنان
ألم ترني أصبحت في الناس مغردًا
وخان وما خنت المودة خلاني
وجربت من دهري صروفًا وزارني
زرافات أحداث له بعد أحدان
الشاعر عبدالله الطيب - من ديوان أصداء النيل
(1)
نقطف مما كتبه الدكتور" طه حسين" في صحيفة الأهرام عام 1957 عن ديوان الدكتورعبدالله الطيب (أصداء النيل):
أما اليوم سأحدثك عن شعر جديد كل الجدّة، قديم مع ذلك ممضٍ في القِدم، هو جديد؛ لأن صاحبه معاصر يعيش في ريعان الشباب، ما أحسبه جاوز الثلاثين إلا قليلًا، وموضوعاته كلها معاصرة، نتحدث عنها حين يلقى بعضنا بعضًا، يكتب فيها كُتابنا، وينظم فيها شعراؤنا تضطرب بها خواطرنا، فهو يذكر مصر المعاصرة التي نعيش فيها، ويذكر السودان المعاصر الذي يعيش فيه، وهو يذكر بلاد الإنجليز التي أقام فيها أعوامًا فعرف مدنها وقُراها ومطرها وضبابها، وبلًا من خصال أهلها فنونًا وألوانًا، وهو يبكي هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأخيرة رغم إقامته في بلاد الإنجليز، واتصال الأسباب بينه وبينهم، وهو يصف أشياء كثيرة يألفها الناس جميعًا في هذه الأيام، فليس في موضوعات شعره شيء تنبو عنه طباعنا، أو تنفر منه أذواقنا، ولكنه على هذا كله ممضٍ في القدم؛ لأنه يصطنع لغة وأساليب لا يذوقها إلا الأقلون الذين يذوقون الشعر العربي القديم، والقديم جدًّا.
(2)
تتحدث قبس من سيرته:
ولد البروفيسور عبد الله الطيب(1921-2003) في قرية التميراب الواقعة غرب مدينة الدامر عاصمة ولاية نهر النيل في شمال السودان، والداه الطيب عبد الله الطيب وعائشة جلال الدين بن محمد بن أحمد بن محمد المجذوب. وهو ينتسب إلى أسرة “المجاذيب” العربية التي اشتهرت بالعلم والأدب حتى سميت مدينة الدامر بـ”دامر المجذوب”، وقد اشتهرت هذه المدينة بأنها كانت مركزاً لخلاوي القرآن التي اشتهر بها السودان منذ دخل الإسلام أراضيه.
*
وقد نشأ الطيب نشأة علمية كعادة أهالي تلك المنطقة فدخل الخلوة وتعلم القرآن وقرأ الشعر العربي القديم. وقد توفي والده وهو صغير ثم فجع بأخيه ثم بوالدته وأختيه وعدد من أقاربه، ولكنه أبى أن تصرفه هذه الظروف القاسية عن التحصيل العلمي، فواصل تعليمه حيث تعلم بمدارس كسلا والدامر وبربر وكلية غردون التذكارية بالخرطوم والمدارس العليا ومعهد التربية ببخت الرضا حتى تخرج في كلية الآداب جامعة الخرطوم التي كان اسمها حينذاك “كلية غوردون” عام 1942م، ثم زار بريطانيا الأولى للمرة الأولى عام 1945م مبتعثاً من قبل الحكومة الاستعمارية لإعداد المعلمين . وفي تلك الرحلة التقى بشريكة حياته “جريزيلدا تريدول” التي كانت زميلة له في معهد التربية بلندن، ثم نال شهادته العلمية من جامعة لندن عام 1948م، وتقدم لنيل الدكتوراه في الأدب العربي من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية عام 1950م، ثم عين محاضراً في تلك الكلية.
*
واستمرت مسيرته العلمية بعد ذلك, إذ أصبح بروفيسور في اللغة العربية في جامعة الخرطوم ثم عميداً لكلية الآداب ثم مديراً لجامعة الخرطوم. وقد أصبح أستاذاً فخريا مدى الحياة في جامعة الخرطوم التي منحته الدكتوراه الفخرية عام 1981م.هذا بالإضافة إلى جهوده في تطوير المعاهد السودانية ومساهماته الفاعلة في تأسيس العديد من الجامعات في السودان ونيجيريا، وتدريسه في عدد من جامعات بريطانيا والسودان والمغرب ونيجيريا والكويت، وعضويته في العديد من المجامع اللغوية العربية، إضافة إلى رئاسته لمجمع اللغة العربية في السودان ومساهماته الأكاديمية في مختلف أنحاء العالم العربي وإفريقيا. منح جائزة الملك فيصل للأدب عام 2000 .
(4)
نقطف من مقال الأستاذ طاهر عمر :
(الحركة الاسلامية السودانية تاريخ ملوك سنار بلا شونة ) يوم 1ديسمبر 2018 ، في مدوّنة سودانايل الإلكترونية، قبل أن نرد عليه:
{يجب أن لا ننسى الخراب الذي أسسه الدكتور عبدالله الطيب و تلاميذه في ساحة الفكر السوداني فعبدلله الطيب كان أمل للدكتور طه حسين أن يكون أو يلعب دور طه حسين في السودان ولكن هيهات، ففي مراسلاته مع طه حسين يقول عبدالله الطيب أنه قد قرر أن يكون بجانب التراث و الدين و الأمة وبالتالي قد أصبح الدكتور عبدالله الطيب و يوسف فضل من حيث لا يدرون آباء للحركة الاسلامية السودانية و نجد تلاميذهم أعضاء فاعلين في فكر الحركة الاسلامية السودانية و خاصة تلاميذ عبدالله الطيب}
*
{ فلا منقذ اليوم غير عقل الانوار في معادلة الفرد و العقل و الحرية بعقد اجتماعي يؤمن فيه الكل بالميثاق الكامل لحقوق الانسان و قيم الجمهورية بعيدا عن وحل الفكر الديني الذي أسس له كثر من ضمنهم يوسف فضل و تلاميذه و الدكتور عبدالله الطيب و تلاميذه و ما أتباع الحرك الاسلامية السودانية الا منفذيين لفكر خدمه كثر في لا وعيهم اي في عقلهم اللا واعي }
(3)
فلنتحدث عن تاريخ بروفيسور عبدالله الطيب ، يبدو أن الأستاذ طاهر عمر، ينازعنا في ميراث عبدالله الطيب وهو لم ينتم لتنظيم الإخوان المسلمين، أما تلامذته من أعضاء الحركة الإسلامية ( تنظيم الإخوان المسلمين )، فأظنه قد تجاوز عامداً ما ورد في الآية الكريمة{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ..} 18 سورة فاطر. التي تقر بعدم مسئولية المعلم أو القدوة ، وكذلك العرف وجميع القوانين البشرية.
*
لم يكن البروفيسور عبدالله الطيب، شخصية عادية، بل هو من أهم أهرامات الثقافة في السودان ، له خطه التراثي المتفرّد في مجال اللغة العربية أو الدين الإسلامي، و قطب من أقطاب التصوف. وبرحيله رحل طود شامخ أقام أساسه في الأوطان التي تتكلم العربية أو العامّية العربية ، منثورة في بلدان عديدة. كان يلزم العلم منهاجاً وقائدا. درس على يديه آلاف طلاب الدراسات العليا، في السودان وغيره من الأوطان. وإسهاماته ظاهرة لا تحتاج قرائن وأدلّة.
(4)
تعرّفت على البروفيسور عن قرب أوائل تسعينات القرن العشرين، بعد أن تمّ تعيينه رئيساً لمجمع اللغة العربية في السودان. وكانت قطعة الأرض التي تم تخصيصها للمجمع في منطقة الخرطوم غرب، تفتح على شارع الجمهورية شمالاً، وجنوباً تفتح على شارع صغير. وبمساحة 1200 متراً مربعاً. أصرّ هو أن تقوم الإدارة الهندسية بجامعة الخرطوم بالتصميم والإشراف على تنفيذ إعادة تأهيل المبنى الذي ابتنته وزارة الأشغال سابقاً، وسلك السبل الإدارية المُعتادة للحصول على الموافقة. كنت حينها نائباً لمدير الإدارة الهندسية، والمدير هو الدكتور عبد النبي علي أحمد.
قمت بأعمال الهندسة المعمارية وقام مدير الإدارة الهندسية بالأعمال الإنشائية ،بناء على تنوع التخصصات. وكان البناء مؤسساً على مبنى من طابق أرضي، تم تشييده على حوائط إنشائية. وقد كان المبنى تم تنفيذه في ستينات القرن العشرين، وتم تأهيله بواسطة الإدارة الهندسية بجامعة الخرطوم بعد أكثر من ثلاثين عاماً، على جانب من التعقيد، من ضرورة الكشف على الأساسات الحاملة لتحمّل طابق إضافي. وتم تشييد التأهيل مع الطابق الإضافي مع توسعة الطابق الأرضي، ليسع أنشطة مجمع اللغة العربية.
*
مهدت لنا إعادة التصميم والإشراف على التنفيذ، طريقاً إلى التعرف على البروفيسور عبدالله الطيب. كان طيباً ، ودوداً ، كريماً شهماً ، متواضعاً ، يمتاز بذاكرة فتوغرافية، وعلم غزير، وأسفار وكتب ينفق الوقت والمال عليها، لا يمل هو قراءتها. كنا ننتزع من وقت العمل لنتحلّق حوله. لنتعلم منه ما يسهل علينا في الزمان والمكان.
*
لم يزل الكثيرون يتذكرون في خمسينات القرن العشرين، كيف نقل عبدالله الطيب، شروح الذكر الحكيم عبر اللغة العامية العربية السودانية، من خلال الإذاعة أمدرمان، يصحبه المقرئ الشيخ صديق أحمد حمدون. وقد أفاد منها المستمعون والمستمعات في إضاءة ثرية لمعارفهم الدينية. خصّ كتيباته لأدب الأطفال وللغة العامّية إلى جانب أسفاره التي فاقت العشرين ونيّف، كما فيها من القصص والذكريات والمناهج ودواوين الشعر. وقد خصه الدكتور" طه حسين "بتقدمة لسفره العملاق( مقدمة لفهم أشعار العرب)، وكان السفر الوحيد الذي خص به التقدمة، ، لم يقدّم قبله أو بعده الدكتور" طه حسين" لكتاب.
(5)
لم يكن عبد الله الطيب سياسياً أو مشتغلاً بالسياسة، وقد أرأسته الإنقاذ لجنة من خمسين عضواً لتقوم بدراسة تعريب التعليم العالي، قبل منتصف تسعينات القرن العشرين. والحقيقة أن عداوة الإخوان المسلمين للآخرين من الدول المجاورة أو العربية ، قادتها للعزلة وانعدام العملات الصعبة ، ولم تتمكن بالتالي من الوفاء بالتزامات الدولة لأولياء الأمور لتمويل دراسة الطلاب السودانيين في الخارج.
*
ونصب الإخوان المسلمين كميناً بأن أدخلوا أعداد غفيرة من غير أعضاء اللجنة لإجازة التوصيات. ولما كان البروفيسور دقيقاً، طلب من الحضور في اجتماع اللجنة في قاعة الصداقة توقيع الحضور من جميع أعضاء اللجنة، طلب عد الحضور ولما كان الحضور أكثر من مائة ، ألغى التصويت على التوصيات. وقام برفع مذكرة بكافة الخيارات للنائب الأول للرئيس اللواء "الزبير محمد صالح"، بدون إجازة التوصيات.
وبعد تسلم الزبير التوصيات، قام بتعيين لجنة جديدة من المنتمين للتنظيم لإجازة التوصيات خلال ثلاثة أيام. وعند افتتاح أعمال اللجنة الجديدة، ذكر اللواء الزبير أن بروفيسور "عبدالله الطيب" قد قدم له رقماً فلكياً لتكلفة تعريب الجامعات، وذكّر بأنهم ثورة جاءت لتقدم الحلول القاطعة الناجزة !. كان البروفيسور عبد الله الطيب يقول: كيف يقوم بالتدريس أساتذة هم في حاجة ليتعلمو اللغة العربية!.
(6)
اتصل به مرّة منظمو هيئة الدفاع الشعبي، يطلبون أن يقوم بالتدريس بمعسكر الدفاع الشعبي بالقطينة. وذكر لهم أن طالبي العلوم، هم الذين يتعين عليهم أن يهاجرون للعلماء، وفق ما هو معروف في التراث،وأنه لا يهاجر العلماء إلى طلاب العلم. ويجب على إدارة الدفاع الشعبي أن تتكفل بأجرة المواصلات، وسوف يقوم المجمع بتجهيز كورسات ومعلمين يفون بالغرض.
توجس منظمو برامج الدفاع الشعبي، من رد رئيس مجمع اللغة العربية، وصرفوا النظر عن الموضوع. وعقّب هو على ذلك بأنهم أرادوا أن يمسخوا تاريخه، ليلبس " بردلوبة " الدفاع الشعبي، والذهاب لمعسكرهم للتصوير التلفزيوني!. ولن يظفروا منه بذلك.
*
سألناه مرة عن السرّ وراء إرسال من يسمونهم " المجاهدين " للحرب في جنوب السودان، وهل هي حرب جهاد في سبيل الله ؟.قال: إن مثل هذا السؤال سأله كثير من أهل السلطان، ولكن بصورة فردية. وكان ردي دائماً أن (40) من الصحابة والتابعين لم يفتوا بحرب أهل أرض الهجرة الأولى ( وتشمل في ذلك التاريخ القديم :أرض أثيوبيا الحالية وجنوب مصر وجنوب السودان ). وأنهم أباحوا نشر المساجد ودور العبادة سلماً لا حرباً. وإن الحرب التي تقوم بين الحكومة في الشمال والمعارضين في جنوب السودان ،هي مُجرد ( حرب أهلية).
(7)
من المجحف الحديث عن أن "عبدالله الطيب"، أراد له "طه حسين" أن يكون مثله في السودان! . لقد نهج البروفيسور عبدالله الطيب نهجاً متفرداً، في التخصص في علوم اللغة العربية والدّين الإسلامي، معتدلاً غير متطرفاً. ولم يكن سياسياً، أو منتمياً لتنظيم الإخوان المسلمين، الذين كان معظمهم لا يعرفون اللغة ولا العقيدة حق عرفانهما، بل كانوا يتخذون القرآن على أسنة الرماح، ليشغلوا قومهم، وهم يعملون لدنياهم،في مغايرة لإنشادهم:
في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء
لا لدنيا قد عملنا نحن للدين الفداء
فليعد للدين مجده ولترق منا الدماء
*
صاروا يكنزون الذهب وأموال الرشى وسرقة المال العام ، وعمموا منهاج الفساد، ووضعوا السودان في ذيل دول الأرض، وحوّلوا الدولة بعد هدمها إلى مزبلة ليس إلا.
عبدالله الشقليني
6 ديسمبر 2018