الانتفاضة ، البديل والأحزاب
خارج المتاهة /
عبارتان ترددتا كثيراً ، بدوافع مختلفة ، منها المشفق ومنها الماكر الخبيث وكذلك منها الببغائي ؛ تقولان :
- وين الأحزاب ، الأحزاب ضعيفة ..
- البديل شنو ، البديل منو ؟ (وهذا التساؤل بالتحديد تردده أيضاً بعض الأنظمة والدول) ..
-الأحزاب انعكاس لحال المجتمع ، تعبر عنه ، و تأتي استجابةً لأسئلته وصياغةً لتطلعاته ، وبالتالي تقوى وتضعف بقوة و ضعف المجتمع المعين .. والعنصر الأهم في قياس قوة المجتمع هو مستوى التعليم والوعي العام ، فإذا كان هذا العنصر جيداً في مجتمع معين فإن الأحزاب السياسية فيه تكون قوية ومؤثرة ووجودها ملموس .. هذا في تقديري هو الحكم العام على الأمر .. اما تجربة السودان في ظل (الإنقاذ) فهي تجربة شاذة لها قوانينها الخاصة.. كانت الجبهة الإسلامية من الأحزاب العقائدية وضمن المنظومة التي عرفت بالقوي الحديثة ، وبالتالي كانت تعرف من أين تنبع الانتفاضة والإضرابات ، فاتجهت في صبيحة استلامها للسلطة بانقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ اتجهت الى منابع الانتفاضة ؛ إلى النقابات والاتحادات المهنية والعمالية وعملت على حلها وحظرها وصناعة بدائل لها من مؤيديها ، ثم أعدت قوائم الفصل من الخدمة العامة وتنفيذها في حق الآلاف من العاملين في القطاعين المدني و النظامي/ العسكري .. وفي نفس الوقت إلى ساحة التعليم فأجرت تعديلات جذرية في السلم والمناهج بما يتوافق مع منهجها (الإسلامي) و خطتها في القعود بوعي الاجيال الجديدة في عهدها ، فكان التدمير المقصود والمدروس للوعي العام الذي توجوه بـ (ثورة التعليم العالي) لتمتلئ البلاد بجامعات خاوية ..
المهم ان منهج (الإنقاذ) كان ترياقاً مناهضاً للوعي والمعرفة في عقول الجيل الذي يسود الساحة الشبابية في سودان اليوم .. ولكن ، ولحسن الحظ ، أن عهد الإنقاذ ، ولسوء حظ الاسلامويين ، جاء في زمان الثورة العظمي ، ثورة المعلومات والاتصالات بما حملته من رياح المعرفة العاصفة والتنوير والتواصل ليسود العالم مفهوم وحيد عنوانه : سيادة الديمقراطية وحقوق الإنسان ، فرأينا شباب السودان في مختلف البقاع ولمختلف الأسباب يتقدم في سوح المواجهة بوعي وشجاعة ، وبهم تنتعش الأحزاب والتنظيمات المدنية المختلفة لتتقدم بعزم نحو تحقيق التحول الديمقراطي في البلاد ..
- أما حديث (البديل شنو) فإن إزاحته عن الطريق يكون بتحديد صفة النظام .. النظام دكتاتوري إذن البديل هو نقيضه : البديل الديمقراطي ، وهو الفصل بين السلطات ، هو استقلال القضاء وسيادة حكم القانون ، هو صيانة حقوق الإنسان ، والبديل هو التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع .. أي أنه ليس شخصاً واحداً ولا أفرادا محددين ..
وبانفجار انتفاضة ديسمبر ٢٠١٨ ، تختفي العبارتان اللئيمتان وينهض تنظيم مدني مارد باسم (تجمع المهنيين) ، ومنابر المعارضة الحزبية (نداء السودان والإجماع الوطني) تقترب من بعضها وتوحد مركزاً للانتفاضة مع تجمع المهنيين ، وتمضي المسيرة ..
ولكي تتقدم أكثر و تنتصر ، من المهم أن نشعر ونؤمن بأن هذه هي المعركة النهائية ، لا تراجع بل تقدم مستمر ، الانتصار لن يكون بموكب واحد او موكبين فقط ، فالنظام يتكون من مجموعة متشابكة من المصالح والمليشيات ، إصرارنا وثباتنا يزيد الخلافات و الانشقاقات بينهم ، تمتين الوحدة بيننا وتجويد التنسيق ، التوازن وعدم الإندفاع لا في الشعارات ولا في المطالب ، الحرص الشديد على استقلالية (تجمع المهنيين) فهي من علامات نجاحها وجاذبيتها الجماهيرية ، ثم أن نتخلص من بعض شوائب تجاربنا السابقة ، ومن أهمها :
- إلغاء ما كنا نسميه تمثيل (الشخصيات الوطنية) ، فهي صيغة لا مقاييس لها وينتج عنها استهبال سياسي وبمراجعة التجارب السابقة ، حتى في صيغ تحالفات المعارضة ، نجد أنها كانت مطية حزبية .. حتى إذا اضطررنا لحكومة تكنوقراط ان يكون مفهومنا للتكنوقراطي انه مهني متخصص في مجاله ولكنه حزبي يرشحه حزبه لحكومة التكنوقراط ، لان المساءلة في الاداء تكون لاحزاب وكيانات وليس لافراد ..
- إلغاء تمثيل القوات النظامية في الحكومة الانتقالية وغير الانتقالية ، فلكي نؤسس لديمقراطية مستدامة يجب أن نحافظ على استقلالية ومهنية القوات النظامية ، كل قوة منها تؤدي واجباتها المحددة في مجالها المحدد ، اما العمل السياسي فهو عمل مدني وخدمي في كافة المجالات للوطن ولكل المواطنين ..
- هنالك مجموعات تصيغ بيانات تأييد للانتفاضة وتقدم نصائح ثم تذيلها بتوقيعاتها ، ومهما حسنت نوايا البعض التي نثق فيها ، ولكنها تمثل نوعاً من انواع اللهث وراء سلطة قادمة ، فمن الأفضل ان يتقدم المثقفون ، المفكرون ، والخبراء بآرائهم ووصاياهم مباشرةً للأحزاب والناشطين.
atieg@icloud.com
//////////////