حول ديمقراطية السودان

 


 

 

 

إن البطولة الرئيسية مراوغة ومحيّرة، والأدلة مدفونة في أعماق سحيقة، والبطولة فيها مغمورة، نشأًت في بلدة مجهولة التاريخ ، وسوف تسقط متهاوية. إن الديمقراطية طفلة طيّعة إن نظرتها بدقة. تربتها زلقة قد تهوي بك إلى الجحيم، إن لم تدرك كيف تنزلها إلى تعقيدات الواقع ، لتصبح جسداً يشبه الحياة في أقصى قراها ومدائنها. ثم نجري عليها ما نراه منا سباً.

*
كثير منا لا يعرف من الديمقراطية إلا اسمها، أو صناديق الانتخاب في أحسن أحوال المعرفة. ما هي أصولها وماهي وسائلها، وما السبيل إلى تحقيقها في ظل مجتمعات متغيرة قبائلها أو اقتصاداتها أو ثقافاتها. من قال إن الاختبار للشخص بمنحة السلطة، فسوف تعيد تقيمه بعد تعرف كيف يتصرف، فذلك ينطبق على قادة التنظيم.

نحن وقد ارتضينا الديمقراطية منذ 1953، فإننا لم نستكشف ابداعها، فرضينا بديمقراطية وست منستر، لأننا لم نفكر في ديمقراطية غيرها، وربما كان السودانيون أقل خبرة في الشؤون القانونية .وكان الجموع تسابق إلى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955،وتزعمهم الحزب الوحدوي الذي يدعو للوحدة مع مصر، قبل اثني عشر يوماً من إعلان الاستقلال. ولم تستطع لجنة تم تشكيلها من القدرة على تعديل اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953، إذ أجازت الجمعية بمجلسيها في جلسة مشتركة يوم 31 ديسمبر 1955 بما يتسق مع الديمقراطية، فحل مجلس السيادة محل الحاكم العام، واستبعدت السلطات غير الديمقراطية وأجريت بعض التعديلات الطفيفة.

على كل نظام ديمقراطي أن يكون قادراً أن يتخطى رياحاً عاصفة، وخلال أزمة شديدة و طويلة، تزداد فرص الانقلاب على الديمقراطية من جانب حكام مستبدين، يعدون بإنهاء الأزمة بأساليب دكتاتورية عنيفة تقتضي بطبيعة الحال التخلي عن المؤسسات والاجراءات الديمقراطية الأساسية.
إن الثقافة الديمقراطية تساعد الذين يؤمنون بأن الديمقراطية والمساواة السياسية أهداف مطلوبة ، والسيطرة على العسكريين والشرطة، ويجب أن تكون قيادتهما في يد قادة منتخبين بصفة كاملة.
(2)
المؤسسات والنظم التي يجب توفرها داخل المجتمعات التي تحكمها الديمقراطية:
1.موظفين منتخبين:
يعهد إلى موظفين منتخبين من قبل المواطنين .
2.انتخابات حرة ومتكررة:
انتخابات حرة وعادلة ومتكررة، وضبط المال السياسي من التغول على حرية الانتخابات.
3.حرية التعبير:
حرية التعبير بدون خطر العقاب الشديد على الموضوعات السياسية بمعناها الواسع، شاملة توجيه النقد للموظفين والحكومة والنظام والوضع الاجتماعي الاقتصادي والمذهب السائد.
4.مصادر بديلة للمعلومات
من حق المواطنين التماس مصادر بديلة ومستقلة للمعلومات. وغير خاضعة للحكومة أو أي مجموعة سياسية منفردة تحاول أن تأثر في المعتقدات والمواقف السياسية للجماهير، وأن تكون المصادر البديلة تتمتع بحماية القانون.
5.جمعيات مستقلة
الجمعيات المستقلة للحصول على حقوق مختلفة، بما فيها المؤسسات السياسية ومن حق المواطنين تشكيل جمعيات أو جمعيات مستقلة نسبيا، بما في ذلك تشكيل أحزاب سياسية مستقلة ومجموعات مصالح.
6.مواطنة متضمنة
لا يحرم شخص بالغ مقيم بصفة دائمة في الدولة ويخضع لقوانينها من الحقوق المتاحة للآخرين .واللازمة للمؤسسات السياسية، وتشمل حق التصويت في انتخاب الموظفين في انتخابات حرة وعادلة أو الترشيح لشغل وظيفة بالانتخاب، وحرية التعبير وحرية تشكيل والمشاركة في منظمات سياسية مستقلة وحق الوصول لمصادر مستقلة للمعلومات وحقوق الحريات الأخرى. وتوفر الفرص اللازمة للعمل داخل المؤسسات السياسية.
7. فصل السلطات:
فصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية عن السلطة القضائية، مع رقابة السلطة القضائية على الجميع.

(3)
حين يتم لقاء بين الصحافة التلفزيونية مع احد المستشارين في البيت الأبيض مثلاً ، يتم السؤال عن نسبة 0.2 %إلى نسبة 0.4 %، كما تم بالنسبة للنمو الاقتصادي حين أصيبت بوينج 373 ماكس 8 بأزمة خطأ تصنيعي. في حين عندما يُسأل وزير الاقتصاد أو المالية عن النمو الاقتصادي في حكومة البشير ، يجيب ( نمو مقدر ) أو ( ارتفاع مقدر)!!
يكشف السؤال وإجابته أنه لا توجد إحصاءات، ولا شفافية عند الطرف الحكومي، وليس هنالك من معلومات حكومية أو مستقلة!. وذلك يكشف النفق المظلم الذي لم نزل في وسطه.
دعونا نتحدث عن اللامركزية، تلك التي عكف عليها الإخوان المسلمين منذ 1994، فعينوا وزيراً ثم توجهوا إلى اللامركزية بدون معرفتها. وصارت عدد 18 ولاية فيما تبقى بعد انفصال الجنوب، وصارت دار فور 5 ولايات!! وعدد 133 محلية!، ومع ذلك هنالك مركزية متضخمة ، كل القرارات تتم في الخرطوم. وتركت الأقاليم على كثرتها بدون دعم مالي، مما أدى لجمارك على كل السيارات وحمولتها من البضائع، التي تدخل من ولاية إلى أخرى. لقد ترك تنظيم الإخوان المسلمين البلاد بعد 30 عاماً، كما ترك المماليك مصر من 500 عاماً من التهديم.

(4)

التمثيل النسبي:
هو من أكثر نظم الانتخاب شيوعاً في الديمقراطيات الأقدم ،وهو نظام مصمم خصيصاً ليعطي توافقاً بين نسبة مجموع الأصوات المعطاة للحزب في الانتخاب ونسبة المقاعد التي يحصل عليها الحزب في المجلس التشريعي، ولكن ما يتجاهله دعاة نظام الأكثرية، هو أنه في بعض الدول التي تتخذ بالتمثيل النسبي، ثم إقرار برامج إصلاح عريضة بأغلبيات برلمانية مستقرة مكونة من تحالف حزبين أو ثلاثة والعديد من الديمقراطيات ذات التمثيل النسبي في الواقع ، مثل هولندا والدول الإسكندنافية، أمثلة حقيقية للإصلاح البرجماتي المرتبط بالاستقرار.
لماذا لا يصبح نظام الانتخاب بالأكثرية مشتركاً مع تمثيل نسبي؟
لماذا لا تمنح الأقليات الثقافية (فيتو) لكل قوانين تشريعية تؤثر في تلك الأقليات من داخل البرلمان؟

عبدالله الشقليني
30 يوليو 2019


alshiglini@gmail.com

 

آراء