الأَسَدْ الفِي القيْدْ يِنَاتِلْ!
كمال الجزولي
30 March, 2020
30 March, 2020
الإثنين
ها نحن عدنا، والعود أحمد. و«الرُّوزنامة» عانقت أعين محبِّيها، أوَّل أمرها، عام 1999م، ضمن «عدد الثُّلاثاء المتميِّز» الذي كنت أحرِّره بجريدة «الصَّحافة»، أوان صدورها الثَّالث تحت رئاسة صديقي كمال حسن بخيت، رعاه الله وأسبغ عليه ثوب العافية. ومن ثمَّ تنقَّلت «الرُّوزنامة» بين صحف شتَّى، كـ «الرَّأي العام»، و«السُّوداني»، و«الأخبار»، وبعض المواقع الإلكترونيَّة. لكن ما اضطرَّنا للانقطاع الأخير الطويل هو الانتظار، بلا طائل، لما «يتوازن» به «الالتزام الأدبي» الذي لا يباع ولا يُشتري، مع «أكل العيش» الذي لا يساوم ولا يزايد .. ويا لها من «موازنة» لئيمة!
على كلٍّ، فإن الحمد والشُّكر أجزلهما، من بعد الله، لشباب «المواكب» الذين تحمَّلوا مسؤوليَّة تيسير هذه «الموازنة» شيئاً، فجعلوا هذه العودة ممكنة!
و«الرُّوزنامة» فارسيَّة الأصل، في مراجع، كرديَّة، في أخرى، غير أنهـا عالميَّة المعنى، تقابلها، في الإنجليزيَّة، كلمة «calendar»، غير أنني أميل لاستخدام كلمة «diary» محلها، وهي كلمة منحدرة من اللاتينيَّة «diarium»، أو «diaria» في صيغة الجمع؛ وعلى حين تقابلها، في العربيَّة، كلمة «التَّقويم»، أو «السِّجِل»، فإنني أفضِّل استخدام كلمة «اليوميَّات»، وإن تكُ كلمة «الرُّوزنامة» نفسها قد استعربت، فاستغنت عمَّا يقابل أصلها في العربيَّة. و«الرُّوزنامة» قد تكون تجاريَّة، أو حربيَّة، أو حكوميَّة، أو سياسيَّة، أو إبداعيَّة، أو، حتَّى، رياضيَّة، كما قد تكون محض حافظة لوقائع «يوميَّات» متنوِّعة خلال أسابيع، أو شهور، أو، ربَّما، حقب أطول، بحيث تتَّخذ شكل «المذكِّرات» و«السِّيَر الذَّاتيَّة» التي قد يخالط الواقعَ فيها شيءٌ من الخيال، بنسب سرديَّة معلومة. أمَّا في شكلها الشَّخصي، وإنْ نالت حظَّاً من النَّشر، فتتَّخذ شكل «المفكِّرات» التي لطالما حرص على ممارستها، كضرب من تنظيم «اليوميَّات»، أشهر الأدباء والكتَّاب العالميِّين، من ليف تولستوي إلى غسَّان كنفاني، مِمَّن يُعتبر التَّشبُّه بهم فلاحٌ من كلِّ بُدْ!
أخيراً، لئن بدت «الرُّوزنامة»، في أكثر الأحيان، طائراً يحلق بأجنحة الشِّعر، وموسيقاه، وأمزجته، فإنَّها، في حقيقتها، ذاكرة تجترُّ دقائق الحياة اليوميَّة، حلوَها ومرَّها، ثمَّ تندلق بها على الورق، ناقلة هموم الواقع، تعبيراً عن فكر موضوعي، أو ترجمة لمشاعر ذاتيَّة.
الثُّلاثاء
أهداني الإمام الصَّادق، مشكوراً، ضمن مجموعة من مؤلفاته، كتيِّبه القيِّم «فكر المهديَّة» الصَّادر، ابتداءً، مطالع الثَّمانينات، قبل أن يعاد نشره مؤخَّراً. في البداية عرض الإمام، بوجه عام، لانتشار فكرة «المهديَّة» في بيئات العقائد السُّنِّيَّة، والشِّيعيَّة، والصُّوفيَّة، كما في الفلسفات الإسلاميَّة؛ ثمَّ ما لبث أن تتبَّع ذيوع الفكرة من خلال إسلام أهل السُّودان، والأيديولوجيَّة التي قامت عليها تَّعاليم المهديَّة، والمزج الذي اتَّبعه المهدي بين التَّشدُّد في التَّوحيد، وبين المعاني الصُّوفيَّة الواضحة، مركِّزاً، من بينها على الاستخفاف بخسَّة الدُّنيا، والزُّهد فيها، والاستبشار بالبلايا التي في طيِّها المزايا، والمحن التي في طيِّها المنن. هذا ما دفع أكثر المتصوِّفة للانصراف عن الدُّنيا. أمَّا المهدي فإن الصَّادق يلاحظ أن الاستخفاف بالدُّنيا انتهى عنده إلى نتيجة أخرى: الموت جهاداً لإقامة الدِّين.
على أنني وددتُّ لو تناول الصَّادق «المهديَّة السُّودانيَّة» من حيث العلاقة بين «فكر الثَّورة» و«فكر الدَّولة». فالمهدي لم يكن محض داعية ديني، أو مجرَّد متصوِّف زاهد في نعيم الدُّنيا، بل كان قائد ثورة هدفت لهدم سلطة، وتأسيس دولة، و .. بناء وجود مغاير، بالضَّرورة. وقد وفَّرت أيديولوجيَّة «المهدي المنتظر»، مطلع ثمانينات القرن التَّاسع عشر، المناخ الثَّوريَّ اللازم لاستنهاض عموم أهل السُّودان بوجه حكم آل عثمان البغيض، وصياغة صرخة الولادة الأولى للوعي القومي، في مرحلة تكوينه الجَّنيني، بكفاءة نادرة من زاوية الممكن التَّاريخي. فلئن كان بمقدور الأيديولوجيَّة، حين تتغلغل في العقول والوجدانات، أن تحوِّل الجَّماهير إلى قوَّة ماديَّة لا تُقهر، فإن شعوب السُّودان تداعت، بمختلف إثنيَّاتها، لتلبية دعوة «المهديَّة الثَّورة»، لا لتلغي تعدُّد كياناتها، وإنَّما لتتجاوز، إلى حدٍّ كبير، تنافر العنصرين المستعرب وغير المستعرب، ولتنتظم، موحَّدة في تنوُّعها، ومتنوِّعة في وحدتها، خلف قيادة الإمام الفذَّة، وتحت راياته المتعدِّدة، صوب هدف واحد هو الإجهاز على الحكم التُّركي. لقد استوعب ذلك التَّحالف الثَّوري العريض مختلف أشكال التعدُّد الاجتماعي، والعِرقي، والجِّهوي، والقَبَلي، والدِّيني، واللغوي، والثَّقافي، وارتاد بعبقريَّات أبناء الشَّعب «الفقراء الذين لا يُعبأ بهم»، كما وصفهم الإمام، آفاق الأصالة العسكريَّة، والسِّياسيَّة، والاقتصاديَّة، والتَّعليميَّة، والقضائيَّة، وغيرها، في مسيرة واحدة قاصدة. حتَّى القبائل التي تأخَّرت سروجها يوم الزَّحف لم تعدم بطوناً، أو أفخاذاً، أو حتَّى آحاداً من ذوي البأس انخرطوا في عصبة التَّعدُّد السُّوداني تلك، فانطلقت طاقاتها تتدافع، كالحمم البركانيَّة، وسط دوي «النِّحاس» الهادر، وصفير «الأمباية» الصدَّاح، باتجاه «.. القمَّة المنطقيَّة لمواقع النُّموِّ في المجتمع»، على حدِّ تعبير الصَّادق المهدي، من معركة «أبا» وتشكيل مجتمع «قدير»، إلى تحرير الخرطوم، وتأسيس أم درمان عاصمة للسُّودان الطالع، تاريخئذٍ، من رماد القهر، عنوة واقتداراً، نحو فضاء «الرَّايات» الزَّاهيات، و«التَّهاليل» الطليقة، و«الجُبب» المرقَّعة حدائق أمل، وتفاؤل، واستبشار، وألوان عزة، وكرامة، واستقلال، فكيف استحال كلُّ شيء إلى رماد يوم «كرري»؟!
ثمَّة عدَّة عوامل تدفعنا لاعتبار أن «المهديَّة الدَّولة» لم تنهزم، نفرة واحدة، في «كرري»، بل ظلت تنهزم، باستمرار، عبر سنواتها الثلاث عشرة كلها. أحد أهمِّ تلك العوامل مضمون الدَّعوة نفسها. فلئن كان هدف أيَّة ثورة في التَّاريخ استعدال أحوال الدُّنيا لصالح عموم الثُّوَّار الفقراء، فإن هدف «المهديَّة» كان قائماً، للأسف، على «الزُّهد» المطلق في «متاع الدُّنيا»، حيث يقول المهدي ضمن بعض أدعيته في (الرَّاتب): «ولا تجعل في قلوبنا ركوناً لشيء من (الدُّنيا) يا أرحم الرَّاحمين». كما طلب من أنصاره، لدى دخول الخرطوم، أن يبايعوه «على زهد (الدُّنيا) واختيار الآخرة»! وعلق الشَّيخ بابكر بدري على تلك البيعة، في مذكِّراته لاحقاً، بقوله: «لم أعقلها تماماً تلك السَّاعة»!
وفي الحقيقة لم يكن المهدي ينظر إلى «المال» كعلاقات اجتماعيَّة عُرضة للتَّثوير، مثلما للإفساد، وإنما كمحض «وسخ دنيوي» يتوجب الهجر في كلِّ الأحوال. وكان كثيراً ما يردِّد: «لقد دمَّرت هذه (الدُّنيا) وبنيت العالم الآتي». وفي بعض منشوراته: «امتنع عن كلِّ المسرَّات»، وعموماً لم يكن يكلُّ من الدَّعوة لاتِّخاذ الزُّهد ترياقاً مضادَّاً لجوهر الحياة (الدُّنيا) التي يلخِّصها في «فتنة الثَّروة والسُّلطة»!
توفي المهدي، فتحتَّم على خليفته أن ينهض بأعباء «المهديَّة الدَّولة» أغلب سنواتها. فلئن كان مفهوم «الدَّولة» ينطوي، في بعض دلالاته السِّياسيَّة العمليَّة، على الآليَّة التي تدير علاقات الاقتصاد والاجتماع، خلال عمليَّة إنتاج الخيرات الماديَّة، بهدف «إعمار» حياة المنتجين، فإن «المهديَّة الدَّولة»، رغم كل الجَّهد الذي بذله الخليفة في تنظيمها، ظلت قائمة، بإلحاح، على خط التَّناقض الجَّوهري مع هذا المفهوم، حيث كانت مكبَّلة، تماماً، بثوابت مرجعيَّة المهدي القائمة على «الزُّهد» المطلق في «جاه (الدُّنيا) الفاني» و«متاعها الخسيس»، والانتظار الشَّغوف لـ «نعيم الآخرة» وحده. ولمَّا كان ذلك مطلباً عصيَّاً على الفطرة، وطبائع الأشياء، فقد تحتَّم أن تتَّخذ «الدُّنيا المحرَّمة» مسرباً آخر «ملتوياً» يصطدم «الحُلم» فيه بـ «الممارسة»، و«المثال» بـ «الواقع»، حيث الكادحون في جحيم المجاعة، بينما الشَّرائح العشائريَّة المتحلقة حول مركز الحكم المتمثِّل في الحزب التَّعايشي تجني ثمار ولائها لذلك المركز بكلِّ السُّبل.
ذلكم هو، باعتقادنا، أحد أخطر الجَّوانب في «فكر المهديَّة»، والذي أدَّى، برأينا، لسقوط «المهديَّة الدَّولة». ومن ثمَّ تمنَّينا على الإمام الصَّادق لو أنه أولاه عنايته، في كتيِّبه البديع، فأشبعه تحليلاً.
الأربعاء
من يعيد التَّأمُّل كرَّتين في روحيَّة ثورة ديسمبر 2018م الشَّبابيَّة المجيدة سيبدو له، بما يقارب اليقين، أنَّ هؤلاء الشَّباب هم أنفسهم من رسموا، ونفَّذوا، خارطـة الطريق التي كانـت طرحتهـا مفوَّضــيَّـة الاتِّحـاد الأفـريقـي، فـي العام السَّـابق عـلى الثَّورة، متضمِّنة، على وجه الخصوص، مشكلات الصحَّة، والتَّعليم، ومحاربة البطالة، وتمكين الشَّباب من الجِّنسين، وتداولتها قمَّة انعقدت، آنذاك، بالعاصمة الإثيوبيَّة، على مدى يومين، بمشاركة ممثلين لشباب القَّارَّة، تحت شعار «تسخير العائد الدِّيموغرافي من خلال الاستثمار في الشَّباب». لقد عكفت تلك القمَّة على أجندة شديدة الاكتظاظ، حدَّ الفيض، بأشغال ربَّما لم تكن لتكفيها أضعاف أضعاف تلك المدَّة، وهي الأشغال التي لطالما بقيت شاخصة، قبل وبعد كلِّ قمَّة، لتشكِّل «التَّحدِّيات الكبرى» التي لطالما جابهت القَّارَّة، ومن بينها مقرَّرات كثيرة، بعضها إيجابيٌّ بانتظار التَّنفيذ، كالإصلاح المؤسَّسي للاتِّحاد نفسه، وتمويل الاتِّحاد من الموارد الذَّاتيَّة، والموقف الجَّماعي لدول القارَّة من إصلاح مجلس الأمن الدَّولي؛ وبعضها سالب، كقرار الانسحاب الجَّماعي من المحكمة الجَّنائيَّة الدَّوليَّة، وهو قرار غير ملزم كانت أصدرته قمَّة سابقة، ولم يوضع، قط، موضع التَّنفيذ في أيِّ وقت! ومن المقرَّرات الإيجابيَّة القديمة الجَّديدة، أيضاً، فضُّ النِّزاعات المسلحة في القارَّة، وصون الأمن والسِّلم، ومكافحة الإرهاب الذي تمثِّله، بالذَّات، حركة «الشَّباب المسلم» في الصُّومال، وجماعة «بوكو حرام» في حوض بحيرة تشاد ودولة بنين، خصوصاً بعد أن هدَّدت تشاد، جرَّاء نقص التَّمويل، بسحب قوَّاتها التي تحارب الجَّماعة هناك، إضافة إلى التَّحذير الذي ساقته الجَّزائر بأن هناك أكثر من خمسة آلاف أفريقي ينشطون فى صفوف هذه الجَّماعات، ويشكِّلون تهديداً يستدعي التَّنسيق وتطوير التَّعاون الاستخباري بين الدُّول الأعضاء بغرض تدقيق المعرفة بهؤلاء الإرهابيِّين، أفارقة كانوا أم أجانب، ومنع تنقُّلهم داخل القارَّة بمختلف الوسائل، كتحسين إدارة الحدود، ونقاط الدُّخول والعبور. ومن «التَّحدِّيات»، كذلك، معالجة الأوضاع المتردِّية في دولة جنوب السُّودان، ونشر قوَّة حماية إقليميَّة على أراضيه؛ وكذلك الأوضاع التي تشهد، في ليبيا، انقساما حاداً بين أطراف داخليَّة، وإقليميَّة، ودوليَّة؛ إضافة إلى الأوضاع المتخثِّرة في بورندي، وأفريقيا الوسطي، والكونغو الدِّيمقراطيَّة، والنِّزاع الحدودي المتوتِّر، منذ 2008م، بين جيبوتي وإريتريا؛ وبوجه عام وضع خطة عمليَّة لإخراس البنادق التي ما تنفكُّ تلعلع في أرجاء القارَّة، وهي المهمَّة التي كان ينبغي أن يكون قد تمَّ تنفيذها بحلول هذا العام 2020م.
وإلى تلك «التَّحدِّيات»، كذلك، مكافحة الهجرة غير الشَّرعيَّة، والاتجار بالبشر، إذ ما تزال الوكالات والصُّحف وأجهزة الإعلام تتناقل، قبل، وبعد، وبالتَّزامن مع قمَّة أديس أبابا المار ذكرها، أخباراً مقلقة عن آلاف الأفارقة الذين يغامرون بأرواحهم، هرباً من واقع مزر يدفعهم إلى الهجرة عبر الحدود الليبيَّة، ومن هناك، عبر المتوسط، بقوارب مطَّاطيَّة لا تقوى قواعدها الخشبيَّة، غالباً، على تحمُّل اكتظاظهم فوق ظهورها بالمئات، في محاولة مستميتة لبلوغ السَّواحل الإيطاليَّة، مِمَّا يسوقهم إلى حتفهم، للأسف، طعاماً للأسماك في أعماق الأعماق، إنْ لم يقضوا، قبل ذلك، عطشاً، تحت وهج الشَّمس المحرقة، بعد تعطُّل شاحناتهم في قلب الصَّحراء الكبرى!
الطَّابع الأفريقي لهذه «التَّحدِّيات» يتماهى، غالباً، مع طابعها السُّوداني، والعكس صحيح، خصوصاً ما يتَّصل بالاتجار في البشر، والفساد المؤثِّر سلباً على التَّنمية الاقتصاديَّة، والدِّيموقراطيَّة الاجتماعيَّة، والشَّراكة بين دول القارَّة. فلئن كان الاتِّحاد الأفريقي قد أعلن العام 2018م عـاماً لمكافحـة الفسـاد في القارَّة، فإن مكافحـة الفسـاد في السُّودان تعتبر من أهمِّ أهداف ثورة ديسمبر 2018م. ولئن كان اختيار هذه الثَّورة قد وقع على د. عـبـد الله حمدوك ليرأس حكومتها الانتقاليَّة على مدى السَّنوات الثَّلاث القادمات، فإن حمدوك نفسه، الذي صار رئيساً لمنظمة دول الإيقاد، والسُّودان من أبرز أعضائها، هو، في الوقت نفسه، الرَّئيس السَّابق للجنة الاقتصاديَّة الدَّوليَّة الخاصَّة بأفريقيا، والذي سبق أن كشف، من موقعه هذا، أمام المجلس التَّنفيذي للاتِّحاد، فـي الأوَّل من عام 2017م، عن الأثر السَّالب للتَّدفُّقات الماليَّة غير الشَّرعيَّة على التَّنمية والحكامة في القَّارَّة، كما كشف عن أن القارَّة تخسر، بسبب ذلك 80 مليار دولار سنويَّاً، داعياً إلى الحدِّ من هذه الخسارة بترقية التَّعمير في أفريقيا، والمساهمة في تحقيق النَّجاعة الاقتصاديَّة، وتكثيف المبادلات التِّجاريَّة، والاستثمار المحلي، والتَّكامل الإقليمي، ومشدِّداً على تحسين الاقتصاد الكُّلي، ومناخ الأعمال في القارَّة، معتبراً أن الحكم الرَّشيد والاصلاح الاقتصادي ضروريَّان لجذب الاستثمارات، وأن رأس المال البشري عامل أساسي في التَّنمية.
رؤية صائبة من مثقَّف لا ينقصه الإخلاص، وإنْ كانت تنقصه، من كلِّ بُدٍّ، سلطة القرارين السُّوداني والأفريقي. لكن ها هو يملك، الآن، على الأقل، سلطة القرار السُّوداني، فضلاً عن سلطة التَّأثير على القرار الأفريقي، بعد أن وضعت ثورة ديسمبر قدمي البلاد على أوَّل الطريق السَّالك باتِّجاه التَّخلص من معضلتين رئيستين: القمع والفساد!
الخميس
برغم جحيم «الكورونا» المطبقة، وتواتر الاخفاق اللعين، وبرغم الحزن الحرَّاق على فراق ماما عفاف، والذي يكاد لا يبرح القلوب المكدودة، والأعين المسهَّدة، برغم كلِّ هذا وذاك، وحتف أنف جميع البلايا والرَّزايا، عادت الفرحة تتسلل، خفيفة خفيفة، كما أشعة شمس الصَّباح الشِّتائيَّة عبر الشُّرفات، وزقزقة العصافير في أعالي الغصون، وهديل الحمام فوق الأسطح، إلى دار صديق العمر أبو عركي البخيت، فقد هاتفني، مساء اليوم، ينقل لي خبر عقد قرآن ابنتنا الحبيبة د. نيلوفر والباشمهندس القاسم مصطفى محمد حماد، سليل جموعيَّة أم روابة وكواهلتها، والذي يعمل ويقيم بالدَّوحة، فيا ألف أهلاً بالأمنيات تعيد دوزنة الأشياء، وبالزَّغاريد تشرع النَّوافذ على كلِّ الرجاءات، وبالأفراح تقشع الهموم من كلِّ الآفاق.