Navigating (im)mobility: female entrepreneurship and social media in Khartoum Griet Steel جريت استيل ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذه ترجمة وتلخيص لبعض ما ورد في مقال بقلم جريت استيل عنوانه :"ريادة الأعمال النسائية ووسائل التواصل الاجتماعي في الخرطوم" نشر عام 2017م بالعدد السابع والثمانين من مجلة "أفريقيا". ويبحث المقال فيما يعرف اختصارا في السودان بـ "تاجرات الفيس، أي الفيس بوك". والمجلة التي نُشر بها هذا البحث هي دورية أكاديمية مشهورة ظل يصدرها "المعهد الأفريقي العالمي" منذ عام 1928م وحتى الآن. وجريت استيل متخصصة في الأنثروبولوجيا الثقافية، وتعمل الآن أستاذة مساعدة بقسم الجغرافيا البشرية والتخطيط (دراسات التنمية الدولية) في جامعة يترخت الهولندية– بحسب ما جاء في موقع تلك الجامعة – وسبق لها العمل البحثي في بعض دول أمريكا اللاتينية الأقل نموا. وقد أجرت الكاتبة بحثها هذا بالعاصمة السودانية وهي طالبة لما بعد الدكتوراة (ربما عام 2014م أو نحو ذلك). المترجم ********** ********** ********** حكت الكاتبة في بداية مقالها عن تجربتها (وهي في رفقة مساعدها السوداني) وهما في سيارة "أمجاد" مع "المراسلة" الذي كان عليه إيصال بعض أدوات التجميل التقليدية لسيدة ابتاعتها عبر الانترنيت (أون لاين) مستخدمة لتطبيق واتساب. ووصفت الكاتبة الساعات الضائعة في تلك الرحلة (من بحري إلى العمارات بالخرطوم) بسبب ازدحام وسوء الطرق، وفوضى المرور، وغياب لوحات توضح أسماء الشوارع، وذلك في جو خانق شديد الحرارة. وتطرقت لصعوبة التعرف على بيت المشترية بسبب انقطاع الاتصال بالنت، وعدم رد المشترية لاتصالها بها. وكانت تحاول في تلك المقدمة تصوير بعض المشاكل العويصة التي تجابهها النساء السودانيات بصورة يومية عند الخروج من البيت. فقد صار من المستحيل التنبؤ بمجريات الحياة لهن (ولغيرهن)، إذ أن وجود الأشياء وعدمها صارمن العوامل المُؤَسِّسة structuring factorsفي الحياة اليومية بالبلاد. وتحاول الكاتبة في هذا المقال أن تحلل بنهج أنثروبولوجي، الكيفية التي تقوم بها النساء السودانيات بالتأقلم وتحويل البنية التحتية للهاتف المحمول لأغراض تجارية. وللهاتف المحمول أغراض معلومة في الحياة اليومية. غير أن مسألة استخدام الهواتف الذكية في الأغراض التجارية (خاصة في المجتمعات الأفريقية) لم تظفر بكثير من الدراسات. ولهذه المسألة أهمية خاصة بالنسبة للسودانيات اللواتي يواجهن صعوبات مادية تحد من حركتهن الجسدية بسبب عوامل عديدة منها عوامل الأيديولوجيات الدينية، والنوع (الجندر)، وتفضيل المجتمع للحياة المنزلية / "الاستدجان" (domesticity) لهن. وفصَّلَ المقال في كيف أن عمليات الهواتف المحمولة سهلت ظهور أنواع جديدة من الأعمال التجارية النسائية التي تدار من المنازل، فيما يعرف في الخرطوم بـ "تاجرات الفيس" (لعل الصحيح هو تَوَاجِر الفيس. المترجم). وهؤلاء "التاجرات" يستخدمن الهواتف المحمولة الذكية لبيع البضائع المتنوعة مثل الثياب والعطور وأدوات التجميل رقميا (ذكرت الكاتبة أن البائعات يسمين تلك العملية بالـ "شخاتة shakhatah"، وذكرت بأن مساعد بحثها السوداني فسر لها تلك الكلمة الدراجة بأنها تشير إلى الصوت الذي يصدره الهاتف عند تحريك الصورة على الشاشة !؟). وازدادت في السنوات الأخيرة أعداد وشعبية ونطاق أولئك البائعات الرقميات، خاصة بعد انتشار استخدام الهواتف الذكية. غير أن الأدوار التي تؤدينها أولئك النسوة ما زالت مَخْبُوءة في داخل الاقتصاد الحضري لأنهن يعملن من بيوتهن (تندرج تلك الأعمال تحت بند "الاقتصاد الخفي" أو "اقتصاد الظل"، إذ أنه غير مدرج في الناتج المحلي والدخل القومي ولا يقع تحت مظلة الدولة، ولا تُدفع عنه أي ضرائب. المترجم). وبالإضافة لذلك، فالتجارة الاليكترونية في مدينة أفريقية هي ظاهرة حديثة تخالف الصورة النمطية للتاجرة الأفريقية في المجتمعات الأكثر فقرا التي لا تعمل في المدينة إلا بسبب الحاجة الاقتصادية الملحة. وبالمقارنة مع التواجر الأفريقيات الفقيرات، نجد أن "تاجرات الفيس" متعلمات تعليما جيدا، وينتمين للطبقة الوسطى والعليا، ويسكن في أرقى أحياء المدينة، وأحوالهن الاقتصادية مستقرة ومريحة نسبة لأن أزواجهن أو أقربائهن يعملون في وظائف تدر عليهم دخولا جيدة. وتمارس هؤلاء النسوة تجارتهن بتطبيق (واتساب) أو (فيس بوك)، ويقمن في ذات الوقت بتوسيع دوائرهن المهنية والاجتماعية والإبحار في الحياة العامة باعتمادهن على هواتفهن الذكية، وعلى الصبية (المراسلات) والاتصال الرقمي (أون لاين)، وكل ذلك من بيوتهن ووسط أسرهن. وبهذا العمل (من البيت) أفلحن في تجاوز المعايير التقليدية الجنسانية (الجندرية)، والتقسيمات الكلاسيكية بين ما هو عام وخاص، وظاهر وخفي، والعمل والعائلة في المجتمع الإسلامي السوداني. والتجارة (الرقمية) عند أولئك النسوة تختلف بالطبع عن التجارة التقليدية التي تمارسنها النساء في الأقاليم البعيدة (مثل دارفور وجنوب كردفان) في أسواق يتحكم فيها الرجال، وتختلف أيضا عن "الدلاليات" اللواتي يطفن بالبضائع المستوردة من باب إلى باب في أحياء الطبقة الوسطى والعليا. وتطرقت الكاتبة في جزء آخر من مقالها عنوانه الجانبي "الرغبة في الشغل" إلى حالة سيدة (أعطتها اسما حركيا هو سارة) تخرجت في كلية علمية وعملت كمساعدة تدريس لفترة قصيرة. وبعد الزواج والانجاب لم تستطع التوفيق بين العمل والبيت، فقررت – بالتشاور مع زوجها – ترك العمل والبقاء بالبيت لتربية طفلها. ثم قررت أخيرا البدء في عمل تجارة عبر الانترنيت مع صديقات سودانيات في السعودية وإسبانيا. وترى الكاتبة أن حالة تلك السيدة توضح السياق الذي يجب أن توضع فيه نشاطات "تاجرات الفيس" في الخرطوم. فالكثير منهن متعلمات تعليما عاليا (ومعظمهن من خريجات جامعة الأحفاد النسوية)، غير أنهن لم يجدن وظائف في مجالهن، أو تزوجن وأنجبن طفلهن الأول، أو كان أزواجهن غير راضيين عن عملهن خارج البيت (على أساس أن الانفاق في البيت هو مسئوليتهم، وأن عمل زوجاتهم خارج المنزل دون حاجة مادية ملحة قد يقدح في سمعتهم كـ "رجال مسؤولين"). وتنظر غالب النساء إلى الانتقال من وضعية "المرأة المهنية المتخصصة" إلى وضعية "ربة البيت" نظرة سلبية. إلا أن معظمهن (مثل سارة) يجدن أن القيام بشؤون ومسؤوليات البيت قد حد من نشاطاتهن وحركتهن المهنية. لذا فقد لجأن للتجارة من البيت بغرض مجابهة الشعور بالانعزال الاجتماعي الذي يصاحب حالة كونهن "ربات بيت"، ولتمديد الفضاء الاجتماعي الذي يتحركن فيه إلى ما وراء جدران البيت. وكن يخشين أيضا من نتائج العمل خارج البيت على أطفالهن وسمعتهن في المجتمع كـ "ستات بيت" أو "متدينات" أو "أُمّات عظيمات". ويجدر بالذكر أن كل واحدة من "تاجرات الفيس" تم سؤالها كانت لها خادمة منزلية "شغالة" تقوم بالطبخ والنظافة وغير ذلك من الخدمات المنزلية. غير أنهن كن مترددات أو لا يثقن في ترك أطفالهن في رعاية "الشغالات". وتقول كثير من البائعات عبر الانترنيت أنهن ولجن ذلك العمل من باب التسلية البريئة في البدء، إذ كن يتبادلن صور المنتجات الاستهلاكية في (فيس بوك) وغيره من الوسائط على سبيل التجربة، وفي محاولة لإنعاش روتين "ربة البيت" في ساعات اليوم الطويلة. ثم أتت الاستفادة المالية من ذلك العمل لاحقا، بعد أن أعلن عن رغبتهن في بيع بضائع بعينها، أولا في أوساط القريبات والصديقات، ثم لعامة النساء (من الثريات في الغالب). ويستلزم النجاح في ذلك الضرب من التجارة عبر الانترنيت تحديث البائعات لصفحاتهن في (فيس بوك) وغيره من الوسائط، وجعلها جذابة للمشتريات لتنال رضاهن وثقتهن، وتوسيع دائرتهن الاجتماعية، ونيل تعليقات إيجابية على ما ينزلنه من منشورات (بوستات) تحتوي على الكثير من الكلمات اللطيفة والرموز (emoticons) المضحكة. وكل ذلك من أجل بناء شبكة رقمية ناجحة تجاريا. وتفضل بعض المشتريات استخدام تطبيق (واتساب) لأنه يوفر قدرا كبيرا من الخصوصية للنقاش (والمساومة) مع البائعة حول الأسعار ونوعية الطلب الخ. ورغم سهولتها الظاهرة وإمكانية نجاحها في وقت قصير، إلا إن التجارة عبر الانترنيت من البيوت لا تخلو من بعض المشاكل، فهي تستهلك الكثير من الوقت، خاصة عند توسع النشاط التجاري. وتقر بعض "تاجرات الفيس" بأنهن يقضين ساعات طويلة (تمتد أحيانا إلى الرابعة أو الخامسة فجرا) من أجل الرد على طلبات الزبونات وترتيب مواعيد تسليم البضاعة المشتراة، وهذا من شأنه أن يحرمهن من راحة مستحقة، ويسلبهن القدرة على تقسيم جدول العمل بين المسؤوليات العائلية والنشاط التجاري عبر الانترنيت. ومن مشاكل تلك التجارة أيضا ضعف شبكة الانترنيت في الخرطوم وعدم موثوقيتها طوال اليوم، إضافة لارتفاع تكلفتها المادية، والاعتماد على إيصال البضائع عن طريق (مراسلات) يتقاضون أجرا. وتحاول بعض البائعات عبر الانترنيت حل مشكلة توصيل البضائع بإرسالها مع سائق عربة "أمجاد" أو بوضعها في محل تجاري يمكن للمشترية استلام ما اشترته منه. خلصت الكاتبة إلى أن "المشروع الإسلامي" بالسودان، وما جد في المشهد الحضري بالعاصمة من تجارة عبر الانترنيت، حد من حركة وتنقل النساء جسديا. ولم يعد على كثير من نساء الطبقة الوسطى والعليا أن يخرجن من بيوتهن للتسوق بسبب توفر وسائل الاتصال الرقمي. غير أن نشاطات النساء عبر الانترنيت فتحت لأولئك النسوة العاملات في تلك التجارة فرصة الحصول على فضاءات بديلة لتطوير أعمالهن التجارية وإقامة شبكة من الاتصالات مع العالم الخارجي. وأتاحت نشاطات المرأة عبر الانترنيت لها التحول من العمل خارج بيتها إلى العمل بداخله، والاستفادة الاقتصادية من وراء ذلك دون تعريض التوقعات الاجتماعية المبنية على الطبقة والنوع (الجندر) والدين للخطر. كذلك ساهمت تلك النشاطات في تقوية العلاقات بين النساء، وخلق "فضاءات نسائية" وتداخلات اجتماعية (social interactions) خاصة بينهن، وفي قدر من التخلص من صورة "ربات البيوت" السلبية عند (بعض) المتعلمات منهن، بعملهن من البيت، إضافة لقيامهن بشؤون عوائلهن، أي بجمعهن بين العمل والعائلة. ينبغي إيلاء مزيد من الاهتمام بالبحث في شأن التداخل بين البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والتقنية عند تناول أمر دور النساء في اقتصاديات الدول الافريقية.