الجنائية الدولية والجلسة الاولي في محاكمة الحركة الاسلامية السودانية
بعد اكثر من عام علي سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير عن طريق الثورة الشعبية والانتفاضات المليونية التي عمت شوارع العاصمة السودانية وبقية مدن البلاد وبقاء الحال علي ماهو عليه خاصة علي الاصعدة العدلية والتعامل الروتيني الممل مع التركة القانونية المثقلة لجرائم وانتهاكات النظام المباد وعدم قيام اي محاكمة جادة لرموز النظام السابق ماعدا عمل لجنة ازالة التمكين بابعاده القانونية التي تمهد لمحاسبة مراكز القوي الاقتصادية والمافيات الاخوانية من خلال الجهد الذي يحظي بتقدير اغلبية الشعب السوداني.
تشاء الاقدار ان تشهد مدينة لاهاي ومقر المحكمة الجنائية في مدينة لاهاي الهولندية وليس العاصمة الخرطوم غدا الاثنين اول محاكمة حقيقية لنظام الانقاذ والحركة الاسلامية السودانية ومؤسساته العسكرية الغير مشروعة وميليشياته ومن بينها ما يسمي بالدفاع الشعبي الذي تمت الاشارة اليه بصورة مباشرة ضمن الحديث عن هوية وخلفية المطلوب علي كوشيب.
سيقف الشخص المشار اليه في قفص الاتهام والطاولة الانيقة التي اعتاد المطلوبين لهذه المحكمة من قيادات شعوب العالم النامي الجلوس عليها عند محاكمتهم.
غدا الاثنين الحادي عشر صباحا بتوقيت مدينة لاهاي سيمثل علي كوشيب امام قاضي الجنائية الدولية عبر جلسة تمهيدية روتينية حيث من المتوقع ان تقوم اجهزة الاعلام والصحافة والتلفزة الدولية بتغطية ومتابعة من علي البعد لمراسم الجلسة الاولي في جرائم الحرب والابادة التي ارتكبت في اقليم دارفور السوداني ما استطاعت الي ذلك سبيلا بسبب الغياب الاعلامي المباشر والتغطية الحية لذلك الحدث الدرامي الكبير الذي فرضته الظروف الصحية المعروفة.
ومع ذلك سيتحول السيد كوشيب وخلال ثواني معدودة بعد بداية تلك الجلسة الي نجم من النجوم في العناوين الرئيسية للصحافة ومحطات التلفزة العالمية في ترتيب غير منطقي لتطورات الاحداث عندما يغيب الجناة الكبار الذين خططوا ونفذوا تلك الجرائم والانتهاكات المريعة التي لم يشهد السودان لها مثيل منذ ميلاد وتاسيس الدولة السودانية ليظهر في بداية المحكمة هذا السفاح العصابي المغمور الذي كان بمثابة ذراع قذرة استخدمه نظام الحركة الاسلامية في ارتكاب تلك الفظائع واستباحة الدماء والارواح دون ان يرمش له جفن بعد ان منحوه الضوء الاخضر من خلال مؤسساتهم القمعية والفاشية فاصبح يفاخر بالقتل والحرق والاستباحة والتنكيل بالناس حتي بعد سقوط النظام ..
لقد تعرض السودان خلال تاريخه المعروف الي غزو دامي واحتلال طويل الامد استمر لعقود طويلة بعد مواجهات دامية هزمت فيها المقاومات الوطنية تحت رايات الثورة المهدية الغزاة والمحتلين وقتلت رموزهم العسكرية واجبرتهم علي الخروج من البلاد ثم عادوا مرة اخري وسالت من جديد انهر من الدماء وثق لها الادب القومي والنشيد الوطني وتداول وقائعها وتفاصيلها الناس في السودان ولكنها تبقي في الذاكرة الوطنية وفي اطابير التاريخ العسكري للمحتلين معارك جرت مع مقاتلين اقوياء وشجعان لم يتورطوا في عمليات انتقامية او قتل جماعي او استباحة للدماء والارواح لمن وقع في ايديهم من مرتزقة الاحتلال وجنوده واتباعهم المقيمين مع اسرهم وعوائلهم في العاصمة السودانية ومدن البلاد الاخري من طوائف واقليات دينية كما هو مدون في ارشيف الاحتلال البريطاني للسودان.
لقد كثرت التكهنات وتركزت علي وصف السيد كوشيب بالصندوق الاسود لجرائم دارفور الذي سيتحول الي مايشبه شاهد الملك ضد اباطرة الحركة الاسلامية الذين اطلقوا الرصاصة الاولي في دارفور واحرقوا الاقليم المنكوب بعد صراعهم علي السلطة علي خلفية الانقسام المعروف بين جماعة المرشد والاب الروحي للجماعة الدكتور حسن الترابي وتلميذه علي عثمان محمد طه.
من المؤكد ان التحقيق الذي سيعقب الجلسة الاولي لمثول علي كوشيب امام المحكمة الجنائية سيكشف عن الكثير المثير الخطر عما جري في كواليس نظام الترابي - البشير بطريقة قد تستدعي صدور اوامر قبض اخري لعدد من الشخصيات الرفيعة في الحركة الاسلامية السودانية مثل السيد علي عثمان محمد طه الذي سيكتشف الناس انه كان الحاكم الحقيقي للسودان منذ ذلك التاريخ وحتي لحظة سقوط النظام.
من بين الاشخاص الذي يحتمل تعرضهم للملاحقة القانونية بسبب جرائم دارفور في مستقبل الايام بعض العسكريين الاسلاميين والقيادات الامنية من عضوية مايعرف بالمؤتمر الشعبي وفيهم من ينادي اليوم وبحماس مصطنع بتسليم البشير الي الجنائية الدولية ظنا منهم ان الامر سينتهي بوصول البشير الي لاهاي.
ستكتفي المحكمة الجنائية الدولية في النهاية بمحاكمة بعض قيادات النظام السابق السياسية والامنية من عضوية الحركة الاسلامية ولكنها ستفرض علي السلطة الانتقالية الراهنة او اي حكومة مستقبلية في السودان محاكمة بعض الشخصيات التي تورطت بشكل مباشر في تلك الانتهاكات من غير الاسلاميين لانعدام الدوافع العقائدية والسياسية لديهم ولعدم قدرة المحكمة الجنائية الدولية علي محاكمة عدد اخر من المتورطين في تلك الجرائم والانتهاكات.
الجيش السوداني الذي ظل مختطف بواسطة الحركة الاسلامية علي مدي ثلاثين عام بواسطة الحركة الاسلامية والميلشيات التي ظلت تدعم عملياته العسكرية في دارفور واجزاء اخري من البلاد خاصة مايعرف بقوات الدفاع الشعبي سيكون حاضرا بقوة في محاكمات المحكمة الجنائية الدولية في مرحلة التحقيقات وحتي لحظة صدور احكام تتبعها حيثيات قانونية قد تتضمن ادانة قانونية واخلاقية لتلك المؤسسة القومية الوطنية دون ذنب بينما هي تقع عمليا ضمن المجني عليهم من مؤسسات الدولة السودانية التي استهدفتها الحركة الاسلامية التي حلت محل الدولة السودانية بعد الثلاثين من يونيو 1989 بطريقة مشابهة للتجربة الخمينية في ايران.
القوات المسلحة والجيش القومي في السودان سدد الثمن بعد استيلاء الحركة الاسلامية علي الحكم من خلال التشريد وعملية الاحلال والابدال المنهجية اضافة الي قتل عدد كبير من ضباطه المهنيين خلال ساعات معدودة ودفنهم في مقبرة جماعية .
الواجب الوطني والاخلاقي يحتم علي قيادة الجيش السوداني والقوات المسلحة الراهنة التحسب واستباق اي تطور غير محسوب من خلال المحاكمات الدولية التي اصبحت امر واقع وذلك بالاسراع بعملية ابراء ذمة بالحق لجيش البلاد الوطني من الذي جري في دارفور استنادا الي الوقائع السابق ذكرها وماحدث لجيش البلاد بعد انقلاب الحركة الاسلامية واصدار قرارات واضحة ومسببة بحل ماتعرف بقوات الدفاع الشعبي وتطهير الجيش واجهزة الامن من عضوية الحركة الاسلامية والمتهوسين العقائدين واحلالهم بكوادر من التكنوقراط الاكاديمي والمهني من غير المتحزبين والابقاء علي الجيش القومي للبلاد بعيدا عن صراعات السياسة والتحزب .
غدا الاثنين سيظهر السفاح علي كوشيب امام عدالة المحكمة الجنائية في لاهاي كاول سوداني يمثل امام محكمة اجنبية ليتذوق مرارة القهر والاهانة جزاء ما ارتكبة من عدوان وانتهاك للحرمات وتنكيل وقتل للابرياء الذين وقعوا بين مرمي نيران الاسلاميين المتقاتلين علي السلطة...
ولكن الحركة الاسلامية بمؤسساتها السياسية والعسكرية والامنية ستبقي هي المتهم الاول و الرئيسي امام العدالة الدولية في ترتيب قدري اكثر منه تطور سياسي وانتقام الهي سيلاحقهم جيلا بعد جيل ..