تم طلب إعادة نشر هذا المقال الذي يعني بالسياحة، خصوصا بعد أن شارفت جائحة كورونا على الإنتهاء، وقدوم فصل الخريف المطير في بلاد السودان. الوقت الذي يعود فيه كل من غاب لأهله وذويه بسبب الجائحة المباغتة، والوقت الذي يأتي فيه أهل السودان من دول الشتات، وربما أتى معهم من يرافقهم من سياح زائرين للبلاد. أتقدم هنا بمقالي مرة أخرى للنشر، وأتمنى للقراء الإستمتاع بمحتواه المتواضع، مع سابق إعتذاري لهم لطول المقال. شكري الجزيل أيضا للأخوين الأستاذ طارق الجزولي (مملكة السويد)، صاحب المؤسسة الصحفية على نشر المقال مرة أخرى، والدكتور عبد المنعم العربي (المملكة المتحدة) غلى توصيل الرسالة التي توصي بإعادة نشر هذا المقال. دمتم الأثنين بخير، ومع أطيب التحيات والتمنيات - أخوكم حسن. *** الجانب المنسي: السياحة هي جانب من الجوانب المنسية في بلادنا، والتي تدر الدخل الوفير على كثير من بلدان العالم، لا سيما دول القارة الأفريقية بأجمعها، وبغض النظر عن تطورها وتقدمها. وهذا بسبب ما تقتنيه دول القارة السمراء من أجناس وأعراق وطبيعة وثروات، تختلف في تنوعها على إمتداد القارة أم القارات. نجد فيها على سبيل المثال، الإختلاف في مزاج الإنسان، العادات والتقاليد والتضاريس الجغرافية والخلفية التاريخية، وفي كل بلد على حدة. نجد فيها بدائية الحياة وبساطة الإنسان بطبيعته، في وقت يركض فيه إنسان العالم الحديث لاهث وراء العمل لكسب المال والبحث والإستكشاف أكثر وأكثر. ولكن كما هو حال الإنسان في سعيه ودأبه، وبعد الوصول إلى قمة الشجرة وبلوغه لآخر فروعها، ينبرش منبطحا على بطنه، يرجع عبر ساقها، ليعود مرة أخرى للجذور ويتشبث بها لا محالة. يكسر السائح القيود المكبلة له، للخروج بنفسه من روتين الحياة اليومية الممل، وهذا بالرغم من وصوله لما يروم من أهداف. ويكون آخر تاج يكلل به نجاحه، هو إكتشاف من نوع آخر عن طريق الصدفة. إكتشاف الحياة التقليدية "الحياة البسيطة" على أصولها. ووقتها يجد السائح نفسه سعيدا بإكتشافه، بأنه كائن حي له قلب نابض، وكائن حر وطليق يستنشق عبير الحياة. وعندها تتجسم قمة فرحته في تذوقه وإنتشاءه لحياة جديدة كطفل وليد - الحياة في أبسط تركيباتها وصورها، ومعايشته للشعوب الغريبة عليه على سجيتها - مما يعني بشكل غير مباشر "العودة من جديد للجذور" - وبه يتم الإبتهاج لأشياء غريبة مثل: تمعن حجر ملقي، أو الوقوف على باب مخلوع، أو دخول مبنى قديم، أو تفرس وجه بشوش، أو حتى الإرتياح لشمس تحرق جلود أهلها بتشفي في كل يوم. بل حينها يتم الإحتفال بأشياء عجيبة مثل: دندنة زنبور، أو سباحة سمكة، أو تغريد عصفور، أو مواء قطة، أو نباح كلب أو خوار ثور. أشياء نعتبرها نحن لا تستحق المتابعة، نتجاهلها في حياتنا اليومية ونعتبرها من سفاسف الأمور، ونرى في متابعتها ضرب من ضروب قلة شغل الإنسان. بل هي في منظور الإنسان المحروم منها أو المتذوق للجماليات: نغم - وإيقاع - وإستمرار الحياة - ووجود الكونية في سكونها العميق.
ثروات نادرة: للنهوض بالسياحة أو للوصول بها إلى قمة الهرم، لا بد لنا من حصر ما نملك من مقتنيات سياحية قيمة وإرث تاريخي عظيم، والتي يجب علينا من بعد حصرها، المحافظة عليها، تنميتها وتسهيل سبل الوصول إليها. لا بد من الوصول للسائح في مكانه، ربطه بالهدف، توفير ما يمهد له لرحلته من سبل، وما يكفي لإقامته ولراحته لعدة أيام: الدعاية السياحية الوافية، مكاتب السفر المعتمدة، الطائرات أو السيارات أو البصات المعدة، المطارات المجهزة، المترجمين المدربين، الإلتزام بمواعيد الرحلات ذهابا وإيابا، توفير ماء الشرب النقي، سبل التبريد والتكييف المناسبة، المنازل المريحة، بيوت الأدب النظيفة، والحمامات المكتملة، دلالت التوضيح من لافتات لأسماء المناطق والقرى والمدن، والتدقيق في إجراءات السلامة التي تتمثل في لافتات توضح تعرجات الطريق، بعد المسافات، وتحديد السرعة القصوى للسفر، وغيره من ضروريات وأشياء هامة للحد من حوادث الطرقات التي لا لزوم لها. ثم يأتي من بعده دور المواقع، الأثرية التي يرغب في عرضها للسائح: الدور والمتاحف، المعابد والإهرامات، المساجد والكنائس، القباب والمزارات، والسبل الموصلة لها. المدارس التاريخية والجامعات التذكارية، تاريخ تأسيسها وقصصها. مناطق الثروات السمكية والحيوانية والزراعية (جبال التاكا، البحر الأحمر، حظيرة الدندر، الجزيرة المروية، جبال النوبة، جبل مرة، وغيره). مجرى نهر القاش وما يرتبط به من مزارع، نهر النيل (أبيضه وأزرقه) وما يرتبط به من بحيرات ومستنقعات وشلالات وجزر. ويمكن الإيفاء بالبعض من معالم بعيدة يتعذر الوصول إليها، في إطار الشرح التفصيلي أثناء الرحلات النيلية أو غيره من رحلات، على سبيل المثال "منبع نهر النيل ومجراه". وهنا يمكن إستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة المترجمة، لتوضيح التفاصيل للسائح أثناء رحلته وبلغات عالمية عدة. كما يجب عدم نسيان التعددية الإنسانية في البلاد (الثروة النادرة التي لم تكتشف بعد حتى من قبل أهلها)، حركة القبائل الرعوية والقبائل الرحل بماشيتهم، بحثا عن الماء والكلأ، أو للتسويق أو التصدير. ولا يمكن للنهضة السياحية أن تكتمل بإهمال الصناعات اليدوية والتقليدية، بداية بمنتجات سعف النخيل، خشب الأبنوس، والمصنوعات الجلدية والعظمية. كما يجب عدم الوقوع في خطأ تسويق منتجات الحيوانات ذات الحماية الخاصة، والممنوعة التسويق عالميا، مثل جلود الأصلة، جلود الفهد، وعاج الفيل لصنع (الختم، القوايش، العقود، التحف، المحافظ، الحقائب، الأحذية، وغيره من أشياء).
شارع الغابة: ومن هنا وقفة إحترام وتبجيل لأخواني الأعزاء - التحية والتجلة هنا لصديقي وأخي قرقين ورفاقه الكرام - في شارع الغابة بالخرطوم. يجب الإهتمام بهؤلاء الحرفيين الأكفاء، كما يجب تصديق أماكن عمل دائم لهم، تنظيم عملهم بطريقة حديثة ومواكبة، وتأمينه وتطويره للمقام الذي يرقى به. هؤلاء الفنانون الصامتون، الصامدون، العاملون بصبر في الخفاء، ولما يبذلونه من جهد جهيد تحت أشعة الشمس وحر الهجير. الجلوس على مستنقعات المياه الراكدة في فصل الخريف، لإظهار الوجه الناصع للبلاد "بشقيه، شماله وجنوبه" من خلال فنونهم الجميلة وصناعاتهم اليدوية القيمة، التي تباع وتصدر في كل يوم ولكل دول العالم. كل هذا المجهود الجبار من تحت طاولات عرضهم الخشبية البسيطة، وهم يهربون كل يوم من أشعة الشمس، بالجلوس تحتها هذه الطاولات لتقيهم حر الشمس المدارية.
متطلبات السائح: فهم السائح، الايفاء بإحتياجاته الضرورية، وإستيعاب هدفه من الرحلة هو علم قائم بذاته. مجال يعمل فيه خبراء متمرسون، يجرون دراسات متواصلة لتطويره، ويعملون بدورهم على جذب السائح من عقر داره (المجال المجواد الذي يتجاذبه الكل للإستحواذ عليه). كثير ما نفهم السائح فهم خاطيء: نظن أنه كائن حي غريب يأتي لنا من بعيد عطش وجائع وتعب. نعم نحن كريمين وأهل الكرم، ولكنا نبالغ أحيانا في الكرم، الصفة التي لا يجارينا فيها شعب آخر من شعوب هذا العالم الكبير. نأتي للسائح بما نملك وما لا نملك. نستأثره على أنفسنا. هناك من السياح من يفهم أنه كرم سوداني فياض، ولكن القليل يتجاوب معه، خصوصا عندما نحرج السائح بالمبالغة في الكرم. نعزمه ونلح عليه على المواصلة في الشرب أو الأكل والإستلقاء للنوم، حتى بعد أن يرتوي ويشبع ويستجم. فمن السياح من يتساءل: ماذا يريد مني ابن آدم هذا؟ البعض يشعر بالحرج من بزخ إنسان، هو في حقيقة الأمر في أشد الحوجة لما يقدمه للغير. هناك من يشعر بتورطه في وليمة ثرة، يصعب عليه أن يرد أقلها للشخص المستضيف.السائح مخلوق قنوع، تكفيه خيمة، قليل من الزاد، وقطرات من الماء. السائح لا يقع من السماء كما يخيل لنا، يجمع معلومات كافية عن البلد وأهله بقراءته للكتب عن رحلته قبل الشروع فيها، ويفكر في البلد الذي يهم بزيارته مبكرا. يقتصد في كل شيء، حتى في إستخدامه للماء، خصوصا عندما يعلم أن الناس هناك يعانون من شح في ماء الشرب. البعض من السياح يمتنع عمدا عن الإستحمام لعدة أيام، ويكتفي بمسح جسمه بالماء حتى يجد نهرا أو بحرا يسبح ويغطس فيه. وهناك ضرب من ضروب السياح، محبي الطبيعة: يعود بعد رحلة طويلة لبلاده من دون الإستحمام (يعتبر أنه في رحلة مغامرة من حين مغادرته لبلاده إلى حين عودته، ويكون مبسوط للغبار العالق بملبسه والعرق الجاف على شعره وجبينه، بل متكيف لرائحة جلده وأبطيه، فيجب ألا نجبره على الإستحمام). مقصد السائح الأول هو رؤية أكبر عدد ممكن من المعالم في أول يوم من قدومه للبلد الذي يزوره وحتى الرجوع منه. وربما غضب أو ثار السائح ليوم يمر أو ينقضي عليه، دون أن يرى فيه معلم سياحي واحد - مثلا إذا تعطلت رحلته (الطائرة، السيارة، البص)، أو مرض أو منع أو سجن. السائح ينتشي الأحداث المفاجئة والجلسات الخاطفة أكثر من الولائم الثرة التي تكبله مكانا، وتقيده زمانا. فنجد أن الأغلبية العظمى منهم كضيوف وزوار في الديار، يحبذون كوب ساخن من الشاي أو القهوة عما سواه من الوجبات الغذائية الدسمة.
بلاد العجائب: فالننظر للتعامل مع السائح في بلاد العجائب: يأتي السائح زائرا، وتكن أمنيته الأولى التوثيق لرحلته، بأخذ صور تذكارية له ولأسرته ولأصدقائه. يتفاجأ عندها السائح "شقي الحال" بمنع التصوير، ويعجبك الأمر بعد أن يظهر له فجأة رجل أمن متربص في الخفاء، ومنبلج من بين وهج سراب الظهيرة. يظهر له بزيه الملكي، يقدم نفسه بمكر ولؤم، ينهي ويأمر، ويتعامل مع الضيف الزائر كالكلب المسعور. الأمر الأول والأخير: ممنوع التصوير. عندها يبدأ الفحص والتفتيش - التفتيش حتى في الأشياء الخاصة للسائح. هنا يزداد الشد والجذب، ويحتد النقاش، والذي ينتهي أحيانا بالسب أو الضرب أو السجن أو الثلاثة معا. وهذا خصوصا إذا ما كان المرافق للسائح سوداني، وشعر وقتها بالإستفزاز المباشر من رجل الأمن... هكذا تعقد الأمور، ولا تحل المشاكل... وتتفجر القنبلة الموقوتة التي يخشاها الجميع... عندما يتدخل السائح "الضيف الزائر" لفض النزاع الدائر بين شخصين، هم في الحق أهل "أهل بلد"... ووقتها يتفاجأ السائح في رحلته "بنوع آخر من الحروب الأهلية"... ويأتي الفشل، عندما يتحول "الضيف لحجاز". هنا نسقط سويا في نظر السائح... ونفشل في آداب الإستضافة وفن التعامل... ووقتها لا يفيدنا كرمنا الفياض، ولا ينفعنا ما نملك من ثروات متدفقة أو إرث تاريخي ثري. ووقتها يغيب الإحترام للسوداني المقيم، ويتلاشى التقدير للسائح أو للضيف الزائر. السائح الذي ربما علقت بذاكرته آخر حدث "آخر شكلة عندنا" عما سواها من آثار ومعالم.
سؤالين هامين: أولا كيف نريد أن ننهض بالسياحة في بلادنا من بين بلاد العالم، إذا ما كان يعد تصوير المواطن أو ضيفه الزائر للمواقع التاريخية والأثرية في حد ذاته جريمة ترتكب؟ وثانيا: بأي الوسائل نريد أن نوثق لموقع تاريخي أو إرث سياحي نمتلكه ونفتخر به؟
معالم الشارع: ربما أسعف السائح الحظ في التصوير وأخذ بعض اللقطات. عادة ما يحل به الأمر في الأسواق، والتي ربما أعطت واجهة ملائمة لإلتقاط بعض الصور التذكارية عن غيرها. لنفتح الحديث عن الشارع، ولنبدأ بالأسواق التي شاع فيها إستخدام مكبرات الصوت لجلب الزبائن من بعيد" تدخل السوق، وكأنك قد دخلت خلية نحل". هذا النوع من التقنيات الرخيصة تكلف البائع والمشتري والزائر أثمان باهظة. تجد أحيانا بعض المتسوقين وبصحبتهم أطفال صغار أيضا. الشيء الذي يؤثر على حاسة سمع الشخص الكبير، ناهيك عن الأطفال الصغار. إستعمال مكبرات الصوت لمثل هذه الأغراض وعلى مدار اليوم يؤثر على حواس وأعصاب الناس، يولد العدوانية ويؤدي لتفشي الجريمة في الأسواق. ربما حان الوقت للنظر في فعالية إستعمال هذه السبل الضارة "مكبرات الصوت في الأسواق" وأضرارها على صحة الإنسان. بل هي ضارة بالجانب السياحي أيضا، وحتى لايخرج السائح بعد زيارة لها من دون عودة. وللتذيكر لا للتعميم: نجد في المواقع التي هي أحق بالتصوير، كثير من اللافتات التي لا تحتاج لها أساسا. وجود لافتات تتوزع في أماكن ليس لها علاقة بالموقع الأصل. مثلا نجد لافتات كبيرة للدعاية، تقفل الشوارع وتحجب واجهاتها الجميلة (دعايات صلصة، مكرونة، معجون، صابون، إطارات وبطاريات سيارات، ندوات، وفعاليات، وغيره). لافتات تتوزع على إمتداد الكباري: كبري النيل الأبيض أو كبري النيل الأزرق. لافتات تعلق على طول الشوارع الجميلة: شارع النيل، أمام المنتزهات على واجهة جزيرة توتي. نجد لافتات لا تتناسق حجما أو تتلائم شكلا مع ما يوجد خلفها من مرافق أو بنايات أو مزارع. مثالا لتلك اللافتات التي تخفي المساجد القديمة أو الكنائس العريقة بأكملها. على وجه التحديد لافتات كالموجودة أمام جامع فاروق بمعماره الجميل، لتخفي مئذنته الممتدة في الفضاء تماما عن النظر. لقد أتى الوقت لنلقي النظر في تجويد العرض، وهذا حتى يزداد الطلب. لنهتم بالجانب السياحي في البلاد ولنعمل على سبل تطويره والنهوض به. جانب إقتصادي من العيب الإستهانة به أكثر من ذلك، في وقت نحتاج فيه لكل عائد مادي أو دخل أجنبي. فهو الجانب الموجود الذي يعود على المواطن بالخير، وهو معزز ومكرم في وطنه وبمنتوجه المحلي والذاتي. هو الدعاية المباشرة للبلد ولأهله، حتى يبقى للأثنين حسبان وكينونة بين البلدان وأهلها. هو الدعوة المفتوحة للزوار، حتى تحفظ للإنسانه قيمة، ويحتل الأثنين بدورهما مكان في ذاكرة شعوب العالم الزائرة لهم.
الدوم السوداني: بعيدا عن السياسة - ولكن قانونيا: تعتبر الهدايا الغير رمزية، وباهظة الثمن ومن دون مناسبة تذكر أو شفافية، جرم ينضوي تحت مظلة الرشوة والمحسوبية، ويحاسب عليه القانون في كل مكان. هذا الإجراء ينطبق حتى على موظفي المنظات، والدبلوماسيين والزوار والمراقبين والخبراء والمتابعين لأمور السياسة في البلاد. فهناك من يأخذ هديته معه، ويتخذ منها بمكر آلية أو وسيلة ضغط لإثناء الآراء والقرارات. وربما تفجرت من بعدها في مستقبل قريب أو بعيد فضائح على الصعيد المحلي أو العالمي، يكون ضحيتها شخص بعينه أو بلد بأكمله. وهنا قصة ليس لأمر التغزل، بل للتوضيح أكثر: قصة الحسناء الفاتنة ذات الشعر الأشقر والأعين الزرقاء. والتي كانت تحرص على المرور بهذا البلد الفقير لعشرات المرات في العام الواحد. كان الدرب يمررها "للمبالغة" بالبلاد الفقيرة، حتى ولو كانت عائدة من دار صديقتها لدارها. حينها تحمل بالغالي والنفيس من أهل السلطة والجاه الذين نادوا من قبل "لا للسلطة، ولا للجاه"، حتى يغلبها الحمل. كل هذا بسبب التخبط الأعمى في السياسة الخاطئة "سياسة البيع والشراء". وكان الهدف: شراء الذمم - وشراء الأصوات الموالية. ولما سألها بعض الناس الغلابة "المغلوبين على أمرهم فقرا" ذات يوم: عن ماذا تبحثين هنا يا أيتها السيدة الفاتنة في بلادنا الفقيرة هذه، ولماذا يأتي بك الدرب كل مرة بدارنا يا أيتها السيدة الحسناء؟ وكان ردها لهم - قائلة بجرأة: أنا أحب الدوم السوداني حب شديد. ولمن لا يدري، ما هو شكل هذا الدوم الذي يأتي بالحسناء الفاتنة الجمال من أصقاع العالم، وأي من الدوم تعني؟
إنه الدوم عيار 24 من حلى ومجوهرات ذهبية. والذي كانت تحمل به كل مرة، وبعد كل رحلة من أولياء أمر هذا البلد الفقير "المحروق دم أهله". دوم براق يزين جيدها الجميل، وهي عائدة إلى بلادها. وهنا لا يسعنا كمواطنين إلا وأن نقول: يا سلام على الدوم السوداني، ويا له من دوم يتلألأ لمعانا ويزداد بريقا: ولتذهب الحسناء الفاتنة بذهبها الأصفر، وليبقى لنا دومنا المر "وعاش الفقر".