قضايا تؤثر سلبا وإيجابا على الانتقالية

 


 

 

 

تتعرض الدول التي في طور التغيير من نظام شمولي إلي عملية تحول ديمقراطي لتحديات تستمر فترة من الزمن، تعتمد علي قدرة القيادات في إدارة عملية التغيير، و تبرز التحديات نتيجة لعوامل عديدة، أولها أن القوى المحافظة في المجتمع تقف بصلابة حتى لا يحدث التغيير، و ثانيا الفئات التي ارتبطت مصالحها بالنظام السابق تقاتل من أجل أن لا يحدث التغيير بالطريقة التي تتعرض فيها مصالحة لهزة أو للضياع، و ثالثا عندما تكون قدرات و خبرات القيادات التي جاءت بعد سقوط النظام متواضعة، و تعجز عن إدارة الأزمة، رابعا عندما تختلف أجندة بعض القيادات مع الأهداف التي قامت من أجلها الثورة، و خامسا غياب المشروع الوطني الذي يلتف حوله الناس، سادسا عندما تتعدد المصالح و الرغبات و خاصة للأحزاب أو الأفراد.إلي جانب العديد من الأسباب الأخرى. رغم أن الشعب كان قد توحد في الهدف و الشعار " تسقط بس" الأمر الذي زلزل الأرض تحت أقدام سلطة الإنقاذ، ثم جاءت الأحزاب لكي تقول أنها قد توحدت رؤيتها، فكان النصر. و لكن بعد النصر تفرقت الشعارات، حيث كل قوى سياسية أرادت أن تمرر أجندتها الخاصة، و خلقت لها طوابير من الهتيفة لتحقيق أهداف ليس لها علاقة بالوطن، بل تخدم مصالح ضيقة جدا، الأمر الذي أدي لاختلالات في مسيرة العمل السياسي، و جعل الوضع أكثر تدهورا مما كان عليه آواخر حكم الإنقاذ. لذلك نجد أن هناك ثلاثة قضايا هي صنعت الواقع، و ربما أيضا تساهم في إصلاحه.

القضية الأولي:- السلام جاء الأختلاف حول الجهة التي يجب أن تكون مسؤولة عن ملف السلام، ثم الاعتراض علي تكوين اللجنة العليا للسلام، باعتبار غير منصوص عليها في الوثيقة الدستورية، و لكن الحاضنة السياسية أختلفت فيما بينها، البعض أيد مفاوضات السلام التي كانت جارية في جوبا، و البعض الأخر نقدها باعتبار إنها غير محكومة بإستراتيجية واضحة، لكن البعض نظر إلي نتيجة البعد المستقبلي لعملية التفاوض، و يفترض أنها سوف تحدث تغييرا في المعادلة السياسية، الأمر الذي سوف يؤثر علي مصالح بعض الأحزاب، و عندما تم توقيع اتفاق السلام بالأحرف الأولي، كان لابد أن تظهر تلك التخوفات بشكل واضح، لذلك جاء الإسراع لتوقيع اتفاقات مع الحلو في أديس أبابا لإثارة قضية " علاقة الدين بالدولة" كقضية مفصلية، رغم أن جميع الموقيعين علي الاتفاق يعلمون أن القضية من أختصاص المؤتمر الدستور، لكن الهدف كان تذكير الناس أن السلام لم يكتمل بعد، و تحفه المكاره، و كان المنظور؛ أن يعتبروها خطوة ضرورية لفتح باب للسلام، و تتبعها خطوات أخرى، حتى لا يفسدوا للناس احتفائهم بهذا الحدث، حتى إذا كانت هناك نواقص. و فعلت خيرا الجبهة الثورية أن ترسل وفدا كبيرا إلي الخرطوم مكون من عدة لجان بهدف إدارة حوار عن السلام و مارميه في منابر مختلفة و ياليت أن تقيم ندوات جماهيرية تعيد للثورة طعمها الأول. و اللقاء الصحفي الذي تم في "وكالة السودان للأنباء" تحدث فيه الجميع بإجابية و كانت كلماتهم متفائلة. و استطاع رئيس الوفد ياسر عرمان أن يقدم ملامح لمشروع سياسي ينقل الحوار لمربعات متقدمة. و يعيد الناس إلي الوثيقة الدستورية التي يجب أن تؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، و شروطها تختلف تأسيسها، تخالف الخطاب السياسي السائد الآن، باعتبار أن الوثيقة الدستورية تعتبر مساومة سياسية يجب الحفاظ عليها لكي تنجح الفترة الانتقالية.
القضية الثانية:- التدهور المستمر للجنيه السوداني و فشل الحكومة في إقاف هذا التدهور، لأن تدهور الجنيه سوف يزيد من معاناة 95% من الشعب السوداني، الذين عجزوا عن ملاحقة الغلاء، و الأسعار التي تزيدا يوميا، حيث غابت الرؤية الاقتصادية، و كل يحاول أن يجتهد دون الأخرين. بالأمس خرج المهندس البعثي عادل خلف الله عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية و التغيير بتصريح: قال " في مقابلة صحفية لجريدة "الجريدة" أن الحكومة قد وافقت علي تغيير العملة، رغم أن التصريح كان يجب أن يخرج من الحكومة، إذا كانت بالفعل قد وافقت علي تغيير العملة. و مثل هذا التصريح يبين أن خلف الله ليس لديه دراية كافية بالقضايا الاقتصادية، و حتى نظرته السياسية فيها خلالا، و كما جاء في تصريحه أن90% من العملة خارج دورة النظام المصرفي، مثل هذا التصريح يؤدي لمزيد من تدهور قيمة الجنيه، لأن الذين يملكون العملة سوف يلجأون إلي شراء العملات الصعبة من السوق بأي سعر ألأمر الذي يجعل العملة في حالة موت سريري. تغيير العملة من القضايا الإستراتيجية، و يجب أن تعلن عنها الحكومة بعد أن تتم طباعة العملة الجديدة، و تفاجيء الناس بعملية التغيير، حتى لا يكون هناك خيار غير التغيير، أو تموت العملة في يد مالكها، حتى لا تحدث انعكاسات سالبة في العملية الاقتصادية. هذا يقودنا أيضا لفشل وزارة التربية و التعليم في طباعة الكتاب المدرسي، و العديد من التصريحات التي أطلقتها القيادات الجديدة، مثل هذه التصريحات و اليوتوبيات التي لا تتلاءم مع الواقع، و تبين أن القيادات لم تقرأ الواقع قراءة صحيحة، و لم يكن لديها دراية بالحالة الاقتصادية، تكون انعكاساتها سالبة في المنظور السياسي. و تبرير الإخفاقات و العجز بأنه يرجع للدولة العميقة. هذه شماعة أصبحت غير مقنعة. حكومة في يدها السلطة و القرار تستطيع أن تتخذ من الأجراءات ما ينجح الفترة الانتقالية. فكيف تشتكي للشارع بأنها عاجزة عن أداء مهامها بسبب الدولة العميقة. أن القيادات التي جاءت للسلطة الانتقالية ليست بمستوى الطموح، و لا بمستوى أمال الشعب في تغيير حياته للأفضل، لا من حيث الخيال الذي يساعدها علي تقديم مبادرات وطنية يلتف حولها الناس، و لا من حيث معرفة جيدة بقضايا الحكم، و يرجع ذلك للسبب الثالث.
القضية الثالثة:- اللقاء الصحفي الذي أجراه شوقي عبد العظيم مع كبير مستشاري رئيس الوزراء الشيخ خضر. اللقاء من طريقة إلقاء الأسئلة الأولي، كان الهدف منه أن يقدم خضر نفسه للناس، باعتباره رجل مناضل دخل السجن من أجل التغيير، ثم يفند الحديث الذي نشر عن شلة المزرعة، و بأنه ليس عراب النظام، لكن الرجل عجز أن يسوق اللقاء لصالحه، و كما يقول المثل السوداني " جاء يكحلها عماها" الرجل أكد من خلال اللقاء بالفعل هناك مجموعة هي التي يقع عليها عبء إدارة الحكومة، و تمارس صلاحيات أكبر من ختصاصها و تمارس أختصاصات الوزراء وأيضا رئيس الحكومة. يقول الشيخ خضر في اللقاء كان هو الوسيط بين الحرية و التغيير و رئيس الوزراء، و يعود ذلك للعلاقة التي تربطه بالرجل منذ الدراسة لإربعين عاما، و الوساطة الهدف منها إقناعه بأن يتولى المنصب. و يضيف خضر بعد قبول حمدوك المنصب، و بعد عملية الاستقبال كنا مجموعة صغيرة حوله هي التي رتبت له السكن و حتى تأمين الحماية له. معنى ذلك لهذه الأعمال الجليلة التي قامت بها المجموعة، تم اختيار عبد الله ديدان ليكون مديرا لمكتب رئيس الوزراء، ثم تم اختيار سكرتيرة و مدير للإعلام من ذات الشلة الصغيرة، و عندما كانت الحاجة إلي شخص يفهم في العمل الإداري و المكاتبات الديوانية، تم تعين الشيخ خضر عراب الشلة، لماذا تم اختياره يقول " لأنني أقرب الناس إليه" هنا يتحدث الشيخ أن هناك مجموعة صغير حول الرئيس. و سمتها الوسائط " شلة المزرعة" لكن الشلة اوسع من حديث الشيخ خضر، حيث تكتمل دائرتها بحديث صلاح مناع " لقناة الهلال" عندما قال قد اجتمع معنا صلاح قوش رئيس جهاز الأمن و المخابرات في أديس أبابا و كان الاجتماع يضم " مناع و حمدوك و محمد إبراهيم موي" هذا الاجتماع يؤكد أن حمدوك كانت له علائق أخرى تضم موي و أخرين، و الشلة التي لم يتحدث عنها الشيخ خضر هي التي وراء تسويق حمدوك لرئاسة الوزراء، و هي ذات الشلة التي كانت وراءها مؤتمر جامعة الخرطوم الذي فشل " و كانت تسمي نفسها رجال الأعمال" و هي التي دعمت مؤتمر جامعة الخرطوم. و عندما تم تعين الوزراء تم ترشيح مدني عباس مدني من قبل قوى الحرية و التغيير لكي يتولى وزارة شؤون مجلس الوزراء، لكن حمدوك استبدله و تم تعينه في وزارة الصناعة و التجارة، و هي أيضا تشير لتدخل الشلة، لأنها تريد شخص غير بعيد عنها و يخدم مصالحها، و هي تستند في ذلك علي قوى فاعلة في الجهاز التنفيذي. و عندما تم ابعاد عدد من الوزراء، كان هناك تساؤل مشروع ملأ الوسائط الاجتماعية، لماذا لم يتم إبعاد وزير الصناعة و التجارة، رغم إخفاقه الواضح؟ لأن الشلة لا تريد أبعاده.
يقول الشيخ خضر عن مؤهلاته أنه خدم 12 سنة في الخدمة المدنية في وزارة المالية، و أي شخص عمل في الحكومة يعرف أن 12 سنة بأنه لم يتجاوز المجموعة الخامسة في أفضل اداء، و هي درجة لقيادات وسطية، فهل قيادة دولة تكون بمؤهلات لا تتجاوز الدرجة الخامسة في الخدمة المدنية، أم جاء التعين لعلاقة " صحوبية" امتدت لاربعين عاما. كيف يكون شخص مؤهله متواضع في الخدمة المدنية أن يصبح كبير مستشاري رئيس الوزراء، و يجادل في المالية و الطاقة و الصناعة و الإعلام و الخارجية و الصحة وغيرها. قال خضر أن كل القرارات قد أتخذت داخل المجلس؟ هناك قرارات ليس لها علاقة بمجلس الوزراء، مثل التعين في الخدمة المدنية، و معلوم أن الدرجة الثالثة و ما فوق هي من صلاحيات رئيس الوزراء، لكن بعد إفاء شروط قانون الخدمة المدنية. و قال نظام الإنقاذ قد أضعف الخدمة المدنية بسبب إقالة المؤهلين و تقديم آهل الولاء. إذا كان هذا الاسلوب مضرا لماذا تفعله مجموعتك الآن، و تفضلوا آهل الصداقة و الصحوبية. كانت قحت ترسل الترشيحات و أنتم تختارون الشخص، ثم تعينون جميع شاغلي الوظائف القيادية في الوزارة و تتحكمون علي الوزارة من خلال هؤلاء المعينين، و بالتالي لا يستطيع الوزير يتحرك دون أمرتكم، الأمر الذي أدي لصراع داخل الخدمة المدنية ليس من عناصر الدولة العميقة، بل من الذين يعملون في الوزارة و ليس لهم أي علاقة بالنظام السابق بل ظلمهم و أنتم الآن تظلمونهم مرة أخرى، كان الاعتقاد بعد الثورة تصحح المعايير و تغيب معاير الولاء، و تطبق شروط الخدمة المدنية بهدف العدالة، لكن الشخ خضر و مجموعته فضلوا إرضاء علاقات الصداقة، و التي وافق عليها رئيس الوزراء و تعامل بموجبها.
و يقول الشيخ خضر كبير مستشاري رئيس الوزراء، "أن رئيس الوزراء رجل متفائل بطبيعته و لديه رؤية تنموية متكاملة تتناسب مع ظروف و فرص السودان" رئيس الوزراء مكث سنة كاملة في السلطة، جديرة أن تظهر هذه الرؤية للناس و الاقتصاد في حالة انهيار حيث تعاني الجماهير، و حتى الآن لم نرى أثرا لهذه الرؤية، و حتى الحزم الخمسة التي أعلنها رئيس الوزراء لم تخرج حتى لكي يدار حوارا حولها. فالشيخ خضر بين لماذا عاجزة الحكومة أن تؤدي دورها بفاعلية. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء