نشر في سودانايل بتاريخ: 26 نيسان/أبريل 2016 الزيارات: 6958
تتعدد انواع الخيانة والمعني واحد ، وهو "عدم الوفاء بالعهود" او عدم الوفاء بتأدية الامانة التي حملها الشخص . خيانة الزوجين لبعضهما البعض عدم وفاء بالعهد ، وعدم توصيل امانة مالية للجهة المرسلة اليها كذلك. كما أن عدم اداء الواجب بالصورة المتفق عليها بين المسئول والدولة هو ايضا عدم أو خيانة امانة ، وتدخل في ذلك المحسوبية (علي المستوي الشخصي) في تفضيل شخص او اشخاص علي آخرين في تولي الوظائف العامة بسبب القربي او الحزب أو الدناءة (مثلما تتعرض له الفتيات اللاتي تجبرهن الظروف). كل ذلك عدم امانة حتي قبل ان يتحول ذلك الي سلوك أو سياسة عليا فيما اصطلح علي تسميته بالتمكين. الفرنجة يطلقون علي مثل هذا النمط من السلوك خيانة ثقة (Betrayal of trust) . استرعي انتباهي منذ مدة في حوارات الصحف مع وزراء الانقاذ ، حكاويهم عن كيفية انضمامهم الي الحركة الاسلامية أو "الاخوان المسلمين" كما كان الاسم السائد حينها. وفي كل تلك الحوارات –الا فيما ندر- يذكر المتحدث "او يبوح" بان الذي جنده للتنظيم هو استاذ فلان في المرحلة المتوسطة أو الثانوية (المدرسة المتوسطة -كما في العهد المايوي- او المدرسة الوسطي ،كما كانت قبل مايو، هي فصول خامسة الي ثامنة من مرحلة الاساس الحالية). والمراحل المذكورة هي التي تتشكل فيها شخصية الطفل إذ تشمل أهم سنوات العمر11-14 و 15-18 وهي سنوات التكوين. وقد كان المعروف لدي الكافة أن التنظيمات العقائدية (الشيوعيين والاخوان اساسا) تقوم بتجنيد طلاب المدارس بواسطة منسوبيها من المعلمين ، وهو –للغرابة- شئ لم يجد الاستنكار من المجتمع ، أو صفوته من المتعلمين ، بحكم أن ذلك ليس من حق المعلمين او من صميم واجباتهم ،وفيه تعدي واضح علي حقوق الاطفال واسرهم الذين تقع عليهم مسئولية تربيتهم العقائدية. وبالمثل لم ينتبه الي ذلك ايضا الجزء الاكبر من المجتمع (بما في ذلك البيوتات الدينية الكبيرة مثل الانصار والختمية وبقية الطرق الصوفية)، وهو الخاسر الاكبر من ذلك التجريف. إن الشيوعية في السودان قد أفل نجمها منذ زمن وبدأ انحسار مدها، واليسار عموما، منذ انقلاب هاشم العطا في 1971وضرب الحزب الشيوعي الذي كتب عنه الصحفي اللبناني فؤاد مطر كتابه "الحزب الشيوعي: نحروه ام انتحر" ، وانتهاء بسقوط حائط برلين 1990 علي المستوي العالمي. ولذلك سيكون تركيزي علي تنظيم الاخوان المسلمين "بمسمياته المختلفة" لتناميه المنتظم ونجاحه في بناء قاعدة أساسها الكوادر المتعلمة التي استثمر فيها جهده وماله بدءا بعمل منتسبه من المعلمين في تجنيد الطلاب. من المسموع ،أو المتداول ،أن تنظيم الاخوان المسلمين ،ومن اجل بناء قاعدته الحزبية، كان يشجع منسوبيه علي الذهاب كمعلمين ،خاصة للاماكن النائية ،ويتم تكليفهم بمهام تجنيد الطلاب، مع وعود بالانتداب للعمل في دول الخليج (قبل غيرهم) ،خاصة بعدما تبوأ عدد كبير من اعضاء التنظيم مناصب قيادية في وزارة التربية والتعليم ، أو عن طريق القنوات الحزبية الاخري. ووفقا لافادات موثوق بها فقد تم ،علي سبيل المثال ،تسهيل انتداب المعلمين المنظَّمين لليمن، بسبب انتماء مديري المعاهد والمراكز التعليمية في اليمن للحركة الاسلامية ،إذ كانوا يطلبون ممن يثقون فيهم ترشيح اشخاص لهم فيستجيب التنظيم بترشيح منسوبيه لتلك الوظائف، وكذا الحال بالنسبة للسعودية إذ كان المندوبين من السعودية ،لاغراض الاختيار واجراء المعاينات للمعلمين ، يكون أغلبهم من الاسلاميين فيطلبون هم ويقوم التنظيم بالترشيح ،وهوما ساعد علي بناء التنظيم وتعظيم موارده المالية. هذا غير تسهيل العمل في المنظمات الاسلامية الوليدة الذي كانت حكرا عليهم ومؤخرا الشركات والمصارف والمؤسسات الاسلامية. تتم عملية التجنيد في الغالب بواسطة المعلمين ،بداية بدعوة التلاميذ لأداء الصلاة بصورة إجبارية، باعتبارهم آباء لهؤلاء التلاميذ ومن حقهم تقويم سلوكهم الديني، وعن طريق الاشراف علي الجمعيات المدرسية والداخليات والمسجد، ثم تبدأ الدروس الدينية اليومية بتركيز علي أفكار الامام حسن البنا ووصاياه وكتبه التربوية مثل كتاب "طريق الجنة" كما ذكر مؤخرا الشيخ حسن ابو سبيب في حوار له مع جريدة "الصيحة" السودانية (أعيد نشره في صحيفة الراكوبة الالكترونية بتاريخ 16 سبتمبر 2015) وفيه يقول "وفي السنة الرابعة بالمعهد العلمي سنة 1949 تم تجنيدنا بواسطة الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد في منزلهم بحي الدومة بأم درمان، .....وتم تجنيدي مع محمد الزمزمي وحامد عمر الإمام ،وكان شيخ صادق يتبع معنا أسلوب حسن البنا الذي يعتمد على الرسائل القصيرة والمبسطة (رسالة النور والشباب) ويقدم لنا محاضرات عن سيد قطب وعبد القادر عودة " .و يقول الاسلامي عمار محمد ادم في مقال له في صحيفة التيار بعنوان "الوطنية ليست جزءا من فكر الاسلاميين اوثقافتهم" ، "يتخيرون فى التجنيد المتفوقين اكاديميا او الملتزمين سلوكيا من الاشخاص المهذبين مثل اولئك الذين يمنحون جائزة الطالب المثالى ويتجنبون (الشفوت والتفاتيح)". كما كانوا يستهدفون أيضا ابناء الاسر الكبيرة أبناء الزعماء . وبالعمل الدؤوب في هذا المجال (التجنيد) –باستغلال عامل الدين- علي مدي سنوات طويلة تمكن التنظيم من بناء قاعدة طلابية كبيرة مكنته من ان يكون القوة الضاربة وسط الطلاب وتمكن من كسب حتي اتحادات الطلاب السودانيين في دول مثل مصر وبعض دول المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الاخري-كما كانت تسمي)، لكن تلك قصة أخري. القصة الاساسية هنا هي مشروعية دخول تنظيم عقائدي للتجنيد من باب الاطفال وسرقتهم/ضمهم الي مشروعه في ذلك العمر الغض ودون علم اولياء امورهم. إن الاسر تقوم بارسال ابنائها وبناتها للمدرسة ليتلقوا العلم ومبادئ السلوك القويم وليتشربوا قيم مجتمعهم وموروثاتهم الثقافية والتاريخية التي صهرتهم وساهمت في تفردهم فاصبحوا سودانيين مثلا اوتنزانيين او فرنسيين أو غير ذلك، ولا ترسلهم لمدارس كادر لتتم ادلجتهم وصبهم في قالب ديني او سياسي معين قد لا يتفق ورغبة اسرهم. كذلك فإن للطفل حقوق طورتها ووافقت عليها كل الدول ،تحت مظلة الامم المتحدة ،وهي حقوق لا يجوز المساس بها ،حفاظا علي مصلحة الطفل. و تأكيدا لعدم التعدي علي حقوق الطفل فقد نصت المادة 14 من "اتفاقية حقوق الطفل" المجازة بواسطة الجمعية العامة للامم المتحدة في العام 1989 علي الاتي: "1. تحترم الدول الاطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين; 2. تحترم الدول الاطراف حقوق وواجبات الوالدين في توجيه الطفل في ممارسة حقه بطريقة تنسجم مع قدرات الطفل المتطورة" . كما نصت المادة 29 من نفس الاتفاقية والخاصة بحقوق الطفل في التعليم علي الاتي" توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجها نحو:(أ) تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها، (ب) تنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمبادئ المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة، (ج) تنمية احترام ذوى الطفل وهويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة، والقيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه الطفل والبلد الذي نشأ فيه في الأصل والحضارات المختلفة عن حضارته". وتنص المادة 7 فى "إعلان حقوق الطفل" الذي اعتمدته الجمعية العامة في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1959 والمعترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ما يلي: "المصلحة العليا للطفل هي التي تشكل المبدأ الاساسي الموجه لتعليم الطفل وتربيته ، وتلك المسئولية تقع في المقام الاول علي والديه". وعليه فإنه ووفقا لمواثيق الامم المتحدة المذكورة اعلاه فإن لا يجوز للمعلم أو الدولة فرض رؤية مختَلَف حولها (حزبية) علي الطفل بغير علم او إذن والديه. وبينما يؤكد "إعلان حقوق الطفل" علي أن مسئولية التربية هي في المقام الاول للوالدين – كما هو معلوم بالضرورة- توجب "اتفاقية حقوق الطفل" علي الدول الموقعة عليها مراعاة حقوقه والتي تشمل تنمية شخصيته واحترام حقوق والديه في توجيهه و تنشئته. وربما لم يخطر علي بال كتاب مسودة تلك الاتفاقية ، أنه يمكن للافراد المؤتمنين علي الاطفال أن يحنثو بعهدهم ، وان يستغل بعضهم (مدعوما بحزبه) وجوده كمربي ليقوم "بتجنيد" الاطفال لآرائه هو والتي قد لا تتفق وآراء ذويهم. ولو خطر ببالهم ذلك لنصُّوا علي تجريمه. وقد نبَّه الي هذا ايضا كلا من الدكتور النور حمد والاستاذ خلف الله عبود في كتابهما(حكومة الانقاذ وادلجة التعليم 2012 :23) بقولهما " إن الدولة لايحق لها أن تتغول او تصادر حقوق الاسر في تربية و تشكيل عقيدة ابنائها لان المسلمين انفسهم لا يتبعون مذهبا واحدا ، كما أن المفاهيم الدينية تتعارض تماما بين طالب ينتمي الي اسرة صوفية مثلا وطالب ينتمي الي اسرة وهابية ،....هذا غير ان الاسرة شرعا ودينا واخلاقا وعرفا وقانونا هي ولية امر ابنائها". والنتيجة الطبيعية لمثل هذا التدخل في صياغة عقل الطفل في هذا العمر هي تشويش علي الطفل وزعزعة عقيدته ووضعه بين شد وجذب و شكوك في عقائد اسرته وممارستاها الدينية مما قد يفقده احترام والديه ويغير في نظرته اليهما. فكيف يوفق بين هذا وقوله تعالي" وقضي ربك الا تعبدوا الا إياه وبالوالدين احسانا ، فإما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغير"(الاسراء 23-24). بناء علي ماسبق ، خاصة من أن المسلمين انفسهم لايتبعون مذهبا واحدا ، فما هي سمات هذا التنظيم (الحركة الاسلامية/الاخوان المسلمين سابقا)؟ وهل يتوافق مع القناعات الدينية لأسر هؤلاء الاطفال؟ تشير الادلة المتوفرة الي أن تنظيم "الاخوان المسلمين" لا يولي فكرة الوطن كبير اعتبار. ففي حوار مع القيادي الاسلامي مبارك الكودة- (التيار 9/8/2015) يقول "لقد ربتنا الحركة الاسلامية واخضعتنا لدراسات كثيفة لم يكن للوطن نصيب منها، فالاخ المسلم يرتبط باخيه المسلم في أي بقعة من الارض- ربما يكون اكثر من اخيه غير المسلم في الوطن". ويؤكد علي ذلك اسلامي أخر هو الاستاذ عمار محمد ادم في مقاله سالف الذكر، يقول "كل الاناشيد كل الكتب كل المحاضرات تتحدث عن المسلمين فى العالم ، سيد قطب يقول عقيدة المسلم جنسيته، وكذا في كتابات ابو الاعلى المودودى او ابو الحسن الندوى ...لاقيمة للرموز الوطنية فى فكرهم (الاسلاميين) اوحتى للتاكا او الاماتونج اوجبل مرة او المهدية اوسنار ". و يؤكد ذلك ايضا ما جاء علي لسان مرشد الاخوان في مصر محمد مهدي عاكف الذي نقل عنه أنه قال "طُز في مصر" في حوار له مع احدي الصحف المصرية في حوالي عام 2009. ورغم أننا كسودانيين لا نستنكر–للاسف- قول "يلعن ابو دي بلد" أو " ابو السودان" ، لكن و حسب ما اعلم لا يمكن أن تسمع مصريا يسب مصر، فما بالك برئيس حزب مصري يفعل ذلك،. وقد ذهل المصريون من ذلك الاستخفاف بمصر ، إذ كيف يمكن أن تكون مصر لا اسبقية لها في اجندة الاخوان بتلك الدرجة. تشمل حقوق الطفل كما رأينا في المواد اعلاه ، بالاضافة الي احترام اسرته ، تنمية القيم الوطنية لبلده والبلد الذي يعيش فيه إذا اختلف عن وطنه الام. فكيف إذا تم تجنيده لتنظيم يقوم باقناعة بافكار تختلف مع قناعات والديه وهو ما يشكِّل بذرة خلاف مع اقرب الاقربين كما اشرنا اليه اعلاه. تنظيم لا يزرع فيه حب الوطن وهو اوجب واول اهداف التربية الوطنية ناهيك عن نص المادة 29 من حقوق الطفل . تنظيم يستبدل فكرة الوطن - السودان- بحدوده المعروفة ، بأولوية الانتماء الي "الامة الاسلامية" وهو مفهوم اشكالي علي اقل تقدير، لانه بالاضافة الي تشويشه علي الطفل ، ينطوي علي عدم احترام للحدود الدولية المعترف بها ،وهو عين ما يدعو اليه تنظيم داعش حاليا، مما يجعل التلميذ الذي يتشبع بمثل هذا المفهوم قابلا للتجنيد لتنظيمات مثل داعش والتنظيمات الاصولية الاخري. هناك سمة اخري خلافية ايضا. يشير الاستاذ بابكر فيصل بابكر (المختص في شئون الاسلاميين) في مقاله "مُراجعات الكودة : وهو المطلوب" (صحيفة السوداني وسودانايل الالكترونية) بتاريخ 21 أبريل 2016 الي اثنتين من اهم سمات فكر الاخوان وهما نهج الاقصاء واستخدام العنف . وهما ينبعان مباشرة من خاصية عدم احتمال الرأي الاخرفي فكر الاخوان ، لأن الاخير يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة. وكدليل علي استنتاجه ذاك يورد ما جاء في إفتتاحية العدد الأول من مجلة "النذير" لسان حال جماعة الأخوان المسلمين في مصر بقلم والد الإمام المؤسس "حسن البنا" . تقول الافتتاحية " فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد ، وجرِّعوها الدواء بالقوة ، وإن وجدتم في جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوهُ ، أو سرطاناً خطيراً فأزيلوهُ . فكثيرٌ من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقرٌ ، وفي عيونهم عمىً). أي أن المجلة الرسمية للتنظيم، وفي أول عدد لها تدعو أعضاء الجماعة (التنظيم) لإستخدام القوة في فرض رسالتهم ،إذا إمتنع الناس عن التجاوب معهم، بما في ذلك القطع والبتر. ولعل في سلوك منسوبي الاتجاه الاسلامي منذ هجومهم علي المسرح في رقصة العجكو في 1968 في جامعة الخرطوم الي السنوات الاخيرة واستخدامهم للعنف في حسم الصراعات السياسية في الجامعات الدليل الكافي علي أن تلك السمة هي من المبادئ الاساسية للتنظيم. أما عن الاعتقاد بامتلاك الحقيقة ،المطلقة فإن فكرة التمكين التي سادت منذ استيلاء الجبهة الاسلامية علي الحكم هي المثال الحي للاعتقاد الراسخ بأن اعضاء التنظيم هم (الوحيدون) علي صحيح الدين ،وأنهم يقفون علي منصة اخلاقية اعلي من غيرهم ،وبالتالي فتمكينهم هو تمكين للدين. يقول عمار محمد ادم في مقاله سالف الذكر "|إن سيكلوجية الاخ المسلم ليس فيها الاحساس بالاخرين اصلا الا ان يكونوا منهم ، ولا احد منهم مطلقا يفكر فى الناس ، وليست لديهم رؤية فكرية تجاه ذلك ،فهم منغمسون فى ذواتهم ومنشغلون بمجتمعاتهم المغلقة ويجدون مبررا لذلك لان تمكين الدين (المتمثل فيهم) هو الاصل ". ويؤكد الاستاذ بابكر فيصل في مقاله المذكور اعلاه "أن أعضاء الجماعة (كما يرون انفسهم) ليسوا مسلمين عاديين" بل هم طليعة من "الرساليين" الذين امتلكوا "الحقيقة المطلقة" ويعملون على فرضها على "المجتمع الجاهلي". وكترجمة عملية لذلك الاعتقاد فعندما استولي الاخوان/الحركة الاسلامية علي الدولة جعلوا منها ملكا خاصا للحزب وجعلوا من اول اهدافهم إعادة صياغة انسانها وصبه في قالب الحزب بادلجة التعليم ،وتنظيف الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة الاخري من كل من لا ينتسب للتنظيم، واستعمال يد الدولة الباطشة لاحلال شرائح تجارية حزبية جديدة محل الرأسمالية التقليدية القديمة، ثم أحتكار الاعلام وتوظيفه لتغبيش الوعي بطمس الحقائق وتلوينها بالوان الكذب الزاهية وفق ما يري التنظيم ،لأن كل ذلك يدخل في باب"هي لله". تطورذلك عمليا فيما بعد الي استرخاص منح الجنسية السودانية والجواز السوداني لعدد من أعضاء الجماعات الاسلامية المعارضة في بلدانها دون اي معيار سوي معيار الانتماء الي الحركة الاسلامية مما عزز من حجج وضع السودان كدولة راعية للارهاب ،وجعل من الجواز السوداني مشكلة في السفر لأن حامله مشتبه فيه (كإرهابي محتمل) حتي لو كان طفلا ،كما تسبب في فقدان كثير من فرص العمل للسودانيين لصعوبة حصولهم علي التأشيرة لأي بلد لأن ذلك يعني تعطيل للعمل. إن إهتمام الحركة الاسلامية (بتنظيماتها ومسمياتها المختلفة) بالنظام التعليمي والسيطرة عليه ،والاهتمام بالنشء عموما (أنظر نظام فرق الجوالة الذي ابتدعه الامام حسن البنا وتطور الي مليشيات وتدريبات عسكرية حتي حادث الجيب في المقطم في نهاية الاربعينات) هو اهتمام استراتيجي طبًّقته الحركة في كل الدول التي استهدفت وجودا فاعلا فيها، لأن التعليم ،كما هو معلوم، اهم اضلاع السيطرة الثلاث علي المجتمع والسياسة، (التعليم والاعلام والمال) . ويؤكد ذلك ما جاء في مقال لزين العابدين صالح عبد القادر في صحيفة الجريدة بتاريخ 30/3/2016 يستعرض فيه كتاب "اختراق التعليم مدخل الاخوان المسلمين للسيطرة علي الخليج" لمؤلفه خالد العبيد المقيم في استراليا بقوله "... الاخوان المسلمون يستهدفون وزارتي التربية والتعليم والاعلام في كل دولة يتواجدون فيها للسيطرة علي عقول الامة وخداع الشباب الصغير عن طريق المشاعر الدينية الفياضة والشعارات البراقة....." . كما يشير الي أن الكتاب قد ذكر بأن الاخوان استطاعوا تركيز تواجدهم في المؤسسات التعليمية والمصرفية في الخليج. نعود الي الموضوع. إن تجنيد الاطفال في هذه السن المبكرة وصياغة عقولهم ،لا يعدو كونه سرقة هؤلاء الاطفال من اسرهم أو سطو علي عقولهم الغضة وتعدي علي حقوقهم مما جميعه. بدأ ذلك بالمعلمين ثم عندما استلم التنظيم الدولة تحول الي تجنيد مؤسسي باليد الثقيلة للسلطة بتغيير المناهج وكل ما يبتع ذلك. وحيث أنه لا يمكن للحكومة السيطرة علي كل شيئ ،وكنتيجة طبيعية لما زُرع منذ سنين ف"الكلام دخل الحوش" أكثر عندما تطور التجنيد من معلمي الاخوان الي المعلمين الدواعش بمفاهيمهم الدخيلة علي اسلام الشعب السوداني الذي دخله الاسلام بواسطة التجار والقوافل والفقرا "ج فقير"، دخله كالهواء العليل وكالماء ينسرب من نبع في هدوء ليروي ظمأ الروح. دخله بالقدوة الحسنة ولم يدخله بحد السيف، اسلام متسامح ،هذب السلوك وشذب العادات في وطنه الجديد بما يتواءم ومقاصده المغروسة في مكارم الاخلاق والمعاملة الحسنة. اسلام الاباء والجدود اسلام حسن حتي يمكن للقائل أن يقول "جئني بمثلهم" . أنظر الي فهم السيد عبدالرحمن المهدي للاسلام في شعار حزب الامة في الاربعينات "الدين لله والوطن للجميع". ينخدع الاباء والامهات بسلوك ابنائهم التلاميذ الديني (المظهري) القويم معتقدين بانهم فقط متدينين. وحين يبدأ هؤلاء في إغلاق التلفزيون وفرض وجهة نظرهم الجديدة علي اخواتهم في المنزل وتكشيرة الوجه حتي تجاه سلوك الاب أولبس الام تفيق الاسرة الي حقيقة انهم في ضفة اخري و أن الاوان قد فات علي النقاش. السؤال الذي لم يتم طرحه وبالتالي لم يجد حظه من الاجابة هو هل استغلال المعلمين للطلاب في ذلك العمر الغض و تجنيدهم أوتلقينهم أراء دينية أو سياسية بعينها يمكن اعتباره نوعا من خيانة الامانة أوالعهد؟ لتكون في الحالة الذهنية الملائمة للإجابة علي هذا السؤال تخيل نفسك أم لأحد هؤلاء الشباب الذين يختفون فجأة. ضع نفسك في مكان ماجدة أو نفيسة أو نور. يخدعك إبنك بالقول بأنه ذاهب إلي صديق وأنه ربما يتأخر ،ثم لا يأتي في وقته المتوقع ولا بعده حتي تأتيك رسالة بأنه في سوريا أو ليبيا أوغيرها. تعيش الساعات والايام والشهور لا تنام ،محروق/محروقة الحشا والفؤاد، ولا تدري أحيٌ هو أم ميت. ويبقي سؤالك من هو الذي استدرجه وجنَّده وزيَّن له هذا ؟ وهل ذهب هو ايضا أم بقي مع اطفالة وارسل ابنك ليموت ؟(أنظر كتاب عبدلله الازرق عن داعش). كل ما سبق يثير أسئلة اساسية أُخري حول سياسات التعليم. هل هي مسئولية دولة الحزب الواحد أم مسئولية المجمتع العريض ، وليس الحزب سوي واحد من مكوناته؟ هل يصح للحزب ، سواء استولي علي السلطة بالقوة الجبرية أو باغلبية مطلقة في انتخابات حرة ونزيهة، أن يقوم بأدلجة التعليم وفق رؤاه الحزبية ، وتجييره لمصلحته أم أن هناك اصحاب مصلحة أخرون يهمهم أمر التعليم ولهم حق اصيل في المشاركة في وضع سياساته والسلَّم التعليمي المصاحب لها؟ لقد آن الاوان لإعادة حكومة الإنقاذ النظر في وضع السياسات التعليمية بمشاركة اكبر عدد من المختصين وممثلي المجتمع المدني لتكون سياسات قومية بحق ولكل السودانيين. في رأي كان تغليب المصالح الشخصية والحزبية الضيِّقة علي المصلحة الوطنية علي طول الزمن هو الديدن وهو ما أوردنا موارد الهلاك هذه وما نحن فيه ، وها نحن نجني ما صنعه قادتنا –الذين لم نشارك في إختيار أغلبهم- في هوسهم بتحقيق تلك المصالح الصغيرة، ضعُف الطالب والمطلوب. صديق امبده 26 ابريل 2016 sumbadda@gmail.com