Sudanese Toponyms Related to Greek Entrepreneurial activity
أنطونيوس شالديوس Antonios Chaldeos عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي مقدمة: هذا عرض وتلخيص لمقال بقلم الدكتور أنطونيوس شاالديوس عن أسماء المواقع السودانية ذات الصلة بنشاط رجال الأعمال اليونانيين (الأغاريق)، تم نشره عام 2017م في العدد الرابع من مجلة Dotawo ، وهي مجلة حديثة نسبيا تُعنى بالدراسات النوبية. ويعمل كاتب المقال الآن باحثا مشاركا بجامعة جوهانسبرج. وكان – بحسب سيرته المبذولة في الشبكة العنكبوتية - قد تخرج ببكالوريوس الهندسة الاليكترونية، ثم أتجه بعد ذلك لدراسة الأنثروبولوجيا الاجتماعية والتاريخ في الجامعة الإيجية (نسبة إلى بحر إيجة) باليونان. وحصل الكاتب أيضا على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا. ومجال تخصص الكاتب هو تاريخ الوجود اليوناني في شمال وشرق أفريقيا (مثل تونس وإثيوبيا)، ودراسة الاقتصاد الاجتماعي للأغاريق في تلك المناطق وتداخلهم مع المجتمعات المحلية، وعملية بناء هويتهم الثقافية والوطنية في مهاجرهم الأفريقية. وللكاتب عدة مقالات وكتيبات عن الجالية اليونانية في السودان وعدد من الدول الإفريقية الأخرى. للمزيد عن تاريخ الأغاريق بالسودان يمكن النظر في مقالات مترجمة منها مقال عن "الأغاريق البزراميط بالسودان الحديث" (1)، ومقال آخر بعنوان "الأغاريق في السودان" (2). ******** ******* ******** استهل الكاتب مقاله بنبذة قصيرة عن استخدام أسماء المواقع (Toponyms) كمصدر من مصادر التاريخ، وعَدَّ ذلك الاستخدام وسيلة ملائمة اخترعها العقل البشري لتعريف موقع مساحة جغرافية معينة، ليس تعريفا جغرافيا فحسب، بل تاريخيا أيضا، حيث يمكن للمرء أن يستعرف (identify) على تأثير الحوادث المهمة والكبيرة التي جرت في المكان المعين، وأن يتبين تفاصيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيه، وما جرى فيها من تغيرات. ثم تناول الكاتب طرفا من التاريخ الطويل والمتنوع للأغاريق في السودان، واستيطانهم به حتى عام 1956م. وأورد شيئا عن مشاركتهم في مختلف أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية. وذكر أن هجرة الأغاريق للسودان تعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر، وكانت مرتبطة بصورة مباشرة بحملة محمد علي باشا التي غزا بها السودان في 1821م.، إذ أن تلك الحملة كانت قد ضمت عددا من المرتزقة الأغاريق (من أصول البانية)، وأغاريق آخرين عملوا مع إسماعيل باشا كضباط ومترجمين وموردين وأطباء. وأسلم بعض هؤلاء لاحقا، مثل الياس بيه (من جزيرة كريت) وعُين حاكما لمديرية التاكا بين عامي 1854 - 1860م. وأسس إسماعيل باشا مدينة الخرطوم، وكان من سكانها الأوائل عدد من التجار المصريين والأغاريق، وبعض المواطنين القادمين من مناطق حول النيل الأزرق. وتوالى بعد ذلك مقدم الأغاريق الذي عملوا في بناء البواخر والمهن الحرفية الأخرى مثل صناعة الأسلحة والخبز وغيرها. وأفتتح أحد هؤلاء الأغاريق أول صيدلية بمدينة الخرطوم، بينما عمل معظمهم منذ عام 1830م في تجارة العاج والجلود وريش النعام، وكانوا أول من قَطَنَ في أرياف السودان من الأوربيين، وكانوا كذلك من أوائل من شاركوا في رحلات نهرية استكشافية جنوب نهر النيل. وسكنت مجموعات من الأغاريق في أم درمان وسواكن، خاصة بعد افتتاح قناة السويس في 1869م. لم يتطرق الكاتب لأوضاع من أُسِرَّ من الأغاريق بعد سقوط الحكم التركي – المصري بالسودان، رغم أن ذلك الجانب قد تناوله بعض كتاب تاريخ المهدية (3)، بل قفز مباشرة إلى العهد الإنجليزي – المصري، وهو عهد تضاعفت فيه أعداد الأغاريق في السودان، وانتشروا في كل مديريات السودان قَاطِبَة، وفي مناطق نائية لم يطأ أرضها قط أي أوروبي من قبل. وكان يحدوا هؤلاء الأغاريق التجار والصناع (وعددهم يفوق خمسة آلاف) الأمل في الاستفادة من الفرص التجارية الجديدة المتاحة في البلاد. وسيطر الكثير منهم على جوانب واسعة في الاقتصاد السوداني، وشكلوا جزءًا مهما من التاريخ السوداني المعاصر، خاصة بين عامي 1956 و1971م. وتناول الكاتب النشاطات الاقتصادية والتجارية للأغاريق في بعض المواقع، واسماء أربعة أماكن محلية صغيرة (microtoponymy) ارتبطت بتللك النشاطات هي: أب روف في أم درمان، وكوستي في ولاية النيل الأبيض، وشارعين في الخرطوم هما شارع كاترينا، وشارع كنت مخليص (Cunt Mukhlis، ويُكتب الاسم أيضا Contomichalos وCuntmichlos). وتوسع الكاتب في تحليل أصل تلك الأسماء، وأسباب بقاء استخدامها في جغرافية ولغة السودانيين. وفي تحليله للصلة (المفترضة) بين "أب روف" والأغاريق، استعرض الكاتب أسباب غزو محمد علي باشا للسودان، والتي كان أهمها استغلال موارد السودان (مثل الذهب والعاج)، والحصول على أعداد كبيرة من "العبيد" ليجندهم في جيشه، وللعمل في الخدمة المنزلية، وفي مجالات البنية التحتية المختلفة، وذلك ضمن مشروعه الذي كان يهدف لتمدين مصر. وكان محمد علي يسعى أيضا للقضاء على بقايا المماليك الذين فروا منه ولجأوا لشمال السودان. وذكر الكاتب أن تجارة الرقيق كانت تجارة رائجة في وادي النيل قبل زمن طويل من القرن التاسع عشر، وكان سلطان دارفور من أهم تجارها، حيث كان المسترقون يُؤْتَى بهم لمصر عبر "طريق الأربعين" الذي يبدأ في الفاشر وكوبي وينتهي في أسيوط، أو عبر النيل لأسواق المسترقين في بعض مدن الشمال، أو لميناء سواكن، ومنه إلى مصر أو الجزيرة العربية. وذكر أيضا أن نجاح محمد علي في السيطرة على السودان (الذي كان يُعده التجار ورجال الأعمال المصريون امتدادا جنوبيا لبلادهم) كان قد جعل من تجارة الرقيق عملا تجاريا مربحا، إذ صار يمارسها ضباط وموظفو الحكم التركي – المصري، إضافة لتجار الرقيق من المصريين والأوربيين. وأشارت بعض التقارير الصادرة عام 1839م إلى أنه بِيعَ أكثر من 200,000 من المسترقين. وصارت تجارة الرقيق هي النشاط التجاري الأهم بجنوب السودان، تليها تجارة العاج والصمغ العربي والأبقار والمعز. وساهم احتلال محمد علي للسودان كذلك في قدوم الأغاريق للعمل به في ميادين التجارة المختلفة. وكان أهم التجار الإغريق بمصر والسودان في أربعينات القرن التاسع عشر هو جورج أفريوف (Averoff) وشقيقه اناستيسويس. وتوسعت تجارة أفريوف (الذي غدا قريبا من خديوي مصر لأسباب ذكرها الكاتب) في تصدير الغلال والقطن والصمغ العربي والعاج من مختلف مدن السودان (خاصة أم درمان والخرطوم وسواكن وكسلا). وبما أن أفريوف كان قد اتخذ من منطقة معينة على شاطئ النيل مركزا لأعماله التجارية ولتصدير بضائعه عبر النيل، أطلق الناس على ذلك المكان "أب روف /ابروف" أو "مرسى / مشرع أب روف". أعتمد الكاتب في زعمه على معلومة من مذكرات الإغريقي نيوكلاس بابادام المحفوظة في أرشيف السودان بجامعة درم البريطانية (SAD 958/5). وبحسب ما ذكره بعض سكان أم درمان للكاتب فقد كان أفريوف قد عمل أيضا لسنوات طويلة في تجارة الرقيق، جمع لنفسه في غضونها ثروة طائلة. وربما كان هو – مع عدد آخر من الأغاريق – يستخدمون المسترقين في كسلا والقضارف في زراعة القطن بتلك المناطق. خلَّصَ الكاتب إلى أن اسم " أفريوف" بقي مستخدما في لغة أهل أم درمان كـ "أب روف" إلى الآن للإشارة إلى ذلك الحي الذي يعد أحد أعرق أحياء أم درمان. وينبغي أن نذكر أن هذا الزعم يخالف ما ورد في مصادر سودانية وأجنبية عديدة نسبت اسم ذلك الحي لشيخ رفاعة (أب روف) الذي كان مناهضا للخليفة عبد الله. وأورد الدكتور عون الشريف قاسم في هذا الشأن في «موسوعة القبائل والانسان في السودان وأشهر اسماء الأعلام «الأماكن» ج 2 طبعة أولى 1996م ص 991 أن: "ابو روف من أحياء أم درمان، مواجه للنيل، سُمي على المرضي ود ابروف، وقيل على الشيخ علي ابراهيم شمو الملقب بأبي روف تيمنا بأبي روف الرفاعي" (4). وأورد روبرت كرامر في كتابه عن تاريخ مدينة أم درمان أن "... ظلت المنطقة تسمى "أب روف" على اسم زعيم قبيلة رفاعة الهوي مرضي أب روف" (5). ذكر الكاتب أن أول وجود معلوم للأغاريق بمديرية النيل الأبيض بدأ في 1867م، حين سكنها ايونس كرازاييس وثيوفانس بيكارس ويونس مايستروس، وعملوا جميعا في تجارة المَطّاط (rubber). وبعد ثلاثين عاما من ذلك التاريخ، استقر حكم البلاد للبريطانيين، وبدأت معه مرحلة جديدة من الوجود الإغريقي في المنطقة. وتناول الكاتب تاريخ "كوستي" القريبة من الدويم عاصمة المديرية، والتي تبعد نحو 205 كيلومتر جنوب الخرطوم، والواقعة على الشاطئ الغربي للنيل الأبيض. وتطرق لأهميتها الكبيرة كنقطة يصلها حجاج غرب أفريقيا بعد عبور النيل الأبيض وهم في طريقهم إلى مكة، وذكر أن مدينة "كوستي" سُميت بذلك الاسم على اسم التاجر الإغريقي كوستاس موركييس (1867 – 1937م)، الذي كان قد قدم للسودان في عام 1899م في رفقة شقيقه. وأقام موركييس له محلا تجاريا بالقرب من النيل كان يغشاه أهالي المنطقة. ومع توسع التجارة في تلك المنطقة بدأ العديد من التجار تدريجيا في إقامة محلاتهم بالقرب من متجر موركييس، وسكنوا حولها. وتحولت بعد سنوات قليلة "مستوطنة كوستاس موركييس" الصغيرة في ذلك المكان المُقْفِر إلى قرية كثيرة السكان. وتقديرا لمساهمة كوستاس موركييس في الاقتصاد المحلي، سمى السودانيون تلك البقعة كوستي، على اسمه الأول (كوستاس). وفي عام 1910م أقام البريطانيون أول جسر على النيل الأبيض تمر عليه قطارات السكة حديد، وافتتحوا في كوستي أول محطة للسكة حديد غرب النيل الأبيض. وبذلك تحولت كوستي إلى مركز كبير لاستقبال البضائع والماشية ونقلها من كردفان ودارفور، والمناطق الشمالية من المديريات الجنوبية (6). ومن مشاهير الأغاريق الذين ظلت أسمائهم باقية في سودان القرن العشرين وسميت بأسمائهم بعض شوارع الخرطوم المهمة ذكر الكاتب شارعي "كاترينا" و"كنت مخليص". والشارع الأول قريب من مطار الخرطوم ويقود إلى "حديقة القرشي"، وقد سمي على السيدة الإغريقية كاترينا كاكو، المولودة في مدينة سواكن عام 1891م. وكان والدها (جورج كاكوس)، المولود بجزيرة ليروس اليونانية، قد هاجر للسودان في القرن التاسع عشر. ولما بلغت كاترينا سن 19 عاما تزوجت من الكساندر بابيدليس، وأنجبت منه ثمانية أطفال، تولى رعاية وتربية معظمهم إخوة كاترينا في بورتسودان. ولقيت كاترينا عسرا شديدا في تربية بقية أطفالها، فصارت تبيع بعض الأشياء القليلة أمام دارها (مثل الفسيخ والفول السوداني والفواكه والفول المطبوخ وغير ذلك) لكسب بعض المال. ووصف الكاتب كاترينا بأنها، رغم فقرها المالي، كانت سيدة بالغة الكرم، فلم تكن تتردد قط في تقديم كل عون ممكن لأي سائل محتاج. وكان بعض السكان الذين يعيشون في حيها كثيرا ما يغشون دارها لتناول وجبة مجانية. وجاء في أحد المقالات الصحفية السودانية أن "كاترينا كانت توزِّع الدموريَّة على الفقراء وتنحر الثيران في جامع الخليفة بأم درمان" (7). وظل اسم "كاترينا" نقطة مرجعية في كل المنطقة التي ظلت فيها حتى توفيت عام 1983م. وسمي الشارع الذي يمر أمام دارها باسمها. واستعرض الكاتب تاريخ حياة كنت مخليص، الذي سُمي باسمه شارع بالخرطوم يتقاطع مع شارعي البلدية والجمهورية. والرجل هو قراسيموس كنت مخليص، المولود في كافلونيا في 1883م، كان قد أتى للسودان بعد إكمال تعليمه للعمل مع عمه ابجليزو كابتوس في التجارة. واستقر قراسيموس في بورتسودان في عام 1907م، ثم استقر به المقام بالخرطوم في عام 1914م، حيث أنشأ الشركة التجارية السودانية في عام 1921م. وأقام له بعد ذلك عددا من الفروع لتلك الشركة في أريتريا ومصر وإثيوبيا ولندن. وشملت أعمال الرجل مجالات متنوعة منها الزراعة والتجارة والمصارف والعقارات وتخليص البضائع وغير ذلك. وكان يمثل في عشرينات وثلاثينيات القرن العشرين أهم شخصية مالية وتجارية في السودان. وكان يرأس الجالية اليونانية بالسودان، ويقدم دوما العون لأفرادها وللسودانيين أيضا، مما جعله ينال عدة أوسمة من الحكومة اليونانية وبعض الكنائس الكبيرة في القدس والإسكندرية. وكرمته بريطانيا لدوره في تنمية وتطوير السودان بمنحه "صليب الإمبراطورية البريطانية الذهبي"، وكرمته مصر بمنحه "قلادة النيل". وتقديرا لدوره في تنمية وتطوير السودان أسمى السودانيون أحد الشوارع في وسط الخرطوم باسمه. وخلص الكاتب إلى أن أعداد الأغاريق الذين استقروا في السودان (وفي بعض الدول الإفريقية) لم يكن كبيرا، إلا أنهم تركوا أثرا ملموسا في المجتمعات المحلية التي عملوا في أوساطها، خاصة في الجوانب الاقتصادية، وغدوا جزءًا من التاريخ المحلي، واندمجوا في ثقافة المجتمعات التي استقروا فيها. وهذا مما لا شك فيه. غير أنه يجب أن نذكر أيضا أنه، بحسب ما ذكره الكاتب اليوناني الكساندروس تاسكوس (1)، فقد كان الأغاريق "كثيرا ما يلعبون دور "الوسيط" بين المواطنين السودانيين والمستعمر البريطاني، واستفادوا كثيرا من هذا الدور، ومن بعض ما جنوه من لعب هذا الدور استفادت المجتمعات المحلية أيضا. وكانت أوضح .... مظاهر هذا الدور في جنوب السودان". وينبغي أن نذكر أيضا أن بعض الإداريين البريطانيين لم يكن يكنون كثيرا من الود أو الاحترام للأغاريق بالسودان، بل كان بعض هؤلاء الاداريين يصفونهم بأنهم "عرب بيض"، ولم يكن ذلك بالطبع من باب الإشادة. ****** ********** ***********
إحالات مرجعية 1.مقال: "الأغاريق البزراميط في السودان الحديث" بقلم الكساندروس تاسكوس http://www.sudanile.com/5911 http://www.sudanile.com/773372. مقال: الأغاريق في السودان" بقلم دين كلمنيون 3. انظر مثلا لمقال مترجم بعنوان "الإغريقي نيكولاس الذي أحب الخليفة" بقلم جراسيموسماكرس http://www.sudanile.com/74534 4. انظر في هذا الرابط (https://www.sudaress.com/alsahafa/1751) لمقال نشر في جريدة الصحافة يوم 27 فبراير عام 2010م بعنوان "حي أبي روف": مداخل وملامح ودلالات" لم أعثر على اسم كاتبه. 5. كرامر، روبرت. كتاب "مدينة مقدسة على النيل: أم درمان في سنوات المهدية". ترجمة بدر الدين حامد الهاشمي. دار المصورات للنشر.2018م. 6. للمزيد عن تاريخ مدينة كوستي يمكن الاطلاع على مقال نصر الدين شلقامي المعنون " كوستي القصة والتاريخ" في هذا الرابط: http://kostiwn.blogspot.com/2017/04/blog-post_23.html 7. مقال بقلم رشا عبد الله عنوانه "عائلة كاترينا: سودانيون من أصل يوناني". https://www.sudaress.com/alintibaha/35327